موسوعة الفرق

المطلَبُ الثَّاني: عَمرُو بنُ عُبَيدٍ


عَمرُو بنُ عُبَيدِ بنِ بابٍ هو الشَّخصيَّةُ الثَّانيةُ في المُعتَزِلةِ، وقد حظِيَ باهتِمامٍ كبيرٍ في التَّراجِمِ والتَّأريخِ، وقد كان مُعاصِرًا لواصِلِ بنِ عطاءٍ، وقريبًا منه.
مولِدُه:
وُلِد سنةَ (80هـ) [166] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (14/64)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (3/460). ، وهو مولًى لبني تميمٍ [167] يُنظر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (9/ 272)، ((الجرح والتعديل)) لأبي حاتم الرازي (6/246). ، وهو مِن أبناءِ فارِسَ [168] يُنظر: ((التاريخ الكبير)) للبخاري (6/ 352). .
كان نسَّاجًا، ثُمَّ تحوَّل شُرطيًّا للحَجَّاجِ [169] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للبغدادي (14/ 63)، ((المعرفة والتاريخ)) للفَسَوي (3/365). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (عَمرُو بنُ عُبَيدِ بنِ ثوبانَ -ويُقالُ: ابنُ كَيسانَ- التَّميميُّ، مولاهم، أبو عُثمانَ البَصريُّ، مِن أبناءِ فارِسَ، شيخُ القَدَريَّةِ والمُعتَزِلةِ) [170] ((البداية والنهاية)) (13/343). .
وقد قيل لعُبَيدِ بنِ بابٍ أبي عَمرِو بنِ عُبَيدٍ، وكان مِن حَرسِ السِّجنِ: إنَّ ابنَك يختلِفُ إلى الحَسنِ، ولعلَّه أن يكونَ، قال: وأيُّ خيرٍ يكونُ مِن ابني، وقد أصبْتُ أمَّه مِن غُلولٍ، وأنا أبوه؟ [171] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للبغدادي (14/ 74)، ((وفيات الأعيان)) لابن خَلِّكان (3/460). .
طَلبُه العِلمَ:
كان عَمرٌو يختلِفُ إلى مجلِسِ الحَسنِ البَصريِّ في سنٍّ مُبكِّرةٍ، ولعلَّ هذا المجلِسَ كان له أثرُه في نشأتِه العِلميَّةِ فيما بَعدُ، ولكنَّه كان يأخُذُ مِن مشارِبَ شتَّى، خلطَت عليه ذلك الخيرَ الذي كان يتلقَّاه في مجلِسِ الحَسنِ البَصريِّ؛ حيثُ كان يُصاحِبُ واصِلَ بنَ عطاءٍ إلى مجالِسِ الثَّنَويَّةِ والمجوسِ.
ولم يزعُمْ أحدٌ أنَّ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ تلقَّى العِلمَ مِن آلِ البَيتِ الهاشِميِّ، إلَّا ما ردَّده بعضُ المُعتَزِلةِ كالزَّمخشَريِّ وابنِ المُرتَضى، وقد نقلوا في ذلك قولًا عن شَبيبِ بنِ شَبَّةَ: (ما رأَيتُ مِن غِلمانِ ابنِ الحَنفيَّةِ أكمَلَ مِن عَمرِو بنِ عُبَيدٍ)، فقيل له: متى اختلَف عَمرُو بنُ عُبَيدٍ إلى ابنِ الحَنفيَّةِ؟ فقال: (إنَّ عَمرًا غلامُ واصِلٍ، وواصِلٌ غلامُ مُحمَّدٍ) [172] يُنظر: ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (4/ 31)، ((المُنْية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 23). . وقد سبَق بيانُ تهافُتِ هذا الزَّعمِ؛ فابنُ الحَنفيَّةِ تُوفِّي بَعدَ ميلادِ واصِلٍ بسنةٍ واحِدةٍ، ثُمَّ إنَّ عَمرًا قرينُ واصِلٍ في العُمرِ، فكيف يكونُ غلامَه؟! كما أنَّ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ لم يتقابَلْ معَ ابنِ الحَنفيَّةِ إطلاقًا [173] يُنظر: ((نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام)) للنشار (1/400). ، ولكن مَن الذي كان له الأثرُ الأكبَرُ في الآخَرِ: هل هو واصِلٌ، أم عَمرُو بنُ عُبَيدٍ؟ لقد كان الاثنانِ مِن رُوَّادِ حَلْقةِ الحَسنِ البَصريِّ، وكان واصِلٌ يمتازُ بالصَّمتِ الطَّويلِ، حتَّى نطَق ببِدعتِه الممقوتةِ في المنزِلةِ بَينَ المنزِلتَينِ [174] يُنظر: ((العقيدة الإسلامية وجهود السلف في تقريرها)) للمعايطة (ص: 639). ، ويرى الخطيبُ البغداديُّ أنَّ واصِلًا كان له الأثرُ الأكبَرُ على عَمرِو بنِ عُبَيدٍ، فقال: (كان عَمرٌو يسكنُ البَصرةَ، وجالَس الحَسنَ البَصريَّ، وحفِظ عنه، واشتَهر بصُحبتِه، ثُمَّ ‌أزاله ‌واصِلُ ‌بنُ ‌عطاءٍ عن مذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ، فقال بالقَدَرِ، ودعا إليه، واعتزَل أصحابَ الحَسنِ) [175] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) (14/63). .
ولعلَّ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ عندَما تمكَّنَت منه شُبَهُ واصِلٍ كان يذهَبُ إلى الحَسنِ، ويقولُ له برأيِه؛ فعن إسماعيلَ بنِ مَسلَمةَ بنِ مُعتِبِ بنِ مُغيثٍ أبي عبدِ اللهِ الخُراسانيِّ، قال: (كان لعَمرِو بنِ عُبَيدٍ مِن الحَسنِ منزِلةٌ، فلمَّا بان له ما بان أتى إلى الحَسنِ فكلَّمه فيما بَينَه وبَينَه، فقال الحَسنُ: لا، ثُمَّ عاوَده ثانيةً، فقال الحَسنُ: لا، ولا كرامةَ، قال: فلمَّا ولَّى عَمرٌو قال الحَسنُ: واللهِ، لا يُفلِحُ أبدًا) [176] يُنظر: ((الضعفاء الكبير)) للعقيلي (3/283). .
ولا شكَّ أنَّ عَمرًا قد اختطَّ طريقًا يُخالِفُ طريقَ الحَسنِ البَصريِّ، وكان الحَسنُ له توسُّمٌ في الرِّجالِ؛ فقد كان يلمَحُ مِن عَمرٍو رغبةً في الإحداثِ والابتِداعِ، ولكن على أيِّ أساسٍ كان هذا؟ هل كان يسألُ عن القَدَرِ، ويُجادِلُ فيه، أم كان يُثيرُ مِن المسائِلِ ما يبدو أنَّها ستُؤسِّسُ بِدعةً ضالَّةً؟ فقد قال الفَسَويُّ: (رأى الحَسنُ أيُّوبَ السَّختيانيَّ، فقال: هذا سيِّدُ شبابِ أهلِ البَصرةِ، قال: ورأى عَمرَو بنَ عُبَيدٍ، فقال: هذا مِن سيِّدِي شبابِ أهلِ البَصرةِ، إن لم يُحدِثْ) [177] ((المعرفة والتاريخ)) (2/260). .
وقد حدَث ما توسَّم به الحَسنُ البَصريُّ؛ فكان أن أحدَث عَمرٌو، وابتدَع بِدعتَه في الاعتِزالِ، وبقِي أيُّوبُ السَّختيانيُّ على المنهَجِ الحقِّ، وكان مِن أشَدِّ النَّاسِ على عَمرٍو والمُعتَزِلةِ ومَن نحا نَحوَهم مِن فِرَقِ الضَّلالِ، وتعتمِدُ شهادةُ الحَسنِ البَصريِّ على ما كان عليه عَمرُو بنُ عُبَيدٍ مِن الوَرعِ والعِبادةِ في بدايةِ أمرِه، وقَبلَ الإحداثِ [178] يُنظر: ((العقيدة الإسلامية وجهود السلف في تقريرها)) للمعايطة (ص: 640). .
 قال ابنُ حبَّانَ: (كان مِن ‌العُبَّادِ ‌الخُشُنِ وأهلِ الوَرعِ الدَّقيقِ، ممَّن جالَس الحَسنَ سنينَ كثيرةً، ثُمَّ أحدَث ما أحدَث مِن البِدَعِ، واعتزَل مجلِسَ الحَسنِ وجماعةٌ معَه، فسُمُّوا المُعتَزِلةَ، وكان عَمرُو بنُ ‌عُبَيدٍ داعِيةً إلى الاعتِزالِ، ويشتِمُ أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ويكذِبُ معَ ذلك في الحديثِ توهُّمًا لا تعمُّدًا) [179] ((المجروحين)) (2/35). .
وفي رسالةٍ لواصِلِ بنِ عطاءٍ بعَث بها إلى عَمرِو بنِ عُبَيدٍ، يذكُرُ فيها شكوى الحَسنِ البَصريِّ منه، وتوقُّعَه أن يُحدِثَ في دينِ اللهِ؛ حيثُ نقَل واصِلٌ دُعاءَ الحَسنِ البَصريِّ: (اللَّهمَّ إنِّي قد بلَّغْتُ ما بلَغني عن رسولِك، وفسَّرْتُ مِن مُحكَمِ تأويلِك ما قد صدَّقه حديثُ نبيِّك، ألا وإنِّي خائِفٌ عَمرًا، ألا وإنِّي خائِفٌ عَمرًا) [180] يُنظر: ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (2/224). .
وكان عَمرُو بنُ عُبَيدٍ مشهورًا بزُهدِه ووَرعِه، ولعلَّ نصَّ ابنِ حبَّانَ الذي سبَق يُؤكِّدُ ذلك، ولكنَّ هذا الزُّهدَ والوَرعَ لم يمنَعاه مِن الابتِداعِ والإحداثِ في الدِّينِ، وقد قام ببناءِ عَلاقاتٍ طيِّبةٍ معَ أبي جَعفَرٍ المنصورِ، وكان لوَرعِه وزُهدِه الأثرُ في هذه العلاقةِ؛ حيثُ اغترَّ به المنصورُ؛ ولهذا السَّببِ غفل عن بِدعتِه في الدِّينِ، ورُوِي أنَّه كان يعِظُ أبا جَعفَرٍ المنصورَ. قال الخطيبُ البغداديُّ: (ويُقالُ: إنَّه دخَل على أبي جَعفَرٍ المنصورِ، فقال: يا أبا عُثمانَ، عِظْني: فقال: إنَّ هذا الأمرَ الذي أصبَح في يدِك لو بقِي في يدِ غَيرِك ممَّن كان قَبلَك لم يصِلْ إليك، فأُحذِّرُك بليلةٍ تمخَّضُ بيومٍ لا ليلةَ بَعدَه)...، فبكى المنصورُ [181] ((تاريخ بغداد)) (14/63). .
قال ابنُ كثيرٍ: (قال ابنُ عَديٍّ: كان ‌يغُرُّ ‌النَّاسَ ‌بتقشُّفِه، وهو مذمومٌ ضعيفُ الحديثِ جدًّا، مُعلِنٌ بالبِدَعِ. وقال الدَّارَقُطنيُّ: ضعيفُ الحديثِ، وقال الخطيبُ البَغداديُّ: جالَس الحَسنَ واشتَهر بصُحبتِه، ثُمَّ أزاله واصِلُ بنُ عطاءٍ عن مذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ، وقال بالقَدَرِ ودعا إليه، واعتزَل أصحابَ الحَسنِ، وكان له سَمتٌ وإظهارُ زُهدٍ، وقد قيل: إنَّه وواصِلَ بنَ عطاءٍ وُلِدا سنةَ ثمانينَ، وحكى البُخاريُّ أنَّه مات سنةَ ثِنتَينِ أو ثلاثٍ وأربعينَ ومائةٍ، بطريقِ مكَّةَ...، وقد رُوِّينا عن إسماعيلَ بنِ مَسلَمةَ القَعنَبيِّ قال: رأَيتُ الحَسنَ بنَ أبي جَعفَرٍ في المنامِ بعدَما مات بعبَّادانَ، فقال لي: أيُّوبُ ويونُسُ وابنُ عَونٍ في الجنَّةِ، قُلْتُ: فعَمرُو بنُ عُبَيدٍ؟ قال: في النَّارِ، ثُمَّ رآه مرَّةً ثانيةً، ويُروى ثالثةً، ويقولُ له مِثلَ هذا، وقد رُئِيَت له مناماتٌ قبيحةٌ) [182] ((البداية والنهاية)) (13/ 346). .
تلك صورةٌ موجَزةٌ عن حياةِ عَمرِو بنِ عُبَيدٍ، الذي تُوفِّي سنةَ (144هـ) [183] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للبغدادي (14/ 77)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (9/ 242). ويُنظر: ((العقيدة الإسلامية وجهود السلف في تقريرها)) للمعايطة (ص: 643). .
طبيعةُ العَلاقةِ بَينَ واصِلِ بنِ عطاءٍ وعَمرِو بنِ عُبَيدٍ:
سبَق عَرضُ جُزءٍ مِن رسالةٍ لواصِلٍ يذكُرُ فيها دُعاءَ الحَسنِ البَصريِّ وتخوُّفَه مِن عَمرِو بنِ عُبَيدٍ، ومخافتَه مِن الإحداثِ والابتِداعِ في الدِّينِ؛ فهذه الرِّسالةُ تُبيِّنُ وُجودَ علاقةٍ بَينَهما.
وطبيعةُ العلاقةِ بَينَ الرَّجُلَينِ يبدو فيها بعضُ الجِدالِ والمُحاوَرةِ، حتَّى استقامت؛ فقد رُوِي أنَّ هناك جِدالًا بَينَ واصِلٍ وعَمرِو بنِ عُبَيدٍ؛ حيثُ قال واصِلٌ في مسألةٍ: الفاسِقُ يعرِفُ اللهَ تعالى، وإنَّما خرجَت المعرِفةُ مِن قَلبِه عندَ قَذفِه: (فإن قلْتَ: لم يزَلْ يعرِفُ اللهَ، فما حُجَّتُك؟ وأنت لم تُسمِّه مُنافِقًا قَبلَ القَذفِ.
وإن زعَمْتَ أنَّ المعرفةَ خرجَت مِن قَلبِه عندَ قَذفِه، قُلْنا لك: فلِمَ لا أدخَلها في القَلبِ بتركِه القَذفَ، كما أخرَجها بالقذفِ؟
وقال له: أليس النَّاسُ يعرِفونَ اللهَ بالأدلَّةِ، ويجهَلونَه بدُخولِ الشُّبهةِ، فأيُّ شُبهةٍ دخلَت على القاذِفِ؟
فرأى عَمرٌو لُزومَ هذا الكلامِ، فقال: ليس بيني وبَينَ الحقِّ عَداوةٌ، فقبِله، وانصرَف ويدُه في يدِ واصِلٍ) [184] يُنظر: ((المُنْية والأمل)) لابن المرتضى (ص: 39). .
ومنذُ قُدومِ واصِلٍ إلى البَصرةِ بدأ نشاطُ المُعتَزِلةِ يأخُذُ طابَعَ التَّنظيمِ والتَّنسيقِ، وذلك بالإعلانِ عن خُطَبٍ لواصِلٍ يُقدِّمُها هو، ويُعقِّبُ عليها عَمرُو بنُ عُبَيدٍ؛ فقد روى الخطيبُ البَغداديُّ عن أبي عَوانةَ: قال: (شهِدْتُ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ، وأتاه واصِلٌ الغزَّالُ، قال: وكان خطيبَ القومِ -يعني المُعتَزِلةَ-، فقال عَمرٌو: تكلَّمْ يا أبا حُذَيفةَ، فخطَب فأبلَغ، قال: ثُمَّ سكَت، فقال عَمرٌو: ترَونَ لو أنَّ ملَكًا مِن الملائِكةِ، أو نبيًّا مِن الأنبياءِ كان يزيدُ على هذا؟!) [185] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) (14/63). .
وهذا التَّعقيبُ مِن عَمرِو بنِ عُبَيدٍ قد قيل لقومٍ استسلمَت عُقولُهم وجوارِحُهم لهذا الهُراءِ الاعتِزاليِّ، الذي لم يجِدْ مَن يرُدُّ عليه في ذلك المجلِسِ، ولكنَّ هذه الدِّعايةَ المقصودُ منها الرَّفعُ مِن قيمةِ المُبتدِعةِ في وسَطِ هؤلاء الأغرارِ [186] يُنظر: ((العقيدة الإسلامية وجهود السلف في تقريرها)) للمعايطة (ص: 644- 646). .
وتوثَّقَت العَلاقةُ بَينَ عَمرٍو وواصِلٍ عندَما زوَّج عَمرٌو أختَه لواصِلٍ، قال ابنُ عُليَّةَ: (أوَّلُ مَن تكلَّم في الاعتِزالِ واصِلُ بنُ عطاءٍ الغزَّالُ، فدخَل معَه في ذلك عَمرُو بنُ عُبَيدٍ، فأُعجِبَ به، وزوَّجه أختَه، وقال لها: زوَّجْتُكِ برجُلٍ ما يصلُحُ إلَّا أن يكونَ خليفةً) [187] يُنظر: ((الكامل في ضعفاء الرجال)) الذهبي (6/ 182). .
بعضُ الأقوالِ التي انفرَد بها عَمرُو بنُ عُبَيدٍ:
انفرَد عَمرُو بنُ عُبَيدٍ بمُبتدَعاتٍ كثيرةٍ، زاد بها على واصِلٍ.
فقد نُسِب عَمرُو بنُ عُبَيدٍ إلى الخوارِجِ، وكأنَّه كان يرى رأيَهم، ويدعو إلى حَملِ السَّيفِ على الخُلفاءِ.
روى الفَسَويُّ عن سلَّامِ بنِ أبي مُطيعٍ قال: (قال رجُلٌ لأيُّوبَ: يا أبا بكرٍ، إنَّ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ قد رجَع عن رأيِه، قال: إنَّه لم يرجِعْ، قال: بلى يا أبا بكرٍ، إنَّه قد رجَع، قال أيُّوبُ: إنَّه لم يرجِعْ، قال: بلى يا أبا بكرٍ، إنَّه قد رجَع، قال أيُّوبُ: إنَّه لم يرجِعْ، ثلاثَ مرَّاتٍ، فقال: إنَّه لم يرجِعْ، أمَا سمِعْتَ إلى قولِه: ((يمرُقونَ مِن الدِّينِ كما يمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّميَّةِ، ثُمَّ لا يعودونَ حتَّى يرجِعَ السَّهمُ إلى فُوقِه )) [188] أخرجه الفَسَوي في ((المعرفة والتاريخ)) (3/390) واللَّفظُ له، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (976)، واللَّالَكائي في ((شرح أصول الاعتقاد)) (286). وحديث: ((يَمرُقونَ من الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يعودونَ حتَّى يرجِعَ السَّهمُ إلى فُوقِه )) أخرجه البُخاريُّ (7562) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وروى العُقَيليُّ عن حُمَيدِ بنِ إبراهيمَ، قال: (سألْتُ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ عن هذه الآيةِ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [المائدة: 47] ، قال: قُلْتُ: هم أهلُ الشَّامِ؟ قال: نعَم) [189] يُنظر: ((الضعفاء الكبير)) (3/283)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (1/ 363). .
وعن مُعاذِ بنِ مُعاذٍ قال: (شهِدْتُ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ، وذُكِر له أنَّ أهلَ السُّجونِ يركَبونَ الفواحِشَ، وذكَر أمورًا قبيحةً، فقال عَمرٌو: لو بدأْنا بهؤلاء -يعني السُّلطانَ- يُخرَجُ عليهم بالسَّيفِ) [190] يُنظر: ((الضعفاء الكبير)) للعقيلي (3/284). .
وقال حُمَيدُ بنُ إبراهيمَ: (كان عَمرُو بنُ عُبَيدٍ يأتينا السُّوقَ، فكنْتُ أتعلَّمُ مِن هيئتِه وسَمتِه، فاتَّبعْتُه يومًا إلى مسجِدِه وقفاه إليَّ، فأتاه غريبانِ مِن أهلِ الجبالِ، فقالا: يا أبا عُثمانَ، ما ترى ما تواطأَ في بلادِنا مِن الظُّلمِ؟ قال: مُوتوا كِرامًا) [191] يُنظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (3/ 278). .
ومِن آراءِ عَمرِو بنِ عُبَيدٍ الشَّاذَّةِ التي نُقِلَت عنه رُؤيتُه عَدمَ جوازِ صلاةِ الجُمعةِ بَعدَ مقتَلِ عُثمانَ رضِي اللهُ عنه: وهذا فيه تعطيلٌ لفرائِضِ الإسلامِ، وعَدمُ اعتِرافٍ بكُلِّ الخُلفاءِ الذين جاؤوا بَعدَ عُثمانَ رضِي اللهُ عنه.
فقد روى ابنُ عَدِيٍّ عن هارونَ بنَ موسى قال: (كنَّا عندَ يونُسَ بنِ عُبَيدٍ، فجاء عبَّادُ بنُ كثيرٍ، فقُلْتُ: مِن أين؟ قال: مِن عندِ عَمرِو بنِ عُبَيدٍ، أخبَرني بشيءٍ واستكتَمَني، قُلْتُ: وما هو؟ قال: لا جُمعةَ بَعدَ عُثمانَ بنِ عفَّانَ) [192] ((الكامل في الضعفاء)) (6/ 176). .
وقال سلَّامُ بنُ أبي مُطيعٍ: (لَأَنا أرجى للحَجَّاجِ بنِ يوسُفَ منِّي لعَمرِو بنِ عُبَيدٍ؛ إنَّ الحجَّاجَ بنَ يوسُفَ إنَّما قتَل النَّاسَ على الدُّنيا، وإنَّ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ أحدَث بِدعةً؛ فقتَل النَّاسُ بعضُهم بعضًا) [193] يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (14/77)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (9/ 242)، ((العقيدة الإسلامية وجهود السلف في تقريرها)) لعطا الله المعايطة (ص: 659- 661). .

انظر أيضا: