موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم للأشَجِّ؛ أشَجِّ عبدِ القَيسِ: إنَّ فيك خَصلتَينِ يحِبُّهما اللهُ: الحِلمُ، والأناةُ)) [1411] أخرجه مسلم (17). .
والمرادُ بالأناةِ ترَبُّصُه حتَّى نظر في مصالحِه ولم يَعْجَلْ [1412] يُنظَر: ((إكمال المعلم بفوائد مسلم)) (1/ 233، 234)، ((المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)) للنووي (1/189). .
- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((... لو لَبِثتُ في السِّجنِ ما لَبِث يوسُفُ لأجبْتُ الدَّاعيَ)) [1413] رواه مطوَّلًا البخاري (4694) واللفظ له، ومسلم (151). .
قال النَّوويُّ: (هو ثناءٌ على يوسُفَ عليه السَّلامُ وبيانٌ لصَبرِه وتأنِّيه، والمرادُ بالدَّاعي رسولُ المَلِكِ الذي أخبر اللهُ سُبحانه وتعالى أنَّه قال: ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ [يوسف: 50] ، فلم يخرُجْ يوسُفُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مبادِرًا إلى الرَّاحةِ ومُفارقةِ السِّجنِ الطَّويلِ، بل تثبَّت وتوقَّر وراسَل المَلِكَ في كَشفِ أمرِه الذي سُجِن بسبَبِه، ولتَظهَرَ براءتُه عندَ المَلِكِ وغَيرِه، ويلقاه مع اعتقادِه براءتَه ممَّا نُسِبَ إليه، ولا خَجلَ من يوسُفَ ولا غيرِه، فبَيَّنَ نبيُّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضيلةَ يوسُفَ في هذا وقُوَّةَ نفسِه في الخيرِ، وكمالَ صبرِه وحُسنَ نَظَرِه، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن نفسِه ما قاله تواضُعًا وإيثارًا للإبلاغِ في بيانِ كمالِ فضيلةِ يوسُفَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. واللهُ أعلَمُ) [1414] ((شرح النووي على مسلم)) (2/185). .
وقال القاسِميُّ: (مَدَحه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على هذه الأناةِ، كان في طَيِّ هذه المِدْحةِ بالأناةِ والتَّثبُّتِ تنزيهُه وتبرئتُه ممَّا لعلَّه يسبِقُ إلى الوهمِ أنَّه هَمَّ بامرأةِ العزيزِ همًّا يؤاخَذُ به؛ لأنَّه إذا صبر وتثبَّت فيما له ألَّا يَصبِرَ فيه، وهو الخروجُ من السِّجنِ، مع أنَّ الدَّواعيَ متوافِرةٌ على الخروجِ منه، فلأَنْ يَصبِرَ فيما عليه أن يصبِرَ فيه من الهَمِّ، أولى وأجدَرُ) [1415] ((محاسن التأويل)) (6/185). .
- وعن أمِّ المؤمِنين عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((لمَّا أُمِرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتخييرِ أزواجِه بدأ بي، فقال: إنِّي ذاكِرٌ لكِ أمرًا، فلا عليكِ ألَّا تَعْجَلي حتَّى تستأمِري أبوَيكِ)) [1416] أخرجه البخاري (4786)، ومسلم (1475) مطوَّلًا. .
قال ابنُ حَجَرٍ: (قولُه: "فلا عليكِ ألَّا تَعْجَلي" أي: فلا بأسَ عليكِ في التَّأنِّي، وعَدَمِ العَجَلةِ حتَّى تشاوري أبويك) [1417] ((فتح الباري)) (8/521). .
- وعن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((التُّؤَدةُ في كُلِّ شيءٍ إلَّا في عَمَلِ الآخِرةِ)) [1418] رواه أبو داود (4810) واللفظ له، والحاكم (213)، والبيهقي (21324). صحَّحه الحاكم، وقال: (على شَرطِ الشَّيخين)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4810)، ووثق رواته شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4810). . وفي روايةٍ: ((التُّؤَدةُ في كُلِّ شيءٍ خَيرٌ ...)) [1419] ((مستدرك الحاكم)) (213). .
قال القاري: (التُّؤَدةُ: بضَمِّ التَّاءِ وفَتحِ الهمزةِ، أي: التَّأنِّي، "في كُلِّ شيءٍ" أي: من الأعمالِ. "خيرٌ" أي: مُستحسَنٌ "إلَّا في عَمَلِ الآخرةِ" أي: لأنَّ في تأخيرِ الخيراتِ آفاتٍ. ورُوِيَ أنَّ أكثَرَ صِياحِ أهلِ النَّارِ من تسويفِ العَمَلِ. قال الطِّيبيُّ: وذلك لأنَّ الأمورَ الدُّنيويَّةَ لا يُعلَمُ عواقِبُها في ابتدائِها أنَّها محمودةُ العواقِبِ حتى يُتعجَّلَ فيها، أو مذمومةٌ فيُتأخَّرُ عنها، بخلافِ الأمورِ الأُخرَويَّةِ؛ لقولِه تعالى: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148] ، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران: 133] ) [1420] ((مرقاة المفاتيح)) (8/3164). ويُنظَر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (10/ 3224). .

انظر أيضا: