موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- من القُرآنِ الكريمِ


1- قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38] .
قال ابنُ كثيرٍ: (وقَولُه: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أي: لا يحِبُّ مِن عبادِه من اتَّصف بهذا، وهو الخيانةُ في العُهودِ والمواثيقِ، لا يفي بما قال) [3252] يُنظَر: ((تفسير القرآن العظيم)) (5/433). . والخوَّانُ: هو كثيرُ الخيانةِ [3253] ((تفسير السمعاني)) (3/ 441). ، قال أهلُ اللُّغةِ: الخوَّانُ الفَعَّالُ من الخيانةِ، وهو المبالغةُ في الخيانةِ [3254] ((بحر العلوم)) للسمرقندي (2/ 461). .
2- وقال سُبحانَه: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ  [الأنفال: 58] . (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وإمَّا تخافَنَّ -يا محمَّدُ- من عَدُوٍّ لك بينَك وبَينَه عَهدٌ وعَقدٌ أن ينكُثَ عَهدَه، وينقُضَ عَقدَه، ويَغدِرَ بك، وذلك هو الخيانةُ والغَدرُ، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ. يقولُ: فناجِزْهم بالحَربِ، وأعلِمْهم قَبلَ حَربِك إيَّاهم أنَّك قد فسَخْت العهدَ بَينَك وبَيْنَهم؛ بما كان منهم من ظهورِ آثارِ الغَدرِ والخيانةِ منهم؛ حتَّى تصيرَ أنت وهم على سواءٍ في العلمِ بأنَّك لهم محارِبٌ، فيأخُذوا للحربِ آلَتَها، وتبرَأَ من الغَدرِ؛ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ الغادِرين بمَن كان منه في أمانٍ وعهدٍ بَينَه وبَينَه أن يَغدِرَ، فيُحارِبَه قبلَ إعلامِه إيَّاه أنَّه له حَربٌ وأنَّه قد فاسَخه العَقدَ) [3255] يُنظَر: ((جامع البيان)) للطبري (11/238-239). .
3- وقال عزَّ مِن قائِلٍ: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 105-108] .
قال السَّعديُّ: (قولُه: وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا أي: لا تُخاصِمْ عمَّن عرَفْتَ خيانتَه من مُدَّعٍ ما ليس له، أو مُنكِرٍ حَقًّا عليه، سواءٌ عَلِم ذلك أو ظَنَّه؛ ففي هذا دليلٌ على تحريمِ الخُصومةِ في باطِلٍ، والنِّيابةِ عن المبطِلِ في الخُصوماتِ الدِّينيَّةِ والحُقوقِ الدُّنيويَّةِ) [3256] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 199). .
وهذا الخِطابُ لم يَكُنْ مُوَجَّهًا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّةً، وإنَّما هو تشريعٌ وُجِّهَ إلى المكَلَّفين كافَّةً؛ فهؤلاء الخائنون يوجَدون في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ، وفي جَعلِ النَّهيِ بصيغةِ الخطابِ له -وهو أعدَلُ النَّاسِ وأكمَلُهم- مبالغةٌ في التَّحذيرِ مِن هذه الخَلَّةِ المعهودةِ من الحُكَّامِ [3257] يُنظَر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (5/323). ، وقولُه: وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ يشمَلُ النَّهيَ عن المجادَلةِ عمَّن أذنب وتوجَّه عليه عقوبةٌ مِن حَدٍّ أو تعزيرٍ؛ فإنَّه لا يجادِلُ عنه بدَفعِ ما صدَر منه من الخيانةِ، أو بدَفعِ ما ترتَّب على ذلك من العُقوبةِ الشَّرعيَّةِ [3258] يُنظر: ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 200). .
ولْيَعلَمِ الجميعُ أنَّ الخائِنَ لغَيرِه خائنٌ في الحقيقةِ لنفسِه؛ حيثُ أوقعها في المآثِمِ والخيانةِ، فلا يظُنَّ الخائِنُ الذي يكتَسِبُ بخيانتِه ما يكتَسِبُ أنَّه رابحٌ، بل هو خائنٌ لنَفسِه [3259] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النساء)) (2/183). .
4- وقال سُبحانَه: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 51-52]
قال السَّعديُّ في قولِه تعالى حكايةً عن امرأةِ العزيزِ: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ. (يحتَمِلُ أنَّ مُرادَها بذلك زَوجُها، أي: ليعلَمَ أنِّي حينَ أقرَرْتُ أنِّي راودتُ يوسُفَ، أنِّي لم أخُنْه بالغيبِ، أي: لم يَجرِ منِّي إلَّا مجرَّدُ المراوَدةِ، ولم أفسِدْ عليه فِراشَه، ويحتَمِلُ أنَّ المرادَ بذلك: ليَعلَمَ يوسُفُ حينَ أقرَرْتُ أنِّي أنا الذي راوَدْتُه وأنَّه صادِقٌ، أنِّي لم أَخُنْه في حالِ غيبتِه عنِّي. وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ؛ فإنَّ كُلَّ خائنٍ لا بدَّ أن تعودَ خيانتُه ومَكْرُه على نفسِه، ولا بدَّ أن يتبيَّنَ أمرُه) [3260] يُنظَر: ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص: 400). . فاللهُ تعالى عاقَب كُلَّ خائنٍ بأنَّه يُضِلُّ كَيدَه ويُبطِلُه، ولا يَهديه لمقصودِه، وإن نال بعضَه؛ فالذي ناله سببٌ لزيادةِ عُقوبتِه وخَيبتِه [3261] يُنظر: ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/359). .

انظر أيضا: