موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- مِنَ السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافِقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ، كانت فيه خَصلةٌ مِن النِّفاقِ حتى يَدَعَها: إذا اؤتُمِنَ خان، وإذا حَدَّث كَذَب، وإذا عاهَدَ غَدَر، وإذا خاصَمَ فَجَر)) [3262] أخرجه البخاري (34) واللفظ له، ومسلم (58). .
2- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وعَد أخلَفَ، وإذا اؤتُمِن خان)) [3263] أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59). . فبَيَّن الحديثُ بعضَ صِفاتِ المُنافِقِ، ومنها خيانةُ الأمانةِ (يعني: إذا ائتمنه النَّاسُ على أموالِهم أو على أسرارِهم أو على أولادِهم أو على أيِّ شيءٍ من هذه الأشياءِ، فإنَّه يخونُ -والعياذ باللهِ-، فهذه من علاماتِ النِّفاقِ) [3264] يُنظَر: ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/48). .
(قال المُهلَّبُ: والمرادُ بالحديثِ -والله أعلَمُ- من يكونُ الكَذِبُ غالِبًا على كلامِه، ومستوليًا على حديثِه، والخيانةُ على أمانتِه، والخُلْفُ على مواعيدِه، فإذا كان هذا شأنَه قَوِيت العلامةُ والدَّلالةُ، وأمَّا من كان الكَذِبُ على حديثِه نادرًا في خبرِه تافِهًا، والخيانةُ في أمانتِه شاذَّةً يُدَّعى العُذرُ فيها، والخُلفُ في أوعادِه مثلَ ذلك، معتَذِرٌ بآفاتٍ منعَتْه من الإنجازِ- فلا يُقضى عليه بالنَّادِرِ اليسيرِ؛ إذ لا يمكِنُ أن يَسلَمَ أحدٌ من كَذِبٍ) [3265] يُنظَر: ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (1/ 91). .
3- وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((اللَّهُمَّ إني أعوذُ بك من الجوعِ؛ فإنَّه بئسَ الضَّجيعُ، وأعوذُ بك من الخيانةِ؛ فإنَّها بِئسَت البِطانةُ [3266] البِطانةُ: الخَصلةُ الباطِنةُ. يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) لملا علي القاري (4/1711). ) [3267] أخرجه أبو داود (1547)، والنسائي (5468)، وابن ماجه (3354). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (1029)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5468)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (3/88)، وصحَّح إسنادَه النووي في ((الأذكار)) (484)، وقوَّاه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (1547). . أي: ألجأُ إليك وألوذُ وأعتَصِمُ بك من الخيانةِ، وهي نقضُ العهدِ والأماناتِ سواءٌ من أن تَقَعَ منه أو تقَعَ من غيرِه عليه؛، فإنَّها  أسوَأُ ما يُبطِنُه الإنسانُ من خيانةٍ وغَدرٍ، وهي أذَمُّ المساوئِ التي قد يُضمِرُها الإنسانُ في نفسِه، والجوعُ والخيانةُ إذا صاحبَا العبدَ فإنَّهما يحَوِّلانِه إلى شخصٍ ضعيفٍ، ويتمكَّنانِ منه بحيثُ يُصبِحُ بَيْنَهما مِن التَّلازُمِ كأنَّهما متلاصِقانِ وتوءَمانِ؛ فوجبَ الاستعاذةُ منهما؛ لأنَّهما يُفسِدانِ حالَ المرءِ [3268] يُنظَر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (4/ 1711)، ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (1/ 224). .
4- وعن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((خيرُكم قَرْني، ثمَّ الذين يَلُونهم، ثمَّ الذين يَلُونهم -قال عِمرانُ: لا أدري أذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعدَ قَرنَينِ أو ثلاثةٍ- قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ بَعدَكم قومًا يخونون ولا يُؤتَمنون، ويَشهَدون ولا يُستَشهَدون، ويَنذِرون ولا يَفون، ويَظهَرُ فيهم السِّمَنُ)) [3269] أخرجه البخاري (2651) واللفظ له، ومسلم (2535). .
ذكَر النَّوويُّ في معنى: ((يخونون ولا يُؤتَمنون)): (أنَّهم يخونون خيانةً ظاهِرةً، بحيثُ لا يبقى معها أمانةٌ، بخلافِ من خان بحقيرٍ مرَّةً واحدةً؛ فإنَّه يَصدُقُ عليه أنَّه خان، ولا يخرُجُ به عن الأمانةِ في بعضِ المواطِنِ) [3270] يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/88). .
5- عن عياضِ بنِ حِمارٍ المُجاشِعيِّ، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ذاتَ يومٍ في خُطبتِه: ((ألا إنَّ رَبِّي أمَرَني أن أعلِّمَكم ما جَهِلتُم، ممَّا عَلَّمَني يومي هذا... قال: وأهلُ النَّارِ خمسةٌ: الضَّعيفُ الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تَبَعًا لا يَبتغون أهلًا ولا مالًا، والخائِنُ الذي لا يخفى له طَمعٌ وإن دَقَّ إلَّا خانه، ورجُلٌ لا يُصبِحُ ولا يُمسي إلَّا وهو يخادِعُك عن أهلِك ومالِك...)) [3271] أخرجه مسلم (2865). .
قَولُه: ((الخائِنُ الذي لا يخفى له طَمَعٌ وإن دَقَّ إلَّا خانه)) أي: لا يخفى عليه شيءٌ ما يمكِنُ أن يطمعَ فيه، وإن دَقَّ بحيثُ لا يكادُ يُدرَكُ، إلَّا وهو يسعى في التَّفحُّصِ عنه والتَّطلُّعِ عليه، حتى يجِدَه فيخونَه، وهذا هو الإغراقُ في الوَصفِ بالخيانةِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ (خَفِي) من الأضدادِ، والمعنى: لا يظهَرُ له شيءٌ يطمَعُ فيه إلَّا خانه [3272] ((تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة)) للبيضاوي (3/ 254). .
والحديثُ فيه كثيرٌ من صفاتِ بعضِ المُستحقِّين للنَّارِ؛ فمِن أبرَزِهم الخوَّانُ الذي إذا اؤتُمِن على القليلِ أو الكثيرِ خان، الطَّامِعُ في الكبيرِ والحقيرِ، والمخادِعُ الغشَّاشُ الخبيثُ الذي لا يُؤتَمَنُ على أهلٍ ولا مالٍ [3273] ((فتح المنعم شرح صحيح مسلم)) لموسى شاهين لاشين (10/ 481). .

انظر أيضا: