موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


وردت عِدَّةُ آياتٍ في القرآنِ الكريمِ تشيرُ إلى ذَمِّ المُداهَنةِ إمَّا بالتَّصريحِ أو بالتَّلميحِ؛ منها على سبيلِ المثالِ:
1- قَولُه تعالى: أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ [الواقعة: 81] .
قال الطَّبَريُّ: (يقولُ تعالى ذِكرُه: أفبهذا القرآنِ الذي أنبأتُكم خبَرَه، وقصَصْتُ عليكم أمْرَه -أيُّها النَّاسُ- أنتم تُلينون القولَ للمُكَذِّبين به؛ ممالأةً منكم لهم على التَّكذيبِ به والكُفرِ؟!) [6568] ((جامع البيان)) (22/ 367). .
وقال ابنُ عطيَّةَ: (مُدْهِنُونَ معناه: يُلايِنُ بعضُكم بعضًا، ويَتبَعُه في الكُفرِ) [6569] ((المحرر الوجيز)) (5/ 252). .
وقال السَّعديُّ: (أفبهذا الكتابِ العظيمِ والذِّكرِ الحكيمِ أنتم تُدهِنون أي: تختَفون وتُدَلِّسون خوفًا من الخَلقِ وعارِهم وألسِنَتِهم؟ هذا لا ينبغي ولا يليقُ، إنَّما يليقُ أن يُداهَنَ بالحديثِ الذي لا يَثِقُ صاحِبُه منه، وأمَّا القرآنُ الكريمُ فهو الحَقُّ الذي لا يغالِبُ به مغالِبٌ إلَّا غَلَب، ولا يصولُ به صائِلٌ إلَّا كان العاليَ على غيرِه، وهو الذي لا يداهَنُ به ولا يُختفى، بل يُصدَعُ به ويُعلَنُ) [6570] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 836). .
2- قولُه تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: 9] .
قال السَّعديُّ: (لَوْ تُدْهِنُ أي: توافِقُهم على بعضِ ما هم عليه، إمَّا بالقولِ أو الفِعلِ أو بالسُّكوتِ عمَّا يتعَيَّنُ الكلامُ فيه، فَيُدْهِنُونَ ولكِنِ اصدَعْ بأمرِ اللَّهِ، وأظهِرْ دينَ الإسلامِ؛ فإنَّ تمامَ إظهارِه بنَقضِ ما يُضادُّه، وعَيبِ ما يناقِضُه) [6571] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 879). .
والإسلامُ دينٌ شَريفٌ، دينٌ صَريحٌ، يَكرَهُ النِّفاقَ والغِشَّ، ويَكرَهُ المُداهَنةَ والمراءاةَ؛ ولذلك يقولُ اللَّهُ لنبيِّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقد وصَّاه بالصَّراحةِ، وعَرَّفه كيف يدعو إليه: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم: 9] ، فعَلَّم رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يكونَ صريحًا في عَرضِ الإسلامِ ومحاكمةِ أتباعِه إليه ومحاكَمةِ الآخَرينَ إليه، والمُداهَنةُ أو الإدهانُ لا يمكِنُ قَبولُه في الإسلامِ [6572] يُنظَر: ((خطب محمد الغزالي)) (2/20، 304). .
4- قولُه تعالى وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود: 113] .
أي: ولا تميلوا -أيُّها النَّاسُ- إلى الظَّلَمةِ؛ فإنَّكم إن مِلْتُم إليهم ووافَقْتُموهم على أفعالِهم ورَضيتُم بها، وداهنْتُموهم؛ تُصِبْكم النَّارُ [6573] يُنظَر: ((التفسير المحرر - مؤسسة الدرر السنية)) (10/361). .
5- قولُه تعالى أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة: 50] .
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ هو المَيلُ والمُداهَنةُ في الحُكمِ، والمرادُ بالجاهليَّةِ المِلَّةُ الجاهليَّةُ التي هي مُتابعةُ الهوى) [6574] ((أنوار التنزيل)) للبيضاوي (2/ 130). .

انظر أيضا: