موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 94] .
قال الطَّبَريُّ: (فَتَبَيَّنُوا يقولُ: فتأنَّوا في قَتلِ من أشكَل عليكم أمرُه، فلم تعلَموا حقيقةَ إسلامِه ولا كُفرِه، ولا تَعْجَلوا فتَقْتلوا من التَبسَ عليكم أمرُه، ولا تتقَدَّموا على قَتلِ أحَدٍ إلَّا على قَتلِ من عَلِمتُموه يقينًا حربًا لكم وللهِ ولرَسولِه) [1406] ((جامع البيان في تأويل القرآن)) (9/70). .
- وقال سُبحانه: وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50] .
قال ابنُ عطيَّةَ: (كان هذا الفِعلُ من يوسُفَ عليه السَّلامُ أناةً وصَبرًا وطَلَبًا لبراءةِ السَّاحةِ، وذلك أنَّه -فيما رُوِيَ- خَشِيَ أن يخرُجَ وينالَ من المَلِكِ مَرتبةً، ويسكُتَ عن أمرِ ذَنبِه صفحًا، فيراه النَّاسُ بتلك العينِ أبدًا، ويقولون: هذا الذي راود امرأةَ مولاه، فأراد يوسُفُ عليه السَّلامُ أن تَبِينَ براءتُه، وتتحقَّقَ منزلتُه من العِفَّةِ والخَيرِ) [1407] ((المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز)) (3/252). .
- وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد: 4] .
فاللهُ سُبحانَه عَلَّم عبادَه التُّؤَدةَ والتَّأنِّيَ، وأنَّ الأهَمَّ إحكامُ الشَّيءِ لا الفراغُ منه، حتى يتأنَّى الإنسانُ فيما يصنَعُه، فعَلَّم اللهُ سُبحانه عبادَه التَّأنِّيَ في الأمورِ التي هم قادرون عليها، وذلك من حِكَمِ خَلقِها في ستَّةِ أيَّامٍ [1408] يُنظَر: ((تفسير الحجرات – الحديد)) لابن عثيمين (1/362). .
- وقال عزَّ مِن قائلٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات: 6] .
(قرأ الجُمهورُ: فَتَبَيَّنُوا من التَّبيُّنِ، وقرأ حمزةُ والكِسائيُّ: فَتَثَبَّتُوا من التَّثبُّتِ، والمرادُ من التَّبيُّنِ: التَّعرُّفُ والتَّفحُّصُ، ومن التَّثبُّتِ: الأناةُ وعدَمُ العَجَلةِ، والتَّبصُّرُ في الأمرِ الواقِعِ، والخبرِ الواردِ حتى يتَّضِحَ ويظهَرَ) [1409] ((فتح القدير)) للشوكاني (5/71). .
- وقال تعالى محذِّرًا من خُطورةِ نَقلِ الكلامِ من غيرِ تأنٍّ وتثبُّتٍ منه: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور: 15] .
ومن المعلومِ بداهةً أنَّ التَّلقِّيَ إنَّما يكونُ بالأذُنِ، ثمَّ يُعرَضُ على العَقلِ والقَلبِ، وحينئذٍ يكونُ الكلامُ باللِّسانِ، فإنَّما هي لفتةٌ إلى السُّرعةِ وعدَمِ التَّأنِّي أو التَّروِّي في إصدارِ الحُكمِ، بل في تداوُلِه والتَّحرُّكِ به، كأنَّ الإفكَ عندما وقَع من ابنِ سَلولَ صُمَّت الآذانُ وسُتِرت العقولُ وغُلِّفت القلوبُ، فلم يَبْقَ إلَّا أن لاكَتْه الألسُنُ وتحرَّكت به الشِّفاهُ دونَ فَهمٍ للواقِعِ، ودونَ مَعرفةٍ بالظُّروفِ والملابَساتِ [1410] ((آفات على الطريق)) للسيد محمد نوح (ص: 193) .

انظر أيضا: