موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيات (133-136)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ

غريبُ الكَلِمات :

السَّرَّاءِ: السُّرور والفرَح، ولذَّة في القلبِ عند حصولِ نفْعٍ أو توقُّعه، أو عند رؤيةِ أمْر يُعجِب يُنظر: ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 81، 129)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 508). .
الضَّرَّاءِ: سُوء الحالِ، والفقر والقَحْط، وهو مُقابَل بالسَّرَّاء، والضرُّ: خِلافُ النَّفْع يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/360)، ((المفردات)) للراغب (ص: 503، 504)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 102، 129). .
الْكَاظِمِينَ الغَيْظَ: أي: الحابِسين، أو الممسكِين عن إمضائِه مع قُدرتِهم على مَن أغضبهم؛ يُقال: كظَمْتُ القِرْبةَ، إذا سَددتَ رأسَها يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 112)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/184)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 129). .

 المَعنَى الإجماليُّ :

يأمُر الله سبحانه عبادَه المؤمنين بالمُبادَرةِ والمسابقةِ للحُصولِ على مغفرةِ الله سبحانه وتعالى، ومن أجْل دخولِ الجنَّة التي يَبلُغ عرضُها مِثلَ عَرْض السَّموات والأرض لعِظَمها، أُعِدَّت هذه الجنَّة للمُتَّقين، الذين يَبذُلون أموالَهم صدقةً، سواء في حال رَخائِهم وسُرورهم، أو في حال الضِّيق والضُّرِّ، والذين يَملِكون أنفسَهم حين يَغضَبون، ويَكتُمون الغيظَ الذي في قُلوبِهم، ويَعْفُونَ عن النَّاس حين يَتلقَّوْن الإساءة، وهذه الصِّفات من الإحسان، واللهُ يحبُّ المُتَّصِفين بها.
ومن صِفاتهم أيضًا: أنَّهم إذا ارتَكَبوا فاحشةً من الفواحش، أو وقَعوا في معصيةٍ من المعاصي، ذَكَروا اللهَ، فطَلبوا منه مغفرةً لذُنوبهم؛ فإنَّه لا يغفرُ الذُّنوبَ أَحدٌ إلَّا اللهُ سبحانه وتعالى، ولم يَستمِرُّوا مُصِرِّين على ذلك الذَّنب، وهم يعلمون أنَّهم عَصَوُا اللهَ، وأنَّهم بذلك مُعرَّضون للعقاب لو أصرُّوا، ويعلمون أيضًا أنَّ التَّوبةَ واجبةٌ إلى الله، وأنَّه يَقبَل توبةَ عبادِه. هؤلاء المذكورة أوصافُهم لهم مَغفرةٌ من الله، وسيَدْخلون جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهارُ، ستكون منازلهم أبدًا، ونِعْم أجْرُ العاملين.

تفسير الآيات :

وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
أي: ليُسابِقْ بعضُكم بعضًا بالمُبادَرة إلى فِعل الخيرات؛ للحصولِ على مغفرةِ الله تعالى، التي تَعني سَتْرَ الذُّنوب والتَّجاوزَ عنها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/52)، ((تفسير ابن كثير)) (2/117)، ((تفسير السعدي)) (ص: 148)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/165-166). .
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ وَالْأَرْضُ
مُناسَبتُها لِمَا قَبْلَها:
لَمَّا أمَر الله تعالى عِبادَه بالبِدارِ والمسابقةِ إلى مَغفرةِ الله، التي بها زوالُ المكروه، أمَرَهم عَقِبَ ذلك بالبِدارِ والمسابقة إلى ما يُحقِّق لهم حُصولَ المطلوب؛ فإنَّ الإنسان لا تَتِمُّ سعادتُه إلَّا بهذين الأمرين: زوال ما يَكْره، وحُصول ما يَأمُل يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/167). ؛ لذا قال:
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَواتُ وَالْأَرْضُ
أي: وليُسابِقْ بعضُكم بعضًا بالمبادرةِ إلى ما يُحقِّق- بإذن الله تعالى- دُخولَكم الجنَّةَ، التي يَبلُغ عَرضُها مِثْلَ عَرْض السَّمواتِ والأرض يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/52-54)، ((تفسير ابن كثير)) (2/117)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/167-169). والعرض في كلام العرب يطلق على ما يقابل الطول، ويطلق على الاتساع، وقد نزل القرآن بلغة العرب وعلى معهودهم في الخطاب، وقال بعض المفسرين: إن عرضها كطولها؛ لأنَّها قُبَّة تحت العرش، والشيء المقبَّب والمستدير عَرضُه كطوله. والله أعلم بالغيب. يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/117)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/ 89)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/169)، ((قواعد التفسير)) لخالد السبت (1/217). .
قال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد: 21] .
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
أي: إنَّ الجَنَّة قد هُيِّئَت مُسبقًا للذين اتَّقوا الله تعالى بامتثالِ أوامره، واجتناب نواهيه؛ فهُم أهلُها وساكِنُوها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/56)، ((تفسير السعدي)) (ص: 148)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/169-170). .
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا بيَّن تعالى أنَّ أهل الجنَّة هم المتَّقون، أَعقَب ذلك بذِكْر قيام هؤلاء المتَّقِين بأعمالٍ جليلة أهَّلتْهم لنَيل هذا الفضل العظيم يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/119)، ((تفسير السعدي)) (ص: 148). .
كما أنَّ الله تعالى بعدَ أنْ نهى عبادَه عن أكْلِ الرِّبا، ابتدأ في صِفات المتَّقِين بضدِّ ذلك، وهو الإنفاقُ في سبيل الله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/170). ، كما جمَع بينهما في آياتٍ أخرى كقوله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة: 276] ، فقال تعالى:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
أي: إنَّ من صِفات المتَّقِين، أنَّهم يَتصدَّقون باستمرارٍ، وفي جميع الأحوال، سواء كانوا في حال سُرورٍ- بتوفُّر المال ورَغَد العيش؛ فلا يُلْهيهم ذلك عن مساعدة الآخرين- أو أصابَهم الضرُّ وضيقُ العيش؛ لقِلَّة ذاتِ اليد، فلا يَصرِفهم ذلك أيضًا عن مواصلةِ العطاء يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/57)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/492)، ((تفسير ابن عطية)) (1/509)، ((تفسير ابن كثير)) (2/119)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/90-91). .
فأصبحَ الإنفاقُ سَجِيَّةً دائمةً لهم، لا يَشغَلهم عنه أيُّ حالٍ أصابهم، ولا يَنشأ ذلك إلَّا عن نَفْس طاهرة يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/119)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/91). .
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
أي: إنَّ مِن صِفات المتَّقين المُتأصِّلة فيهم، والمستمرَّة معهم: أنَّهم يَمتلِكون السَّيطرةَ التَّامَّةَ على غضبِهم مهما بلغت شِدَّتُه، حتى لو كاد أنْ يخرج منهم من شدَّةِ امتلاءِ نُفُوسهم وغليانِ قلوبِهم به؛ فإنَّهم يَملِكون أيضًا كتْمَه وحبْسَه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/57)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/492، 493)، ((تفسير ابن عطية)) (1/509)، ((تفسير ابن كثير)) (2/119، 122)، ((تفسير السعدي)) (ص: 148)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/91). .
وهذا يدلُّ على عزيمةٍ راسخةٍ في النَّفْس، وقهْرِ قوَّة إرادتِهم للغضبِ وشهوةِ الانتقام، وهذا من أكبرِ قُوى الأخلاقِ الفاضلة يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/91). .
عن أبي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((ليس الشَّديدُ بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديدُ الذي يَملِك نَفْسَه عند الغضبِ )) رواه البخاري (6114)، ومسلم (2609). .
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
أي: ومِن صِفاتهم أيضًا صَفْحُهم وتَجاوُزهم عن مؤاخذة مَن أساء إليهم- ما لم يتعلَّق بحقٍّ من حقوقِ الله تعالى- مع قُدْرتهم على الانتقامِ منه، فلا تَبقَى بذلك في نُفوسِهم مَوْجِدةٌ على أحد يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/58)، ((تفسير ابن عطية)) (1/510)، ((تفسير ابن كثير)) (2/122)، ((تفسير السعدي)) (ص: 148)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/91)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/173-175). .
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
أي: إنَّ جميعَ ما سبَق ذِكْرُه من صفاتٍ للمتَّقين، فهو داخلٌ في عُمُوم الإحسان، الذي هو سببٌ لنيل محبَّة الله تعالى لِمَن تَحلَّى بها، وصارتْ له طبْعًا وسَجِيَّة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/58)، ((تفسير ابن عطية)) (1/510)، ((تفسير السعدي)) (ص: 148)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/91)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/175-176). .
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذكَر الله تعالى بعضَ صِفات المتَّقين المتعلِّقة بمعاملة الخَلْق، أَعقَب ذلك بذِكر قِيامهم بحقِّ الخالق سبحانه يُنظر: ((مجموع رسائل ابن رجب)) (4/382). .
وأيضًا فإنَّ الله تعالى لَمَّا وصَف الجنَّة بأنَّها مُعَدَّة للمتَّقين، بيَّن أنَّ المتَّقِين قِسمان: أحدهما: الذين أَقبَلوا على الطَّاعات والعبادات، وهم الذين وصَفَهم الله بالإنفاقِ في السَّرَّاء والضَّرَّاء، وكَظْمِ الغيظ، والعفوِ عن النَّاس- فذكَر المتَّقين حالَ كمالِهم. وثانيهما: الذين أَذنَبوا ثم تابوا، فذكَرهم حالَ تَدارُكِهم نَقائصَهم، فالمُذنِب إذا تاب صار حالُه كحال مَن لم يُذنِب قطُّ في استحقاقِ المنزلةِ والكرامةِ عند الله يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/368)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/92). .
وأيضًا فإنَّه تعالى لَمَّا ندَب في الآية الأولى إلى الإحسانِ إلى الغيرِ، ندَبَ في هذه الآيةِ إلى الإحسانِ إلى النَّفْس؛ فإنَّ المذنِب العاصي إذا تاب كانتْ تلك التَّوبةُ إحسانًا منه إلى نَفْسه يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/368). ؛ فقال تعالى:
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
أي: إنَّ من صِفات المتَّقِين أنَّهم إذا ارتكبوا فَعْلةً قبيحةً قد تَجاوَزت الحدَّ في الفساد، أو فعلوا بأنفسِهم غيرَ الذي كان ينبغي لهم أنْ يفعلوا بها، من رُكوبِهم عُمومَ معصيةِ الله سبحانه، كبيرةً كانتْ أو صغيرة يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/60-62)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (7/79)، (11/692)، (015/406)، ((تفسير السعدي)) (ص: 149)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/92). .
ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ
أي: إنَّهم إنْ وقعوا في ذَنبٍ، ذكَروا رحمتَه سبحانه ونِعَمَه عليهم، وما أَعدَّ للطائعين من ثواب، وذكروا عَظمتَه، وبطْشَه وعقابَه، وغير ذلك، فأَوجَب لهم هذا الحياءَ من الله تعالى والخوفَ منه، ففرُّوا إليه في الحال نادِمين، وطالبين منه السَّترَ وعدمَ المؤاخذة على ذُنوبهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/62)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 232)، ((تفسير ابن عطية)) (1/510)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/412)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/92، 93)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/183-184). .
عن عليٍّ رضِي اللهُ عنه قال: ((كنتُ إذا سمعتُ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شيئًا، نَفَعني الله بما شاءَ أن يَنْفَعني منه، وحدَّثَني أبو بكرٍ- وصدَقَ أبو بكرٍ- قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما مَن مُسلمٍ يُذنِب ذنبًا، ثم يَتوضَّأ فيُصلِّي رَكعتينِ، ثمَّ يَستغفرُ اللهَ تعالى لذلكَ الذَّنبِ، إلَّا وغُفِر له، وقرأ هاتين الآيتين: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 110] ، وَالذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهَم [آل عمران: 135] الآية)) أخرجه أبو داود (1521)، والترمذي (406)، وابن ماجه (1395)، وأحمد (47)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (10250). قال الترمذيُّ: حسنٌ لا نعرِفه إلَّا من هذا الوجه. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/115): حسنٌ صحيحٌ. وحسَّنه ابن كثير في ((تفسير القرآن)) (2/104)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (11/101)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (1/42)، وصحَّحه الألباني في ((سنن أبي داود)) (1521). .
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ
أي: لا يَغفر ذُنُوبَ العبادِ أحدٌ غيرُ الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/62، 65)، ((تفسير ابن عطية)) (1/510)، ((تفسير ابن كثير)) (2/125)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/93). .
وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
أي: إنَّهم يُقلِعون عن الذَّنبِ ولا يُقيمون عليه- وإنْ تَكرَّر منهم مرَّةً بعد مرَّة- وهم يَعلَمون أنَّ ما ارْتكبوه معصيةٌ، وأنَّهم مُعرَّضون للعُقوبة إنْ أصرُّوا عليها، ويعلمون وجوبَ التَّوبة منها إلى الله عزَّ وجلَّ، وأنَّه يَقبَلُ التَّوبةَ مِن عبادِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/65-68)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/495)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 232)، ((تفسير ابن عطية)) (1/510، 511)، ((تفسير ابن كثير)) (2/125، 126)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/93، 94)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/186-187). .
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا أَتَمَّ اللهُ تعالى وصْفَ السَّابقين وهم المتَّقون، واللَّاحِقين وهم التَّائبون- أَخبَر بجزائهم يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/75). ؛ فقال:
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ
أي: إنَّ أولئك المتَّقين الَّذين ذكَر الله تعالى بعضَ أوصافِهم، لهم أجرٌ كريمٌ مُقابِلَ ما قدَّموه من أعمالِ صالحةٍ، وهو أوَّلًا مغفرةُ الله تعالى لهم بسَتْر ذنوبهم، والتَّجاوز عن المُعاقَبة بها، فيَنجُون بذلك ممَّا كانوا يَحذَرون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/69)، ((تفسير ابن كثير)) (2/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 149)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/191-192). .
وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أي: ويُثابَون ثانيًا بدخولِ الجنَّات التي تَجري من تحتِ أشجارِها وقصورِها الأنهارُ المتنوِّعة، فيَمكُثون فيها بلا نهايةٍ، وبذلك يَفوزُون بما كانوا يأمُلون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/69-70)، ((تفسير ابن كثير)) (2/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 149)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/193-194). .
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
أي: ونِعَم جزاءُ العاملين لله تعالى مغفرتُهُ، والخُلودُ في دار كرامتِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/70)، ((تفسير ابن كثير)) (2/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 149)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/95)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/194-195). .

الفوائد التربويَّة :

1- الحثُّ على المسارَعة في أسبابِ المغفرةِ وأسبابِ دخول الجنَّة، بأداء الواجبات، والتَّوبةِ عن جميعِ المَحظورات؛ يُبيِّن ذلك قولُه تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/365)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/88). .
2- أنَّ التَّخليةَ قبل التَّحلية؛ لأنَّه قال: إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ، فبالمغفرة الزحزحةُ عن النَّار التي أَوجَبتْها الذُّنوبُ، ثم يكون دخول الجنَّة، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/177). .
3- مُلازَمة السَّخاء وإنفاق المال- الذي هو عزيزٌ على النَّفْس- في العُسْر واليُسْر، والأحوال كلِّها، مِن أشرف الطَّاعات المُوجِبة للجنَّة؛ يُبيِّن ذلك قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/366)، ((تفسير الشربيني)) (1/246). .
4- في قوله تعالى: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ الثَّناءُ على مَن أَنفَق في السَّرَّاء والضَّرَّاء؛ وذلك لأنَّ الإنفاقَ في السَّراء ليس بغريب؛ فكلُّ إنسانٍ يَهُون عليه أن يُنفِق إذا كان في سرَّاء، لكن الإنفاقَ في الضَّرَّاء هو الذي يَدلُّ على أنَّ الإنسان يُنفِق طلبًا للأجْر، لا زُهْدًا في المال يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/178). .
5- كَظْمُ الغيظِ وإخفاؤه- بالصَّبر عن إمضائِه مع القُدرة، فلا يَظهَر له أثرٌ- من الأخلاقِ الفاضلة، ومِن أعظمِ العبادة؛ قال تعالى وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/367)، ((تفسير أبي حيان)) (3/347). .
6- الحثُّ على العفوِ عن النَّاس فيما أساؤوا؛ وذلك في قوله تعالى: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/367)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/91). ، لكنَّه مُقيَّدٌ بما إذا كان أَصلَحَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/178). .
7- الحثُّ على الإحسانِ إلى الغير، بإيصال النَّفع إليه، أو بدَفْع الضَّرر عنه؛ يُبيِّن ذلك قولُه تعالى: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ؛ فإنَّ كلَّ إنسانٍ يعلم أنَّ الله يُحِب الإحسانَ، سوف يُحسِن، ويتقدَّم إلى الإحسان ويَحرِص عليه؛ لأنَّ محبَّة الله للعبد هي غايةُ ما يُريد يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/367)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/180). .
8- الحثُّ على الاستغفارِ والإتيانِ بالتَّوبةِ على الوجه الصَّحيحِ، بالنَّدمِ على فِعْل ما مضَى من الذَّنب، مع العَزْمِ على تَرْك مِثْله في المستقبل؛ فالله تعالى موصوفٌ بسَعة الرَّحمة، وقُرْبِ المغفرة، فلا مَفْزَعَ للمُذنِبين إلَّا فضلُه وكرمُه، والذُّنوب وإنْ جلَّتْ فإنَّ عفوَه أجلُّ، وكرمَه أَعظمُ؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/369)، ((تفسير أبي حيان)) (3/349)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/92-93). .
9- سرعةُ انتباه هؤلاء المذكورين في الآيات عندَ فِعْل الذُّنوب؛ لقوله: إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ، فيُبادِرون بالتَّوبة، والمبادرة بالتَّوبة من صفات المتَّقِين، وهي واجِبة؛ لأنَّ التَّوبة إذا نزَل الأجلُ لا تُقبَل، والإنسانُ لا يَدري متى يَنزِل أجلُه؛ وعلى هذا فيجب أنْ يتوبَ الإنسانُ من ذُنوبه فورًا ودونَ تأخير يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/189). .
10- أنَّه لا أحدَ يَستطيعُ أنْ يَغفِر الذُّنوبَ إلَّا الله؛ لقوله: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ، ويَتفرَّع عليها ألَّا يُعتمَدَ على أحدٍ في مغفرة الذُّنوب أو طلَبِ المغفرة، وإنَّما يكونُ الاتِّجاهُ إلى الله عزَّ وجلَّ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/190). .
11- أنَّ الرَّجل إذا أَذنَب فاستَغفَر، ثم أَذنَب فاستغفر، ثم أَذنب فاستغفر، فإنَّه يُغفَر له وإنْ تَكرَّر الذَّنبُ منه؛ لأنَّ الله قال: وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، ولم يَقُل: (ولم يُعيدوا ما فَعلوا) يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/190). .

الفوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:

1- قول الله تعالى: وَسَارِعُوا استدلَّ به كثيرٌ من الأُصُوليِّين على أنَّ ظاهرَ الأمر يُوجِب الفَورَ، ويَمنَع من التَّراخي يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/365). .
2- في قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ، إنَّما فصَل بينهما؛ لأنَّ الغُفران معناه إزالةُ العِقاب، والجنَّة معناها إيصالُ الثَّواب؛ فجمَع بينهما للإشعارِ بأنَّه لا بدَّ للمُكلَّف من تحصيلِ الأمرين يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/365). .
3- هذه الآياتُ الكريمات: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ... الآيات، من أَدِلَّة أهل السُّنة والجماعة، على أنَّ الأعمالَ تَدخُل في الإيمان، خِلافًا للمُرجئة، ووجْه الدَّلالة إنَّما يَتِمُّ بذِكْر الآيةِ التي في سورة الحديد، التي هي نظيرُ هذه الآيات، وهي قوله تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [الحديد: 21] ، فلم يَذكُر فيها إلَّا لفْظَ الإيمان به وبرُسله، وهنا قال: أُعِدَّت للمُتَّقين، ثم وصَف المتَّقِين بهذه الأعمال الماليَّة والبَدنيَّة؛ فدلَّ على أنَّ هؤلاء المتَّقِين الموصوفين بهذه الصِّفات هم أولئك المؤمِنون يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 149). .
4- في قول الله تعالى: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، دليلٌ على أنَّ الجنَّة مخلوقةٌ الآن يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/366)، ((تفسير الشربيني)) (1/246). .
5- بدأَ وصفُ المتَّقِين بالإنفاقِ لوجهين: (أحدهما): مُقابلتُه بالرِّبا الذي نُهي عنه في الآية السَّابقة; فإنَّ الرِّبا هو استغلالُ الغَنيِّ حاجةَ المـُعوِز، وأكْلُ مالِه بلا مُقابِل، والصَّدقة إعانةٌ له، وإطعامُه ما لا يَستحِقُّه؛ فهي ضدُّ الرِّبا، ولم يَرِد في القرآن ذِكرُ الرِّبا إلَّا وقُبِّح ومُدِحتْ معه الزَّكاةُ والصَّدقة. (ثانيهما): أنَّ الإنفاقَ في السَّرَّاء والضَّرَّاء أدلُّ على التَّقوى، وأشقُّ على النُّفوس، وأنفعُ للبشرِ من سائر الصِّفات والأعمال يُنظر: ((تفسير المنار)) (4/109). .
6- في قول الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، قوله: فَاحِشَةً، أي: من السَّيِّئات الكِبار، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، أي: بأيِّ نوعٍ كان من الذُّنوب؛ لتَصير الفاحشةُ موعودًا بغُفرانها بالخُصوص وبالعُموم يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/73). .
7- في قوله تعالى: أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، قيل وجْه كونِ الإنسان ظالِمًا لنَفْسه، أنَّ نَفْسك عندك أمانةٌ، فإذا فرَّطتَ في هذه الأمانةِ، بأنْ أَقحَمتَ نَفْسَك فيما حرَّم اللهُ عليك، أو تأخَّرتَ عمَّا أَوجَب اللهُ عليك، فقدْ ظَلمتَ نَفْسَك يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/182). .
8- أنَّ المتَّقِي لا يكونُ معصومًا من فِعْل الفاحشة، أو ظُلْم النَّفْس؛ لأنَّ الله لم يَقُل: (وهم لا يفعلون الفواحشَ أو لا يظلمون أنفسَهم)، بل قال: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، ففِعْلُ الفاحشة لا يَخدِش التَّقوى إذا استَغفَر الإنسانُ وتاب يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/187). .
9- التَّعبير عن (المغفرة والجنَّاتِ) بالأجْر فيه إشعارٌ بأنَّهما يُستحقَّان بمقابلة العملِ، وإنْ كان بطريق التفضُّل؛ لمزيدِ التَّرغيبِ في الطَّاعات، والزَّجرِ عن المعاصي يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/87). .

بلاغة الآيات :

1- قوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ:
- وَسَارِعُوا... فيه الوَصْلُ- أي: العطفُ بالواو- بين هذه الجُملةِ، وجُملةِ الأمر بالطَّاعة: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ؛ لكون الأمرِ بالمُسارَعة إلى المغفرة والجنَّة يؤولُ إلى الأمر بالأعمال الصَّالحة، ومَن قرأ (سَارِعُوا) بغير واو، فتتنزَّل جملة (سَارِعُوا) مَنزِلةَ البيان، أو بدلَ الاشتمال، لجملة وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ؛ لأنَّ طاعةَ الله والرَّسول مُسارَعةٌ إلى المغفرة والجنَّة؛ فلذلك فُصِلتْ ولم تُعطَف، وعلى هذا يجوزُ الفصلُ والوصلُ في بعض الجُمُل باعتبارين يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/88). .
- وجِيء بصيغة المُفاعَلة مُجرَّدةً عن معنى حُصولِ الفِعلِ من جانبينِ في قوله تعالى: وَسَارِعُوا؛ لقصد المًبالَغة في طلبِ الإسراعِ، والعربُ تأتي بما يدلُّ في الوضع على تَكرُّر الفعل، وهم يُريدون التَّأكيدَ والمُبالَغةَ دون التَّكريرِ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/88، 89). .
- وتنكيرُ مَغْفِرَةٍ، وإضافتُها إلى مِنْ رَبِّكُمْ في قوله: مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ؛ لقَصْدِ الدَّلالةِ على التَّكثيرِ والتَّعظيم يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/87)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/89)، ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 568). .
- وقوله: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ: استئنافٌ بيانيٌّ؛ لأنَّ ذِكْر الجنَّة عَقِب ذِكْر النَّار- الموصوفة بأنَّها أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ- يُثير في نُفوس السَّامعين أنْ يتعرَّفوا مَن الذين أُعِدَّت لهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/90). .
2- قوله: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ: فيه التَّعبيرُ بالعامِّ الذي يُراد به الخاصُّ؛ إذ المعنى: والعَافِين عمَّن ظلَّمهم أو أساء إليهم يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/356). .
6- قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: الألف واللامُ في الْمُحْسِنِينَ إمَّا للجِنْس، وهم داخِلون فيه (وصْف التَّقوى) دخولًا أَوَّليًّا، فيتناول كلَّ مُحسِن، ويدخل تحتَه هؤلاء المذكورون في الآية، وإمَّا للعهد؛ عبَّر عنهم (أي: الْمُتَّقِينَ) بالمُحسِنِينَ؛ إيذانًا بأنَّ النُّعوتَ المعدودةَ هي من باب الإحسانِ، الذي هو الإتيانُ بالأعمال على الوجه اللائقِ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (9/367)، ((تفسير أبي حيان)) (3/347)، ((تفسير أبي السعود)) (2/86). .
- وجملةُ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ؛ تذييلٌ مُقرِّرٌ لمضمونِ ما قبلَها يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/86). ، وهي أيضًا اعتراضٌ بين قوله: ... أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ، وبين قوله: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً...، وهذا الاعتراضُ مشيرٌ إلى ما بينهما من التَّفاوت؛ فإنَّ درجةَ الأوَّلين من التَّقوى أعْلَى مِن درجةِ هؤلاء، وحظَّهم أَوْفى من حظِّهم، أو على نَفْس المتَّقِين، فيكونُ التفاوتُ أكثرَ وأظهرَ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/86). .
3- قوله: فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ: فيه مِن حُسْن البلاغة: ترتيبٌ بديعٌ؛ حيث رُتِّبتْ هذه الأركانُ في الآية بحسَب شِدَّة تَعلُّقها بالمقصود؛ لأنَّ ذِكْر الله يحصُلُ بعد الذَّنب، فيبعثُ على التَّوبة؛ ولذلك رُتِّبَ الاستغفارُ عليه بالفاء، وأمَّا العِلْمُ بأنَّه ذَنبٌ، فهو حاصلٌ من قبلِ حُصولِ المعصية، ولولا حُصولُه لَمَا كانت الفَعْلةُ معصيةً؛ فلذلك جِيءَ به بعدَ الذِّكر ونَفي الإصرار يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/94). .
- قوله: وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ جُمْلة مُعترِضة بين جملة فَاسْتَغْفَرُوا وجملة وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا: وفيها ارتفاقٌ بالنَّفس، وداعيةٌ إلى رَجاءِ اللهِ وسَعَةِ عَفْوِه، ودلالةٌ على اختصاصِه بغُفْران الذَّنب يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/349). ، ولتقريرِ الاستغفارِ والحثِّ عليه والإشعارِ بالوعد بالقَبول يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/86- 87). .
- والاستفهامُ إنكاريٌّ مُستَعمَلٌ في معنى النَّفي، بقرينةِ الاستثناء منه، والمقصودُ تسديدُ مُبادَرتهم إلى استغفارِ الله عَقِب الذَّنب، والتَّعريضُ بالمشرِكين الذين اتَّخذوا أصنامَهم شفعاءَ لهم عند الله، وبالنَّصارى في زعْمهم أنَّ عيسى رفَع الخطايا عن بني آدم ببَلَيَّة صَلْبِه يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/86)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/93). .
4- قوله: أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ...: جِيءَ باسم الإشارة أُولَئِكَ؛ لإفادةِ أنَّ المشارَ إليهم صاروا جَديرينَ بالحُكْم الواردِ بعدَ اسمِ الإشارة؛ لأجْل تلك الأوصاف التي استَوجَبوا الإشارةَ لأجْلها يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/87)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/95). ، إضافةً إلى ما فيه مِن معنى البُعْد؛ إشارةً إلى عُلُوِّ مَرتَبتِهم، وسُمُوِّ درجتِهم.
5- قوله: وَاللَّهُ يُحِبُّ، ذَكَرُوا اللَّهَ، وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ: كلُّ هذا تَكرارٌ للفظِ الجلالة الله يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/356). ، وفيه من تربيةِ المهابةِ والجلالِ وغيرِه ما لا يَخْفى.
6- قوله: وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ: تذييلٌ؛ لإنشاءِ مدْحِ الجزاء، مُختَصٌّ بالتَّائبين، وهو مِن عطفِ الإنشاءِ على الإخبار، وهو كثيرٌ في فصيح الكلام، وسُمِّي الجزاء أجرًا؛ لأنَّه كان عن وعدٍ للعاملٍ بما عمِل يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/87)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/95). .
- والتَّعريفُ في الْعَامِلِينَ للعَهدِ، أي: ونِعْم أجرُ العاملين هذا الجزاءُ، وهذا تفضيلٌ له وللعمل المُجازَى عليه يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/87)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/95). .