موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: حُكمُ الكِبْرِ


الكِبْرُ كبيرةٌ من الكبائِرِ [5985] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) للهيتمي (1/ 109). ، وإنَّ مِن الكِبْرِ ما يكونُ كُفرًا أكبَرَ مُخرِجًا من الملَّةِ، يستحِقُّ صاحبُه الخلودَ في النَّارِ، ومنه ما يكونُ صاحبُه مرتَكِبًا لكبيرةٍ من الكبائِرِ يستَحِقُّ العقوبةَ، ومع ذلك هو تحتَ مشيئةِ اللهِ تبارك وتعالى؛ إن شاء عذَّبه، وإن شاء غَفَر له، يقولُ أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ:
(لمَّا تقرَّر أنَّ الكِبْرَ يستدعي مُتكَبَّرًا عليه، فالمُتكَبَّرُ عليه:
إن كان هو اللهَ تعالى، أو رُسُلَه، أو الحَقَّ الذي جاءت به رُسُلُه، فذلك الكِبْرُ كُفرٌ.
وإن كان غيرَ ذلك فذلك الكِبْرُ معصيةٌ وكبيرةٌ، يُخافُ على المتلَبِّسِ بها المُصِرِّ عليها أن تُفضيَ به إلى الكُفرِ، فلا يدخُلَ الجنَّةَ أبدًا.
فإن سَلِمَ من ذلك ونَفَذ عليه الوعيدُ عُوقِبَ بالإذلالِ والصَّغارِ، أو بما شاء اللهُ من عذابِ النَّارِ؛ حتَّى لا يبقى في قَلبِه من ذلك الكِبْرِ مثقالُ ذَرَّةٍ، وخَلَص من خُبثِ كِبرِه حتى يصيرَ كالذَّرَّةِ؛ فحينَئذٍ يتداركُه اللهُ تعالى برحمتِه، ويخلِّصُه بإيمانِه وبركتِه. وقد نصَّ على هذا المعنى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المحبوسين على الصِّراطِ لمَّا قال: ((حتى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا، أُذِن لهم في دُخولِ الجنَّةِ)) [5986] رواه البخاري (6535) مطوَّلًا من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. [5987] ((المفهم)) للقرطبي (1/288). .
(فالذي في قلبِه كِبرٌ، إمَّا أن يكونَ كِبرًا عن الحَقِّ وكراهةً له، فهذا كافرٌ مخلَّدٌ في النَّارِ ولا يدخُلُ الجنَّةَ؛ لقولِ اللهِ تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9] ، ولا يحبَطُ العَمَلُ إلَّا بالكُفرِ؛ لقَولِه تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217] ، وأمَّا إذا كان كبرًا على الخَلقِ وتعاظُمًا على الخَلقِ، لكِنَّه لم يستكبِرْ عن عبادةِ اللَّهِ، فهذا لا يدخُلُ الجنَّةَ دُخولًا كاملًا مُطلَقًا لم يُسبَقْ بعذابٍ، بل لا بدَّ من عذابٍ على ما حَصَل من كِبرِه وعَلوائِه على الخَلقِ، ثمَّ إذا طَهُر دخَل الجنَّةَ) [5988] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (3/542). .

انظر أيضا: