موسوعة اللغة العربية

المَبْحَثُ الأوَّلُ: إعرابُ المُقسَمِ به


إذا كانت جُملةُ القَسَمِ اسميَّةً؛ فإما أن يكونَ ما بَعْدَها متعينًا للقَسَمِ -أي: لا يُستعمَلُ في غير القَسَمِ- مِثْلُ: لَعَمْرُك، ولَأيمُنُ، فهذا يجِبُ رفْعُه على الابتداءِ، وخَبَرُه محذوفٌ وجوبًا للعِلمِ به، أي: لَعَمْرُك قَسَمِي، لأيمُنُ اللهِ قَسَمي. ووجب اعتباره مُبتَدَأً لدخولِ اللامِ عليه، واللامُ لا تَدخُلُ على الخَبَر إلَّا ضرورةً.
إعراب: لعَمْرِي لأنجَحَنَّ
عَمْرِي: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ المُقَدَّرةُ لانشغالِ المحلِّ بحركةِ المناسبةِ قبل الياءِ، والياءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه، والخَبَرُ محذوفٌ وُجوبًا؛ لأنَّ جُملةَ جوابِ القَسَمِ سَدَّت مسَدَّه.
لأنجحَنَّ: اللامُ لامُ القَسَمِ، أنجح: فِعلٌ مُضارعٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لدُخولِ نونِ التوكيدِ الثقيلةِ عليه.
فإنْ لم يكُنْ متعيِّنًا للقَسَمِ، بحيثُ إنَّه يأتي في القَسَمِ وفي غيرِه، جاز حذْفُ الخَبَرِ وإثباتُه. تَقولُ: عهْدُ الله عليَّ لأفعلَنَّ، يمينُ اللهِ يلزَمُني لأذهَبَنَّ، يجوزُ حَذفُ الخَبَرِ هنا، وهو "علَيَّ" و"يلزَمُني". وحينئذٍ يجوزُ نَصبُ المُقسَمِ به بفِعلٍ مُقَدَّرٍ؛ ففي مِثْلِ: عَهدُ اللهِ عليَّ لأفعَلَنَّ.
عهد: مُبتَدَأٌ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
الله: اسمُ الجلالةِ مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
عليَّ: الجارُّ والمجرورُ في مَحَلِّ رَفعٍ خَبَرٌ.
لأفعلَنَّ: اللامُ لامُ القَسَمِ، أفعل: فِعلٌ مُضارعٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لدُخولِ نونِ التوكيدِ الثَّقيلةِ عليه.
أما في نحوِ: عهدُ اللهِ لأفعلَنَّ؛ فيجوزُ إعرابُه بنَفْسِ الصورةِ السَّابقةِ، والخَبَرُ محذوفٌ جوازًا تقديرُه: "عليَّ، أو يلزَمُني، أو نحوه"، ويجوز إعرابُه مفعولًا:
عهدَ: مَفعولٌ به منصوبٌ لفِعلٍ مَحذوفٍ تقديره: "أحلف"، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
الله: اسمُ الجلالةِ مُضافٌ إليه مَجرورٌ، وعَلامةُ جَرِّه الكَسْرةُ الظَّاهِرةُ.
لأفعَلَنَّ: اللامُ لامُ القَسَمِ، أفعل: فِعلٌ مُضارعٌ مَبْنيٌّ على الفَتحِ لدُخولِ نونِ التوكيدِ الثَّقيلةِ عليه.
ولهذا ورد قولُ الشَّاعِرِ:
فإنَّك -عَمْر الله- إن تسألِيهم
بأحسابِنا إذ ما تجلُّ الكبائِرُ
برفع "عَمْر" ونصبه على ما ذكَرْناه.
فإذا دخَلَت الباءُ أو غيرُها من حروفِ القَسَمِ تعيَّن الجرُّ. تَقولُ: بعهدِ الله لأفعلنَّ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
رُقَيَّ بعَمْرِكُم لَا تهجُرينا
ومَنِّينَا المُنَى ثمَّ امْطُلِينا
إذا كان المُقسَمُ به "ايمُن" وألفه وصلٌ لا قَطع، بخلاف "أَيْمُن" جمع يمين، فإنه يلزمُ الإضافةَ، وغالبًا يضافُ إلى اسمِ الجلالةِ، وقد يضاف إلى الكعبةِ أو حرفِ الكافِ أو إلى (الذي). تَقولُ: وايْمُنُ اللهِ، وايمُنُ الكَعبةِ، وايمُنُكَ، وايمُنُ الذي نفسي بيَدِه. وقد يضافُ إلى غيرِ ذلك. تَقولُ: وايمُنُ الرَّحمنِ، وايمُن أبيك ... إلَّا أن ما ذُكِرَ أولًا أكثرُ سماعًا.
ويجوز في "ايمن" إن كانت مضافةً إلى الله أن تصير: أيْمُ، ايْمُ، أَيْمُن، إِيمُ، إِيمِ.
وقد يكونُ المُقسَمُ به اسمَ الجلالةِ، ويكون مُبتَدَأً، وخَبَرُه مذكورٌ، وهو "لك، عليَّ"، كقَولِ الشَّاعِرِ:
لك اللهُ لا أُلفَى لعَهْدِك ناسِيًا
فلا تَكُ إلَّا مِثْلَ ما أنا كائِنُ
وقَول آخر:
أميرًا على ما شِئتَ مِنِّي مُسَلَّطًا
فَسَلْ فلك الرَّحمنُ تمنَعُ سُولَا
وقَول غيرهما:
نهى الشَّيبُ قلبي عن صبًا وصبايةٍ
ألا -فَعَلَيَّ الله- أُوجَد صابِيَا
وتتصدَّرُ جُملةَ جوابِ القَسَمِ، وهو المقسَمُ عليه، أو ما جاء القَسَمُ ليؤكِّدَه، اللَّامُ أو (إنَّ) في الإثباتِ؛ فإذا كانت الجُملةُ اسميَّةً، فإما أن تتصدَّرَ باللَّامِ و(إنَّ). تَقولُ: واللهِ إنَّ زيدًا لقائمٌ، ودخلت اللامُ على الخَبَر لعدَمِ توالي المؤكِّدات، وإما أن تتصدَّر باللَّامِ وحدها: والله لزيدٌ قائم، أو بـ(إنَّ) وحدها: واللهِ إنَّ زيدًا قائمٌ.
وإن كانت الجُملةُ الاسميَّةُ منفيةً، فإنها تُنفى بـ(ما). تَقولُ: والله ما زيدٌ قائمٌ. ويجوزُ حَذفُ النَّافي إذا أُمِن اللَّبْس، كقَولِ الشَّاعِرِ:
فواللهِ ما نِلْتُم وما نِيلَ مِنكم
بمعتَدِل وَفْق ولا مُتقارِب
فالأصلُ: ما ما نِلْتُم وما ما نِيلَ منكم بمُعتَدِل، فحذف (ما) النافية وترك (ما) الموصولة، وإنما جاز الحذفُ لدَلالةِ الباءِ الزَّائدةِ في "معتدل" على النفيِ.
ويجوز في الاسميَّة المثبَتةِ أن تحذَفَ اللامُ منها مع غيرِ طُولِ الكلامِ. تَقولُ: واللهِ زيدٌ قائمٌ، ومنه قول أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ في الحديثِ: «وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ »، والأصلُ: لأنا كنتُ أظلَمَ. أما إن استطال الكلامُ، فالأحسَنُ حَذفُها، تَقولُ: واللهِ الذي رفع السَّمواتِ بغيرِ عَمَدٍ، وبَسَط الأرضَ، وجَعَل فيها رواسِيَ؛ أنا صادِقٌ. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
وربِّ السَّموات العُلا وبُرُوجِها
والأرضِ وما فيها المقدَّرُ كائِنُ
فإنَّ الأصل: لَلْمُقدَّر كائِنٌ.
أمَّا إن كانت فِعليَّةً؛ فإن كان فعلها ماضيًا منفيًّا فإنه يُنفى بـ(ما). تَقولُ: واللهِ ما نامَ زيدٌ، وإن كان مثبتًا؛ فإن كان الفِعْل مشتقًّا، وكان زمنُ الفِعْل بعيدًا من زمان الحالِ سُبق باللَّامِ. تَقولُ: واللهِ لقام زيدٌ، ومنه قَولُه تعالى: وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ [الروم: 51] ، وقَول الشَّاعِر:
حلَفْتُ لها باللهِ حَلفةَ فاجِرٍ
لناموا فما إنْ مِن حديثٍ ولا صالِ
وإن كان قريبًا من زمان الحالِ سُبق باللَّامِ و(قد). تَقولُ: واللهِ لقد قام زيدٌ، ومنه قولُ اللهِ عزَّ وجلَّ: قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا [يوسف: 91] ، وقد تُسبق باللَّامِ و(ربما)، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
لَئِنْ نزَحَت دارٌ لسَلْمى لربَّما
غَنِينا بخيرٍ والدِّيارُ جَميعُ
أو بـ: "بما" المرادفة لـ(ربما)، كقَولِ الشَّاعِرِ:
فلَئِنْ بان أهلُه
لَبِمَا كان يُؤهَلُ
والماضي الذي يأتي في صورةِ المضارعِ له نفسُ الحُكمِ أيضًا، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
لئن أمسَتْ رُبوعُهم يبابا
لقد تدعو الوفودُ لها وُفودَا
فدخَلَت "لقد" على الفِعْلِ المضارع؛ لأنَّه يفيدُ زمانَ الماضي. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فلئن تغيَّر ما عَهِدْتُ وأصبَحَت
صَدَفت فلا بَذلٌ ولا ميسورُ
لبِمَا يساعِفُ في اللقاءِ وَلِيها
فَرَحٌ بقُربِ مَزارِها مَسرورُ
فسُبق المضارع بـ"لبما"؛ لأنَّه في معنى الماضي.
وإذا تقدَّم معمول الفِعْل الماضي عليه، فإنَّ اللام وحدها تقترن بالمعمولِ المتقَدِّم، ولا تَدخُلُ (قد) ولا بـ(ما) ولا (ربما)، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
لعمري لقدمًا عَضَّني الجوعُ عضَّةً
فآليتُ ألَّا أمنعَ الدَّهرَ جائعَا
فتقدم "قدمًا" على الفِعْل، فاقترنت اللام وحدها به.
وهذا إن كان الفِعْل متصرفًا، فإن كان جامدًا اكتفي باللَّامِ فحسْبُ. تَقولُ: والله لَبِئسَتِ الدار، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
لعَمْرِي لنِعْمَ الفتى مالِكٌ
إذا الحَربُ أصْلَت لظاها رِجَالَا
فإن طال الكلامُ لم تلحَقِ اللامُ بالفِعْلِ، ومنه قَولُه تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشَّمس: 1 - 9] ، فلم يُدخِل اللامَ على "قد أفلح" لطُولِ الفَصلِ.
ويجوزُ أن يستغنيَ الفِعْلُ الماضي عن اللام ويكتفي بـ(قد)، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
تَاللهِ قَدْ عَلِمَتْ قَيْسٌ إِذا قَذَفَتْ
‌رِيحُ ‌الشِّتاءِ ‌بُيُوتَ ‌الحَيِّ ‌بالعُنَن
وقد يحذَفُ النفيُ من الفِعْل الماضي إذا أُمِن اللبسُ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فإن شئتِ آليتُ بين المقا
م والرُّكنِ والحَجَرِ الأَسْوَدِ
نَسيتُك ما دام عقلي معي
أمدَّ به أمد السَّرْمَدِ
أي: ما نَسِيتُك؛ إذ لو أراد الإثبات لقال: قد نسيتُك، أو: لقد نسيتُك.
فإن كان الفِعْل مُستَقبَلًا مثبتًا فالرابطُ بين القَسَمِ والفِعْل اللامُ ونونُ التوكيدِ الخفيفةُ أو الثقيلة. تَقولُ: واللهِ لأقومَنَّ، ولا يجوزُ حَذفُ أحدهما دون الآخَرِ إلَّا للضرورة. فإن كان منفيًّا، فإنه يُسبَقُ بـ(لا) النافية، أو (لن)، أو (إنْ). تَقولُ: واللهِ لا يقومُ زيدٌ، وقد يُحذَفُ النافي؛ إذ لا لَبْسَ؛ فإنه لو كان الفِعْلُ مثبتًا لسُبِقَ باللَّامِ وأُكِّد بالنُّون. تَقولُ: والله يقومُ زيدٌ، أي: لا يقومُ، ومنه قَولُه تعالى: قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ [يوسف: 85] ، وقَول الشَّاعِر:
أقسَمْتُ أنساها وأترُكُ ذِكْرَها
حتَّى تُغَيَّبَ في الضَّريحِ عِظامي
ولا يجوزُ حَذفُ النافي إلَّا مع القَسَمِ؛ ولهذا إذا لم يكُنِ القَسَمُ في البيتِ أو الشاهِدِ فإنه يُؤَوَّلُ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
وقَولي إذا ما أطلقوا عن بعيرِهم
تلاقُونَه حتَّى يؤوبَ المنخلُ
أي: واللهِ لا تلاقونَه.
ومن النفي بـ(إنْ) قولُه تعالى: وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر: 41] ، ويندُرُ النفيُ بـ(لن)، ومنه قولُ أبي طالبٍ:
واللهِ لن يَصِلوا إليك بجَمْعِهم
حتَّى أوارى في التُّرابِ دَفِينَا
ويندُرُ أيضًا النفيُ بـ(لم)، ومنه ما حكى الأصمعيُّ أنه قال لأعرابيٍّ: ألك بنونَ؟ فقال: نعم وخالقِهم لم تَقُمْ عن مِثْلِهم مُنجِبَةٌ.
فإن تقدَّم معمولُ الفِعْل عليه لم تَدخُلُ النُّون على الفِعْل، ومنه قَولُه تعالى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ [آل عمران: 158] .
وإن سُبِقَ الفِعْلُ بأحَدِ حَرفَيِ التنفيسِ "السين وسوف" امتنع توكيدُه بالنُّون، تَقولُ: واللهِ لسوف أذهبُ إلى الأميرِ. ومنه قَولُه تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى: 5] .
وإن لم يتقدَّمِ المعمولُ ولا سُبِقَ الفِعْلُ بحَرفِ تنفيسٍ، فيؤكَّدُ بالنُّون غالبًا، وقد جاء على خلافِ ذلك قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ » أخرجه مطولاً البخاري (7050) واللفظ له، ومسلم (2290) من حديث سهل بن سعد الساعدي رَضِيَ اللهُ عنه. . ومنه قولُ عبدِ اللهِ بنِ رَواحةَ:
فلا وأبي لنَأْتِيها جميعًا
ولو كانت بها عَرَبٌ ورُومُ
فإن كان الفِعْلُ منفيًّا لم يجُزْ توكيدُه إلَّا أن يكون منفيًّا بـ"لا"؛ فيجوز أن تؤكِّدَه، تَقولُ: واللهِ لا أجلِسَنَّ معك، ومنه قَولُه تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال: 25] ، وقَول الشَّاعِر:
تالله لا يُحمَدَنَّ المرءُ مُجتَنِبًا
فِعْلَ الكرامِ وإن فاق الوَرَى حَسَبَا
إلا أنَّ الأكثر ألَّا يؤكَّدَ المنفيُّ بها، ومنه قَولُه تعالى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل: 38] .
فإن كان الفِعْلُ حالًّا فالنفيُ بـ(ما). تَقولُ: واللهِ ما يقومُ زيدٌ، ولا يجوزُ حَذفُ "ما" هنا؛ لئلَّا يلتَبِسَ مع المُستَقبَلِ المنفيِّ. وإن كان مثبتًا فلا يأتي القَسَمُ معه بصورته، وإنما يتحوَّلُ لصيغة الجُملة الاسميَّة المكوَّنة من المُبتَدَأِ وهو الفاعِلُ أصلًا، والخَبَر وهو المشتَقُّ من الفِعْلِ؛ تقولُ مِن (ينام زيد): والله إنَّ زيدًا لنائِمٌ، والله لزيدٌ نائمٌ، والله إنَّ زيدًا نائمٌ.
على أنَّ الفِعْلَ المُثبَت الذي يدُلُّ على الحالِ لا تلحَقُه نونُ التوكيدِ، وإنما يكتفى فيه باللَّامِ فحَسْبُ. تَقولُ: واللهِ لَيَقومُ زيدٌ. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
لئن تَكُ قد ضاقت عليَّ بيوتُكم
لَيعلَمَ ربِّي أنَّ بَيتي واسِعٌ
وقَول غَيرِه:
لعَمْرِي لأدْرِي ما قضى اللهُ كَوْنَه
يكونُ وما لم يقضِ ليس بكائنٍ
فإن دخل القَسَمُ على الجُملةِ الشَّرْطيةِ الامتناعيَّةِ المبدوءةِ بـ(لو) أو (لولا)؛ فإنها تتصَدَّرُ بـ(أن). تَقولُ: واللهِ أن لو قام عَمرٌو لقام عليٌّ.
فإن كان ما بعد القَسَمِ طلبيًّا فإنه يُصدَّرُ بما يدُلُّ على الطَّلَبِ. تَقولُ: باللهِ لتفعلَنَّ كذا، ناشَدْتُك اللهَ لتصِلَنَّ رَحِمَك، عَمَرْتُك اللهَ لتُعطِيَنَّ الفقيرَ. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
بعَيشِك يا سَلْمَى ارحمي ذا صبابةٍ
أبى غيرَ ما يرضيك في السِّرِّ والجَهرِ
وقد تبدأُ بأداةِ الطَّلَبِ مِثْلَ (هل)، و(لا) الناهية. تَقولُ: باللهِ هل تقومَنَّ، باللهِ هل قام زيدٌ، باللهِ لا تعصيَنَّ ربَّك. ومِثْلُه قول الشَّاعِر:
بربِّك هل للصَّبِّ عندك رأفةٌ
فيرجوَ بعد اليأس عيشًا مجدَّدَا
وقد تَدخُلُ (إلا) و(لما) في الدَّلالةِ على الطَّلَبِ، تَقولُ: باللهِ إلَّا فعلتَ كذا، ناشَدْتُك اللهَ إلَّا رَحِمتَ المسكينَ، وسألتُك بالله لَمَا أشفَقْتَ على اليتيمِ، ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
بالله ربِّك إلَّا قلتِ صادقةً
هل في لقائِك للمشغوفِ مِن طَمَع
ومنه:
قالت له باللهِ يا ذا البُردَينِ
لَمَا غنثت نَفَسًا أو اثنينِ
ولا تَدخُلُ اللام على جُملة منفية إلَّا في الضَّرورةِ، بشَرطِ أن تكونَ مَنفِيَّةً بـ"ما"، قال الشَّاعِرُ:
لعَمْرُك يا سَلْمى لَمَا كنتُ راجيًا
حياةً ولكنَّ العوائِدَ تُحرِقُ

انظر أيضا: