موسوعة الأخلاق والسلوك

سابِعًا: الوَسائِلُ المُعينةُ على اكتِسابِ الجِدِّيَّةِ والحَزمِ


1- أن يَعلَمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه لم يخلُقْه عَبَثًا، وأنَّه مسؤولٌ عن عَمَلِه بَينَ يَدَيه، فيَحرِصَ أن يَستَثمِرَ عُمُرَه فيما ينفَعُه.
قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَمَّا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115] .
 قال قتادةُ: (لا واللهِ، ما خلَقَ شَيئًا عَبَثًا، ولا تَرَك شيئًا سُدًى) [2620] ((تفسير ابن أبي حاتم)) (8/ 2512). .
وقال الواحِديُّ: (أي: للعَبَثِ، لا لحِكمةٍ من ثوابٍ للمُطيعِ وعقابٍ للعاصي، وقيل: عَبَثًا: للعَبَثِ؛ حتَّى تَعبَثوا وتَغفُلوا وتَلْهوا) [2621] ((الوجيز)) للواحدي (ص: 755). .
وعن أبي بَرْزةَ الأسلَميِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تزولُ قَدَما عَبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرِه فيما أفناه، وعن عِلمِه فيمَ فَعَل، وعن مالِه من أين اكتَسَبه وفيمَ أنفَقَه، وعن جِسمِه فيمَ أبلاه))  [2622] أخرجه الترمذي (2417) واللَّفظُ له، والدارمي (537)، وأبو يَعلى (7434). صَحَّحه الترمذي، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (30/301)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2417)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (9/316). .
2- معرفةُ الغايةِ التي من أجْلِها خُلِق الإنسانُ؛ قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، قال الرَّازيُّ: (عَهدُ العُبوديَّةِ منك يقتضي الجِدَّ والاجتِهادَ في العَمَلِ) [2623] ((تفسير الرازي)) (4/40). .
3- أن يَعلَمَ أنَّ اللهَ سُبحانَه وَصَف كتابَه العزيزَ بالجِدِّ الذي لا هَزْلَ فيه؛ قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ [الطارق: 13-14] .
قال الثَّعلبيُّ: (إنَّه: يعني القرآنَ لَقَوْلٌ فَصْلٌ: حَقٌّ وجِدٌّ وجَزلٌ يَفصِلُ بَينَ الحَقِّ والباطِلِ، وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ: باللَّعِبِ والباطِلِ) [2624] ((الكشف والبيان عن تفسير القرآن)) (10/181). . فينبغي للمسلِمِ أن يتحَلَّى بالجِدِّيَّةِ والحَزمِ.
4- أن يَعلَمَ أنَّ حياةَ المُسلِمِ حياةُ جِدٍّ لا فَراغَ فيها؛ قال تعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ [الشرح: 7] ، فهذه الآيةُ لم تترُكْ للمُسلِمِ فَراغًا في وقتِه؛ لأنَّه إمَّا في عَمَلٍ للدُّنيا، وإمَّا في عَمَلٍ للآخِرةِ، وقد رُوِيَ عن شُرَيحٍ أنَّه مرَّ برَجُلينِ يَصطَرِعان، فقال: ليس بهذا أُمِرَ الفارِغُ، إنَّما قال اللهُ تبارك وتعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح: 7-8] [2625] ((معاني القرآن)) للفَرَّاء (3/ 276). ، ورُوِي عن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (إنِّي لأمقُتُ الرَّجُلَ أن أراه فارِغًا، ليس في شيءٍ من عَمَلِ الدُّنيا ولا عَمَلِ الآخِرةِ) [2626] يُنظر: ((مصنف ابن أبي شيبة)) (7/ 108)، ((الزهد)) لأبي داود (ص: 171)، ((المعجم الكبير)) للطبراني (9/ 106) (8539)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (1/ 130). . فحياةُ الإنسانِ العاقِلِ حياةُ جِدٍّ، كلَّما فرَغ من عمَلٍ شَرَع في عمَلٍ آخَرَ، وهكذا؛ لأنَّ الزَّمَنَ يَفوتُ على الإنسانِ، ففي حالِ يقظَتِه ومنامِه، وشُغلِه وفراغِه يَسيرُ، ولا يمكِنُ لأحَدٍ أن يُمسِكَ الزَّمَنَ [2627] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/ 579)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 250). !
5- تذَكُّرُ الموتِ، وسُرعةُ انقِضاءِ الدُّنيا، فهذا ممَّا يَحمِلُ على الجِدِّ؛ قال ابنُ الجوزيِّ: (أظرَفُ الأشياءِ إفاقةُ المحتَضَرِ عندَ مَوِته؛ فإنَّه ينتَبِهُ انتباهًا لا يُوصَفُ، ويَقلَقُ قَلَقًا لا يُحَدُّ، ويتلَهَّفُ على زمانِه الماضي، ويَوَدُّ لو تُرِك؛ كي يتدارَك ما فاته، ويَصدُقُ في توبتِه على مقدارِ يقينِه بالموتِ، ويكادُ يَقتُلُ نفسَه قَبلَ مَوتِها بالأسَفِ.
ولو وُجِدَت ذَرَّةٌ من تلك الأحوالِ في أوانِ العافيةِ، حَصَل كُلُّ مقصودٍ من العَمَلِ بالتَّقوى.
فالعاقِلُ مَن مَثَّل تلك السَّاعةَ، وعَمِل بمقتضى ذلك؛ فإنْ لم يتهيَّأْ تصويرُ ذلك على حقيقتِه، تخايلَه على قَدْرِ يقَظتِه؛ فإنَّه يكُفُّ كَفَّ الهوى، ويَبعَثُ على الجِدِّ) [2628] ((صيد الخاطر)) (ص: 161). .
6- أن يَعلَمَ أنَّ اللهَ أثنى على أصحابِ العُقولِ الرَّاجِحةِ، الحَزَمةِ الجادِّين، الذين يَعمَلون بما يَعلَمون، فيَحرِصَ أن يكونَ منهم؛ قال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 18] ، أي: أصحابُ العُقولِ؛ لأنَّ الإنسانَ كُلَّما كان للحَقِّ أتبَعَ كان أكمَلَ عَقلًا، وكُلَّما نقَص اتِّباعُه للحَقِّ كان أدَلَّ على قِلَّةِ عَقلِه؛ فأعقَلُ النَّاسِ أتبَعُهم لدِينِ اللهِ لا شَكَّ؛ لأنَّهم هم الذين عِندَهم الحَزمُ وانتِهازُ الفُرَصِ وحِفظُ الوَقتِ [2629] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الزمر)) (ص: 148). .
7- أن يَعلَمَ أنَّ اللهَ ذَمَّ من كان أمرُه فُرُطًا ونهى عن اتِّباعِه، فقال: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28] ، قال ابنُ القَيِّمِ: (نهى عن طاعةِ مَن جَمَع هذه الصِّفاتِ؛ فيَنبغي للرَّجُلِ أن ينظُرَ في شَيخِه وقُدوتِه ومَتبوعِه، فإنْ وَجَده كذلك فلْيَبعُدْ منه.
وإن وَجَده ممَّن غلَب عليه ذِكرُ اللهِ تعالى عزَّ وجَلَّ، واتِّباعُ السُّنَّةِ، وأمرُه غيرُ مَفروطٍ عليه، بل هو حازِمٌ في أمرِه، فليستَمْسِكْ بغَرْزِه) [2630] ((الوابل الصيب)) (ص: 41). .
8- أن يخالِفَ هواه، ويُغالِبَ شَهَواتِ نَفْسِه.
9- مَعرفةُ الأجورِ والمصالحِ والمنافِعِ المترتِّبةِ على العَمَلِ والجِدِّيَّةِ والحَزمِ.
10- مَعرفةُ الأضرارِ المترَتِّبةِ على عَدَمِ الجِدِّيَّةِ والحَزمِ، ومنها التَّعَرُّضُ للعُقوبةِ والفَشَلِ.
11- أن يحرِصَ على وَضعِ أهدافٍ نبيلةٍ، ويسعى في تحصيلِها.
12- الحِرصُ على تحقيقِ الإخلاصِ في الأعمالِ والأقوالِ؛ فإنَّه يُكسِبُ الجِدِّيَّةَ والحَزمَ.
13- أن يتحَلَّى بقُوَّةِ الإرادةِ.
14- أن يحرِصَ على اغتِنامِ صِحَّتِه وعُمُرِه وشبابِه.
 عن الجُنَيدِ قال: سَمِعتُ السَّرِيَّ يقولُ: (يا مَعشَرَ الشَّبابِ، جِدُّوا قَبلَ أن تَبلُغوا مبلَغي فتَضعُفوا وتُقَصِّروا كما ضَعُفْتُ وقَصَّرْتُ، وكان في ذلك الوَقتِ لا يَلحَقُه الشَّبابُ في العبادةِ!) [2631]  ((الرسالة القشيرية)) (1/ 217). .
15- أن يَترُكَ التَّسويفَ؛ فالجِدِّيَّةُ لا تجتَمِعُ مع التَّسويفِ والأمانيِّ الكاذِبةِ.
16- أن يَعلَمَ أنَّ تَرْكَ الجِدِّ والحَزمِ يُضَيِّعُ كثيرًا من الأمورِ التي قد لا تُعَوَّضُ بَعدَ ذلك؛ قال ابنُ حَزمٍ: (قلَّما رأيتُ أمرًا أمكَنَ فضُيِّعَ إلَّا فات فلم يُمكِنْ بَعْدُ) [2632] ((الأخلاق والسِّير في مداواة النفوس)) (ص: 83). .
17- أن يُكثِرَ النَّظَرَ في السِّيرةِ النَّبَويَّةِ وسِيَرِ الصَّحابةِ والسَّلَفِ الصَّالحِ؛ فإنَّ ذلك من أعظَمِ الطُّرُقِ المحفِّزةِ على الجِدِّيَّةِ.
18- أن يحرِصَ على اختيارِ الصُّحبةِ التي تُعينُه على الجِدِّيَّةِ والحَزمِ.
19- الاستعانةُ باللهِ، والتوَكُّلُ عليه.
20- الإقلاعُ عن الذُّنوبِ؛ فالذُّنوبُ تمنَعُ من الجِدِّيَّةِ وتُثَبِّطُ عن العَمَلِ.
21- تَركُ الدَّعَةِ والرَّاحةِ والكَسَلِ.
22- الدُّعاءُ والاستعاذةُ من الشَّيطانِ ومن الكَسَلِ والعَجزِ.

انظر أيضا: