موسوعة التفسير

سُورةُ النَّازِعاتِ
الآيات (1-14)

ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ

غريب الكلمات:

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا: أي: الملائكةِ الَّذين يَنزِعونَ أرواحَ الكُفَّارِ عن أبدانِهم نَزْعًا شديدًا، وغَرْقًا اسمُ مَصدرٍ مِن «أغرَقَ»، وأصلُه: إغراقًا، والإغراقُ في الشَّيءِ: المُبالَغةُ فيه والوُصولُ به إلى نهايتِه، يُقالُ: أغرَقَ فُلانٌ في هذا الأمرِ: إذا أوغَلَ فيه، وبَلَغ أقصى غايتِه، وأصلُ (نزع): يدُلُّ على قَلْعِ شَيءٍ، وأصلُ (غرق): يدُلُّ على انتِهاءٍ في شَيءٍ يُبلَغُ أقصاه [4] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 512)، ((تفسير ابن جرير)) (24/57)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 303)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/418)، ((البسيط)) للواحدي (23/155). .
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا: أي: الملائكةِ الَّذين يَقبِضُون أرواحَ المؤمِنينَ بسُهولةٍ ورِفْقٍ وسُرْعةٍ؛ مِنَ النَّشْطِ: وهو السُّرعةُ في العَمَلِ، والخِفَّةُ في أخْذِ الشَّيءِ، وأصلُ (نشط): يدُلُّ على اهتِزازٍ وحَرَكةٍ [5] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 512)، ((تفسير ابن جرير)) (24/59)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 303)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/426)، ((المفردات)) للراغب (ص: 806)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 446). .
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا: أي: الملائِكةِ يَنزِلونَ مِن السَّماءِ مُسرِعينَ كالفَرَسِ الجَوَادِ يُقالُ له: سابِحٌ: إذا أسرَعَ في جَرْيِه. وقيل: هم الملائِكةُ يَقبِضوَن أرواحَ المؤمِنينَ يَسُلُّونَها سَلًّا رفيقًا، ثمَّ يَدَعُونَها حتَّى تستريحَ، كالسَّابِحِ بالشَّيءِ في الماءِ يَرفُقُ به، وأصلُه مِن السَّبْحِ: وهو المَرُّ السَّريعُ [6] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 512)، ((تفسير ابن جرير)) (24/62)، ((المفردات)) للراغب (ص: 392)، ((تفسير البغوي)) (8/325). .
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا: أي: الملائكةِ يَسبِقونَ ابنَ آدَمَ بالخَيرِ والعَمَلِ الصَّالحِ. وقيل: هم الملائكةُ يَسبِقونَ بأرواحِ المؤمِنينَ إلى الجنَّةِ، وأصلُ السَّبقِ: التَّقَدُّمُ في السَّيرِ [7] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 512)، ((تفسير ابن جرير)) (24/64)، ((المفردات)) للراغب (ص: 395)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 446). .
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا: الملائِكةِ يَنزِلونَ بالتَّدبيرِ مِن عندِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وأصلُ (دبر): يدُلُّ على آخِرِ الشَّيءِ، فتدبيرُ الإنسانِ أمْرَه أنَّه يَنظُرُ إلى ما تصيرُ عاقبتُه وآخِرُه [8] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 512)، ((تفسير ابن جرير)) (24/64)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 304)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/324)، ((المفردات)) للراغب (ص: 307)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 446). .
الرَّاجِفَةُ: أي: الصَّيحةُ، وهي النَّفخةُ الأُولى، وأصلُ (رجف): يدُلُّ على الاضطرابِ الشَّديدِ [9] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 512)، ((تفسير ابن جرير)) (24/65)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/491)، ((المفردات)) للراغب (ص: 344)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 436)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 446). .
الرَّادِفَةُ: أي: الصَّيحةُ التَّابِعةُ لها، وهي النَّفخةُ الثَّانيةُ، وأصلُ (ردف): يدُلُّ على إتْباعِ الشَّيءِ [10] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/65)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/503)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 436)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 446)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 483). .
وَاجِفَةٌ: أي: خائِفةٌ شَديدةُ الاضطرابِ، يُقالُ: وَجَف قلبُه يَجِفُ وَجِيفًا: إذا اضطَرَب [11] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 513)، ((تفسير ابن جرير)) (24/68)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 486)، ((البسيط)) للواحدي (23/174)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 436). .
الْحَافِرَةِ: أي: أوَّلِ خَلْقِنا، وابتداءِ أمْرِنا، فنَصيرُ أحياءً بَعْدَ الموتِ، يقالُ: رَجَع فُلانٌ في حافِرتِه، أي: رَجَع مِن حيثُ جاء، والحافِرةُ عندَ العَرَبِ: اسمُ أوَّلِ الشَّيءِ، وابتِداءِ الأمرِ، وأصلُ (حفر) هنا: أوَّلُ الأمرِ [12] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 513)، ((تفسير ابن جرير)) (24/70)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 197)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/84، 85)، ((البسيط)) للواحدي (23/176). .
نَخِرَةً: أي: باليةً مُتفَتِّتةً، وأصلُ (نخر): يدُلُّ على صَوتٍ؛ لأنَّ هذه العِظامَ البالِيةَ خلا ما فيها، فصار الهواءُ يَنخِرُ فيها، أي: يَصُوتُ [13] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/72)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 470)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/405)، ((المفردات)) للراغب (ص: 795)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 447)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/225). .
كَرَّةٌ: أي: رَجْعَةٌ وإعادةٌ، والكَرُّ: الرُّجوعُ إلى الشَّيءِ [14] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 68)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 388)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/126)، ((المفردات)) للراغب (ص: 705)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 99). .
زَجْرَةٌ: أي: صَيحةٌ بشِدَّةٍ وانتِهارٍ، وهي النَّفخةُ في الصُّورِ للبعثِ، وأصلُ (زجر): يدُلُّ على طَردٍ بصَوتٍ [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/517)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 253)، ((المفردات)) للراغب (ص: 378)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 319)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 352). .
بِالسَّاهِرَةِ: أي: وَجهِ الأرضِ وظَهْرِها، وهي أرضٌ مُسْتَويةٌ بَيضاءُ لا نَباتَ فيها، يَجعَلُها اللهُ تعالى لجَمعِ النَّاسِ للحَشْرِ، وُصِفَتْ بما يقَعُ فيها، وهو السَّهَرُ، وأصلُ (سهر): يدُلُّ على ذَهابِ النَّومِ [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/74)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/108)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 447)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/73). قال الفراءُ: (كأنَّها سُمِّيت بهذا الاسمِ؛ لأنَّ فيها الحيوانَ: نومَهم، وسهرَهم). ((معاني القرآن)) للفراء (3/232).. وقال الواحدي: (وقال غيرُه [أي: غيرُ الفراءِ] مِن أهلِ المعاني: العربُ تسمِّي وجهَ الأرضِ مِن الفلاةِ: «ساهرةً»، أي: ذاتَ سَهَرٍ؛ لأنَّه يُسهَرُ فيها خوفًا منها). ((البسيط)) (23/184). .

مشكل الإعراب:

قَولُه تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ
قَولُه تعالى: غَرْقًا: مَصدَرٌ مُؤَكِّدٌ بحَذفِ الزَّوائدِ، أي: إغراقًا في النَّزعِ مِن أقاصي الأجسادِ، والنَّاصِبُ له ما قَبْلَه؛ لِمُلاقاتِه له في المعنى، أو مَنصوبٌ على الحالِ، أي: ذواتِ إغْراقٍ.
 وانتِصابُ نَشْطًا وسَبْحًا وسَبْقًا على المفعوليَّةِ المُطلَقةِ، وأمَّا انتِصابُ أَمْرًا فعلى المفعوليَّةِ لاسمِ الفاعِلِ «المُدَبِّراتِ».
قَولُه تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ: ظَرفُ زَمانٍ مَنصوبٌ بفِعلٍ مُقدَّرٍ، هو جوابُ القَسَمِ تقديرُه: لَتُبعَثُنَّ؛ لدَلالةِ ما بعدَه عليه، أي: وَالنَّازِعَاتِ ... إلخ: لَتُبعَثُنَّ يَوْمَ... [17] يُنظر: ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (2/1269)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (10/667، 668)، ((تفسير الألوسي)) (15/224). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ مُقْسِمًا على وُقوعِ البَعْثِ بلا شَكٍّ، فأقسَمَ بالملائِكةِ الَّتي تَنزِعُ أرواحَ الكُفَّارِ مِن أبْدانِهم نَزْعًا شَديدًا، وبالملائكةِ الَّتي تَقبِضُ أرواحَ المؤمِنينَ بسُهولةٍ ورِفْقٍ وسُرْعةٍ، وبالملائكةِ الَّتي تَسبَحُ في أجواءِ السَّمَواتِ وآفاقِ الأرضِ بأمرِ اللهِ تعالى، وبالملائكةِ الَّتي تُسارِعُ إلى تنفيذِ أمرِ اللهِ تعالى، وبالملائكةِ الَّتي تُدَبِّرُ ما وكَّلَها اللهُ بتَدبيرِه؛ لَتُبعَثُنَّ أيُّها النَّاسُ.
ثمَّ ذكَرَ اللهُ تعالى أهوالَ يومِ القيامةِ، فقال: يومَ تَضطَرِبُ الأرضُ وتَتزلزَلُ، فتَتبَعُ تلك الرَّجفةَ رَجفةٌ أُخرى تأتي بَعْدَها، فتَضطرِبُ قُلوبُ الكُفَّارِ المكَذِّبينَ في ذلك اليَومِ؛ مِن شِدَّةِ أهوالِه، وتكونُ أبصارُهم ذَليلةً مُنكَسِرةً.
ثمَّ حكى ما كان يقولُه المكذِّبونَ في الدُّنيا إنكارًا للبعثِ، فقال: يقولُ المكَذِّبونَ بالبَعْثِ: أنَعودُ أحياءً بَعْدَ مَوتِنا، ونُبعَثُ مِن قُبورِنا؟ كيف نُبعَثُ أحياءً إذا صِرْنا عِظامًا بالِيةً مُتفَتِّتةً؟ قالوا: إنْ حصَلَت تلك الرَّجعةُ بَعْدَ الموتِ فنحن خاسِرونَ إذَنْ.
ثمَّ قال الله تعالى ردًّا عليهم: فإنَّما هي صَيحةٌ واحِدةٌ بلا تَكرارٍ، فإذا النَّاسُ قِيامٌ مِن قُبورِهم أحياءً على ظَهْرِ أرضِ المحشَرِ.

تفسير الآيات:

وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1).
أي: أُقسِمُ بالملائِكةِ الَّتي تَنزِعُ أرواحَ الكُفَّارِ مِن أبْدانِهم بشِدَّةٍ [18] يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/418)، ((تفسير القرطبي)) (19/190)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 133-135)، ((تفسير ابن كثير)) (8/312)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/218)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 39).  وممَّن ذهب في الجملةِ إلى هذا المعنى المذكورِ: الواحديُّ، والقرطبي، وابن القيِّم، وابن كثير، والبِقاعي، وابن عثيمين. يُنظر: المصادر السَّابقة. قال الواحدي: (أكثَرُ المفَسِّرينَ على أنَّ هذا قَسَمٌ بمَلَكِ الموتِ وأعوانِه مِن الملائكةِ الَّذين يَنزِعونَ أرواحَ الكُفَّارِ عن أبدانِهم، وهو قَولُ عَليٍّ رضي الله عنه، ومسروقٍ، ومُقاتِلٍ، وأبي صالحٍ، وعطيَّةَ). ((البسيط)) (23/155). وقال ابن كثير: (قال ابنُ مسعودٍ، وابنُ عبَّاسٍ، ومسروقٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وأبو صالحٍ، وأبو الضُّحى، والسُّدِّيُّ: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا الملائكة، يَعْنُونَ: حينَ تَنزِعُ أرواحَ بني آدَمَ، فمِنهم مَن تأخُذُ رُوحَه بعُنفٍ فتغرقُ في نَزعِها، ومِنهم مَن تأخُذُ رُوحَه بسهولةٍ وكأنَّما حَلَّتْهُ مِن نشاطٍ، وهو قولُه: وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا، قاله ابنُ عبَّاسٍ). ((تفسير ابن كثير)) (8/312). وذكر ابنُ جريرٍ الخِلافَ في قولِه تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا، وأنَّ مِن المفسِّرينِ مَن قال: هم الملائكةُ الَّتي تَنْزِعُ نُفوسَ بني آدَمَ، والمَنْزوعُ نُفوسُ الْآدَمِيِّينَ. ومِنهم مَن قال: هو الموتُ يَنزِعُ النُّفوسَ. ومنهم مَن قال: هي النُّجومُ تَنزِعُ مِن أُفُقٍ إلى أُفُقٍ. ومنهم مَن قال: هي القِسِيُّ تَنزِعُ بِالسَّهْمِ. ومنهم مَن قال: هي النَّفْسُ حِينَ تُنزَعُ. ثمَّ قال: (والصَّوابُ مِن القَولِ في ذلك عندي أن يُقالَ: إنَّ اللهَ تعالى ذِكرُه أقسَمَ بالنَّازِعاتِ غَرْقًا، ولم يَخْصُصْ نازِعةً دونَ نازعةٍ، فكُلُّ نازعةٍ غَرْقًا فداخِلةٌ في قَسَمِه؛ مَلَكًا كان، أو مَوتًا، أو نَجمًا، أو قَوسًا، أو غيرَ ذلك). ((تفسير ابن جرير)) (24/59). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/61-63). .
كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93] .
وقال سُبحانَه: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال: 50] .
وعن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... وإنَّ العَبْدَ الكافِرَ إذا كان في انقِطاعٍ مِن الدُّنيا وإقبالٍ مِن الآخرةِ، نزل إليه مِنَ السَّماءِ مَلائِكةٌ سُودُ الوُجوهِ، معهم المُسُوحُ [19] المُسوحُ: جمعُ المِسْحِ: وهو اللِّباسُ الخَشِنُ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (3/1179). ، فيَجلِسونَ منه مَدَّ البَصَرِ، ثمَّ يَجِيءُ مَلَكُ المَوتِ، حتَّى يَجلِسَ عندَ رأسِه، فيقولُ: أيَّتُها النَّفْسُ الخبيثةُ، اخرُجي إلى سَخَطٍ مِنَ اللهِ وغَضَبٍ، فتفَرَّقُ في جَسَدِه، فيَنتَزِعُها كما يُنتَزَعُ السَّفُّودُ مِن الصُّوفِ المَبلولِ [20] السَّفُّودُ: الحديدةُ الَّتي يُشوى عليها اللَّحمُ، فيَبقَى معها بقيَّةٌ مِن المحروقِ، فيَستصحِبُ عندَ الجذبِ شيئًا مِن ذلك الصُّوفِ مع قُوَّةٍ وشِدَّةٍ. يُنظر: ((شرح الطِّيبي على مشكاة المصابيح)) (4/1381)، ((مرعاة المفاتيح)) للمباركفوري (5/328). ! فيأخُذُها، فإذا أخَذَها لم يَدَعُوها في يَدِه طَرْفةَ عَينٍ حتَّى يَجعَلوها في تِلكَ المُسوحِ، ويَخرُجُ منها كأنتَنِ رِيحِ جيفةٍ وُجِدَت على وَجهِ الأرضِ! فيَصعَدونَ بها )) [21] أخرجه ابن أبي شَيْبةَ في ((المصنَّف)) (12059)، وأحمدُ (18534)، والطَّيالسيُّ (789)، والحاكمُ في ((المستدرك)) (107) بألفاظٍ مُتقارِبةٍ. صحَّح إسنادَه ابنُ جرير في ((مسند ابن عمر)) (2/494)، والبيهقيُّ في ((شُعَب الإيمان)) (1/300)، وقال ابنُ مَنْدَه في ((الإيمان)) (398): (إسنادُه مُتَّصِلٌ مشهورٌ ثابتٌ على رَسمِ الجماعةِ). وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (3558). .
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى الشَّدَّ مُبتَدِئًا به لأنَّه أهوَلُ؛ أتْبَعَه الرِّفْقَ، فقال [22] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/218). :
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2).
أي: وأُقسِمُ بالملائِكةِ الَّتي تَقبِضُ أرواحَ المؤمِنينَ بسُهولةٍ ورِفْقٍ، وسُرْعةٍ وخِفَّةٍ [23] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 135)، ((تفسير ابن كثير)) (8/312)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/218، 219)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 39). وممَّن ذهب في الجملةِ إلى هذا المعنى المذكورِ: ابنُ القيِّم، وابن كثير، والبِقاعي، وابن عثيمين. يُنظر: المصادر السَّابقة. وذكَرَ ابنُ جريرٍ الخِلافَ في قولِه تعالى: وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا، وأنَّ مِن المفسِّرينِ مَن قال: هم الملائكةُ، تَنْشِطُ نفْسَ المُؤْمنِ فتَقْبِضُها، كما يُنشَطُ العِقالُ مِن البعيرِ إذا حُلَّ عنه، ومنهم مَن قال: هو الموتُ يَنْشِطُ نفْسَ الإنسانِ، ومنهم مَن قال: هي النُّجومُ تَنْشِطُ مِن أُفُقٍ إلى أُفُقٍ... إلى غيرِ ذلك، ثمَّ قال: (الصَّوابُ مِنَ القَولِ في ذلك عندي أن يُقالَ: إنَّ اللهَ جَلَّ ثناؤه أقسَمَ بالنَّاشِطاتِ نَشْطًا، وهي الَّتي تَنشِطُ مِن مَوضِعٍ إلى مَوضِعٍ، فتذهَبُ إليه، ولم يَخْصُصِ اللهُ بذلك شيئًا دونَ شَيءٍ، بل عَمَّ القَسَمَ بجميعِ النَّاشِطاتِ، والملائِكةُ تَنشِطُ مِن موضِعٍ إلى موضِعٍ، وكذلك الموتُ، وكذلك النُّجومُ والأوهاقُ [حبلٌ تُشَدُّ به الإبلُ والخيلُ لئلَّا تَنفِرَ وتشرُدَ] وبَقَرُ الوَحشِ أيضًا تَنشِطُ، فكُلُّ ناشطٍ فداخِلٌ فيما أقسَمَ به، إلَّا أن تقومَ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسليمُ لها بأنَّ المَعْنِيَّ بالقَسَمِ مِن ذلك بَعضٌ دونَ بَعضٍ). ((تفسير ابن جرير)) (24/61، 62). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/63). .
عن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّ العبدَ المؤمِنَ إذا كان في انْقِطاعٍ مِنَ الدُّنْيا، وإقْبالٍ مِنَ الآخِرةِ، نزَلَ إليه مَلائكةٌ مِنَ السَّماءِ بِيضُ الوُجوهِ، كأنَّ وُجوهَهمُ الشَّمسُ، معَهم كَفَنٌ مِن أكْفانِ الجَنَّةِ، وحَنُوطٌ [24] الحَنوطُ: ما يُخلَطُ مِن الطِّيبِ لأكفانِ الموتى وأجسادِهم. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للملا الهروي (3/1176). مِن حَنُوطِ الجنَّةِ، حتَّى يَجْلِسوا منه مَدَّ البَصَرِ، ثمَّ يَجيءُ مَلَكُ المَوتِ عليه السَّلامُ، حتَّى يَجلِسَ عندَ رأْسِه، فيَقولُ: أيَّتُها النَّفْسُ الطَّيِّبةُ، اخْرُجي إلى مَغفِرةٍ مِنَ اللهِ ورِضْوانٍ. فتَخرُجُ تَسِيلُ كما تَسيلُ القَطْرةُ مِن فِي السِّقَاءِ، فيَأْخُذُها )) [25] أخرجه ابن أبي شَيْبةَ في ((المصنَّف)) (12059)، وأحمدُ (18534)، والطَّيالسيُّ (789)، والحاكمُ في ((المستدرك)) (107) بألفاظٍ مُتقارِبةٍ. صحَّح إسنادَه ابنُ جرير في ((مسند ابن عمر)) (2/494)، والبيهقيُّ في ((شُعَب الإيمان)) (1/300)، وقال ابنُ مَنْدَه في ((الإيمان)) (398): (إسنادُه مُتَّصِلٌ مشهورٌ ثابتٌ على رَسمِ الجماعةِ). وصحَّح الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح الترغيب)) (3558). .
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذَكَر نَوعَيِ السَّلِّ بالشِّدَّةِ والرِّفْقِ؛ ذكَرَ فِعْلَ الملائكةِ أيضًا في الجَوِّ بعدَ التَّهَيُّؤِ للطَّيرانِ، في إقبالِها إليه ورُجوعِها عنه، فقال [26] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/219). :
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3).
أي: وأُقسِمُ بالملائكةِ الَّتي تَسبَحُ في أجواءِ السَّمَواتِ وآفاقِ الأرضِ بأمرِ اللهِ تعالى [27] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/230)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 135، 136)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/219)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 40). وممَّن ذهب في الجملةِ إلى هذا المعنى المذكورِ: الفَرَّاءُ، وابنُ القيِّم، والبِقاعي، والسعدي، وابن عثيمين. يُنظر: المصادر السَّابقة. وذكَرَ ابنُ جريرٍ الخِلافَ في قولِه تعالى: وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا، وأنَّ مِن المفسِّرينِ مَن قال: هو الموتُ يَسْبَحُ في نَفْسِ ابنِ آدَمَ. ومنهم مَن قال: هي النُّجومُ تَسْبَحُ في فَلَكِها. ومنهم مَن قال: هي السُّفُنُ، ثمَّ قال: (الصَّوابُ مِنَ القَولِ في ذلك عندي أن يُقالَ: إنَّ اللهَ جَلَّ ثناؤُه أقسَمَ بالسَّابحاتِ سَبْحًا مِن خَلْقِه، ولم يَخْصُصْ مِن ذلك بعضًا دونَ بَعضٍ، فذلك كلُّ سابحٍ). ((تفسير ابن جرير)) (24/63). ويُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/63-64). .
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4).
أي: فالملائِكةِ الَّتي تُسارِعُ إلى تنفيذِ أمرِ اللهِ تعالى بلا تأخُّرٍ ولا إبطاءٍ [28] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 135)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/219)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 41). وممَّن ذهب إلى المعنى المذكورِ: ابنُ القيِّم، والبِقاعي، والسعدي، وابن عثيمين. يُنظر: المصادر السَّابقة. وذكَرَ ابنُ جريرٍ الخِلافَ في قولِه تعالى: فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا، وأنَّ مِن المفسِّرينِ مَن قال: هي الملائكةُ. ومِنهم مَن قال: هي للخيلِ السَّابقةِ. ومنهم من قال: بل هي النُّجومُ يَسْبِقُ بعضُها بعضًا في السَّيْرِ. وذهب ابنُ جريرٍ إلى أنَّ القَسَمَ يَعُمُّ كُلَّ سابقٍ لِغَيرِه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/63، 64). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن عاشور)) (30/64). .
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5).
أي: فالملائِكةِ الَّتي تُدَبِّرُ ما وكَّلَها اللهُ بتَدبيرِه [29] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/64)، ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (1/66)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 135)، ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 41). وقد حكى ابنُ عطيَّةَ والرَّازيُّ وابنُ القَيِّمِ الإجماعَ على أنَّ (الْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا): الملائكةُ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/431)، ((تفسير الرازي)) (31/29)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 137). ويُنظر أيضًا: ((تفسير السمعاني)) (6/146). ونسَبَ الماوَرْديُّ هذا القَولَ إلى الجُمهورِ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/194). قال ابن كثير: (قوله: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا قال عليٌّ، ومجاهِدٌ، وعَطاءٌ، وأبو صالحٍ، والحسَنُ، وقَتادةُ، والرَّبيعُ بنُ أنسٍ، والسُّدِّيُّ: هي الملائكةُ -زاد الحسَنُ: تُدَبِّرُ الأمرَ مِن السَّماءِ إلى الأرضِ. يعني: بأمرِ ربِّها عزَّ وجلَّ. ولم يَختَلِفوا في هذا، ولم يَقطَعِ ابنُ جريرٍ بالمرادِ في شيءٍ مِن ذلك، إلَّا أنَّه حكى في فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا أنَّها الملائكةُ، ولا أثبتَ ولا نفَى). ((تفسير ابن كثير)) (8/313). ويُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/64). وقال ابنُ القيِّم: (هي الملائِكةُ عندَ أهلِ الإيمانِ وأتْباعِ الرُّسُلِ عليهم السَّلامُ، وأمَّا المكَذِّبونَ للرُّسُلِ المنكِرونَ للصَّانعِ فيقولون: هي النُّجومُ... وقد دَلَّ الكِتابُ والسُّنَّةُ على أصنافِ الملائكةِ، وأنَّها موكَّلةٌ بأصنافِ المخلوقاتِ،... والمقصودُ: أنَّ اللهَ سُبحانَه وكَّل بالعالَمِ العُلويِّ والسُّفليِّ ملائكةً، فهي تدَبِّرُ أمرَ العالَمِ بإذْنِه ومشيئتِه وأمْرِه). ((إغاثة اللهفان)) (2/126، 127، 130). ويُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (2/193). وقال البِقاعي: (يَصِحُّ أن يكونَ [يعني: الأقسامَ المذكورةَ] للشَّمسِ والقَمَرِ والكواكِبِ والرِّياحِ والخَيلِ؛ السَّابِحةِ في الأرضِ والجَوِّ؛ لِمَنفعةِ العِبادِ وتدبيرِ أُمورِهم، وبعضُها سابِقٌ لبعضٍ، وبه قال بَعضُ المفَسِّرينَ). ((نظم الدرر)) (21/220). وجوابُ القَسَمِ قِيلَ: محذوفٌ للعِلْمِ به، وهو: لَتُبعَثُنَّ. وممَّن ذهب إلى هذا التَّقديرِ: الفَرَّاءُ، والواحديُّ، والقرطبي. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/231)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 418)، ((تفسير القرطبي)) (19/194). وقال ابنُ القيِّم: (جوابُ القَسَمِ محذوفٌ يدُلُّ عليه السِّياقُ، وهو البَعْثُ المستلزِمُ لصِدقِ الرَّسولِ وثُبوتِ القُرآنِ، أو أنَّه مِنَ القَسَمِ الَّذي أُريدَ به التَّنبيهُ على الدَّلالةِ والعِبرةِ بالمُقسَمِ به دونَ أن يُرادَ به مُقْسَمٌ عليه بعَينِه). ((التبيان في أقسام القرآن)) (ص: 139). وقيل: جوابُ القَسَمِ هو قَولُه تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النازعات: 26]. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/68)، ((تفسير الماوردي)) (6/194). وقيل غيرُ ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/65). قال ابن عاشور: (وصريحُ الكلامِ موعظةٌ. والمقصودُ منه لازِمُه، وهو وُقوعُ البعثِ). ((تفسير ابن عاشور)) (30/65). .
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6).
أي: يومَ تَضطَرِبُ الأرضُ وتَتزلزَلُ [30] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/65)، ((تفسير القرطبي)) (19/195)، ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/66، 67)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 42). .
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7).
أي: تَتبَعُ تلك الرَّجفةَ رَجفةٌ أُخرى تأتي بَعْدَها [31] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/67). قال الماوَرْدي: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ وفيهما ثلاثةُ أقاويلَ: أحَدُها: أنَّ الرَّاجِفةَ: القيامةُ، والرَّادِفةَ: البَعثُ. قاله ابنُ عبَّاسٍ. الثَّاني: أنَّ الرَّاجِفةَ: النَّفْخةُ الأُولى تُمِيتُ الأحياءَ، والرَّادِفةَ: النَّفخةُ الثَّانيةُ تُحْيي الموتى. قاله الحسَنُ وقَتادةُ... وقال عِكْرِمةُ: الأُولى: مِنَ الدُّنيا، والثَّانيةُ: مِنَ الآخرةِ. الثَّالثُ: أنَّ الرَّاجِفةَ: الزَّلزلةُ الَّتي ترجفُ الأرضَ والجبالَ، والرَّادِفةَ: إذا دُكَّتا دكَّةً واحدةً. قاله مجاهِدٌ. ويحتَمِلُ رابعًا: أنَّ الرَّاجِفةَ: أشراطُ السَّاعةِ، والرَّادِفةَ: قيامُها). ((تفسير الماوردي)) (6/194، 195). وكثيرٌ مِن المفَسِّرينَ على أنَّ المرادَ بالرَّاجِفةِ: النَّفخةُ الأُولى، وبالرَّادِفةِ: النَّفخةُ الثَّانيةُ. ومنهم: ابنُ جرير، والبِقاعي، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/65)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/222، 223)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 42). .
عن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا ذَهَب ثُلُثَا اللَّيلِ قام فقال: يا أيُّها النَّاسُ، اذكُروا اللهَ، اذكُروا اللهَ، جاءت الرَّاجِفةُ، تَتْبَعُها الرَّادِفةُ، جاء الموتُ بما فيه، جاء الموتُ بما فيه)) [32] أخرجه الترمذيُّ (2457) واللَّفظُ له، وأحمدُ (21241) مختصرًا. قال الترمذي: (حسَنٌ صحيحٌ). وحَسَّنه ابنُ حجر في ((موافقة الخُبْر الخَبَر)) (2/340)، والألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2457). .
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8).
أي: قُلوبُ الكُفَّارِ المكَذِّبينَ في ذلك اليَومِ شَديدةُ الخَوفِ والاضطرابِ والقَلَقِ مِن شِدَّةِ أهوالِه [33] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/68)، ((معاني القرآن)) للزجاج (5/278)، ((الوسيط)) للواحدي (4/419)، ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/68)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 42). قال القرطبي: (أي: خائِفةٌ وَجِلةٌ. قاله ابنُ عبَّاسٍ، وعليه عامَّةُ المفَسِّرينَ). ((تفسير القرطبي)) (19/196). .
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9).
أي: تكونُ أبصارُ أولئك الكُفَّارِ ذَليلةً مُنكَسِرةً لا تكادُ تُحَدِّقُ بها وتَنظُرُ [34] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/69)، ((تفسير القرطبي)) (19/196)، ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/68). .
كما قال الله تبارك وتعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ [المعارج: 44] .
يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10).
أي: يقولُ المكَذِّبونَ بالبَعثِ: أنَعودُ أحياءً بعْدَ مَوتِنا، ونُبعَثُ مِن قُبورِنا [35] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 513)، ((تفسير ابن جرير)) (24/70)، ((الوسيط)) للواحدي (4/419)، ((تفسير القرطبي)) (19/196، 197)، ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/69، 70). قال ابن جُزَي: (اختلَفوا في معنى الْحَافِرَةِ على ثلاثةِ أقوالٍ:  أحَدُها: أنَّها الحالةُ الأُولى. يقال: رَجَع فلانٌ في حافرتِه: إذا رجَع إلى حالتِه الأولى، فالمعنى: أَإِنَّا لَمَرْدودون إلى الحياةِ بعدَ الموتِ؟ والآخَرُ: أنَّ الحافِرةَ الأرضُ، بمعنى محفورةٍ، فالمعنى: أَإِنَّا لَمَرْدودون إلى وَجهِ الأرضِ بعدَ الدَّفنِ في القبورِ؟ والثَّالثُ: أنَّ الحافِرةَ: النَّارُ). ((تفسير ابن جزي)) (2/449). ؟
أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11).
أي: كيف نُبعَثُ أحياءً بعْدَ مَوتِنا إذا صِرْنا عِظامًا بالِيةً مُتفَتِّتةً [36] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/72)، ((تفسير القرطبي)) (19/197)، ((تفسير النسفي)) (3/596)، ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/69، 70). ؟!
كما قال الله تبارك وتعالى: وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء: 49] .
قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12).
أي: قال أولئك المكَذِّبونَ: إنْ حصَلَت تلك الرَّجعةُ المزعومةُ إلى الحياةِ بعْدَ الموتِ فنحن خاسِرونَ إذَنْ [37] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/73)، ((الوسيط)) للواحدي (4/419)، ((تفسير ابن عطية)) (5/432)، ((تفسير القرطبي)) (19/198)، ((تفسير ابن كثير)) (8/313)، ((تفسير السعدي)) (ص: 908)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/71، 72). قيل: وَجهُ الخَسارةِ هنا أنَّهم صائِرونَ إلى النَّارِ. وممَّن قال بهذا المعنى: مكِّيٌّ، وابنُ عطيَّة، وابنُ جُزَي، وأبو حيَّان. يُنظر: ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8032)، ((تفسير ابن عطية)) (5/432)، ((تفسير ابن جزي)) (2/449)، ((تفسير أبي حيان)) (10/397). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ زَيدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/73). ومِن المفسِّرينَ مَن عبَّر عن معنى الخسارةِ في الآيةِ بقولِه: لَنَخسَرَنَّ بما يُصيبُنا بعدَ الموتِ. ومنهم: الواحديُّ، والبغوي، وابن الجوزي، والخازن، والشوكاني. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/419)، ((تفسير البغوي)) (5/207)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/395)، ((تفسير الخازن)) (4/392)، ((تفسير الشوكاني)) (5/453). وقيل: إنَّهم قالوا ذلك استِهزاءً منهم، والمعنى: أنَّها إنْ صحَّتْ فنحن إذَنْ خاسِرونَ؛ لتكذيبِنا بها. وممَّن اختار هذا المعنى: الزمخشريُّ، والبيضاوي، والنسفي. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/694)، ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير النسفي)) (3/596). .
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13).
أي: فإنَّما هي صَيحةٌ واحِدةٌ ونَفخةٌ تُنفَخُ في الصُّورِ بلا تَكرارٍ [38] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/73)، ((تفسير ابن عطية)) (5/432)، ((تفسير ابن كثير)) (8/314)، ((تفسير السعدي)) (ص: 909)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/72). قال البِقاعي: (فَإِنَّمَا هِيَ أي: القيامةُ زَجْرَةٌ أي: صَيحةٌ بانتِهارٍ تتضَمَّنُ الأمرَ بالقيامِ، والسَّوقَ إلى المحشَرِ، والمنعَ مِنَ التخَلُّفِ وَاحِدَةٌ). ((نظم الدرر)) (21/226). قال ابنُ كثيرٍ: (فإنَّما هو أمرٌ مِن الله لا مثنويةَ فيه، ولا تأكيد، فإذا النَّاسُ قيامٌ ينظرونَ). ((تفسير ابن كثير)) (8/314). وقال ابن عثيمين: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ وهذا كقولِه تعالى: وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر: 50]. يعني أنَّ الله إذا أراد شيئًا إنَّما يقولُ له: «كنْ» مرةً واحدةً فقط فيكونُ، ولا يتأخَّرُ هذا عن قولِ الله لحظةً كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ والله عزَّ وجلَّ لا يعجزُه شيءٌ). ((تفسير ابن عثيمين: جزء عم)) (ص: 42). وقال ابن عاشور: (وهذه الزَّجْرةُ هي النَّفخةُ الثَّانيةُ الَّتي في قولِه تعالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: 68] ، فهي ثانيةٌ للَّتي قَبْلَها، وهي الرَّادِفةُ الَّتي تَقَدَّم ذِكْرُها آنِفًا). ((تفسير ابن عاشور)) (30/72). ويُنظر: ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/297). وقد اختُلِف في عددِ النَّفخاتِ في الصُّور. .
كما قال تعالى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ [الصافات: 19] .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... يَصْعَقُ النَّاسُ، ثمَّ يُرسِلُ اللهُ -أو قال: يُنزِلُ اللهُ- مطَرًا كأنَّه الطَّلُّ أو الظِّلُّ، فتَنبُتُ منه أجسادُ النَّاسِ، ثمَّ يُنفَخُ فيه أُخرى، فإذا هم قِيامٌ يَنظُرونَ، ثمَّ يُقالُ: يا أيُّها النَّاسُ، هَلُمَّ إلى رَبِّكم) ) [39] رواه مسلم (2940). .
فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14).
أي: فإذا النَّاسُ قِيامٌ مِن قُبورِهم أحياءً على ظَهْرِ أرضِ المحشَرِ [40] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/74)، ((تفسير ابن كثير)) (8/314)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/227)، ((تفسير السعدي)) (ص: 909)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/73)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 42). قال الواحدي: (فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ يعني: وَجْهَ الأرضِ وظَهْرَها في قَولِ الجَميعِ). ((الوسيط)) (4/419). وقال القرطبي: (العَرَبُ تُسَمِّي الفَلاةَ ووَجهَ الأرضِ ساهِرةً). ((تفسير القرطبي)) (19/199). .

الفوائد التربوية:

قَولُ اللهِ تعالى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ عَبَّرَ بالزَّجْرِ، وهو أشَدُّ مِنَ النَّهْيِ؛ لأنَّه يكونُ للعَرْضِ؛ لأنَّها صيحةٌ لا يتخَلَّفُ عنها القيامُ أصلًا، فكان كأنَّ لِسانَ الحالِ قال عن تلك الصَّيحةِ: أيُّها الأجسادُ الباليةُ، انتهي عن الرُّقادِ، وقُومي إلى الميعادِ، بما حَكَمْنا به مِنَ المَعادِ، فقد انتهى زمانُ الحَصادِ، وآنَ أوانُ الاجتناءِ لِما قُدِّم مِنَ الزَّادِ، فيا وَيْلَ مَن ليس له زادٌ [41] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/227). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قَولُ اللهِ تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا المرادُ بالنَّازِعاتِ وما عُطِفَ عليه: الملائِكةُ، وذُكِروا بلَفظِ التَّأنيثِ مع أنَّهم ليسُوا إناثًا؛ لأنَّه تعالى أقسَمَ بطَوائفِها، والطَّائِفةُ مُؤَنَّثةٌ [42] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 596). .
2- إنَّ كُلَّ حَرَكةٍ في السَّمَواتِ والأرضِ مِن حَرَكاتِ الأفلاكِ، والنُّجومِ، والشَّمسِ، والقَمَرِ، والرِّياحِ، والسَّحابِ، والنَّباتِ، والحَيوانِ: هي ناشئةٌ عن الملائكةِ الموكَّلِينَ بالسَّمَواتِ والأرضِ، كما قال تعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا، وقال: فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا [43] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/125). [الذاريات: 4].
3- قد وكَّل الله عزَّ وجلَّ ملائكةً بالعالَمِ العُلْويِّ والسُّفْليِّ؛ فهي تقومُ بتدبيرِ أمرِ العالَمِ بإذْنِه تعالى ومَشيئتِه وأَمْرِه؛ فلهذا يُضيفُ التَّدبيرَ إلى الملائكةِ تارةً؛ لِكَونِهم هم المباشِرينَ للتَّدبيرِ، كقَولِه تعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا، ويضيفُ التَّدبيرَ إليه، كقَولِه تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [يونس: 3] ، وقَولِه تعالى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس: 31] ؛ فهو سُبحانَه المُدَبِّرُ؛ أَمْرًا وإذْنًا ومشيئةً، والملائكةُ المُدَبِّراتُ؛ مُباشَرةً وامتِثالًا [44] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/130). .
4- قولُه تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ احتَجَّ به مَن يقولُ بأنَّ عددَ النَّفخِ نَفْخَتانِ [45] يُنظر: ((تفسير الماتريدي)) (8/140). وقد اختَلَف العُلَماءُ في عدَدِ النَّفَخاتِ في الصُّورِ على أقْوالٍ؛ فقيلَ: هُما نَفْخَتانِ: نَفْخةُ الفزَعِ والصَّعقِ، ونَفْخةُ البَعثِ. وممَّن ذهَبَ إلى هذا القَولِ: ابنُ جَريرٍ، والقُرطبيُّ، والسعديُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثَيْمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/254)، ((التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة)) للقرطبي (ص: 490، 491)، ((تفسير السعدي)) (ص: 729)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (4/328)، ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/467). وقيل: هي ثَلاثُ نَفَخاتٍ، وهي: نفخةُ الفزَعِ، ونفخةُ الصَّعقِ، ونفخةُ البعثِ. وممَّن قال بذلك: ابنُ تَيميَّةَ، وابنُ كثير. يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/260)، ((تفسير ابن كثير)) (7/116). وقيل: هي أربعُ نَفَخاتٍ: اثنتانِ قبْلَ يومِ القيامةِ، واثنتانِ في يومِ القيامةِ؛ فأمَّا النَّفختانِ قبْلَ القيامةِ فهُما نفخةٌ للموتِ، ونفخةٌ للبعثِ. وأمَّا النَّفختانِ يومَ القيامةِ: فنَفخةُ الفَزَعِ والصَّعقِ الَّتي يغشى فيها الخلائق -ولا يموتون- إلَّا مَن شاء اللهُ، ثمَّ نفخةٌ أخرى لقيامِهم وإفاقتِهم. وممَّن ذهَب إلى هذا القولِ: البِقاعيُّ. يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (16/552-553، 558، 560). . وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
5- قال تعالى: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ، فقلوبُ الكفَّارِ وَاجِفَةٌ، أي: خائفةٌ خَوفًا شديدًا. وأمَّا القِسمُ الثَّاني فقلوبُهم على عكسِ قُلوبِ هؤلاء، ويدُلُّ لهذا التَّقسيمِ قَولُه تعالى: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ بصيغةِ النَّكِرةِ، فيكونُ المعنى: وقلوبٌ على عكسِ ذلك [46] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 42). .
6- في قَولِه تعالى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ أنَّه جلَّ وعَلَا مِن قُوَّتِه وقُدْرَتِه: يَبعَثُ النَّاسَ كنَفْسٍ واحِدةٍ، فهو جلَّ وعَلَا له القُوَّةُ البالِغةُ [47] يُنظر: ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (اللقاء رقْم: 155). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ابتُدِئ بالقَسَمِ بمَخلوقاتٍ ذاتِ صِفاتٍ عَظيمةٍ قسَمًا مُرادًا منه تحقيقُ ما بعْدَه مِن الخَبرِ، وفي هذا القسَمِ تهويلُ المقسَمِ به [48] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/60). .
- وفي هذه الصِّفاتِ إجمالٌ مَقصودٌ؛ لِتَذهَبَ أفهامُ السَّامِعينَ كلَّ مَذهَبٍ ممكِنٍ، فتكثُرَ خُطورُ المعاني في الأذهانِ، وتَتكرَّرَ الموعظةُ والعِبرةُ باعتبارِ وَقْعِ كلِّ معنًى في نفْسٍ له فيها أشدُّ وَقْعٍ، وذلك مِن وَفرةِ المَعاني مع إيجازِ الألفاظِ [49] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/61). .
- قولُه: وَالنَّازِعَاتِ وصْفٌ مُشتَقٌّ مِن النَّزْعِ، ومعاني النَّزعِ كثيرةٌ، كلُّها تَرجِعُ إلى الإخراجِ والجَذبِ، وأقسَمَ اللهُ بالملائكةِ؛ لأنَّها مِن أشرَفِ المخلوقاتِ، وخَصَّها بهذا الوَصفِ الَّذي هو مِن تصَرُّفاتِها تَذكيرًا للمُشرِكينَ؛ إذْ هم في غفلةٍ عن الآخِرةِ وما بعْدَ الموتِ، ولأنَّهم شديدٌ تعلُّقُهم بالحياةِ؛ ففي القسَمِ بملائكةِ قبْضِ الأرواحِ عِظةٌ لهم وعِبرةٌ، والقسَمُ على هذا الوجهِ مناسِبٌ للغرَضِ الأهمِّ مِن السُّورةِ، وهو إثباتُ البعثِ؛ لأنَّ الموتَ أوَّلُ منازلِ الآخرةِ، فهذا مِن براعةِ الاستهلالِ [50] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/62). وبراعةُ الاستِهلالِ: هي كَونُ ابتداءِ الكلامِ مُناسِبًا للمقصودِ، وأنْ يكونَ أوَّلُ الكلامِ دالًّا على ما يُناسِبُ حالَ المتكلِّمِ، مُتضمِّنًا لِمَا سِيق الكلامُ مِن أجْلِه مِن غيرِ تصريحٍ، بلْ بألْطَفِ إشارةٍ يُدرِكُها الذَّوقُ السَّليمُ، ومِن أحسَنِ صُوَرِ براعةِ الاستِهلالِ مَوقِعًا، وأبلَغِها معنًى: فواتحُ سُوَرِ القرآنِ الكريمِ، ومنها الحُروفُ المقطَّعةِ؛ فإنَّها تُوقِظُ السَّامِعينَ للإصغاءِ إلى ما يَرِدُ بعدَها؛ لأنَّهم إذا سمِعوها مِن النَّبيِّ الأُمِّيِّ عَلِموا أنَّها والمَتْلُوَّ بعْدَها مِن جِهةِ الوحيِ، وفيها تنبيهٌ على أنَّ المتلوَّ عليهم مِن جِنسِ ما يَنظِمونَ منه كلامَهم، مع عجْزِهم عن أنْ يأتوا بمِثلِه. يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 45)، ((الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم)) لعصام الدين الحنفي (1/129)، ((تفسير أبي السعود)) (4/282)، ((أنوار الربيع في أنواع البديع)) لابن معصوم (1/53)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 378). .
- قولُه: وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا عَطفُها على النَّازعاتِ عطفُ نوعٍ على نوعٍ، أو عطفُ صِنفٍ على صِنفٍ [51] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/63). .
- وسَبْحًا مَصدرٌ مؤكِّدٌ؛ لإفادةِ التَّحقيقِ، مع التَّوسُّلِ إلى تَنوينِه للتَّعظيمِ [52] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/64). .
- وأُكِّد (السَّابِقَاتِ) بالمصدرِ المرادفِ لمعناهُ -وهو سَبْقًا-؛ للتَّأكيدِ، ولدَلالةِ التَّنكيرِ على عِظَمِ ذلك السَّبْقِ [53] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/64). .
- قولُه: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا التَّدبيرُ: جَوَلانُ الفِكْرِ في عواقبِ الأشياءِ، وبإجراءِ الأعمالِ على ما يليقُ بما تُوجَدُ له، فإنْ كانتِ السَّابحاتُ جماعاتِ الملائكةِ، فمعنى تدبيرِها: تنفيذُ ما نِيطَ بعُهدتِها على أكمَلِ ما أُذِنَتْ به، فعُبِّر عن ذلك بالتَّدبيرِ للأمورِ؛ لأنَّه يُشبِهُ فِعلَ المُدبِّرِ المتثبِّتِ [54] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/65). .
- والفاءُ في فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا؛ للدَّلالةِ على تَرتُّبِهما على ما قبْلَهما بغيرِ مُهلةٍ [55] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/95، 96)، ((تفسير الألوسي)) (15/224). .
- قولُه: أَمْرًا الأمرُ: الشَّأنُ والغرَضُ المهِمُّ، وتنوينُه وتنكيرُه للتَّهويلِ والتَّفخيمِ والتَّعظيمِ. وإفرادُ الأمْرِ لإرادةِ الجنسِ، أي: أمورًا [56] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/96)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/65). .
- والعطفُ مع اتِّحادِ الكلِّ؛ لتَنزيلِ التَّغايُرِ العُنوانيِّ مَنزِلةَ التَّغايُرِ الذَّاتيِّ؛ للإشعارِ بأنَّ كلَّ واحدٍ مِن الأوصافِ المعدودةِ مِن معظَّماتِ الأمورِ حقيقٌ بأنْ يكونَ على حِيالِه مناطًا لاستحقاقِ مَوصوفِه للإجلالِ والإعظامِ بالإقسامِ بهِ مِن غيرِ انضمامِ الأوصافِ الأُخَرِ إليهِ [57] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/95، 96)، ((تفسير الألوسي)) (15/224). .
2- قولُه تعالَى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ
- قولُه: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ إلى خَاشِعَةٌ قيل: هو جوابُ القَسَمِ، والمرادُ بقولِه: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ هو يومُ القِيامةِ؛ لأنَّه قد عُرِفَ بمِثلِ هذه الأحوالِ في آياتٍ كثيرةٍ ممَّا سبَقَ نُزولُه، مِثل قولِه: إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ [الواقعة: 4] ؛ فكان في هذا الجوابِ تهويلٌ ليومِ البعثِ، وفي طيِّه تَحقيقُ وُقوعِه، فحصَلَ إيجازٌ في الكلامِ جامِعٌ بيْنَ الإنذارِ بوُقوعِه، والتَّحذيرِ ممَّا يَجري فيه [58] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/65، 66). .
وقيلَ: المُقسَمُ عليه مَحذوفٌ؛ تَعْويلًا على إشارةِ ما قبْلَه مِن المقسَمِ به إليه، ودَلالةِ ما بعدَه مِن أحوالِ القيامةِ عليه، وهو (لَتُبعثُنَّ)؛ فإنَّ الإقسامَ بمَنْ يَتولَّى نزْعَ الأرواحِ ويقومُ بتدبيرِ أُمورِها يُلَوِّحُ بكونِ المقسَمِ عليهِ مِن قَبيلِ تلكَ الأمورِ لا مَحالةَ، وفيهِ مِنَ الجزالةِ ما لا يَخْفى [59] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/693)، ((تفسير البيضاوي)) (5/282)، ((تفسير أبي حيان)) (10/396)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 596)، ((تفسير أبي السعود)) (9/96)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/66)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/362، 363). .
- وجُعِلَ يَوْمَ تَرْجُفُ ظرفًا للمُقسَمِ عليه المضمَرِ الَّذي هو (لَتُبعثُنَّ)، وهم لا يُبعَثونَ عندَ النَّفخةِ الأُولى؛ لأنَّ المعنى: لَتُبعثُنَّ في الوقتِ الواسعِ الَّذي يقَعُ فيه النَّفختانِ، وهم يُبعَثونَ في بعضِ ذلك الوقتِ الواسعِ، وهو وقتُ النَّفخةِ الأُخرى، ودَلَّ على ذلك أنَّ قولَه: تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جُعِل حالًا عن الرَّاجِفةِ، ويجوزُ أنْ يَنتصِبَ يَوْمَ تَرْجُفُ بما دلَّ عليه قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ، أي: يومَ تَرجُفُ وجَفَتِ القلوبُ [60] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/693)، ((تفسير أبي حيان)) (10/397)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/363). .
وقيلَ: يَوْمَ تَرْجُفُ منصوبٌ بـ (اذْكُرْ)، فتكونُ الجملةُ استِئنافًا مُقرِّرًا لمضمونِ الجوابِ المُضْمَرِ، كأنَّه قيلَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اذكُرْ لهم يومَ النَّفختَينِ؛ فإنَّه وقتُ بَعْثِهم [61] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/397)، ((تفسير أبي السعود)) (9/96). .
وقيل: قولُه: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ظرْفٌ متعلِّقٌ بـ وَاجِفَةٌ، فآلَ إلى أنَّ المُقسَمَ عليه المرادَ تحقيقُه هو وُقوعُ البَعثِ بأسلوبٍ أَوقَعَ في نُفوسِ السَّامِعينَ المُنكِرينَ مِن أسلوبِ التَّصريحِ بجوابِ القسَمِ؛ إذ دلَّ على المقسَمِ عليه بعضُ أحوالِه الَّتي هي مِن أهوالِه؛ فكان في جوابِ القَسَمِ إنذارٌ. وقُدِّم الظَّرفُ على مُتعلَّقِه وَاجِفَةٌ؛ لأنَّ ذلك الظَّرفَ هو الأهمُّ في جوابِ القسَمِ؛ لأنَّ المقصودَ إثباتُ وُقوعِه؛ فتقديمُ الظَّرفِ للاهتِمامِ به والعنايةِ به؛ فإنَّه لَمَّا أُكِّد الكلامُ بالقسَمِ شَمِل التَّأكيدُ مُتعلَّقاتِ الخبرِ الَّتي منها ذلك الظرفُ، والتَّأكيدُ اهتمامٌ، ثمَّ أُكِّد ذلك الظَّرفُ في الأثناءِ بقولِه: يَوْمَئِذٍ الَّذي هو يومَ تَرجُفُ الرَّاجفةُ؛ فحصَلتْ عِنايةٌ عظيمةٌ بهذا الخبرِ [62] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/66). .
- والرَّجفُ: الاضطرابُ والاهتزازُ، والمرادُ بالرَّاجفةِ الصَّيحةُ والزَّلزلةُ الَّتي ترجُفُ الأرضُ بسببِها، جُعِلتْ هي الرَّاجفةَ مبالَغةً، وهذا هو المناسِبُ لقولِه: تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، أي: تَتْبَعُ تلك الرَّاجفةَ -أي: مسبِّبةَ الرَّجفِ- رادفةٌ، أي: واقعةٌ بعدَها. ويجوزُ أنْ يكونَ الرَّجفُ مُعبَّرًا به عن شِدَّةِ الصَّوتِ، فشُبِّهَ الصَّوتُ الشَّديدُ بالرَّجفِ، وهو التَّزلزُلُ [63] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/67)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/365). .
- وقيلَ: تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ أي: الواقعةُ الَّتي تردُفُ الأُولى، وهي النَّفخةُ الثَّانيةُ، تابعةً لها لا قبْلَ ذلكَ، واعتبارُ امتِدادِه معَ أنَّ البعثَ لا يكونُ إلَّا عِندَ النفخةِ الثَّانيةِ؛ لتهويلِ اليومِ ببيانِ كَونِه مَوقعًا لداهيتَينِ عظيمتَينِ لا يَبْقى عندَ وُقوعِ الأُولى حيٌّ إلَّا ماتَ، ولا عندَ وُقوعِ الثَّانيةِ إلَّا بُعِثَ، ووجْهُ إضافتِه إلى الأُولى ظاهِرٌ [64] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/96، 97). .
- وتنكيرُ قُلُوبٌ يقومُ مَقامَ الوصفِ المختصِّ، سواءٌ على حمْلِ التَّنويعِ وإنْ لم يُذكَرِ النَّوعُ المقابِلُ؛ فإنَّ المَعْنى منسحِبٌ عليهِ، أو على التَّكثيرِ؛ فإنَّ التَّفخيمَ كما يكونُ بالكيفيَّةِ يكونُ بالكَمِّيَّةِ أيضًا، كأنَّه قيلَ: قُلوبٌ كثيرةٌ يومَ إذْ يقعُ النَّفختانِ واجفةٌ [65] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/97)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/67). .
- وأضافَ الأبصارَ إلى القُلوبِ، مع أنَّها لا تُضافُ إليها؛ لأنَّ فيه حذفَ مُضافٍ، أي: أبصارُ أربابِها؛ لأنَّ الأبصارَ لأصحابِ القلوبِ، وكِلاهُما مِن جوارحِ الأجسادِ [66] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 597)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/68)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/363). .
3- قولُه تعالَى: يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً * قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ
- قولُه: يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً استِئنافٌ إمَّا ابتدائيٌّ بعْدَ جُملةِ القَسَمِ وجوابِه؛ لإفادةِ أنَّ هؤلاء هم الَّذين سيَكونونَ أصحابَ القُلوبِ الواجفةِ والأبصارِ الخاشعةِ يومَ ترجُفُ الرَّاجفةُ. وإمَّا استِئنافٌ بيانيٌّ؛ لأنَّ القسَمَ وما بعْدَه مِن الوعيدِ يُثيرُ سؤالًا في نفْسِ السَّامعِ عن الدَّاعي لهذا القسَمِ، فأُجيبَ بجملةِ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ، أي: مُنكِرونَ البعثَ؛ ولذلك سُلِك في حِكايةِ هذا القولِ أسلوبُ الغَيبةِ شأنَ المتحدِّثِ عن غيرِ حاضرٍ [67] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/68، 69). .
فقولُه: يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ حِكايةٌ لِما يقولُه المنكِرونَ للبعثِ المكذِّبونَ بالآياتِ النَّاطقةِ به، إثْرَ بيانِ وُقوعِه بطريقِ التَّوكيدِ القَسَميِّ، وذِكرِ مقدِّماتِه الهائلةِ، وما يَعرِضُ عندَ وُقوعِها للقُلوبِ والأبصارِ، أي: يقولونَ إذا قيلَ لهم: «إنكُم تُبعَثونَ» مُنكِرينَ له مُتعجِّبينَ منه: أإنَّا لَمَرْدودونَ بعْدَ موتِنا في الحافرةِ؟! أي: في الحالةِ الأُولى؛ يَعْنونَ الحياةَ [68] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/97). .
- وضَميرُ يَقُولُونَ عائدٌ إلى معلومٍ مِن السِّياقِ، وهم الَّذين شُهِروا بهذه المقالةِ، ولا يَخْفَوْنَ على المُطَّلِعِ على أحوالِهم ومخاطَباتِهم، وهم المُشرِكونَ في تكذيبِهم بالبعثِ، والمُساقُ إليه الكلامُ كلُّ مَن يَتأتَّى منه سماعُه مِن المُسلِمينَ وغيرِهم، ويجوزُ أنْ يكونَ الكلامُ مسوقًا إلى مُنكِري البعثِ على طَريقةِ الالتِفاتِ [69] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/69). .
- وحُكِيَ مَقالُهم بصِيغةِ المضارعِ يَقُولُونَ؛ لإفادةِ أنَّهم مُستَمِرُّونَ عليه، وأنَّه متجدِّدٌ فيهم لا يَرْعَوُونَ عنه، وللإشعارِ بما في المضارعِ مِن استحضارِ حالتِهم بتكريرِ هذا القولِ؛ ليكونَ ذلك كنايةً عن التَّعجيبِ مِن قولِهم هذا، وقد عَلِم السَّامعُ أنَّهم ما كرَّروا هذا القولَ إلَّا وقد قالوهُ فيما مضى [70] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/69). .
- والهمزةُ في أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ للاستِفهامِ الإنكاريِّ؛ لأنَّهم أنكَروا الرَّدَّ ونَفَوْه [71] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/363، 364). .
- وكانتْ عادتُهم أنْ يُلْقُوا الكلامَ الَّذي يُنكِرونَ فيه البعثَ بأسلوبِ الاستِفهامِ؛ إظهارًا لأنفُسِهم في مَظهَرِ المتردِّدِ السَّائلِ؛ لقَصدِ التَّهكُّمِ والتَّعجُّبِ مِن الأمرِ المستفهَمِ عنه، والمقصودُ التَّكذيبُ؛ لزعمِهم أنَّ حُجَّةَ استِحالةِ البعثِ ناهضةٌ. وجُعِل الاستِفهامُ التَّعجيبيُّ داخلًا على جُملةٍ اسميَّةٍ مؤكَّدةٍ بـ (إنَّ) وبلامِ الابتداءِ، وتلك ثلاثةُ مؤكِّداتٍ مقوِّيةٌ للخبرِ؛ لإفادة أنَّهم أَتَوْا بما يُفيدُ التَّعجُّبَ مِن الخبرِ، ومِن شدَّةِ يقينِ المُسلِمينَ به، فهم يَتعجَّبونَ مِن تصديقِ هذا الخبرِ، فضلًا عن تحقيقِه والإيقانِ به [72] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/69). .
- والعربُ تقولُ: رجَعَ إلى الحافرةِ، تمثيلًا لِمَن كان في حالةٍ ففارَقَها ثمَّ رجَعَ إليها، فصار: رجَعَ في الحافرةِ، ورُدَّ إلى الحافرةِ، جاريًا مَجرى المَثَلِ [73] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/694)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/70). .
- قولُهم: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً هذا الاستِفهامُ إنكاريٌّ مؤكِّدٌ للاستِفهامِ الأوَّلِ؛ للدَّلالةِ على أنَّ هذه الحالةَ جديرةٌ بزيادةِ إنكارِ الإرجاعِ إلى الحياةِ بعدَ الموتِ، فهما إنكارانِ؛ لإظهارِ شدَّةِ إحالتِه [74] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/98)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/70، 71)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/364). .
- والظَّرفُ (إذا) هو مَناطُ التَّعجُّبِ وادِّعاءِ الاستِحالةِ، أي: إذا صِرْنا عِظامًا باليةً فكيف نَرجِعُ أحياءً [75] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/98)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/70). ؟!
- قولُه: قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ قَالُوا بدَلُ اشتمالٍ مِن جُملةِ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ، أُعيدَ فِعلُ القولِ؛ لِمَقاصِدَ، منها: الدَّلالةُ على أنَّ قولَهم هذا في غرَضٍ آخَرَ غيرِ القولِ الأوَّلِ؛ فالقولُ الأوَّلُ قَصْدُهم منه الإنكارُ والإبطالُ، والقولُ الثَّاني قصَدوا منه الاستهزاءَ؛ لأنَّهم لا يُؤمِنونَ بتلك الكَرَّةِ، فوصْفُهم إيَّاها بخاسرةٍ مِن بابِ الفرضِ والتَّقديرِ، أي: لو حصَلتْ كَرَّةٌ لَكانتْ خاسرةً، ونحن إذنْ خاسرونَ؛ لتكذيبِنا بها، ومنها دفْعُ توهُّمِ أنْ تكونَ جملةُ تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ استئنافًا مِن جانبِ اللهِ تعالى [76] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/71). .
وقيل: إنَّ قولَه: قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ كلامٌ مُستأنَفٌ مسوقٌ لحِكايةِ كُفرٍ آخَرَ متفرِّعٍ على كفرِهم السَّابقِ [77] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/98)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/364). .
- قولُه: قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ عُبِّر عن قولِهم هذا بصِيغةِ الماضي دونَ المضارعِ على عَكسِ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ [النازعات: 10] ؛ لأنَّ هذه المقالةَ قالوها استِهزاءً، فليستْ ممَّا يَتكرَّرُ منهم، بخِلافِ قولِهم: أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ [النازعات: 10] ؛ فإنَّه حُجَّةٌ ناهِضةٌ في زعمِهم، فهذا ممَّا يَتكرَّرُ منهم في كلِّ مَقامٍ، وبذلك لم يكُنِ المقصودُ التَّعجيبَ مِن قولِهم هذا؛ لأنَّ التَّعجيبَ يَقتضي الإنكارَ، وكونُ كَرَّتِهم -أي: عَودتِهم إلى الحياةِ- عودةً خاسرةً أمرٌ محقَّقٌ لا يُنكَرُ؛ لأنَّهم يَعودونَ إلى الحياةِ خاسِرينَ لا مَحالةَ [78] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/71). ؛ فلَعلَّ توسيطَ قَالُوا بيْنَهما؛ للإيذانِ بأنَّ صُدورَ هذا الكُفرِ عنهم ليس بطَريقِ الاطِّرادِ والاستِمرارِ مِثلَ كُفرِهم السَّابقِ المستمرِّ صُدورُه عنهم في أوقاتِهم كافَّةً حسبَما يُنبئُ عنه حِكايتُه بصِيغةِ المضارعِ [79] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/98). .
- وقيل: عبِّر بالماضي؛ لأنَّهم ما سمَحوا بهذا القولِ إلَّا مرَّةً مِنَ الدَّهرِ، وأمَّا أغلبُ قولِهم فكان أنَّهم يكونون على تَقديرِ البعثِ أسعَدَ مِنَ المؤمنينَ على قِياسِ ما هُم عليه في الدُّنيا ونحوِ هذا مِنَ الكذِبِ على الله [80] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (21/226). .
- وتِلْكَ إشارةٌ إلى الرَّدَّةِ المستفادةِ مِن (مَرْدودونَ)، والإشارةُ إليه باسمِ الإشارةِ للمؤنَّثِ؛ للإخبارِ عنه بـ (كَرَّةٌ)، و(إذنْ) حرفُ جوابٍ وجزاءٍ للكلامِ المتقدِّمِ، لا عمَلَ لها، جِيءَ بها لإفادةِ تأكيدِ الرَّجعةِ الخاسرةِ، والتَّقديرُ: إذنْ تلك كَرَّةٌ خاسرةٌ، فقُدِّم (تلك) على حرفِ الجوابِ؛ للعنايةِ بالإشارةِ [81] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/71)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/364). .
- ووصْفُ الكَرَّةِ بالخاسرةِ للمبالَغةِ؛ لأنَّ الخاسرَ أصحابُها، والمعنى: إنَّا إذنْ خاسرونَ؛ لتكذيبِنا، وتَبيُّنِ صِدقِ الَّذي أنذَرَنا بتلك الرَّجعةِ [82] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/72)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/365). .
4- قولُه تعالَى: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ
- الفاءُ في قولِه: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فصيحةٌ -تُفصِحُ عن جملةٍ قد حُذِفَتْ-؛ للتَّفريعِ على ما يُفيدُه قولُهم: أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ * أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً [النازعات: 10-11] مِن إحالتِهم الحياةَ بعدَ البِلى والفَناءِ، فتَقديرُ الكلامِ: لا عجَبَ في ذلك؛ فما هي إلَّا زجرةٌ واحدةٌ فإذا أنتم حاضِرونَ في الحشرِ [83] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/72). ؛ فهو تَعليلٌ لِمُقدَّرٍ يَقتضيهِ إنكارُهم لإحياءِ العِظامِ النَّخِرةِ الَّتي عبَّروا عنها بالكَرَّةِ؛ فإنَّ مَدارَه لَمَّا كان استِصعابَهم إيَّاها ردَّ عليهم ذلك، فقيلَ: لا تَستَصْعِبوها؛ فإنَّما هي صيحةٌ واحدةٌ [84] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/694)، ((تفسير البيضاوي)) (5/283)، ((تفسير أبي حيان)) (10/397)، ((تفسير أبي السعود)) (9/98)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/364). .
- قولُه: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ هي النَّفخةُ الثَّانيةُ، عُبِّر عنها بها؛ تَنبيهًا على كمالِ اتِّصالِها بها، كأنَّها عَيْنُها [85] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/98). .
- في قولِه: فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قَصْرٌ حقيقيٌّ [86] القَصرُ أو الحَصرُ هو: تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه؛ مِثلُ: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. ويَنقسِمُ إلى قَصْرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقصرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِعِ، بألَّا يَتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصْفُ الإلَهيَّةِ الحقِّ على مَوصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والقصرُ الإضافيُّ: أن يكونَ المقصورُ عنه شيئًا خاصًّا، يُرادُ بالقصرِ بيانُ عدَمِ صحَّةِ ما تصوَّره بشأنِه أو ادَّعاه المقصودُ بالكلامِ، أو إزالةُ شكِّه وترَدُّدِه، إذا كان الكلامُ كلُّه منحصرًا في دائرةٍ خاصَّةٍ؛ فليس قصرًا حقيقيًّا عامًّا، وإنَّما هو قصرٌ بالإضافةِ إلى موضوعٍ خاصٍّ، يَدورُ حوْلَ احتمالَينِ أو أكثرَ مِن احتمالاتٍ محصورةٍ بعددٍ خاصٍّ، ويُستدَلُّ عليها بالقرائنِ. مِثلُ قولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144]. والقصرُ الادِّعائيُّ: ما كان القصرُ الحقيقيُّ فيه مبنيًّا على الادِّعاءِ والمبالَغةِ؛ بتنزيلِ غيرِ المذكور منزِلةَ العدَمِ، وقصْرِ الشَّيءِ على المذكورِ وحْدَه. وقَصْرُ القَلبِ: أن يَقلِبَ المتكلِّمُ فيه حُكمَ السَّامعِ؛ كقولِك: ما شاعرٌ إلَّا زَيدٌ، لِمَن يَعتقِدُ أنَّ شاعرًا في قبيلةٍ معيَّنةٍ أو طرَفٍ مُعَيَّنٍ، لكنَّه يقولُ: ما زيدٌ هناك بشاعِرٍ. وللقَصرِ طُرُقٌ كثيرةٌ؛ منها: القصرُ بالنَّفيِ والاستثناءِ، والقصرُ بـ (إنَّما)، والقصرُ بتقديمِ ما حَقُّه التأخيرُ، وغيرُ ذلك. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسَّكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجُرْجاني (1/175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 19 - 22)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكة الميداني (1/525). مرادٌ منه تَأكيدُ الخبرِ بتنزيلِ السَّامعِ مَنزِلةَ مَن يَعتقِدُ أنَّ زجرةً واحدةً غيرُ كافيةٍ في إحيائِهم [87] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/72). .
- ووُصِفَتِ الزَّجرةُ بواحدةٍ تأكيدًا؛ لِما في صِيغةِ المَرَّةِ مِن معْنى الوَحدةِ؛ لئلَّا يُتوهَّمَ أنَّ إفرادَه للنَّوعيَّةِ، وإنَّما أُريدَ بكَونِها واحدةً أنَّها لا تُتْبَعُ بثانيةٍ لها، وقد وُصِفَتْ بواحدةٍ في سورةِ الحاقَّةِ بهذا الاعتبارِ [88] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/72، 73). .
- قولُه: فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ بيانٌ لترتُّبِ الكَرَّةِ على الزَّجرةِ مُفاجأةً، أي: فإذا هُم أحياءٌ على وجهِ الأرضِ بعْدَما كانوا أمواتًا في جَوفِها، أو بيانٌ لحُضورِهم الموقفَ عَقِيبَ الكَرَّةِ الَّتي عُبِّرَ عنها بالزَّجرةِ [89] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/98). .
- والفاءُ في فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ فاءُ الفَصيحةِ؛ للتَّفريعِ على جُملةِ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، و(إذا) للمُفاجأةِ؛ فالإتيانُ بها للدَّلالةِ على سُرعةِ حُضورِهم بهذا المكانِ عَقِبَ البعثِ، أي: الحُصولِ دونَ تأخيرٍ، فحصَلَ تأكيدُ معنى التَّفريعِ الَّذي أفادَتْه الفاءُ، وذلك يُفيدُ عدمَ التَّرتُّبِ بيْنَ الزَّجْرةِ والحُصولِ في السَّاهرةِ؛ فالجمعُ بيْنَ المفاجأةِ والتَّفريعِ أشدُّ ما يُعبَّرُ به عن السَّرعةِ مع إيجازِ اللَّفظِ [90] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/73)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/364، 365). .