موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرْقُ بَيْنَ الكِبْرِ وبعضِ الصِّفاتِ


الفَرْقُ بَيْنَ الكِبْرِ والزَّهوِ:
أنَّ الكِبْرَ إظهارُ عِظَمِ الشَّأنِ، وهو فينا خاصَّةً رفعُ النَّفسِ فوقَ الاستحقاقِ، والزَّهوُ على ما يقتضيه الاستعمالُ: رَفعُ شيءٍ إيَّاها من مالٍ، أو جاهٍ، وما أشبه ذلك، ألا ترى أنَّه يقال: زها الرَّجُلُ وهو مزهوٌّ، كأنَّ شيئًا زهاه، أي: رفَعَ قَدْرَه عنده، وهو من قولِك: زَهَت الرِّيحُ الشَّيءَ: إذا رفعَتْه، والزَّهوُ: التَّزيُّدُ في الكلامِ [5876] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/445). .
الفَرْقُ بَيْنَ الكِبْرِ والكِبْرِياءِ والتَّكبُّرِ:
أنَّ الكِبْرَ إظهارُ عِظَمِ الشَّأنِ، والكِبْرِياءُ هي العِزُّ والمُلكُ، وليست من الكِبْرِ في شيءٍ، والشَّاهدُ قولُه تعالى: وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ [يونس: 78] . يعني المُلكَ، والسُّلطانَ، والعِزَّةَ، وأمَّا التَّكبُّرُ فهو إظهارُ الكِبْرِ، مِثلُ: التَّشجُّعِ: إظهارِ الشَّجاعةِ [5877] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/445). .
الفَرْقُ بَيْنَ الكِبْرِ والكِبْرِياءِ والعَظَمةِ:
قال أبو العبَّاسِ القُرطبيُّ: (الكِبْرُ والكِبْرِياءُ في اللُّغةِ: هو العَظَمةُ، يُقالُ منه: كَبُر الشَّيءُ، بضمِّ الباءِ، أي: عَظُم، فهو كبيرٌ وكُبارٌ، فإذا أفرَطَ قيل: كُبَّارٌ، بالتَّشديدِ، وعلى هذا يكونُ الكِبْرُ والعَظَمةُ اسمين لمسمًّى واحدٍ.
وقد جاء في الحديثِ ما يُشعِرُ بالفَرْقِ بَيْنَهما؛ وذلك أنَّ اللَّه تعالى قال: "الكِبْرِياءُ ردائي، والعَظَمةُ إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما..." [5878] رواه أبو داود (4090)، وابن ماجه (4174)، وأحمد (8894) مطوَّلًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5671)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4090)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4090). والحديث أصلُه في الصحيحِ، رواه مسلم (2620) من حديثِ أبي سعيدٍ وأبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنهما. ؛ فقد فرَّق بَيْنَهما بأن عبَّر عن أحدِهما بالرِّداءِ، وعن الآخَرِ بالإزارِ، وهما مختلفان، ويدُلُّ أيضًا على ذلك قولُه تعالى: "فمَن نازعني واحدًا منهما"؛ إذ لو كانا واحدًا لقال: فمَن نازعنيه، فالصَّحيحُ إذَن الفَرْقُ، ووجهُه: أنَّ جِهةَ الكِبْرِياءِ يستدعي متكبَّرًا عليه؛ ولذلك لما فسَّر الكِبْرَ قال: الكِبْرُ: بَطَرُ الحَقِّ، وغَمطُ النَّاسِ، وهو احتقارُهم، فذَكَر المتكبَّرَ عليه، وهو الحَقُّ أو الخَلقُ، والعَظَمةُ: لا تقتضي ذلك.
فالمُتكَبِّرُ يلاحِظُ ترفُّعَ نفسِه على غيرِه بسَبَبِ مَزيَّةِ كمالِها فيما يراه، والمعظِّمُ يلاحِظُ كمالَ نفسِه من غيرِ ترفُّعٍ لها على غيرِه) [5879] ((المفهم لما أشكل من تلخيص: كتاب مسلم)) (1/286). .
الفَرْقُ بَيْنَ الكِبْرِ والتِّيهِ:
 أنَّ الكِبْرَ هو إظهارُ عِظَمِ الشَّأنِ، وهو في صفاتِ اللهِ تعالى مدحٌ؛ لأنَّ شأنَه عظيمٌ، وفي صفاتِنا ذمٌّ؛ لأنَّ شأنَنا صغيرٌ، وهو أهلٌ للعَظَمة، ولسْنا لها بأهلٍ.
والتِّيهُ أصلُه الحِيرةُ والضَّلالُ، وإنَّما سُمِّي المُتكَبِّرُ تائهًا على وَجهِ التَّشبيهِ بالضَّلالِ والتَّحيُّرِ، ... والتِّيهُ من الأرضِ ما يُتحيَّرُ فيه، وفي القرآنِ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ [المائدة: 26] أي: يتحَيَّرون [5880] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/444). .
الفَرْقُ بَيْنَ الجَبَروتِ والجَبريَّةِ والكِبْرِ:
الفَرْقُ بَيْنَ الجَبريَّةِ، والجَبَروتِ، والكِبْرِ: أنَّ الجبريَّةَ أبلَغُ من الكِبْرِ، وكذلك الجَبَروتُ، ويدُلُّ على هذا فخامةُ لفظِها، وفخامةُ اللَّفظِ تدُلُّ على فخامةِ المعنى فيما يجري هذا المجرى [5881] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/154، 155). .
الفَرْقُ بَيْنَ العُجبِ والكِبْرِ:
أنَّ العُجبَ بالشَّيءِ شِدَّةُ السُّرورِ به حتَّى لا يعادِلَه شيءٌ عِندَ صاحبِه، تقولُ: هو مُعجَبٌ بفلانةَ: إذا كان شديدَ السُّرورِ بها، وهو مُعجَبٌ بنفسِه: إذا كان مسرورًا بخصالِها.
ولهذا يقالُ: أعجَبه، كما يقال: سُرَّ به، فليس العُجبُ من الكِبْرِ في شيءٍ، وقال عليُّ بنُ عيسى: (العُجبُ: عقدُ النَّفسِ على فضيلةٍ لها ينبغي أن يُتعَجَّبَ منها، وليست هي لها) [5882] ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (1/352). .
الفَرْقُ بَيْنَ الاستنكافِ والاستكبارِ والتَّكبُّرِ:
الاستنكافُ: تكبُّرٌ في تركِه أَنَفةٌ، وليس في الاستكبارِ ذلك، وإنَّما يُستعمَلُ الاستكبارُ حيثُ لا استخفافَ، بخلافِ التَّكبُّرِ؛ فإنَّه قد يكونُ باستخفافٍ. والتَّكبُّرُ: هو أن يرى المرءُ نفسَه أكبَرَ من غيرِه، والاستكبارُ طَلَبُ ذلك بالتَّشبُّعِ، وهو التَّزيُّنُ بأكثَرَ ما عنده [5883] ((الكليات)) لأبى البقاء الكفوي (1/18). .
الفَرْقُ بَيْنَ صيانةِ النَّفسِ والتَّكبُّرِ:
قال ابنُ القَيِّمِ:
(الفَرْقُ بَيْنَ الصِّيانةِ والتَّكبُّرِ: أنَّ الصَّائنَ لنفسِه بمنزلةِ رجُلٍ قد لَبِس ثوبًا جديدًا نقيَّ البياضِ ذا ثمَنٍ، فهو يدخُلُ به على الملوكِ فمَن دونهم، فهو يصونُه عن الوسَخِ والغُبارِ والطُّبوعِ وأنواعِ الآثارِ؛ إبقاءً على بياضِه ونقائِه، فتراه صاحِبَ تعزُّزٍ وهروبٍ من المواضعِ التي يُخشى منها عليه التَّلوُّثُ، فلا يسمَحُ بأثرٍ ولا طبعٍ ولا لوثٍ يعلو ثوبَه، وإن أصابه شيءٌ من ذلك على غِرَّةٍ بادر إلى قَلعِه وإزالتِه ومحوِ أثَرِه، وهكذا الصَّائنُ لقَلبِه ودينِه تراه يجتَنِبُ طُبوعَ الذُّنوبِ وآثارَها؛ فإنَّ لها في القَلبِ طُبوعًا وآثارًا أعظَمَ من الطُّبوعِ الفاحشةِ في الثَّوبِ النَّقيِّ للبياضِ، ولكِنْ على العُيونِ غِشاوةٌ أن تدرِكَ تلك الطُّبوعَ، فتراه يهرُبُ من مظانِّ التَّلوُّثِ ويحترِسُ من الخَلقِ ويتباعدُ من تخالُطِهم؛ مخافةَ أن يحصُلَ لقَلبِه ما يحصُلُ للثَّوبِ الذي يخالِطُ الدَّبَّاغين والذَّبَّاحين والطَّبَّاخين ونحوَهم.
بخلافِ صاحِبِ العُلُوِّ؛ فإنَّه وإن شابه هذا في تحرُّزِه وتجنُّبِه فهو يقصِدُ أن يعلوَ رِقابَهم، ويجعَلَهم تحتَ قَدَمِه، فهذا لونٌ، وذاك لونٌ) [5884] ((الروح)) (ص: 236). .
الفَرْقُ بَيْنَ المهابةِ والكِبْرِ:
قال ابنُ القَيِّمِ:
(الفَرْقُ بَيْنَ المهابةِ والكِبْرِ: أنَّ المهابةَ أثرٌ من آثارِ امتلاءِ القَلبِ بعَظَمةِ اللهِ ومحبَّتِه وإجلالِه، فإذا امتلأ القلبُ بذلك حلَّ فيه النُّورُ، ونزلت عليه السَّكينةُ، وأُلبِسَ رداءَ الهيبةِ، فاكتسى وجهُه الحلاوةَ والمهابةَ، فأخَذ بمجامِعِ القُلوبِ محبَّةً ومهابةً، فحَنَّت إليه الأفئدةُ، وقرَّت به العيونُ، وأَنِست به القلوبُ: فكلامُه نورٌ، ومدخَلُه نورٌ، ومخرَجُه نورٌ، وعَمَلُه نورٌ، وإن سكت علاه الوَقارُ، وإن تكلَّم أخذ بالقلوبِ والأسماعِ.
وأمَّا الكِبْرُ فأثَرٌ من آثارِ العُجبِ والبغيِ من قلبٍ قد امتلأ بالجهلِ والظُّلمِ، ترحَّلت منه العبوديَّةُ، ونزل عليه المقتُ، فنظَرُه إلى النَّاسِ شَزرٌ، ومشيُه بَيْنَهم تبختُرٌ، ومعاملتُه لهم معاملةُ الاستئثارِ لا الإيثارِ ولا الإنصافِ، ذاهبٌ بنفسِه تِيهًا، لا يبدَأُ من لقِيَه بالسَّلامِ، وإن ردَّ عليه رأى أنَّه قد بالغ في الإنعامِ عليه، لا ينطَلِقُ لهم وجهُه، ولا يسَعُهم خُلُقُه، ولا يرى لأحَدٍ عليه حقًّا، ويرى حقوقَه على النَّاسِ، ولا يرى فضلَهم عليه، ويرى فضلَه عليهم، لا يزدادُ من اللهِ إلا بعدًا، ومن النَّاسِ إلا صَغارًا وبُغضًا) [5885] ((الروح)) (ص: 235، 236). .
الفَرْقُ بَيْنَ التَّكبُّرِ وبينَ العِزَّةِ:
الفَرْقُ بَيْنَ التَّكبُّرِ والعِزَّةِ أنَّ التَّكبُّرَ ترفُّعٌ بالباطلِ والعِزَّةَ ترفُّعٌ بالحقِّ، أو أنَّ التَّكبُّرَ: نُكرانُ النِّعمةِ وجُحودُها والتَّرفُّعَ: اعترافٌ بالنِّعمةِ وتحدُّثٌ بها [5886] ((آفات على الطريق)) لسيد محمد نوح (ص: 105). .

انظر أيضا: