موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ من صُوَرِ الجِدِّيَّةِ والحَزمِ عِندَ الصَّحابةِ


- جِدِّيَّةُ أبي بكر رَضِيَ اللهُ عنه وحَزمه تجاه المرتدين ومانعي الزكاة بعد وفاة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واستُخلِف أبو بكرٍ، وكَفَر من كَفَر من العَرَبِ، قال عُمَرُ: يا أبا بكرٍ، كيف تقاتِلُ النَّاسَ، وقد قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمِرْتُ أن أقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فمَن قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ، فقد عَصَم منِّي مالَه ونَفْسَه إلَّا بحَقِّه، وحِسابُه على اللهِ)) قال أبو بكرٍ: واللهِ لأقاتِلَنَّ من فَرَّق بين الصَّلاةِ والزَّكاةِ؛ فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، واللهِ لو منَعوني عَناقًا [2642] العَناقُ: الأُنثى من أولادِ المَعزِ ما لم يَتِمَّ له سَنةٌ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/311). كانوا يُؤَدُّونها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لقاتَلْتُهم على مَنْعِها، قال عُمَرُ: فواللهِ ما هو إلَّا أن رأيتُ أنْ قد شرَحَ اللهُ صَدْرَ أبي بكرٍ للقِتالِ، فعَرَفْتُ أنَّه الحَقُّ [2643] أخرجه البخاري (6924، 6925) واللَّفظُ له، ومسلم (20). .
- جِدِّيَّةُ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه في طَلَبِ الإسلامِ
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((لَمَّا بلَغَ أبا ذَرٍّ مَبعَثُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال لأخيه: اركَبْ إلى هذا الوادي فاعلَمْ لي عِلمَ هذا الرَّجُلِ الذي يَزعُمُ أنَّه نبيٌّ يأتيه الخَبَرُ من السَّماءِ، واسمَعْ من قولِه، ثمَّ ائتِني، فانطلَق الأخُ حتَّى قَدِمَه، وسَمِع من قَولِه، ثمَّ رَجَع إلى أبي ذَرٍّ، فقال له: رأيتُه يأمُرُ بمكارمِ الأخلاقِ، وكلامًا ما هو بالشِّعرِ، فقال: ما شفَيْتَني ممَّا أردتُ، فتزَوَّدَ وحَمَل شَنَّةً [2644] الشَّنَّةُ: الخَلَقُ من كُلِّ آنيةٍ صُنِعَت من جِلدٍ. يُنظر: ((لسان العرب)) لابن منظور (13/241). له فيها ماءٌ، حتَّى قَدِم مَكَّةَ، فأتى المَسجِدَ فالتَمَس النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا يَعرِفُه، وكَرِه أن يسألَ عنه حتَّى أدركَه بعضُ اللَّيلِ، فاضطَجَع فرآه عليٌّ فعرَفَ أنَّه غريبٌ، فلمَّا رآه تَبِعَه فلم يسأَلْ واحِدٌ منهما صاحِبَه عن شيءٍ حتَّى أصبَح، ثمَّ احتَمَل قِربَتَه وزاده إلى المسجِدِ، وظَلَّ ذلك اليومَ ولا يراه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى أمسى، فعاد إلى مَضجَعِه، فمَرَّ به عليٌّ، فقال: أمَا نال للرَّجُلِ أن يَعلَمَ مَنزِلَه؟ فأقامه فذَهَب به معه، لا يسألُ واحِدٌ منهما صاحِبَه عن شيءٍ، حتى إذا كان يومُ الثَّالِثِ، فعاد عليٌّ على مِثلِ ذلك، فأقام معه ثمَّ قال: ألَا تحَدِّثُني ما الذي أقدَمَك؟ قال: إنْ أعطَيتَني عهدًا وميثاقًا لَتُرشِدَنِّي فَعَلْتُ، ففَعَل فأخبَرَه، قال: فإنَّه حَقٌّ، وهو رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا أصبَحْتَ فاتْبَعْني، فإنِّي إن رأيتُ شيئًا أخاف عليك قُمتُ كأنِّي أريقُ الماءَ، فإن مَضَيتُ فاتْبَعْني حتى تدخُلَ مَدخَلي، ففَعَل، فانطَلَق يقفوه حتَّى دخل على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ودَخَل معه، فسَمِع من قَولِه وأسلَمَ مكانَه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ارجِعْ إلى قَومِك، فأخبِرْهم حتَّى يأتيَك أمري. قال: والذي نَفْسِي بيَدِه، لأصرُخَنَّ بها بَيْنَ ظَهْرَانَيهم، فخَرَج حتى أتى المسجِدَ، فنادى بأعلى صَوتِه: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، ثمَّ قام القومُ فضَرَبوه حتَّى أضجعوه، وأتى العبَّاسُ فأكَبَّ عليه، قال: وَيْلَكم ألسْتُم تَعلَمونَ أنَّه مِن غِفارٍ، وأنَّ طريقَ تِجارِكم إلى الشَّأمِ، فأنقَذَه منهم، ثمَّ عاد من الغَدِ لمِثْلِها، فضَرَبوه وثاروا إليه، فأكَبَّ العبَّاسُ عليه)) [2645] أخرجه البخاري (3861) واللَّفظُ له، ومسلم (2474) .
- جِدِّيَّةُ وحَزمُ عبدِ اللهِ بنِ جُبَيرٍ رَضِيَ اللهُ عنه في تنفيذِ أمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ أُحُدٍ
عن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((جَعَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الرَّجَّالةِ يومَ أحُدٍ -وكانوا خمسينَ رَجُلًا- عبدَ اللهِ بنَ جُبَيرٍ، فقال: إنْ رأيتُمونا تخطَفُنا الطَّيرُ فلا تَبْرَحوا مكانَكم هذا حتَّى أُرسِلَ إليكم، وإن رأيتُمونا هزَمْنا القومَ وأوطَأْناهم فلا تَبْرَحوا حتَّى أرسِلَ إليكم، فهزموهم، قال: فأنا واللهِ رأيتُ النِّساءَ يشتَدِدْنَ، قد بَدَت خلاخِلُهنَّ وأَسْوُقُهنَّ، رافِعاتٍ ثيابَهنَّ، فقال أصحابُ عبدِ اللهِ بنِ جُبَيرٍ: الغنيمةَ أيْ قَومِ الغنيمةَ! ظهر أصحابُكم فما تنتَظِرون؟ فقال عبدُ اللهِ بنُ جُبَيرٍ: أنسِيتُم ما قال لكم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قالوا: واللهِ لنأتِيَنَّ النَّاسَ، فلَنُصيبَنَّ من الغنيمةِ، فلمَّا أتَوهم صُرِفَت وجوهُهم، فأقبَلوا مُنهَزِمين)) [2646] أخرجه البخاري (3039) مُطَوَّلًا. .

انظر أيضا: