موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: أقسامُ الهَجْرِ


الهَجْرُ ثلاثةُ أقسامٍ:
الأول: الهَجْرُ ديانةً، أي: (الهَجْرُ لحَقِّ اللهِ تعالى) وهو من عَمَلِ أهلِ التَّقوى في: هَجرِ السَّيِّئةِ، وهَجرِ فاعِلِها مبتَدِعًا أو عاصِيًا.
وهذا النَّوعُ من الهَجْرِ للفُجَّارِ على قِسمَينِ:
1 - هَجرُ تَركٍ: بمعنى هَجرِ السَّيِّئاتِ، وهَجرِ قُرَناءِ السُّوءِ الذين تضُرُّه صُحبتُهم إلَّا لحاجةٍ أو مصلحةٍ راجحةٍ؛ قال اللهُ تعالى: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر: 5] ، وقال سُبحانَه: وَاهْجُرْهُم هَجْرًا جَمِيلًا [المزمل: 10] ، وقال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68] ، وقال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء: 140] ، وفي الحديثِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((المهاجِرُ مَن هَجَر ما نهى اللهُ عنه)) [7151] رواه البخاري (10). .
2 - هَجرُ تَعزيرٍ: وهذا من العُقوباتِ الشَّرعيَّةِ التَّعبُّديَّةِ التي يوقِعُها المُسلِمُ على الفُجَّارِ، كالمبتَدِعِ، على وجهِ التَّأديبِ، في دائرةِ الضَّوابِطِ الشَّرعيَّةِ للهَجرِ، حتَّى يتوبَ المبتَدِعُ ويفيءَ.
وهذا النَّوعُ بقِسمَيه من أصولِ الاعتقادِ، والأمرُ فيه أمرُ إيجابٍ في أصلِ الشَّرعِ، ومباحِثُه في كتُبِ السُّنَنِ والتَّوحيدِ والاعتقادِ وغيرِها.
الثَّاني: الهَجْرُ لاستصلاحِ أمرٍ دُنيويٍّ، أي (الهَجْرُ لحَقِّ العبدِ): وفيه جاءت أحاديثُ الهَجْرِ بما دونَ ثَلاثِ ليالٍ، وجميعُها تفيدُ أنَّ الشَّرعَ لم يرخِّصْ بهذا النَّوعِ من الهَجْرِ بَيْنَ المُسلِمين إلَّا بما دونَ ثلاثِ لَيالٍ.
ومن الهَجْرِ هنا: هَجرُ الوالِدِ لوَلَدِه، والزَّوجِ لزوجتِه؛ قال الخطَّابيُّ: (فأمَّا هِجْرانُ الوالِدِ وَلَدَه والزَّوجِ لزَوجِه، ومن كان في معناهما، فلا يُضَيَّقُ أكثَرَ من ثلاثٍ، وقد هَجر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نساءَه شهرًا) [7152] ((معالم السنن)) (4/ 122). .
وهذا النَّوعُ من الهَجْرِ هو الذي يدورُ عليه الكلامُ في هذه الصِّفةِ.
النَّوعُ الثَّالثُ: الهَجْرُ قضاءً، وهو من العُقوباتِ التَّعزيريَّةِ للمُعتدينَ، وهذا يبحَثُه الفُقَهاءُ في بابِ التَّعزيرِ [7153] يُنظَر: ((هجر المبتدع)) لبكر أبو زيد (ص: 13). .

انظر أيضا: