موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشِرًا: أخطاءٌ شائعةٌ


- لا يعني ذَمُّ العَجَلةِ والتَّسَرُّعِ أن يكونَ دأبُ الإنسانِ البطءَ والتَّأخُّرَ في كُلِّ أمورِه؛ فعلى سبيلِ المثالِ يُحمَدُ للإنسانِ المبادرةُ إلى فِعلِ الخيرِ دونَ تباطُؤٍ أو تسويفٍ. عن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((التُّؤَدةُ في كُلِّ شيءٍ إلَّا في عَمَلِ الآخِرةِ)) [1570] رواه أبو داود (4810) واللفظ له، والحاكم (213)، والبيهقي (21324). صحَّحه الحاكِمُ، وقال: على شرطِ الشَّيخينِ، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4810)، ووثَّق رواتَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4810). .
وعن الأحنَفِ قال: (ثلاثةٌ لا أناةَ فيهنَّ عندي. قيل: وما هُنَّ يا أبا بَحرٍ؟ قال: المبادرةُ بالعمَلِ الصَّالحِ، وإخراجُ مَيِّتِك، وأن تُنكِحَ الكُفءَ أَيِّمَك). وكان يقولُ: (لأفعى تُحَكَّك في ناحيةِ بيتي أحبُّ إليَّ مِن أيِّمٍ ردَدْتُ عنها كُفؤًا). وكان يقالُ: (ما بَعدَ الصَّوابِ إلَّا الخطَأُ، وما بَعدَ مَنعِهنَّ مِن الأكْفاءِ إلَّا بَذلُهُنَّ للسِّفلةِ والغَوغاءِ) [1571] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (2/138، 139). .
(وقالوا: من تمامِ المعروفِ تعجيلُه. ووَصَف بعضُ الأعرابِ أميرًا فقال: إذا أَوعَد أخَّر، وإذا وَعَد عَجَّل، وعيدُه عَفوٌ، ووَعدُه إنجازٌ) [1572] ((البيان والتبيين)) للجاحظ (3/286). .
ومن ذلك التَّعجيلُ بالتَّوبةِ؛ فاللَّهُ تعالى يقولُ: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء: 17] ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أتبِعِ السَّيِّئةَ الحَسَنةَ تَمْحُها)) [1573] أخرجه الترمذي (1987)، وأحمد (21354) من حديثِ أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الحاكِمُ في ((المستدرك)) (178) وقال: على شرطِ الشَّيخينِ، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/349)، وحسَّنه ابنُ حجر في ((الأمالي المطلقة)) (131)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1987). ، وكذلك الإسراعُ والعَجَلةُ في كتابةِ الوَصِيَّةِ قبلَ الموتِ، وأداءُ الأماناتِ إلى أهلِها، وإعادةُ الحقوقِ إلى أربابِها، يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما حقُّ امرئٍ مُسلِمٍ له شيءٌ يُوصي فيه، يبيتُ ليلتَيِن إلَّا ووَصِيَّتُه مكتوبةٌ عِندَه)) [1574] أخرجه البخاري (2738) واللفظ له، ومسلم (1627) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما. . وكذلك التَّعجيلُ في قضاءِ الدَّينِ قَبلَ نزولِ الموتِ.
- من الخَطَأِ أن يُظَنَّ أنَّ الأناةَ ممدوحةٌ على الدَّوامِ، وأنَّ العَجَلةَ مذمومةٌ على الدَّوامِ؛ فالأناةُ إنَّما تمدَحُ، والعَجَلةُ إنَّما تُذَمُّ إذا تحقَّقَت عدَّةُ شُروطٍ:
منها: ألَّا تكونَ في الطَّاعةِ، فمِن الخيرِ التَّعجيلُ بالطَّاعاتِ والمسارعةُ إليها والمسابقةُ؛ قال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد: 21] ، وقال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [آل عمران: 133] ، وقال: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148] [المائدة: 48] . وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((بادِروا بالأعمالِ سِتًّا: الدَّجَّالَ، والدُّخَانَ، ودابَّةَ الأرضِ، وطُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغرِبِها، وأمرَ العامَّةِ [1575] ((أمر العامة)) أي: الفِتنةُ التي تعُمُّ النَّاسَ، أو الأمرُ الذي يستبِدُّ به العوامُّ ويكونُ مِن قِبَلِهم. يُنظَر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (11/ 3449). ، وخُوَيصَّةَ [1576] ((خُوَيصَّة)) تصغيرُ خاصَّة، أي: الوَقعةُ التي تخُصُّ أحَدَكم، يريدُ بها الموتَ، أو ما تعلَّق الإنسانَ في نفسِه وأهلِه ومالِه، فتشغَلُه عن غيرِه. يُنظَر: ((الكاشف عن حقائق السنن)) للطيبي (11/ 3449). أحَدِكم)) [1577] أخرجه مسلم (2947) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وكذلك تُمدَحُ الأناةُ وتُذَمُّ العَجَلةُ قَبلَ التَّثبُّتِ والتَّحَرِّي والتَّبيُّنِ، أمَّا بعدَ التَّثبُّتِ والتَّحرِّي والتَّبيُّنِ وفِعلِ ما يَلزَمُ من دراسةٍ واستخارةٍ واستشارةٍ، فلا وَجهَ للتَّريُّثِ والتَّأنِّي؛ فقد تُصبِحُ الأناةُ حينَئذٍ توانيًا وتباطُؤًا.
وكذلك تُمدَحُ الأناةُ وتُذَمُّ العَجَلةُ بشَرطِ ألَّا يخافَ الإنسانُ فواتَ مطلوبِه، فإذا خاف فواتَه فلا ينبغي له أن يبالِغَ في التَّأنِّي والتَّثَبُّتِ، فيَلحَقَه النَّدَمُ على فَواتِه.

انظر أيضا: