موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


إنَّ القُرآنَ الكريمَ يبعَثُ على التَّفاؤُلِ، ويفتَحُ أبوابَ الأملِ والرَّجاءِ، ويسُدُّ أبوابَ التَّشاؤُمِ واليأسِ، ومن ذلك:
1- قال تعالى زارِعًا الثِّقةَ والتَّفاؤُلَ في نفوسِ المؤمِنينَ، ومُثَبِّتًا لقُلوبِهم، ومُقَوِّيًا ليَقينِهم: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات: 171 - 173] .
2- وقال تعالى في بيانِ صورةٍ مِن صُوَرِ تفاؤُلِ نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خِضَمِّ المحَنِ والحِصارِ: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة: 40] .
قال الطَّبريُّ: (إذ يقولُ رسولُ اللهِ لصاحِبِه أبي بكرٍ: لا تحزَنْ، وذلك أنَّه خاف من الطَّلَبِ أن يعلَموا بمكانِهما، فجَزِع من ذلك، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تحزَنْ؛ لأنَّ اللهَ معنا، واللهُ ناصِرُنا، فلن يَعلَمَ المُشرِكون بنا، ولن يَصِلوا إلينا) [1988] ((جامع البيان)) لابن جرير (11/464). .
3- وقال تعالى في بيانِ ثباتِ المُؤمِنينَ وتفاؤُلِهم في مقابِلِ تخويفِهم ومحاوَلةِ زَعزَعةِ الثِّقةِ في نفوسِهم بكثرةِ عَدَدِ عَدُوِّهم واجتماعِه عليهم وكَيدِه بهم: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: 173] .
(هذا القولُ الذي قاله المثَبِّطون زاد المُؤمِنينَ إيمانًا على إيمانِهم، ويقينًا على يقينِهم، وثباتًا على ثباتِهم، وجعَلَهم يقولون للمُرجِفينَ بثِقةٍ واطمئنانٍ: حَسْبُنا اللهُ، أي: كافينا اللهُ أمرَ أعدائِنا، ونِعْمَ الوكيلُ، أي: نِعمَ النَّصيرُ خالِقُنا -عزَّ وجَلَّ- فهو الموكولُ إليه أمْرُنا ومصيرُنا، وقولُهم هذا يَدُلُّ دَلالةً واضِحةً على قوَّةِ إيمانِهم، وشِدَّةِ ثِقتِهم في نَصرِ اللهِ تعالى لهم، مهما كَثُر عَدَدُ أعدائِهم، ومهما تعدَّدَت مظاهِرُ قُوَّتِهم) [1989] ((التفسير الوسيط)) لمحمد سيد طنطاوي (2/342). .
4- وتحدَّث القُرآنُ أيضًا عن تفاؤُلِ أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالظَّفَرِ في أشَدِّ لحَظاتِ الفَزَعِ والخَوفِ حينَ اجتَمَعت عليهم أحزابُ الكُفرِ.
قال تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب: 22] .
قال الطَّاهِرُ بنُ عاشورٍ: (قُوبِلَت أقوالُ أولئك أي: المنافِقينَ والذين في قُلوبِهم مَرَضٌ بأقوالِ المُؤمِنينَ حينما نزلت بهم الأحزابُ ورَأَوا كثرتَهم وعدَدَهم، وكانوا على بصيرةٍ من تفَوُّقِهم عليهم في القُوَّةِ والعَدَدِ أضعافًا، وعَلِموا أنَّهم قد ابتُلُوا وزُلزِلُوا، كُلُّ ذلك لم يُخِرْ عزائِمَهم ولا أدخَلَ عليهم شكًّا فيما وعَدَهم اللهُ من النَّصرِ) [1990] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (21/304). .
5- وحَدَّثَنا القُرآنُ الكريمُ عن المرأةِ المُؤمِنةِ امرأةِ فِرعَونَ حينَ ألقى البَحرُ موسى صغيرًا، فتفاءَلت به؛ فجعَله اللهُ سببًا لنجاتِها في الدُّنيا ونعيمِها في الآخِرةِ، وتشاءَم منه فِرعَونُ؛ فكان تشاؤُمُه شَرًّا عليه في الدَّارَينِ. قال تعالى: وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [القصص: 9] .
قال الطَّبريُّ: (المرأةُ لَمَّا قالت هذا القَولَ لفِرعَونَ، قال فِرعَونُ: أمَّا لكِ فنَعَمْ، وأمَّا لي فلا؛ فكان كذلك!) [1991] ((جامع البيان)) لابن جرير (18/163). .
قال ابنُ عَبَّاسٍ: (لو أنَّه قال: وهو لي قُرَّةُ عَينٍ، إذَنْ لآمَنَ به، ولكِنَّه أبى) [1992] ((جامع البيان)) لابن جرير (18/163). .
6- ومن ذلك قَولُه تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: 5 - 6] .
7- وقَولُه تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور: 32] .
8- وقَولُه تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ التي تبعَثُ على التَّفاؤُلِ.

انظر أيضا: