موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن ‌أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((أنَّه سَمِع رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّ شَرَّ النَّاسِ ‌ذو ‌الوجهَينِ، الذي يأتي هؤلاءِ بوَجهٍ وهؤلاءِ بوَجهٍ)) [6575] أخرجه البخاري (7179) واللفظ له، ومسلم (2526). .
قال النَّوويُّ: (قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذي الوجَهينِ: إنَّه من شِرارِ النَّاسِ، فسَبَبُه ظاهِرٌ؛ لأنَّه نفاقٌ محضٌ وكَذِبٌ وخِداعٌ وتحيُّلٌ على اطِّلاعِه على أسرارِ الطَّائفتينِ، وهو الذي يأتي كُلَّ طائفةٍ بما يُرضيها ويُظهِرُ لها أنَّه منها في خيرٍ أو شَرٍّ، وهي مُداهَنةٌ مُحَرَّمةٌ) [6576] ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 79). ، فأمَّا مَن يقصِدُ ‌بذلك ‌الإصلاحَ بَيْنَ ‌الطائفتينِ فهو محمودٌ [6577] يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 475). .
وقيل: إنَّ المذمومَ مَن يُزَيِّنُ لكُلِّ طائفةٍ عَمَلَها ويُقَبِّحُه عِندَ الأُخرى ويَذُمُّ كُلَّ طائفةٍ عِندَ الأخرى، والمحمودُ أن يأتيَ لكُلِّ طائفةٍ بكلامٍ فيه صلاحُ الأخرى ويعتَذِرُ لكُلِّ واحدةٍ عن الأخرى وينقُلُ إليه ما أمكَنه من الجميلِ ويَستُرُ القبيحَ [6578] ((فتح الباري)) (10/ 475). .
2- عن أبى هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حقُّ المُسلِمِ على المُسلِمِ سِتٌّ، قيل: ما هنَّ يا رسولَ اللهِ؟ قال: إذا لَقيتَه فسلِّمْ عليه، وإذا دعاك فأجِبْه، وإذا استنصَحك فانصَحْ له، وإذا عطَس فحمِد اللهَ فسَمِّتْه، وإذا مرِض فعُدْه، وإذا مات فاتَّبِعْه)) [6579] أخرجه مسلم (2162). .
قولُه: ((وإذا استنصَحَك)) معناه: طلَبَ منك النَّصيحةَ فعليك أن تنصَحَه ولا تداهِنَه ولا تَغُشَّه ولا تُمسِكَ عن بيانِ النَّصيحةِ [6580] يُنظَر: ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (7/ 46)، ((شرح النووي على مسلم)) (14/ 143). ، والنَّصيحةُ: إرادةُ الخيرِ للغَيرِ وإظهارُه له؛ ليتمَسَّكَ به [6581] يُنظَر: ((الكوكب الوهاج)) لمحمد الأمين الهرري (22/ 101). .
3- عن ‌النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَثَلُ المُدهِنِ في حدودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها مَثَلُ قومٍ استَهَموا سفينةً، فصار بعضُهم في أسفَلِها وصار بعضُهم في أعلاها، فكان الذي في أسفَلِها يمرُّون بالماءِ على الذين في أعلاها، فتأذَّوا به، فأخَذ فأسًا، فجَعَل يَنقُرُ أسفَلَ السَّفينةِ، فأتَوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذَّيتُم بي ولا بُدَّ لي من الماءِ! فإن أخَذوا على يَدَيه أنجَوه ونجَّوا أنفُسَهم، وإن تَرَكوه أهلَكوه وأهلَكوا أنفُسَهم)) [6582] أخرجه البخاري (2686). .
(قولُه: ((المُدهِن)) هو المصانِعُ والغاشُّ، وهو المداهِنُ، والادِّهانُ: المصانعةُ واللِّينُ في الحَقِّ) [6583] ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (3/ 51). .
وقيل: هو المحابي، والمرادُ به مَن يرائي ويُضَيِّعُ الحقوقَ ولا يُغَيِّرُ المُنكَرَ، وقيل: المداهِنُ هو المضَيِّعُ لحدودِ اللَّهِ الذي لا يُغَيِّرُ المعاصيَ ولا يَعمَلُها، فهو مُستحَقٌّ بالعقوبةِ على سُكوتِه ومداهنتِه [6584] يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (8/ 77). .
4- عن أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّه يُستعمَلُ عليكم أُمَراءُ، فتَعرِفون وتُنكِرون، فمَن كَرِه فقد بَرِئ، ومن أنكَر فقد سَلِم، ولكِنْ مَن رَضِيَ وتابَع، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ألا نقاتِلُهم؟ قال: لا، ما صَلَّوا، أي: مَن كَرِه بقَلبِه وأنكَر بقَلبِه)) [6585] أخرجه مسلم (1854). .
قولُه: ((تَعرِفون وتُنكِرون)) صفتانِ لـ ((أمراء))، أي: تَعرِفون بعضَ أفعالِهم وتُنكِرون بعضَها، يريدُ أنَّ أفعالَهم تكونُ بعضُها حَسَنًا وبعضُها قبيحًا، فمَن قَدَر أن يُنكِرَ عليهم قبائِحَ أفعالِهم وسماجةَ حالِهم وأنكَر، فقد بَرِئَ من المُداهَنةِ والنِّفاقِ، ومَن لم يَقدِرْ على ذلك ولكِنْ أنكر بقَلبِه وكَرِه ذلك، فقد سَلِم من مشاركتِهم في الوِزرِ والوَبالِ، ولكِنْ مَن رَضِيَ بفِعلِهم بالقَلبِ وتابَعَهم في العَمَلِ فهو الذي شاركَهم في العِصيانِ، واندرَج معهم تحتَ اسمِ الطُّغيانِ [6586] يُنظَر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (8/ 2562). .
5- عن طارِقِ بنِ شِهابٍ أنَّ رجُلًا سأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد وضَع رِجلَه في الغَرْزِ [6587] الغَرْزُ: رِكابُ الرَّحْلِ (وهو ما يَضَعُ فيه قَدَمَه). يُنظَر: ((جمهرة اللغة)) لابن دريد (2/ 706). : أيُّ الجِهادِ أفضَلُ؟ قال: ((كَلِمةُ حَقٍّ عِندَ سُلطانٍ جائرٍ)) [6588] أخرجه النسائي (4209) واللفظ له، وأحمد (18830). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (4209)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1505)، وصحَّح إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/229)، والنووي في ((رياض الصالحين)) (117). .
قال ابنُ عُثَيمين: (للسُّلطانِ بطانتانِ: بطانةُ السَّوءِ، وبطانةُ الخيرِ.
بطانةُ السَّوءِ: تَنظُرُ ماذا يريدُ السُّلطانُ، ثمَّ تُزَيِّنُه له وتقولُ: هذا هو الحَقُّ، هذا هو الطَّيِّبُ، وأحسَنْتَ وأفَدْتَ، ولو كان -والعياذُ باللَّهِ- مِن أَجْوَرِ ما يكونُ، تفعَلُ ذلك مُداهَنةً للسَّلاطينِ وطَلَبًا للدُّنيا.
وأمَّا بِطانةُ الحَقِّ: فإنَّها تنظُرُ ما يُرضي اللَّهَ تعالى ورسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتدُلُّ الحاكِمَ عليه، هذه هي البِطانةُ الحَسَنةُ) [6589] ((شرح رياض الصالحين)) (2/ 453). .

انظر أيضا: