موسوعة الفرق

المَطلَبُ الرَّابِعُ: موقِفُ السَّلفِ مِن المُعتَزِلةِ وتأويلاتِهم


نستعرِضُ بعضَ المواقِفِ التي قام بها السَّلفُ في ردِّ التَّأويلاتِ الاعتِزاليَّةِ العقلانيَّةِ، وكذلك رُدودُهم العلميَّةُ عليهم بما يقطَعُ ضلالَهم ويُبيِّنُ خطأَهم [1227] يُنظر: ((جناية التأويل الفاسد على العقيدة الإسلامية)) لمحمد لوح (ص: 232). .
فقد بذَل السَّلفُ الصَّالِحُ مِن أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ جُهودًا في الرَّدِّ على هؤلاء العقلانيِّينَ، وممَّا يُؤكِّدُ ذلك تلك المواقِفُ الثَّابِتةُ تجاهَ المُعتَزِلةِ أيَّامَ كانت لهم السُّلطةُ والدَّولةُ، ومارَسوا فيها ضدَّ أهلِ الحقِّ ألوانًا مِن التَّعذيبِ والاضطِهادِ؛ فلم يزِدْهم ذلك إلَّا ثباتًا على الحقِّ، وصبرًا في سبيلِ نُصرةِ دينِ اللهِ.
وتلك المواقِفُ الصَّارِمةُ تجاهَ هؤلاء المُبتدِعةِ بدأت بظُهورِ المُعتَزِلةِ أيَّامَ واصِلِ بنِ عطاءٍ، ومِن صُورِها:
1- موقِفُ الحَسنِ البَصريِّ مِن واصِلٍ؛ حيثُ طرَده مِن حَلْقتِه العِلميَّةِ [1228] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 118)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (5/464). .
2- موقِفُ أحمَدَ بنِ حَنبلٍ في فِتنةِ خَلقِ القرآنِ التي تعرَّض فيها للسَّجنِ والتَّعذيبِ على أيدي المُعتَزِلةِ، ومعَ ذلك كان يُفتي بأنَّه: (لا يُصلَّى خَلفَ القَدَريَّةِ والمُعتَزِلةِ) [1229] ((السنة)) لعبد الله بن أحمد رقم (833)، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للَّالَكائي رقم (1354). .
3- موقِفُ مالِكِ بنِ أنسٍ وقد سُئِل عن تزويجِ القَدَريِّ، فقال: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ [البقرة: 221] [1230] ((السنة)) لابن أبي عاصم رقم (198)، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للَّالَكائي رقم (1352). .
4- جاء عن مالِكٍ عن عمِّه أبي سُهَيلٍ قال: سمِعْتُ عُمرَ بنَ عبدِ العزيزِ يقولُ في القَدَريَّةِ: (أرى أن يُستتابوا، فإن تابوا وإلَّا قُتِلوا، قال أبو سُهَيلٍ: وذلك رأيي، قال مالِكٌ: وذلك رأيي) [1231] ((السنة)) لابن أبي عاصم رقم (199). .
5- قال رجُلٌ لعبدِ اللهِ بنِ إدريسَ: يا أبا مُحمَّدٍ، إنَّ قِبَلَنا ناسًا يقولونَ: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ، فقال: مِن اليهودِ؟ قال: لا، قال: فمِن النَّصارى؟ قال: لا، قال: فمِن المجوسِ؟ قال: لا، فقال: فمِمَّن؟ قال: مِن المُوحِّدينَ، قال: (كذَبوا، هؤلاء ليسوا بمُوَحِّدينَ، هؤلاء زنادِقةٌ، مَن زعَم أنَّ القرآنَ مخلوقٌ فقد زعَم أنَّ اللهَ مخلوقٌ، ومَن زعَم أنَّه مخلوقٌ فقد كفَر، هؤلاء زنادِقةٌ، هؤلاء زنادِقةٌ) [1232] ((السنة)) لعبد الله بن أحمد رقم (29)، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للَّالَكائي رقم (432) وإسنادُه صحيحٌ. .
6- عن عبدِ الوهَّابِ بنِ الخفَّافِ قال: (مررْتُ بعَمرِو بنِ عُبَيدٍ وحدَه، فقُلْتُ: ما لك؟ تركوك؟ قال: نهى النَّاسَ عني ابنُ عَونٍ، فانتَهَوا) [1233] ((ميزان الاعتدال)) (3/274). .
7- عن عَديِّ بنِ الفَضلِ قال: (كلَّمْتُ يونُسَ بنَ عُبَيدٍ في عبدِ الوارِثِ، فقال: رأَيتُه على بابِ عَمرِو بنِ عُبَيدٍ جالِسًا، لا تذكُرْه لي) [1234] ((السنة)) لعبد الله رقم (983). .
8- عن قُرَيشِ بنِ أنسٍ قال: سمِعْتُ عَمرَو بنَ عُبَيدٍ يقولُ: (يُؤتى بي يومَ القيامةِ، فأُقامُ بَينَ يدَي اللهِ، فيقولُ لي: أنت قُلْتَ: إنَّ القاتِلَ في النَّارِ؟ فأقولُ: أنت قُلْتَه، ثُمَّ أتلو هذه الآيةَ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء: 93] ، فقُلْتُ -وليس في البيتِ أصغَرُ منِّي-: أرأَيتَ إن قال لك: أنا قُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء: 48] ، مِن أين علِمْتَ أنِّي لا أشاءُ أن أغفِرَ لهذا؟ فما ردَّ عليَّ شيئًا) [1235] ((الضعفاء)) للعقيلي (3/281)، ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (3/277). .
9- عن عاصِمٍ الأحوَلِ قال: (جلسْتُ إلى قَتادةَ، فذكَر عَمرَو بنَ عُبَيدٍ، فوقَع فيه، فقُلْتُ: لا أرى العُلَماءَ يقَعُ بعضُهم في بعضٍ، فقال: يا أحوَلُ، أولا تدري أنَّ الرَّجلَ إذا ابتدَع فينبغي أن يُذكَرَ حتَّى يُحذَرَ؟!) [1236] أسنده العقيلي في ((الضعفاء)) (3/280)، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للَّالَكائي رقم (1372)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (3/273). .
هذا طَرَفٌ مِن مواقِفِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ تجاهَ أهلِ الاعتِزالِ منذُ نشأتِه، وتلك فتاواهم في حقِّهم، ونصائِحُهم وتحذيراتُهم لأصحابِهم مِن المُعتَزِلةِ، ولم يكنْ ذلك محصورًا في مُجرَّدِ تصريحاتٍ شفهيَّةٍ، وبياناتٍ كلاميَّةٍ، لكن أضافوا إلى ذلك مُصنَّفاتٍ غايةً في الدِّقَّةِ والموضوعيَّةِ.
ومِن مُصنَّفاتِهم في الرَّدِّ على المُعتَزِلةِ:
1- (رسالةُ الرَّدِّ على القَدَريَّةِ) لعُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ ت101هـ (أخرَجها أبو نُعَيمٍ في الحِلْيةِ).
2- (الرَّدُّ على القَدَريَّةِ) لإسماعيلَ بنِ حمَّادٍ ت212هـ [1237] يُنظر: ((كشف الظنون)) لخليفة (1/839). .
3- (رسالةٌ في أنَّ القرآنَ غَيرُ مخلوقٍ) لأبي إسحاقَ الحَربيِّ ت285ه.
4- (الرُّؤيةُ) لأبي بكرٍ أحمَدَ بنِ إسحاقَ الصِّبْغيِّ ت342هـ.
5- (الرُّؤيةُ) لأبي أحمَدَ العسَّالِ ت349هـ (ذكَره الذَّهبيُّ في السِّيَرِ).
6- (الرُّؤيةُ) لعليِّ بنِ عُمرَ الدَّارَقُطنيِّ ت385هـ.
7- (الرَّدُّ على القَدَريَّةِ) لابنِ أبي زيدٍ القَيروانيِّ ت386هـ [1238] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (17/11). .
8- (رُؤيةُ اللهِ) لابنِ النَّحَّاسِ ت 416هـ.
9- (الرَّدُّ على القَدَريَّةِ) لأبي المُظفَّرِ السَّمْعانيِّ ت489هـ (ذكَره حفيدُه في كتابِه: الأنسابُ).
10- (الانتِصارُ في الرَّدِّ على القَدَريَّةِ الأشرارِ) ليحيى بنِ سالِمٍ العِمرانيِّ ت 558هـ.
11- (رُؤيةُ الباري) للذَّهبيِّ ت 748هـ [1239] يُنظر: مقدمة ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (1/76). .
أمَّا ابنُ تيميَّةَ، وابنُ القيِّمِ فقد أشبَعا موضوعَ الرَّدِّ على تأويلاتِ المُتكلِّمينَ، وخاصَّةً المُعتَزِلةَ، في عامَّةِ مُصنَّفاتِهما الكثيرةِ.

انظر أيضا: