موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسعاً: مَسائِلُ مُتفَرَّقةٌ


- أسماءُ اللهِ تعالى تدُلُّ على صفاتِه، وذلك كلُّه خيرٌ حَسَنٌ جميلٌ، ليس فيه شَرٌّ، وإنَّما وقع الشَّرُّ في المخلوقاتِ؛ قال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49-50] ، وقال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 98] ، وقال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 165] ، فجَعَل المغفرةَ والرَّحمةَ من معاني أسمائِه الحُسنى التي يُسَمِّي بها نفسَه، فتكونُ المغفرةُ  والرَّحمةُ من صفاتِه، وأمَّا العقابُ الذي يتَّصِلُ بالعبادِ فهو مخلوقٌ له، وذلك هو الأليمُ، فلمْ يقُلْ: وإنِّي أنا المعَذِّبُ، ولا في أسمائِه الثَّابتةِ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اسمُ المنتَقِمُ، وإنَّما جاء المنتَقِمُ في القرآنِ مُقَيَّدًا، كقَولِه تعالى: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22] ، وجاء معناه مضافًا إلى اللهِ في قَولِه تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [إبراهيم: 47] ، وهذه نَكِرةٌ في سياقِ الإثباتِ، والنَّكِرةُ في سياقِ الإثباتِ مُطلَقةٌ ليس فيها عمومٌ على سبيلِ الجمعِ [968] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (17/ 94). .
- قال الذَّهبيُّ بَعدَ ذِكرِ محنةِ مالِكِ بنِ أنسٍ، وأنَّه لم يَزَلْ بَعدَها في رِفعةٍ وعُلُوٍّ: (هذا ثَمَرةُ المحنةِ المحمودةِ؛ أنَّها ترفَعُ العبدَ عِندَ المُؤمِنين، وبكُلِّ حالٍ فهي بما كسَبَت أيدينا، ويعفو اللهُ عن كثيرٍ... فالمُؤمِنُ إذا امتُحِن صَبَر واتَّعَظ واستغفَرَ، ولم يتشاغَلْ بذَمِّ مَن انتَقَم منه؛ فاللهُ حَكَمٌ مُقسِطٌ، ثمَّ يحمَدُ اللهَ على سلامةِ دينِه، ويعلَمُ أنَّ عُقوبةَ الدُّنيا أهوَنُ وخيرٌ له) [969] ((سير أعلام النبلاء)) (8/ 81). .
- قال ابنُ الجوزيِّ: (مِن الغَلَطِ العظيمِ أن يُتكَلَّمَ في حقِّ معزولٍ بما لا يَصلُحُ؛ فإنَّه لا يؤمَنُ أن يَلِيَ فينتَقِمَ. وفي الجُملةِ، لا ينبغي أن يُظهِرَ العداوةَ لأحَدٍ أصلًا؛ فقد يرتَفِعُ المحتَقَرُ، وقد يتمَكَّنُ مَن لا يُعَدُّ، بل ينبغي أن يُكتَمَ ما في النُّفوسِ مِن ضِغْنٍ على الأعداءِ، فإن أمكَنَ الانتِقامُ منهم كان العفوُ انتقامًا؛ لأنَّه يُذِلُّهم... فالعاقِلُ من تأمَّل العواقِبَ ورعاها، وصوَّر كُلَّ ما يجوزُ أن يقَعَ؛ فعَمِلَ بمُقتضى الحَزمِ) [970] يُنظَر: ((صيد الخاطر)) (ص: 466، 467). .
ومن الأمثلةِ على ذلك:
1- أنَّ ابنَ الزَّيَّاتِ كان وزيرَ الواثِقِ، وكان يَضَعُ من المتوكِّلِ، فلمَّا وَلِيَ عَذَّبه بأنواعِ العذابِ [971] يُنظَر: ((صيد الخاطر)) (ص: 467). .
2- وكان ابنُ الجَزَريِّ لا يُوَقِّرُ المُستَرشِدَ قبلَ الولايةِ، فجرَتْ عليه الآفاتُ لَمَّا وَلِيَ [972] يُنظَر: ((صيد الخاطر)) (ص: 467). .
3- ولمَّا انتَصَر الظَّاهِرُ على منطاشٍ قَبَض على القاضي شِهابِ الدِّينِ بنِ أبي الرِّضا، واستصحبه معه كالأسيرِ إلى أن هَلَك معه من غيرِ سَبَبٍ ظاهِرٍ، فاتُّهِمَ بأنَّه دَسَّ عليه من خنَقَه؛ وذلك أنَّه كان أشَدَّ من ألَّبَ عليه في تلك الفِتنةِ، فانتقَمَ منه لمَّا قَوِيَ عليه [973] يُنظَر: ((إنباء الغمر بأبناء العمر)) لابن حجر العسقلاني (2/ 82). .
- وقال ابنُ الجَوزيِّ: (كُلُّ مَن لا يتلَمَّحُ العواقِبَ ولا يستَعِدُّ لِما يجوزُ وُقوعُه، فليس بكامِلِ العَقلِ. واعتَبِرْ هذا في جميعِ الأحوالِ... فالعاقِلُ مَن أخَذ بالحزمِ في تصويرِ ما يجوزُ وقوعُه، وعَمِل بمقتضى ذلك؛ فإن امتَدَّ الأجَلُ لم يَضُرَّه، وإن وقَع المخوفُ كان محتَرِزًا.
وممَّا يتعَلَّقُ بالدُّنيا: أن يَميلَ مع السُّلطانِ، ويُسيءَ إلى بعضِ حواشيه؛ ثقةً بقُربِه منه، فرُبَّما تغيَّرَ ذلك السُّلطانُ، فارتفَعَ عَدُوُّه، فانتقم منه.
وقد يُعادي بعضَ الأصدقاءِ ولا يُبالي به؛ لأنَّه دونَه في الحالةِ الحاضِرةِ، فرُبَّما صَعِدَت مرتبةُ ذلك، فاستوفى ما أسلَفَه إليه من القبيحِ، وزاد.
فالعاقِلُ مَن نظَر فيما يجوزُ وقوعُه ولم يُعادِ أحَدًا، فإن كان بَيْنَهما ما يوجِبُ المعاداةَ كَتَم ذلك، فإن صَحَّ له أن يَثِبَ على عَدُوِّه فينتَقِمَ منه انتقامًا يُبيحُه الشَّرعُ، جاز، على أنَّ العَفوَ أصلَحُ في بابِ العَيشِ) [974] يُنظَر: ((صيد الخاطر)) (ص: 297، 298). .
- وقال ابنُ رجَبٍ الحَنبليُّ: (وأمَّا قولُه تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى: 39] ، فليس منافيًا للعَفوِ؛ فإنَّ الانتصارَ يكونُ بإظهارِ القُدرةِ على الانتِقامِ، ثمَّ يقعُ العفوُ بعد ذلك، فيكونُ أتَمَّ وأكمَلَ) [975] ((جامع العلوم والحكم)) (1/450). .

انظر أيضا: