موسوعة الأخلاق والسلوك

و- نماذِجُ مِن صُوَرِ الجِدِّيَّةِ والحَزمِ عِندَ العُلَماءِ المُعاصِرين


- جِدِّيَّةُ محمَّدِ بنِ عَبدِ الوهَّابِ وحَزمُه في القيامِ بأمرِ الدَّعوةِ والإصلاحِ
قال ابنُ باز: كان أهلُ نجدٍ قَبلَ دَعوةِ الشَّيخِ على حالةٍ لا يرضاها مؤمِنٌ، وكان الشِّركُ الأكبَرُ قد نشأ في نجدٍ وانتشر حتى عُبِدت القِبابُ وعُبِدت الأشجارُ والأحجارُ، وغَلَب على النَّاسِ الإقبالُ على الدُّنيا وشَهَواتِها، وقَلَّ القائِمُ للهِ والنَّاصِرُ لدينِه، وهكذا في الحرَمَينِ الشَّريفَينِ، وفي اليَمَنِ اشتَهَر في ذلك الشِّركُ، فلما رأى الشَّيخُ الإمامُ هذا الشِّركَ وظهورَه في النَّاسِ وعَدَمَ وُجودِ مُنكِرٍ لذلك وقائِمٍ بالدَّعوةِ إلى اللهِ في ذلك، شَمَّر عن ساعِدِ الجِدِّ وصَبَر على الدَّعوةِ، وعَرَف أنَّه لا بُدَّ من جهادٍ وصَبرٍ وتحمُّلٍ للأذى، فجَدَّ في التَّعليمِ والتَّوجيهِ والإرشادِ، وهو في العُيَينةِ، وفي مُكاتبةِ العُلَماءِ في ذلك والمُذاكَرةِ معهم؛ رجاءَ أن يقوموا معه في نُصرةِ دينِ اللهِ، والمجاهَدةِ في هذا الشِّركِ وهذه الخُرافاتِ، فأجاب دعوتَه كثيرون من عُلَماءِ نَجدٍ وعُلَماءِ الحرَمَينِ، وعُلَماءِ اليَمَنِ، وغَيرِهم، وكَتَبوا إليه بالموافَقةِ [2668] يُنظر: ((الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته)) (1/25-26). .
- جِدِّيَّةُ محمَّدِ الأمينِ الشِّنقيطيِّ وحَزمُه في طَلَبِ العِلمِ وانشِغالِه به عن الزَّواجِ
أخذ العِلمُ بمجامِعِ نَفسِ الشَّيخِ الأمينِ حتَّى لم يَدَعْ لغَيرِه مَسلَكًا، وتحرَّقَت نفسُه للطَّلَبِ، فلم تَرْضَ بغَيرِه مزاحِمًا، ومن طريفِ خَبَرِه في ذلك قولُه عن نفسِه: كنتُ في أُخْرَياتِ زَمَني في الاشتغالِ بطَلَبِ العِلمِ دائِمَ الاشتغالِ به عن التَّزويجِ؛ لأنَّه ربَّما أعاق عنه، وكان إذ ذاك بعضُ البناتِ ممَّن يَصلُحُ لمثلي يرغَبُ في زواجي ويطمَعُ فيه، فلمَّا طال اشتغالي بطَلَبِ العِلمِ عن ذلك المنوالِ، أَيِسَت منِّي فتزوَّجَت ببعضِ الأغنياءِ، فقال لي بعضُ الأصدِقاءِ: إن لم تتزَوَّجِ الآنَ من تصلُحُ لك؟! تزَوَّجَت عنك ذاتُ الحَسَبِ والجَمالِ، ولم تَجِدْ من يَصلُحُ لمِثْلِك، يريدُ أن يُعجِلَني عن طَلَبِ العِلمِ، فقُلتُ في ذلك هذه الأبياتِ:
دعاني النَّاصِحون إلى النِّكاحِ
غَداةَ تزوَّجَتْ بِيضُ المِلاحِ
فقُلتُ لهم: دعوني إنَّ قَلبي
من العِيِّ الصُّراحِ اليَومَ صاحِ
ولي شُغُلٌ بأبكارٍ عَذارى
كأنَّ وُجوهَها ضَوءُ الصَّباحِ
أَبِيتُ مُفَكِّرًا فيها فتَضْحى
لفَهمِ الفَدْمِ [2669] الفَدْمُ: العَيِيُّ عن الحُجَّةِ والكلامِ. يُنظر: ((العين)) للخليل بن أحمد (8/54). خافِضةَ الجَناحِ
أبحْتُ حَريمَها جَبرًا عليها
وما كان الحَريمُ بمُسْتباحِ) [2670] يُنظر: ((شذرات البلاتين من سير العلماء المعاصرين)) لأحمد سالم (ص: 79-80). .

انظر أيضا: