موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الثاني: توالي القَسَمِ والشَّرْطِ الامتناعيِّ


ذكَرْنا في فَصلِ جوازم الفِعْلِ المضارعِ أنَّ الشَّرْطَ والقَسَمَ إذا تواليا استُغنيَ بأحَدِهما عن الآخَرِ، والجوابُ يكونُ للسَّابقِ منهما؛ فإن ذُكِرَ القَسَمُ أولًا ثم الشَّرْطُ، فالجوابُ للقَسَمِ، والعكس، إلَّا أن يكونَ الشَّرْطُ واقعًا خَبَرًا لذي خَبَرٍ، فيكون الجوابُ للشَّرطِ لا للقسم، وفصَّلنا الحديثَ في ذلك.
لكنَّ الأمرَ يختَلِفُ إذا ما كان الشَّرْطُ امتناعيًّا، وهو الشَّرْطُ بـ(لو) و(لولا)؛ فإذا توالى القَسَمُ والشَّرْطُ الامتناعيُّ، فإنَّ الجوابَ يكونُ للشَّرطِ مُطْلَقًا، سواءٌ تقدَّم القَسَمُ أو تأخَّر، تَقولُ: واللهِ لو جِئتَ لأكرَمْتُك، ولو فعلتَ واللهِ فعَلْتُ. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فأُقْسِمُ لو أندى الندِيُّ سوادَه
لَمَا مَسَحَتْ تلك المسالاتِ عامرُ
وقال عامِرُ بنُ الأكوعِ:
واللهِ لولا الله ما اهتَدَينا
ولا تصدَّقْنا ولا صَلَّينا
ولا يتقدَّمُ على جوابِ القَسَمِ معمولُه إلَّا إذا كان ظرفًا أو جارًّا ومجرورًا، فيجوزُ تقديمه عليه، تَقولُ: يومَ الجمعةِ لأضربنَّ زيدًا، إلى المدرسةِ لأذهبنَّ، ومنه قَولُه تعالى: قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ [المؤمنون: 40] ؛ فقدَّم الجار "عن" والمجرور "قليل" على الفِعْلِ.
أمَّا إن تعلَّق به مَفعولٌ أو نحوُه لم يجُزْ تقديمُه؛ فلا يقال: والله زيدًا لأضرِبَنَّ.
ويُستغنى عن القَسَمِ كثيرًا اكتفاءً بجوابِه وما يدُلُّ عليه، مِثلُ "لقد"، "لئن"، لامُ القَسَمِ وتوكيد الفِعْلِ بالنُّونِ. تَقولُ: لقد فعَلْتُ كذا، لأفعلنَّ كذا، لئن قُمْتَ لأقومَنَّ. أمَّا اللامُ وَحْدَها في الجُملةِ الاسميَّةِ، مِثْلُ: لزيدٌ منطلقٌ، أو إنَّ زيدًا لمنطلِقٌ، فليست بلامِ القَسَمِ، وإنما هي لامُ الابتداءِ.
ويجوز حذفُه كذلك مع أداةِ الجوابِ "جَيْرِ". تَقولُ: جَيْرِ لأفعلنَّ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
قالوا قُهِرْتَ فقُلتُ: جَيْرِ لَيُعْلَمَنَّ
عمَّا قليلٍ أيُّنا المقهورُ
على أنَّه قد تأتي (جيْر) لمُجَرَّد الجواب، ولا يرادُ بها القَسَمُ، ولا يكون القسم مُضْمَرًا فيها، كقَولِ الشَّاعِرِ:
وقائلةٍ أسيتَ فقلتُ جَيْرِ
أسيٌّ إنِّني مِنْ ذاك إنَّهْ
ويجوزُ حَذفُ فِعلِ القَسَمِ استغناءً بمعمولِه، كقَولِه تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ [النازعات: 1 - 6] ، أي: لتُبعَثُنَّ يومَ تَرجُفُ الرَّاجِفةُ.
ويجوزُ كذلك إذا جاء القَسَمُ مع حرفِ جوابٍ. تَقولُ: لا واللهِ، لمن قال لك: أتفعَلُ كذا؟ أي: لا واللهِ لا أفعَلُ، ومنه قَولُه تعالى: قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا [الأنعام: 30] ، ومنها كذلك (جَيْرِ)، وهي حرفٌ على الأصَحِّ، يأتي في الجوابِ. تَقولُ: جيْرِ واللهِ.
لا يجوزُ أن يتوالى قَسَمٌ على قَسَمٍ، فلا يقال: باللهِ بالرَّحمنِ بالقُرآنِ لأضربَنَّك؛ إذ لا يصِحُّ أن يكونَ جوابُ القَسَمِ محذوفًا لكُلِّ واحدٍ ومذكورًا لواحدٍ فحَسْبُ، وإنما يجوزُ أن يُعطَفَ القسَمُ على القَسَمِ، تَقولُ: واللهِ والرَّحمنِ والقُرآنِ لأضربنَّك؛ فتكونُ الواوُ الأُولى في اسِم الجلالةِ واوَ القسَمِ، وفي الباقي عاطِفةً، والجوابُ للقَسَمِ وما عُطِفَ عليه، ومنه قَولُه تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشَّمس: 1 - 10] ؛ فالواوُ في "والشَّمس" هي واوُ القَسَمِ، وسائِرُ الواواتِ عاطِفةٌ، والجوابُ "قد أفلح" يُنظَر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (3/ 195)، ((ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب)) لأبي حيان الأندلسي (4/ 1763)، ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لناظر الجيش (6/ 3065). .

انظر أيضا: