موسوعة الأخلاق والسلوك

سادسًا: حُكمُ الحِقْدِ وما يُباحُ منه


ذَكَر العُلَماءُ أنَّ الحِقْدَ من الكبائِرِ، وأورد ابن حجر الهيتمي في كتابِه (الزَّواجِر) أنَّ من الكبائِرِ الغَضَبَ بالباطِلِ، والحِقْدَ والحَسَدَ، وذَكَر سَبَبَ جَمعِه لهذه الكبائِرِ الثَّلاثِ بقَولِه: (لمَّا كانت هذه الثَّلاثةُ بَينَها تلازُمٌ وترتُّبٌ -إذ الحَسَدُ من نتائِجِ الحِقْدِ، والحِقْدُ من نتائجِ الغضَبِ- كانت بمنزلةِ خَصلةٍ واحِدةٍ، وذمُّ كُلٍّ يستلزِمُ ذَمَّ الآخَرِ؛ لأنَّ ذَمَّ الفَرعِ وفَرعِه يَستلزِمُ ذَمَّ الأصلِ وأصلِه، وبالعَكسِ) [2832] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر (1/83). .
أمَّا الحِقْدُ على غيرِ المُسلِمين ممَّن قَتَلوا وعَذَّبوا وشَرَّدوا المُسلِمين، وأخرَجوهم من ديارِهم، وناصَبوهم العَداوةَ؛ فالحِقْدُ في حَقِّهم محمودٌ مطلوبٌ؛ قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [التوبة: 14-15] .
ولا يزولُ حِقدُ المُسلِمِ على الكافِرِ إلَّا أن يُسلِمَ؛ فعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واللهِ لِيَنزِلَنَّ ابنُ مَريمَ حَكَمًا عادِلًا، فلَيَكْسِرَنَّ الصَّليبَ، ولَيَقتُلَنَّ الخِنزيرَ، ولَيَضَعَنَّ الجِزيةَ، ولَتُترَكَنَّ القِلاصُ [2833] القِلاصُ: جَمعُ قَلوصٍ: وهي من الإبِلِ كالفتاةِ من النِّساءِ والحَدَثِ من الرِّجالِ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 192). فلا يُسعى عليها، ولتَذهَبَنَّ الشَّحناءُ [2834] الشَّحناءُ: العداوةُ. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (2/ 192). والتَّباغُضُ والتَّحاسُدُ، ولَيَدْعُوَنَّ إلى المالِ فلا يَقبَلُه أحَدٌ!)) [2835] رواه البخاري (2222) بنحوه، ومسلم (155) واللفظ له. .
(قال الأشرَفُ: إنَّما تذهَبُ الشَّحناءُ والتَّباغُضُ والتَّحاسُدُ يومَئِذٍ؛ لأنَّ جميعَ الخَلقِ يكونون يومَئذٍ على مِلَّةٍ واحدةٍ، وهي الإسلامُ، وأعلى أسبابِ التَّباغُضِ وأكثَرُها هو اختِلافُ الأديانِ) [2836] ((مرقاة المفاتيح)) لمُلَّا علي القاري (8/3494). .
كذلك إن كان الحِقْدُ على ظالمٍ لا يمكِنُ دَفعُ ظُلمِه أو استيفاءُ الحَقِّ منه، فإنَّ ذلك غيرُ مذمومٍ شَرعًا، ثمَّ إذا تمكَّن ممَّن ظلَمَه فإمَّا أن يعفوَ عنه، فذلك من الإحسانِ والعَفوِ عمَّن ظلَمَه عِندَ المَقدِرةِ.
وإمَّا أن يأخُذَ حَقَّه منه، فلا حَرَجَ فيه؛ لقَولِه تعالى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ [الشورى: 41-42] [2837] ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (18/ 7). .

انظر أيضا: