موسوعة التفسير

سُورَةُ البَقَرَةِ
الآيات (275- 281)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ

غريب الكلمات:

الرِّبَا: أصْل الرِّبا الزِّيادة، وخُصَّ في الشَّرع بالزِّيادة على رأسِ المالِ دون وجْه حقٍّ [2798] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 245)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/483)، ((المفردات)) للراغب (ص: 340). .
يَتَخَبَّطُهُ: الخَبْط: الضَّرب على غيرِ استواءٍ [2799] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/241)، ((المفردات)) للراغب (ص: 273). .
الْمَسِّ: الجُنون، ويُقال لكلِّ أذًى ينال الإنسان: مسٌّ [2800] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 98)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/271)، ((المفردات)) للراغب (ص: 767)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 116). .
مَوْعِظَةٌ: الوعظ: تخويفٌ، أو زجْرٌ مُقترِن بتخويف، وتذكيرٌ بالخيرِ وما يَرِقُّ له القلبُ [2801] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 411)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/126)، ((المفردات)) للراغب (ص: 876)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 80). .
يَمْحَقُ: أي: يُذهِب، ويَنقُص؛ وأصْل المحْق: النُّقصان وذَهاب البركة [2802]  يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 504)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/301)، ((المفردات)) للراغب (ص: 761)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 116). .
فَأْذَنُوا: أي: أَيقِنوا، واعلَموا ذلك، واسْمَعوه، وأذِن: استَمَع، ويُستعمل ذلك في العِلم الذي يُتوصَّل إليه بالسَّماع؛ إذ هو مبدأُ كثيرٍ من العِلم فِينا [2803] يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 70)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 39)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 116). .
عُسْرَةٍ: العُسر: نقيض اليُسْر، وأصْله: الصُّعوبة والشِّدة [2804] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/319)، ((المفردات)) للراغب (ص: 566). .
فَنَظِرَةٌ: أي: انتظار، وإنظار، وأصْل (نظر): تأمُّل الشيء ومعاينتُه، ويقال: نظرتُه، أي: انتظرته [2805] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 99)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/444)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 117). .
مَيْسَرَةٍ: الميسرة واليَسار عِبارة عن الغِنى، وأصْله اليُسرُ: ضدُّ العُسر [2806] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (6/155)، ((المفردات)) للراغب (ص: 891-892). .

مشكل الإعراب:

قوله: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ:
كان: هنا تامَّة غيرُ ناسخةٍ بمعنى وقَع أو حدَث أو وُجِد؛ فلا تحتاج إلى اسمٍ أو خبَر، بل تكتفي بفاعِلها كسائرِ الأفعال. وذو: فاعِل كان، مرفوع وعلامة رفْعه الواو؛ لأنَّه من الأسماء الخمسة. وقيل: إنَّ (كان) ناقصة، وذو اسمها، وخبرها محذوف، والتقدير: وإنْ كان ذو عُسرةٍ لَكُم عليه حقٌّ. أو: وإنْ كان ذو عُسرةٍ غريمًا، أو نحو ذلك [2807] يُنظر: ((مشكل إعراب القرآن)) لمكي (1/143)، ((التبيان في إعراب القرآن)) للعكبري (1/225)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/643). .

المعنى الإجمالي:

يُخبِر تعالى عن آكِلي الرِّبا أنَّهم لا يَنهضون يومَ القيامة من قُبورهم للبَعْث إلَّا على هيئة مَن تسلَّط عليه الشيطان فأصابه بالجنون، وهذا الذي يُصيبهم بسبب أنَّهم قالوا: إنَّ البيعَ الذي أَحَلَّه الله مِثْل الرِّبا، كلاهما وسيلتان للتَّكسُّب، فلِمَ حُرِّم هذا وأبيح هذا؟ فكذَّبهم تعالى في زعْمهم هذا، بأنَّ الله أَحَلَّ الأرباحَ التي تَنتُج عن التِّجارة والشراء والبيع، وحرَّم الرِّبا، وليسا سواء؛ فمَن بلغه النَّهي عن الرِّبا، والتحذير من أكْله وتعاطيه، فانزَجَر فله ما أكَل منه وأخَذَ فيما مضى، وشأنه إلى الله تعالى في توفيقه أو خِذلانه فيما يستقبل، ومَن عاد لأكلِ الرِّبا بعد أنْ بلَغَه التحريمُ وأصرَّ على ذلك، فقد استوجب النارَ خالدًا فيها، ما لم يمنعه من الخلود فيها إيمانُه.
ثم أخبر تعالى أنَّه يَمْحَق الرِّبا ويَنزِع بركةَ مال المرابي، وبالمقابل يُنمِّي اللهُ أجرَ الصَّدقات للمُتصدِّق حتى تتضاعَف، والله تعالى لا يحبُّ من كفر بنعمه، واستحلَّ أكْلَ الرِّبا، وتمادَى في الإثم، باستمراره فيما نهاه عنه من أكْلِ الرِّبا.
ثمَّ وعَد الله الذين آمنوا وعمِلوا الصالحات، وأقاموا الصَّلاة كما ينبغي، وأَدَّوا زكاةَ أموالهم لِمَن يَستحِقُّها، بأنَّ ثوابهم عنده تعالى، ولا خوف عليهم مما يَستقبِلون، ولا يحزنون على ما مضى.
ثم يَعِظ الله الذين آمنوا بأمرهم أن يتَّقوه، وأن يتركوا الرِّبا في معاملاتهم التي هي حاضرة وقتَ تلقِّيهم للإنذار، إنْ كانوا صادقين في إيمانهم، فإنْ لم يفعلوا فلْيُعلِموا أنفسَهم وغيرهم أنَّ الله يُوعِدهم بحربٍ منه ومن رسوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ، فإنْ تابوا وتركوا الرِّبا فلهم رؤوس أموالهم من الدُّيون التي لهم على النَّاس فقط، لا يَظلِمون النَّاس بأخْذ زيادة رِبويَّة، ولا يُظلَمون هم بإعطائهم رؤوسَ أموالهم ناقصةً؛ وأمَّا إنْ كان الذي عليه الدَّين مُعسِرًا لا يَجِد ما يُسدِّد به إليهم رؤوسَ الأموال التي هي دَينهم عليه، فعليهم أن يُمهِلوه حتى يتيسَّر له الوفاءُ، وأن يتصدَّقوا بإسقاط ما لهم على المَدَين المُعسِر من دَين أو بعضه؛ فهو خيرٌ لهم من إمهاله حتى يتيسَّر له القيامُ بردِّه لهم- إنْ كانوا يعلمون.
ثم يأمر اللهُ الناسَ أن يَحذَروا من يوم يَعودون فيه إلى الله بعد زَوال هذه الدُّنيا بما فيها، في ذلك اليوم الذي تستوفي فيه كلُّ نفْس جزاءَها بالعدل من ربِّها على كلِّ عملٍ صالح أو سيِّئ، لا يُنقَصُون شيئًا من ثواب الحسنات، ولا يُزاد عليهم شيءٌ من عقوبة السَّيِّئات.

تفسير الآيات:

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لَمَّا ذكَر تعالى الأبرارَ المؤدِّين النَّفقات، المُخرِجين الزَّكوات، المتفضِّلين بالبِرِّ والصِّلات، لذوي الحاجات والقَرابات، في جميع الأحوال- شرَع في ذكْر أكَلَةِ الرِّبا وأموال الناس بالباطل وأنواع الشُّبهات [2808] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/708). ، فقال تعالى:
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ.
أي: إنَّ الذين يأخذون الرِّبا، فينتفعون به بأكلٍ، أو شربٍ، أو لِباسٍ، أو سكَنٍ، أو غير ذلك من وجوه الانتفاع، إنَّما يقومون في الآخرة من قُبورهم لبَعْثهم ونُشُورهم، كهيئةِ المصروعِ الذي أصابه الشيطانُ بالجنونِ، كما كانوا في الدُّنيا كالمجانين في طلَبِ هذا المكسَب الخبيث [2809] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/37-42)، ((تفسير ابن كثير)) (1/708)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 958)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/374-375). قال ابن عطيَّة: (قال ابن عبَّاس رضي الله عنه، ومجاهد، وابن جُبَير، وقتادة، والربيع، والضحَّاك، والسُّدِّي، وابن زيد: معنى قوله: لا يَقُومُونَ من قبورهم في البَعث يوم القيامة، قال بعضهم: يُجعل معه شيطانٌ يخنفة، وقالوا كلهم: يُبعَث كالمجنون؛ عقوبةً له وتمقيتًا عند جمْع المحشَر، ويقوِّي هذا التأويلَ المجمَعَ عليه في أنَّ في قراءة عبد الله بن مسعود: «لا يقومون يوم القيامة إلَّا كما يقوم») ((تفسير ابن عطية)) (1/371-372). .
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا.
أي: هذا الذي يُصيبهم يومَ القيامة، من قُبْح حالهم، ووَحْشة قيامهم من قبورهم؛ من أجل أنهم كانوا في الدنيا يَكذِبون فيقولون اعتراضًا على أحكام الله تعالى في شَرْعه -: إنَّما البيعُ الذي أحلَّه الله لعباده مِثْلُ الرِّبا؛ فمَا الفرق بينهما وكلاهما وسيلتان للتَّكسُّب؛ فِلمَ حُرِّم هذا وأُبيح هذا؟ فكذَّبهم الله في قيلهم هذا؛ بأنَّ الله تعالى المُستحِقَّ للعبادة وحده هو الذي أحلَّ الأرباحَ في التجارة والشراء والبيع، وحرَّم أخْذ الزِّيادة بالباطل، وليسا سواءً، فالأمر أمره، والخَلْق خَلْقه، يَقضي فيهم ما يشاء، ويَستعبِدهم بما يُريد، وعليهم طاعته والتسليم لحُكْمه؛ فهو العالم بحقائق الأمور وما ينفع عباده، فيُبيحه لهم، وما يَضُرُّهم، فينهاهم عنه [2810] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/42-44)، ((تفسير ابن كثير)) (1/709)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/375). .
فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
أي: مَن بلَغه النَّهي عن الرِّبا والتخويف من أكْله وتعاطيه عمومًا، فكَفَّ عنه وانزَجَر، فله ما أكَل منه وأخَذ فيما مضى قبل نزول تحريمه، وشأن آكِله إلى الله تعالى في توفيقه أو خِذلانه، وكذا عفوُه أو عُقوبته، فيما يَستقبِل من زمانه، فإنْ عَلِم مِن قلبه صحَّةَ توبتِه، غفَر له، وإلَّا عاقبه على ذلك.
ومَن عاد لأكلِ الرِّبا بعدَ بلوغِه تحريمُه مستحلًّا له، وعاد إلى القولِ بأنَّ البيعَ مثلُ الرِّبا، وأصرَّ على ذلك، فقد استوجب عقوبةَ اللهِ تعالى بملازمةِ نارِه خالدًا فيها [2811] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/44)، ((تفسير ابن كثير)) (1/709-710)، ((تفسير البغوي)) (1/383)، ((تفسير ابن جزي)) (1/137). وإنْ حُمِلت الآية على المسلِم العاصي آكِل الرِّبا، فيكون المراد بالخلودِ: الخلود المؤقت وهو طولَ المكث في جهنَّمَ؛ لأنَّ الإيمانَ مانعٌ مِن الخلودِ الدائمِ فيها. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (1/373)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 958، 959)، ((فتاوى نور على الدرب)) لابن باز (27/142، 318). .
يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لَمَّا زجَر الله تعالى عن الرِّبا ورغَّب في الصدقات، وكان الدَّاعي لبعض الناس إلى فِعل الرِّبا طلبَ الزيادة في الأموال، والصارف لبعض الناس عن الصَّدقة الاحترازَ عن نُقصان هذه الأموال؛ بَيَّن تعالى أنَّ الرِّبا في حقيقة الأمر نقصانٌ، وأنَّ الصدقةَ في حقيقة الأمر زيادةٌ [2812] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/80). ، فقال سبحانه:
يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ.
أي: يُذهِب الله تعالى مكاسبَ الرِّبا بالكُليَّة من يد صاحبها، أو يَحرِمه بركتَها؛ فلا يَنتفِع بها، بل يُعذِّبه بها في الدنيا، ويُعاقِبه عليها يوم القيامة جزاءً مِن جِنْس ما عمِل، بينما يُنمِّي أجرَ الصَّدقات لصاحبها حتى تَتضاعَف [2813] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/45-46)، ((تفسير ابن كثير)) (1/713-714)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/378). .
كما قال تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39] .
عن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((مَن تصدَّقَ بعِدْلِ تمرةٍ من كَسْبٍ طَيِّبٍ -ولا يَقبَلُ اللهُ إلَّا الطَّيِّبَ- وإنَّ اللهَ يَتقبَّلُها بيمينِهِ، ثم يُربِّيها لصاحبها، كما يُرَبِّي أحدُكم فَلُوَّه [2814] الفَلُوُّ- بوزنِ عَدُوّ، والفِلْو- وزان حِمْل- لُغة فيه: هو المُهْر يُفصَل عن أمِّه، والأُنثى فَلُوَّة. ((المصباح المنير)) للفيومي (2/481). ، حتى تكونَ مِثْلَ الجبلِ )) [2815] رواه البخاري (1410). .
وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ.
أي: إنَّ الله تعالى لا يحبُّ كلَّ من كان كثيرَ الكُفْران، مُصرًّا على الكُفْر بنِعَمه، مقيمًا على ذلك، مُستحِلًّا أكْلَ الرِّبا، متماديًا في الإثم فيما نهاه عنه من أكْله وتَعاطِيه، وغير ذلك من معاصيه، لا يَرْعوي عنه، ولا يتَّعِظ بموعظة ربِّه؛ ذلك أنَّ المرابي لا يَرضَى بما قسَم اللهُ تعالى له من الحلال، ولا يَكتفي بما شرَع له من التَّكسُّب المُباح، فهو يَسعى في أكْل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جَحودٌ لما عليه من النِّعمة، ظَلومٌ آثمٌ بأكل أموال الناس بغير وجْه حقٍّ [2816] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/48)، ((تفسير ابن كثير)) (1/715-716)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/378-379). .
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لَمَّا ذكَر الله عزَّ وجلَّ أكَلَةَ الرِّبا، وكان من المعلوم أنَّهم لو كانوا مؤمنين إيمانًا ينفعهم لم يَصدُرْ منهم ما صدَر، ذكَر هنا حالةَ المؤمنين وأجرَهم، فإنَّ أكبر الأسباب لاجتِناب ما حرَّم الله تعالى من المكاسب الرِّبويَّة تكميلُ الإيمان وحقوقه، خصوصًا إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ فإنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكَر، والزكاة إحسانٌ إلى الخَلْق، وهذا يُنافي تعاطي الرِّبا، الذي هو ظلمٌ لهم [2817] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959). .
وأيضًا لَمَّا ذكَر حالَ آكِل الرِّبا، وحالَ مَن عاد بعدَ مجيء الموعظة، ذكَر ضدَّ هؤلاء؛ ليُبيِّن فَرْق ما بين الحالين، فعادة القرآن أنَّه مهما ذكر وعيدًا ذكَر بعده وعدًا [2818] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/711)، ((تفسير الرازي)) (7/81). ، فقال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277).
أي: إنَّ المؤمنين بما يجب الإيمان به، ومِن ذلك إيمانهم بما أُنزل إليهم من ربِّهم- والذي شَمِل تحريمَ الرِّبا- وعمِلوا الصَّالحات التي أمرهم الله عزَّ وجلَّ بها، وهي المبنيَّة على الإخلاص لله تعالى، والمتابَعة لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّمَ- ومنها بذْل الصَّدقات في سبيله تعالى- وأَدَّوُا الصَّلاةَ قويمةً بشروطها وأركانها، وواجباتها وسُنَنها، وأَعْطَوا الزَّكاة المفروضة عليهم في أموالهم لمُستحقِّيها، فأولئك لهم ثوابُهم عند الله جلَّ وعلا، ولا خوف عليهم ممَّا يَستقبِلون، ولا هم على ما مضى يَحزنون [2819] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/48-49)، ((تفسير ابن كثير)) (1/716)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/380-381). .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لَمَّا بيَّن في الآية المتقدِّمة أنَّ مَن انتهى عن الرِّبا فله ما سَلَف، فقد كان يجوز أن يُظَنَّ أنه لا فرْق بين المقبوضِ منه والباقي في ذِمَّة القوم، وأنَّ الممنوع هو إنشاء عَقدٍ رِبويٍّ بعد التحريم؛ لذا أَزالَ تعالى هذا الاحتمالَ بأنْ أمَر بترك ما بقي من الرِّبا في العقود السابقة، قبل التَّحريم [2820] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/82)، ((تفسير أبي حيان)) (2/711). ، فقال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278).
أي: يا أيُّها المؤمنون، امتثِلوا ما أَمَركم الله تعالى به، وانتَهُوا عمَّا نهاكم عنه، فاتركوا ما لكم على الناس من الزِّيادة على رؤوس الأموال من المعاملات الحاضِرة التي بأيديكم، بعد هذا الإنذار الذي تلقَّيتُموه، إنْ كنتم صادقين حقًّا في إيمانكم [2821] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/49)، ((تفسير ابن كثير)) (1/716)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/382-383). .
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
لَمَّا كان مِن حقِّ مَن عَاندَ السِّيدَ الأخْذُ؛ سبَّب عن ذلك قوله [2822] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (4/139). :
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ.
القِراءت ذات الأَثَر في التفسير:
في قوله تعالى: فَأْذَنُوا قراءتان [2823] قرأ حمزة وأبو بكر (فَآذِنُوا). وقرأ الباقون (فَأْذَنُوا) بالقَصْر. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/236). ويُنظر لمعنى القراءتين: ((معاني القراءات)) للأزهري (1/231-232)، ((الكشف)) لمكي (1/318). :
1- (فَآذِنُوا) من آذنتُه أُوذِنه، إذا أعلنتُه، كقولهم: أَعْلِمُوا مَنْ وراءَكم، فالمعنى: فأَعلِموا غيرَكم أنَّ كلَّ مَن لم يترك الرِّبا فهو حرب، وهذا أعمُّ؛ لأنَّهم إذا أعلَموا غيرَهم بالحرب من الله ورسوله، فقد علِموا هم ذلك.
2- (فَأْذَنُوا) على أنَّه أمرٌ للمُخاطَبين بترك الرِّبا، أُمِروا أن يَعْلموا ذلك هم أنفسهم، فالمعنى: فإن لم تتركوا الرِّبا، فأَيْقِنوا بحربٍ من الله ورسوله.
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ.
أي: إنْ لم تتركوا ما بقي لكم على النَّاس من زيادةٍ على رأس المال، مُستَمرِّين على تَعاطي الرِّبا بعد إنذاركم، فأَعلِموا أنفسَكم وغيرَكم، مُستيقنين أنَّ الله تعالى يتوعَّدكم بحرب وقتْل مِنه ومن رسولِه عليه الصَّلاة والسَّلام [2824] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/51-53)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/397-398)، ((تفسير ابن عطية)) (1/375)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/95). .
وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ.
أي: إن تُبْتُم فتركتُم أكْلَ الرِّبا، وأَنَبْتُم إلى الله عزَّ وجلَّ، فلكم رؤوس أموالكم من الدُّيون التي لكم على النَّاس دون الزِّيادة التي أحدثتموها على ذلك، فلا تَظْلِمُونَ الناسَ بأخْذ الزِّيادة، وَلا تُظْلَمُون بإعطائكم رؤوسَ أموالكم ناقصةً [2825] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/53-55)، ((تفسير ابن كثير)) (1/717)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/386، 387). .
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280).
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ.
أي: إنْ كان الذي عليه الدَّين مُعسِرًا لا يَجِد ما يَردُّ به حقَّكم- وهو رؤوس أموالكم التي أَسلفتُموه إيَّاها دون زيادة- فعليكم أن تُمهِلوه حتى يتيسَّر له الوفاءُ به [2826] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/56-57، 62-63)، ((تفسير ابن كثير)) (1/717)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117، 959)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/390). .
وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
أي: إنَّ تصدُّقَكم على المدينِ المعسرِ بالتنازلِ والعفو عمَّا لكم عليه أو بإسقاط بعضه، خيرٌ لكم من إمهاله حتى يتيسَّر له القيام بردِّه لكم، فقوموا بذلك إذًا إن كنتم من ذوي العِلْم بفضل الصَّدقة، وما لصاحبها من ثوابٍ عظيم [2827] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/63، 66)، ((تفسير ابن كثير)) (1/717)، ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/390-391). .
عن عبد الله بن أبي قَتادةَ: ((أنَّ أبا قَتادةَ رضي الله عنه، طلَب غريمًا لهُ، فتوارى عنهُ، ثم وجدَه، فقال: إنِّي مُعسِرٌ، فقال: آللهِ؟ قال: آللهِ، قال: فإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يقول: مَن سرَّهُ أن يُنجيَه اللهُ من كُرَبِ يومِ القيامةِ، فلينفِّسْ عن مُعسِرٍ، أو يَضعْ عنهُ )) [2828] رواه مسلم (1563). .
وعن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((مَن نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُرْبةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن يَسَّرَ على مُعسِرٍ، يسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ، ومَن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه )) [2829] رواه مسلم (2699). .
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281).
مُناسبة الآية لِمَا قبلها:
أنَّ ممَّا يُهوِّن على العبدِ التزامَ الأمور الشرعيَّة، واجتنابَ المعاملات الرِّبوية، والإحسانَ إلى المُعسِرين، عِلْمُه بأنَّ له يومًا يَرجِع فيه إلى الله تعالى، ويُوفِّيه عملَه، ولا يظلمه مِثقالَ ذرَّة؛ ففي الآية ترغيبٌ في فِعْل ما أُمِر به أو نُدِب إليه ممَّا سبق؛ لأنَّ في تَرْك المنهيَّات سلامةً من آثامها، وفي فِعْل المطلوبات استكثارًا من ثوابها، والكلُّ يرجع إلى اتِّقاء ذلك اليوم الذي تُطلَب فيه السلامة وكثرة أسباب النجاح، وهو أيضًا صالح للتَّرهيب من ارتكاب ما نهي عنه ممَّا سبَق النَّهي عنه [2830] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 959)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/97). ؛ لذا قال  تعالى:
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281).
أي: احذروا- أيُّها الناس- يومًا تزول فيه هذه الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها، فترجعون إلى الله فتَلقَونه فيه، فاحذروا أن تَرِدوا عليه بسيِّئات تُهلِككم، وبلا حسنات تُنجِيكم، فتَستحِقُّوا عقابَ الله تعالى، وهو يوم مُجازاة الأعمال، فتستوفي فيه كلُّ نَفْس جزاءها بالعدل من ربِّها، على ما قدَّمت واكتسَبتْ من سيِّئ وصالح، لا يُنقَصُون شيئًا من ثواب الحسنات، ولا يُزاد عليهم شيءٌ من عقوبة السيِّئات [2831] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/67-69)، ((تفسير ابن كثير)) (1/720)، ((تفسير السعدي)) (ص: 117)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/396-397). .

الفوائد التربويَّة:

1- في قوله تعالى: آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ: دلالةٌ على أنَّه لابد مع الإيمان من العمل الصالح، وأنَّ العمل لا يُفيد حتى يكون صالحًا؛ والصَّلاح أن ينبني العملُ على أمرين: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، وضده الشِّرك. والمتابعة، وضدها البِدْعة [2832] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/381). .
2- أنَّ أخْذ الرِّبا يُنافي الإيمان؛ لقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [2833] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/385). .
3- رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، حيث حرَّم عليهم ما يتضمَّن الظلم؛ وأكَّد هذا التَّحريم، وأنزل القرآن فيه بلفظ يَحمِل على تَرْك هذا المُحرَّم؛ لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، وقوله تعالى: اتَّقُوا اللهَ، وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ؛ والحُكْم: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [2834] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/386). .
4- في قوله: مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ رحمةُ الله سبحانه وتعالى بالعبادِ؛ حيث أَرسَل إليهم الرُّسلَ؛ لأنَّ العقول لا يُمكِن أن تَستقِلَّ بمعرفة ما يَنفَعها ويَضُرُّها على وجه التَّفصيل؛ لقُصُورها، إنَّما تَعرِفه على سبيل الجُمْلة؛ لقوله تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85] ؛ فمِن أجْلِ ذلك أَرسَل اللهُ الرُّسلَ؛ فكان في هذا رحمةٌ عظيمة للخَلْق [2835] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/389). .
5- مُراعاة العدلِ في معاملة النَّاس بعضهم مع بعض؛ لقوله تعالى: فَلَكُمْ رُوُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [2836] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/389). .
6- فضيلة الإبراء من الدَّين، وأنَّه صَدقة؛ لقوله تعالى: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ؛ والإبْراءُ سُنَّة، والإنظار واجب، وهنا السُّنَّة أفضلُ من الواجب بنصِّ القرآن؛ لقوله تعالى: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [2837] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/392). .
7- فضيلة العِلم، وأنَّ العِلم يَهدي صاحبَه إلى الخير؛ لقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [2838] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/393). .

الفوائد العلمية واللَّطائف:

1- أنَّ مَن تَعامَل بالرِّبا فإنه يُصاب بالنَّهْمة العظيمة في طلَبِه كما في قوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا [2840] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/376). .
2- قوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا: التَّعبير عنه بالأكْل؛ لأنَّه مُعظَم ما قُصِد به، ولشيوعه في المطعومات، مع ما فيه من زيادة تَشنيعٍ لهم، وهو الزِّيادة في المقدار [2841] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (1/266). .
3- أنَّ الشَّيطان يتخبَّط بني آدم فيَصرَعه؛ ولا عِبْرة بقول مَن أَنكَر ذلك كما في قوله يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [2842] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/376). .
4- مُبالَغة أهل الباطل في ترويج باطلِهم؛ لأنَّهم جعَلوا المقيسَ هو المقيس عليه؛ لقولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا؛ وكان مقتضى الحالِ أن يقولوا: إنَّما الرِّبا مِثْلُ البيعِ [2843] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/376). .
5- أنَّ الحُكْم لله- تبارك وتعالى- وحده؛ فما أحلَّه فهو حلال؛ وما حرَّمه فهو حرام، سواء علِمْنا الحِكمةَ في ذلك، أم لم نعلم؛ لأنَّه تعالى ردَّ قولهم: إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا بقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا؛ فكأنَّه قال: ليس الأمرُ إليكم؛ وإنَّما هو إلى الله [2844] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/377). .
6- أنَّ بين الرِّبا والبيعِ فرقًا أوجب اختلافَهما في الحُكْم؛ فإنَّا نعلم أنَّ الله تعالى لا يُفرِّق بين شيئين في الحُكْم إلَّا وبينهما فرقٌ في العِلَّة، والسبب المقتضي لاختلافهما؛ لقوله تعالى: أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ [التين: 8] ، وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [2845] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/377). [المائدة: 50] .
7- أنَّ ما أخَذه الإنسانُ من الرِّبا قبل العلم فهو حلالٌ له بشَرْط أنْ يتوب، وينتهي؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ [2846] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/377). .
8- أنَّه لو تاب من الرِّبا قبل أن يَقبِضه، فإنَّه يجب إسقاطُه؛ لقوله تعالى: فَانْتَهَى؛ ومَن أخَذه بعد العِلم، فإنَّه لم يَنْتَهِ [2847] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/377). .
9- التَّخويف من التَّفاؤل البعيد لمَن تاب من الرِّبا؛ لأنَّه تعالى قال: فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ؛ يعني أنَّ الإنسانَ يتفاءل، ويُؤمِّل؛ لأنَّ الأمر قد لا يكون على حَسَب تفاؤله [2848] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/378). .
10- رأفة الله تعالى بمَن شاء مِن عباده؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى؛ وهذه رِبوبيَّة خاصَّة تَستلزِم توفيق العبدِ للتَّوبة، حتى ينتهي عمَّا حرَّم الله عليه [2849] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/378). .
11- ولَمَّا كان التَّخويفُ من المُحسِن أردعَ؛ لأنَّ النَّفْس منه أَقْبَلُ قال: مِنْ رَبِّهِ: أي: المُربِّي له، المُحسِن إليه بكلِّ ما هو فيه من الخير [2850] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/378). .
12- في قوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ الإشارةُ إلى عظمةِ هذا الثَّواب؛ لأنَّه أضافه إلى نَفْسه- تبارك وتعالى- والمضاف إلى العظيم يكون عظيمًا [2851] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/382). .
13- أنَّه إذا كان الشيءُ مهمًّا، فإنَّه ينبغي أن يُصدَّر بما يُفيد التَّنبيه من نداء، أو غيره كما في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..... [2852] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/383). .
14- قوله اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا: فيه مناسبةٌ حسنة، حيث أُمرِوا بتقوى الله قبل الأمر بترْك الرِّبا؛ لأنَّ تقوى الله هي أصلُ الامتثال والاجتناب؛ ولأنَّ تَرْك الرِّبا من جُمْلتها [2853] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/93) .
15- وجوب ترْك الرِّبا (سواء سمِّي بهذا الاسم الصَّريح، أو سمِّي بغيره كـ«الفائدة»)- وإن كان قد تَمَّ العَقْد عليه؛ لقوله تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا؛ وهذا في عَقْدٍ استُوفي بعضه، وبقِي بعضه [2854] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/383، 384). .
16- أنه لا يجوز إنفاذُ العقود المُحرَّمة في الإسلام- وإن عُقِدت في حال الشِّرك؛ لعموم قوله تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا [2855] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/383). .
17- الردُّ على الجبريَّة؛ لقوله تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا؛ لأنَّ الجبريَّة يقولون: إنَّ الإنسان لا يستطيع الفِعلَ، ولا الترك؛ لأنه مُجبَر، وحقيقة قولهم تعطيل الأمر والنَّهي؛ لأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يفعلَ ما أُمِر به، ولا تَرْك ما نُهِي عنه [2856] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/387). .
18- أنَّ المرابي إذا كان مُعلِنًا الحرب على الله ورسوله، فهو مُعلِن الحرب على أولياء الله ورسوله، وهم المؤمنون؛ وذلك بدَلالة الالتزام؛ لأنَّ كلَّ مؤمن يجب أن يَنتصِر لله، ورسوله؛ فالمؤمنون هم حِزب الله عزَّ وجلَّ ورسوله [2857] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/387). .
19- أنَّه لا يجوزُ أخْذ ما زاد على رأس المال من الرِّبا لأيِّ غرضٍ كان؛ سواء أخذه ليتصدَّق به، أو ليَصرِفه في وجوه البِرِّ تَخلُّصًا منه، أو لغير ذلك؛ لأنَّ الله أمر بتَرْكه؛ ولو كان هنا طريقٌ يُمكِن صَرْفه فيه لبيَّنه الله عزَّ وجلَّ [2858] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/388). .
20- الإشارة إلى الحِكمةِ من تحريم الرِّبا، وهي ما فيه من الظُّلم؛ لقوله تعالى: لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [2859] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/388). .
21- حِكمة الله عزَّ وجلَّ بانقسِام الناس إلى مُوسِر، ومُعسِر؛ المُوسِر في الآية: الدائن؛ والمُعسِر: المَدين؛ وحِكمة الله عزَّ وجلَّ هذه لا يُمكِن أن تستقيم أمورُ العباد إلَّا بها [2860] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/391). .
22- أنَّ الحُكمَ يدور مع عِلَّته وجودًا وعَدَمًا؛ لأنَّه لَمَّا كان وجوب الإنظار مُعلَّلًا بالإعسار، صار مستمرًّا إلى أن تزول العِلَّة- وهي العُسْرة- حتى تجوز مطالبته [2861] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/391). .
23- تَفاضُل الأعمال؛ لقوله تعالى: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ، وتَفاضُل الأعمال يَستلزِم تَفاضُلَ العامل، وأنَّ العاملين بعضهم أفضل من بعض، وهذا أمرٌ معلوم بالضرورة الشَّرعيَّة والعقليَّة؛ أنَّ العمال يَختلِفون [2862] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/393). .
24- الردُّ على الجبريَّة؛ لقوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا؛ لأنَّ توجيه الأمْر إلى العبد- إذا كان مجبرًا- من تكليفِ ما لا يُطاق [2863] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/398). .
25- في قوله: وَاتَّقُوا يَوْمًا؛ أنَّ التَّقوى قد تُضاف لغير الله- لكن إذا لم تَكُن على وجه العبادة؛ فيُقال: اتَّقِ فلانًا، أو: اتَّقِ كذا؛ وهذا في القرآن والسُّنَّة كثير [2864] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/397). . حيث المراد بها المعنى اللُّغوي.
26- أنَّ الصَّغير يُكتَب له الثَّواب؛ وذلك لعموم قوله تعالى: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ [2865] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - الفاتحة والبقرة)) (3/398). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ فيه تشبيه تمثيلي، حيث شبَّه آكِلي الرِّبا عند خروجهم من أجداثهم بمَن أصابه مسٌّ فاختلَّ طبعُه، وانتكستْ حاله [2866] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/706)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/430). .
وقوله: مِنَ المَسِّ فيه تأكيدٌ؛ ليظهر المرادُ من تخبُّط الشَّيطان؛ فلا يظنُّ أنه تخبُّط مجازيٌّ بمعنى الوسوسة [2867] يُنظر: ((تفسير القاسمي)) (2/219). .
2- قوله: قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فيه تشبيهٌ مقلوب، حيث شبّه البيع بالرِّبا؛ إشارةً إلى أنَّهم عكَسوا الكلام؛ للمبالغة، حتَّى جعلوا الرِّبا أصلًا، والبيع فرعًا فشبَّهوه به، وهو في البلاغة مرتبةٌ عُليا، يُصبح المشبَّه به قائمًا بالمشبَّهِ وتابعًا له [2868] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/320-321)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/633)، ((تفسير القاسمي)) (2/225)، ((إعراب القرآن وبيانه)) لمحيي الدين درويش (1/430). .
3- قوله: يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ بيْن (الرِّبا) وبين (الصَّدقات) مناسبةٌ من جِهة التضاد؛ وذلك لأنَّ الصَّدقة عبارة عن تنقيص المال بسبب أمْر الله بذلك، والرِّبا عبارة عن طلب الزِّيادة على المال مع نهي الله عنه، فكانَا متضادَّينِ؛ فلمَّا حصَل بين هذين الحُكمين هذا النوع من المناسبة، لا جرمَ ذُكِر عقيب حُكم الصَّدقات حُكمُ الربا [2869] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (7/72)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/133). .
وفي ذِكر (المَحْق) و(الإرباء) بديعُ الطِّباق، وفي ذِكر (الرِّبا) و(يُربي) بديعُ التَّجنيس المغاير [2870] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/705)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/636)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/91). .
4- قوله: وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ فيه تغليظُ أمر الرِّبا، وإيذان أنَّه من فِعل الكفَّار لا مِن فِعل أهل الإسلام، وأتى بصيغة المبالغة في الكافِر والآثم (كفَّار- أثيم)، وإنْ كان تعالى لا يحبُّ الكافر؛ تنبيهًا على عِظم أمْر الرِّبا، ومخالفة الله، وأنَّه لا يقول قولَهم ويُسوِّي بين البيع والرِّبا؛ ليستدلَّ به على أكْل الرِّبا، إلَّا مبالِغٌ في الكفر، مبالِغ في الإثم، ومع المبالغة والتوكيد في أثيم فقد أفاد ذِكره أيضًا زوالَ الاشتراك الذي في (كفَّار)؛ إذ يقع على الزرَّاع الذين يسترون الأرض [2871] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/321)، ((تفسير القاسمي)) (2/229)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/91). .
ومفاد التركيب: أنَّ الله لا يحبُّ أحدًا من الكافرين الآثمين؛ لأنَّ كلمة (كل) من صيغ العموم؛ فهي موضوعةٌ لاستغراق أفراد ما تُضاف إليه [2872] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (3/91). .
5- قوله: وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصلاة وآتوا الزكاة فيه ذِكر الخاصِّ بعد العامِّ؛ حيث خصَّص الصَّلاة والزكاة بالذِّكر مع اندراجهما في الصَّالحات؛ لبيان فضلهما، وعلوِّ منزلتهما على سائرِ الأعمال الصالحة، على طريقةِ ذِكر جبريل وميكال عقيبَ الملائكة عليهم السَّلام [2873] يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/137)، ((تفسير أبي السعود)) (1/267). .
6- قوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ تنكير (حرب)؛ للتعظيم [2874] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (1/163)، ((تفسير ابن عاشور)) (3/94). . وفي العدول عن إضافة الحرب إلى الله ورسوله حيث لم يقل: (بحرب الله ورسوله)، وإضافة حرف الجر (مِن) سرٌّ بلاغي بديع، حيث أفاد أنَّه نوعٌ من الحرب عظيمٌ من عند الله ورسوله، وأيضًا أفاد أنَّ الحرب مِن الله لهم؛ فالله تعالى هو الذي يحاربهم، ولو قيل: (بحرب الله)، لاحتمل أن تكون الحربُ مضافةً للفاعِل، فيكون الله هو المحارِب لهم، واحتمل أن تكون مضافةً للمفعول، فيكونوا هم المحاربين لله؛ فكونُ الله تعالى محاربَهم أبلغُ وأزجرُ في الموعظة من كونهم محارِبين لله [2875] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/715)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/642). .
7- قوله: تُرْجَعُونَ مَن قرأ بياء الغَيبة (يرجعون) فيكون في التفات؛ ووجهه: أنَّ الله تعالى كأنَّه رفَق بالمؤمنين عن أن يواجههم بذِكر الرَّجعة؛ إذ هي ممَّا تتفطَّر له القلوب، فقال لهم: وَاتَّقُوا، ثم رجَع في ذِكر الرَّجعة إلى الغيبة رِفقًا بهم فقال: (يرجعون) [2876] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (2/719)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (2/649). .
8- قوله: ثُمَّ توفَّى التعبير بأداة التراخي (ثم) فيه إشارة إلى طول وقوفهم ذلك الموقفَ في مقام الهيبة، وتمادِي حبسهم في مشهد الجلال والعَظمة [2877] يُنظر: ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (4/145). .