موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: الوسائِلُ المعينةُ على تَركِ المَنِّ


1- العِلمُ بأنَّ توفيقَ اللهِ تعالى له هو الذي كانت الأعمالُ الصَّالحةُ عنه، فإذا مَنَّ بذلك فقد جَحَد للهِ سُبحانَه وتعالى كَرَمَ صُنعِه [6778] يُنظَر: ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) لابن هبيرة (2/ 176). .
2- أن يَشهَدَ دائِمًا أنَّ المتفَضِّلَ والمُنعِمَ حقيقةً هو اللهُ تعالى وَحدَه.
3- أن يتفَكَّرَ في أنَّ أجرَه على اللهِ تعالى بأضعافِ ما أعطى، فأيُّ حَقٍّ بقي له على الآخذِ المحتاجِ حتَّى يمتَنَّ عليه، أو يؤذيَه بصنائِعِ مَعروفِه [6779] يُنظَر: ((التفسير المحرر- الدرر السنية)) (1/ 798). ؟!
4- أن يعلَمَ أنَّ المَنَّ والأذى بالصَّدَقةِ مُنافٍ لكمالِ الإيمانِ؛ لقَولِه تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [البقرة: 264] ؛ كأنَّه يقولُ: إنَّ مقتضى إيمانِكم ألَّا تفعَلوا ذلك؛ وإذا فعَلْتُموه صار منافيًا لهذا الوَصفِ، ومنافيًا لكمالِه [6780] يُنظَر: ((تفسير ابن عثيمين- الفاتحة والبقرة)) (3/ 322). .
5- ألَّا يرى أنَّ لنفسِه مزيةً على المتصَدَّقِ عليه بإحسانِه إليه، بل يرى الفقيرَ أو المتعَلِّمَ محسِنًا بقَبولِ صَدَقتِه أو عِلمِه، وبهذا لا يبقى للمَنِّ مجالٌ.
قال أبو حامِدٍ الغزاليُّ: (حَقُّه أن يرى الفقيرَ محسِنًا إليه بقَبولِ حَقِّ اللهِ عزَّ وجَلَّ منه الذي هو طُهرتُه ونجاتُه من النَّارِ، وأنَّه لو لم يقبَلْه لبقيَ مُرتَهَنًا به) [6781] ((إحياء علوم الدين)) (1/ 216). ويُنظَر: ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي (2/ 177). .
وقال ابنُ القيِّمِ: (أنفَعُ النَّاسِ لك رجلٌ مكَّنَك من نفسِه حتَّى تزرَعَ فيه خيرًا أو تصنَعَ إليه معروفًا؛ فإنَّه نِعْمَ العونُ لك على منفعتِك وكمالِك، فانتفاعُك به في الحقيقةِ مِثلُ انتفاعِه بك أو أكثَرُ. وأضَرُّ النَّاسِ عليك من مكَّن نفسَه منك حتى تعصيَ اللهَ فيه؛ فإنَّه عونٌ لك على مضرَّتِك ونَقصِك) [6782] ((الفوائد)) (ص: 192). .
6- أن يوطِّنَ نفسَه على ألَّا يَطلُبَ الشُّكرَ إلَّا من اللهِ تعالى، ولا يطلُبَ ممَّن أحسَن إليه دعاءً ولا يطمَعَ فيه؛ لأنَّه ربَّما كان في مقابلةِ إحسانِه فيَسقُطُ أجرُه، بل إذا أحسَن إلى من له حَقٌّ عليه أو مَن ليس له حقٌّ فليعلَمْ أنَّ هذا معاملةٌ منه مع اللهِ، فلا يبالِ بشُكرِ مَن أنعَم عليه، كما قال تعالى في حقِّ خواصِّ خَلقِه: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9] . ويتأكَّدُ هذا في معاملةِ الأهلِ والأولادِ ومَن قَوِيَ اتِّصالُه بهم [6783] يُنظَر: ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) للهيتمي (1/ 312)، ((الوسائل المفيدة للحياة السعيدة)) للسعدي (ص: 31). .
7- أن يوقِنَ أنَّ الدُّنيا ليست بدارٍ للجَزاءِ، إنَّما الآخرةُ هي دارُ الجزاءِ والحِسابِ؛ فمَن تعجَّل جزاءَه في الدُّنيا حُرِمه في الآخرةِ.
8- مُرافقةُ الصَّالحين وأهلِ التَّقوى والدِّينِ، الذين يُعينون المرءَ على عَمَلِ الخيرِ ويَقصُرونه عن أعمالِ الشَّرِّ.
9- أن يراقِبَ رَبَّه في جميعِ أعمالِه ليَعلَمَ هل هي خالصةٌ له أو أنَّه يُشرِكُ معه غيرَه، فعندَئذٍ لا تنفَعُ بل تَبطُلُ.
10- أن يعلَمَ بأنَّ المالَ عاريَّةٌ عندَه، وما عَظُمَت نعمةُ اللهِ على عبدٍ إلَّا عَظُمَت عليه مَؤونةُ النَّاسِ، فمَن لم يحتَمِلْ تلك المؤونةَ للنَّاسِ عَرَّض تلك النِّعمةَ للزَّوالِ.
11- استصغارُ المعروفِ وسَترُه؛ قال الجاحِظُ: (اعلَمْ أنَّ استصغارَك نِعَمَك يُكَبِّرُها عِندَ ذوي العُقولِ، وسَترَك لها نَشرٌ لها عِندَهم؛ فانشُرْها بسَتْرِها، وكَبِّرْها باستصغارِها) [6784] ((الرسائل)) (1/ 131). .
وقال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (لا يَتِمُّ المعروفُ إلَّا بثلاثٍ: تعجيلِه وتصغيرِه وسَترِه؛ فإنه إذا عَجَّله هنَّأَه، وإذا صَغَّره عَظَّمَه، وإذا ستَرَه تمَّمَه) [6785] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 197). .
وكان يقالُ: (سَتَرَ رَجُلٌ ما أَولى، ونَشَرَ رجُلٌ ما أُوليَ) [6786] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 198). .
12- نسيانُ المعروفِ المُسْدى؛ فإنَّ المعروفَ إذا ذُكِر كُدِّر، وإذا أُنسِيَ أُمِرَّ، وتمامُ البَذلِ تركُ المَنِّ [6787]  يُنظَر: ((محاضرات الأدباء)) للراغب (1/ 702). . وقال بعضُ حُكَماءِ العَرَبِ لبَنيه: (يا بَنيَّ، إذا اتخَذْتُم عِندَ رجُلٍ يدًا فانسَوها)؛ يعني: حتَّى لا يقَعَ في أنفُسِكم الطَّولُ على النَّاسِ بالقُلوبِ، ولا تذكُروها بالألسِنةِ [6788] ((الأمثال)) لابن سلام (ص: 66). .
(وكان يُقالُ: أحيوا المعروفَ بإماتتِه. وتأويلُ ذلك أنَّ الرَّجُلَ إذا اعتَدَّ بمعروفِه كَدَّره. وكان يقال: كِتمانُ المعروفِ من المُنعَمِ عليه كُفرٌ، وذِكرُه من المُنعِمِ تكديرٌ له.
وقال قَيسُ بنُ عاصِمٍ: يا بَني تميمٍ، اصحَبوا مَن يَذكُرُ إحسانَكم إليه، وينسى أياديَه إليكم) [6789] ((الكامل)) للمبرد (1/ 145). .
وقال رجلٌ لابنِ شُبرُمةَ: فعَلْتُ بفلانٍ كذا وفعَلْتُ به كذا، فقال: (لا خيرَ في المعروفِ إذا أُحصيَ) [6790] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 198). .
وقال الخُريميُّ:
زاد معروفُك عندي عِظَمًا
أنَّه عندَك محقورٌ صَغيرُ
تتناساه كأنْ لم تأتِهِ
وهو عِندَ النَّاسِ مشهورٌ كبيرُ [6791] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 197). .

انظر أيضا: