موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- مِنَ القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى:بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 55 - 56] .
قال الطَّبَريُّ: (قال ضَيفُ إبراهيمَ له: بَشَّرناك بحَقٍّ يقينٍ، وعِلمٍ مِنَّا بأنَّ اللهَ قد وهَبَ لك غُلامًا عليمًا، فلا تَكُنْ مِنَ الذين يقنَطونَ مِن فضلِ اللهِ فييأسَونَ منه، ولكِنْ أبشِرْ بما بَشَّرْناك به واقبَلِ البُشرى... فقال إبراهيمُ للضَّيفِ: ومَن ييأسُ مِن رَحمةِ اللهِ إلَّا القَومُ الذين قد أخطؤوا سَبيلَ الصَّوابِ، وتَرَكوا قَصدَ السَّبيلِ في تَركِهم رَجاءَ اللهِ -ولا يخيبُ مَن رَجاه- فضلُّوا بذلك عن دينِ اللهِ) [7392] ((جامع البيان)) (17/113). .
وقال الواحِديُّ: (فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ: مِنَ الآيِسينَ، والقُنوطُ: اليأسُ مِنَ الخَيرِ. قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] . قال ابنُ عَبَّاسٍ: يُريدُ: ومَن يَيأسُ مِن رَحمةِ رَبِّه إلَّا المُكذِّبونَ، وهذا يدُلُّ على أنَّ إبراهيمَ لم يكُنْ قانِطًا، ولكِنَّه استبعَدَ ذلك، فظَنَّتِ المَلائِكةُ به قُنوطًا، فنَفى ذلك عن نَفسِه، وأخبَرَ أنَّ القانِطَ مِن رَحمةِ اللهِ ضالٌّ) [7393] ((الوسيط في تفسير القرآن المجيد)) (3/47). .
- وقال تعالى على لسانِ يعقوبَ عليه السَّلامُ: يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ [يوسف: 87] ، (يقولُ: ولا تَقنَطوا مِن أن يُرَوِّحَ اللهُ عنَّا ما نحن فيه مِنَ الحُزنِ على يوسُفَ وأخيه بفرَجٍ مِن عِندِه، فيُرينيهما؛إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ، يقولُ: لا يقنَطُ مِن فرَجِه ورَحمَتِه ويقطَعُ رَجاءَه منهإلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ يعني: القَومَ الذين يجحَدونَ قُدرَتَه على ما شاءَ تَكوينَه) [7394] ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (13/314). .
- وقال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36].
(يُخبرُ تعالى عن طَبيعةِ أكثَرِ النَّاسِ في حالَيِ الرَّخاءِ والشِّدَّةِ؛ أنَّهم إذا أذاقَهمُ اللهُ منه رَحمةً مِن صِحَّةٍ وغِنًى ونَصرٍ ونَحوِ ذلك، فرِحوا بذلك فرَحَ بَطَرٍ لا فرَحَ شُكرٍ وتَبَجُّحٍ بنِعمةِ اللهِ. وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: حالٌ تَسوؤُهم، وذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ مِنَ المَعاصي، إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسونَ مِن زَوالِ ذلك الفقرِ والمَرَضِ ونَحوِه. وهذا جَهلٌ منهم وعَدَمُ مَعرِفةٍ) [7395] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/642). .
قال البَغويُّ: (إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسونَ مِن رَحمةِ اللهِ، وهذا خِلافُ وَصفِ المُؤمِنِ؛ فإنَّه يشكُرُ اللهَ عِندَ النِّعمةِ، ويرجو رَبّه عِندَ الشِّدَّةِ) [7396] ((معالم التنزيل)) للبغوي (3/579)، ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (4/338). .
- وقال تعالى: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53] .
(لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أي: لا تَيأسوا منها، فتُلقوا بأيديكم إلى التَّهلُكةِ، وتَقولوا: قد كثُرَت ذُنوبُنا، وتَراكمَت عُيوبُنا، فليس لها طَريقٌ يُزيلُها، ولا سَبيلٌ يصرِفُها؛ فتَبقَونَ بسَبَبِ ذلك مُصِرِّينَ على العِصيانِ، مُتَزَوِّدينَ ما يُغضِبُ عليكمُ الرَّحمَنَ، ولكِنِ اعرِفوا رَبَّكم بأسمائِه الدَّالَّةِ على كرَمِه وجودِه، واعلَموا أنَّه يغفِرُ الذُّنوبَ جَميعًا مِنَ الشِّركِ والقَتلِ والزِّنا والرِّبا والظُّلمِ، وغَيرِ ذلك مِنَ الذُّنوبِ الكِبارِ) [7397] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/727). .
- وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28] .
قال ابنُ كثيرٍ: (وقَولُه: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أي: مِن بَعدِ إياسِ النَّاسِ مِن نُزولِ المَطَرِ، يُنزِلُه عليهم في وقتِ حاجَتِهم وفقرِهم إليه، كقَولِه: وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم: 49] ،وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أي: هو المُتَصَرِّفُ لخَلقِه بما ينفَعُهم في دُنياهم وأُخراهم، وهو المَحمودُ العاقِبةِ في جَميعِ ما يُقدِّرُه ويفعَلُه) [7398] ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/206،207). .
وفي قَولِه تعالى: مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا أنَّ طَبيعةَ الإنسانِ أنَّه لا يصبرُ؛ فيستَولي عليه اليأسُ والقُنوطُ مِن رَحمةِ اللهِ! والذي يجِبُ على المَرءِ ألَّا يقنَطَ مِن رَحمةِ اللهِ، كما قال عَزَّ وجَلَّ: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] ، وقال تعالى حِكايةً عن إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56] ، إنَّما الواجِبُ على المَرءِ إذا مَسَّه السُّوءُ أن يصبرَ ويحتَسِبَ، ودَوامُ الحالِ مِنَ المُحالِ [7399]يُنظَر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة الشورى)) (ص: 241). .
- وقال تعالى: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت: 49] .
قال الطَّبَريُّ: (فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ يقولُ: فإنَّه ذو يأسٍ مِن رَوحِ اللهِ وفرَجِه، قَنوطٌ مَن رَحمَتِه، ومِن أن يكشِفَ ذلك الشَّرَّ النَّازِلَبه عنه) [7400] ((جامع البيان)) للطبري (21/490). .
وفي قَوله تعالى: لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ دَليلٌ أنَّ على المَرءِ أن يصبرَ عِندَ المَصائِبِ، ولا ييأسَ مِن رَحمةِ رَبِّه، ولا يُلهيَه مَسُّ المُصيبةِ عنِ الذِّكرِ والشُّكرِ؛ فإنَّ المَصائِبَ وإن كانت تَشُقُّ عليه فهي كفَّاراتٌ، وعاقِبَتُها كراماتٌ، ومِن صِفةِ المُؤمِنِ أن يكونَ شَكورًا عِندَ الشَّدائِدِ والرَّخاءِ؛ فما مِن شِدَّةٍ إلَّا وفوقَها شِدَّةٌ، فإذا بُلِيَبأدوَنِها كان عليه الشُّكرُ في صَرفِ أرفَعِها والمُعافاةِ منها، فمَن جَعَل مَوضِعَ الشُّكرِ القُنوطَ واليأسَ قَلَّ تبصُّرُه، وساءَ تَخَيُّرُه [7401]يُنظَر: ((النكت الدالة على البيان)) للقصاب (4/ 85). .

انظر أيضا: