موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ من الجِدِّيَّةِ والحَزمِ عندَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ


- جِدِّيَّةُ نوحٍ عليه السَّلامُ في دعوةِ قَومِه إلى التَّوحيدِ مع صَبرِه زمنًا طويلًا
قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [العنكبوت: 14] .
قال الطَّاهِرُ بنُ عاشورٍ: (وظاهِرُ الآيةِ أنَّ هذه مُدَّةُ رسالتِه إلى قومِه، ولا غَرَضَ في معرفةِ عُمُرِه يومَ بَعَثه اللهُ إلى قَومِه، وفي ذلك اختِلافٌ بَينَ المفَسِّرين، وفائِدةُ ذِكرِ هذه المدَّةِ للدَّلالةِ على شِدَّةِ مُصابَرتِه على أذى قَومِه، ودوامِه على إبلاغِ الدَّعوةِ) [2633] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (20/222). .
- جِدِّيَّةُ موسى عليه السَّلامُ
قال تعالى: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى [طه: 83-84] .
قال السَّعديُّ: (كان اللهُ تعالى قد واعَد موسى أن يأتيَه لِيُنزِلَ عليه التَّوراةَ ثلاثينَ ليلةً، فأتمَّها بعَشْرٍ، فلمَّا تمَّ الميقاتُ بادر موسى عليه السَّلامُ إلى الحُضورِ للمَوعِدِ شَوقًا لرَبِّه، وحِرصًا على موعودِه، فقال اللهُ له: وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى أي: ما الذي قدَّمَك عليهم؟ ولمَ لمْ تَصبِرْ حتَّى تَقدَمَ أنت وهم؟ قال: هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي أي: قريبًا مِنِّي، وسيَصِلون في أَثَري، والذي عَجَّلني إليك يا رَبِّ طَلَبًا لقُربِك ومُسارعةً في رِضاك، وشوقًا إليك) [2634] ((تفسير السعدي)) (ص: 511). .
- جِدِّيَّةُ يوسُفَ عليه السَّلامُ وحَزمُه
قال تعالى حاكِيًا عن يوسُفَ عليه السَّلامُ وحَزمِه في مواجَهةِ امرأةِ العزيزِ: قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف: 32-33]
قال الطَّبَريُّ: (هذا الخَبَرُ من اللهِ يَدُلُّ على أنَّ امرأةَ العزيزِ قد عاوَدت يوسُفَ في المراوَدةِ عن نفسِه، وتوعَّدَتْه بالسِّجنِ والحَبسِ إنْ لم يفعَلْ ما دعَتْه إليه، فاختار السِّجنَ على ما دعَتْه إليه من ذلك؛ لأنَّها لو لم تكُنْ عاودَتْه وتوعَّدَتْه بذلك كان محالًا أن يقولَ: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وهو لا يُدعى إلى شيءٍ ولا يُخَوَّفُ بحَبسٍ) [2635] ((جامع البيان)) للطبري (13/143). .
- جِدِّيَّةُ زكريَّا وأهلِ بَيتِه
قال تعالى مُثنيًا على زكَريَّا عليه السَّلامُ وأهلِ بَيتِه: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 90] .
قال الألوسيُّ: (المعنى: إنَّهم كانوا يَجِدُّون ويَرغَبون في أنواعِ الأعمالِ الحَسَنةِ، وكثيرًا ما يتعَدَّى أسرعَ بفي؛ لِما فيه من معنى الجِدِّ والرَّغبةِ) [2636] ((روح المعاني)) (9/ 83). .
وهذا من أجَلِّ ما يُمدَحُ به المؤمِنُ؛ لأنَّه يدُلُّ على الجِدِّ والرَّغبةِ في الطَّاعةِ [2637] ((غرائب القرآن ورغائب الفرقان)) للنيسابوري (5/ 48). .

انظر أيضا: