موسوعة الأخلاق والسلوك

عاشرًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


- قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء: 29] ، وقال: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26-27] ، وقال في صفةِ الذين سمَّاهم عِبادَ الرَّحمنِ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] ، فاشتمَلَت هذه الآياتُ كُلُّها على الأمرِ بالاقتِصادِ والنَّهيِ عن الإسرافِ، وذلك موافِقٌ للنَّهيِ عن الإسرافِ في الأكلِ والشُّربِ؛ لأنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يقولُ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31] ، فإذا كان الإسرافُ في الأكلِ والشُّربِ ممنوعًا، وجَب أن يكونَ الإسرافُ في الإنفاقِ ممنوعًا؛ لأنَّ ذلك إنَّما يكونُ بصَرفِ المالِ في أكثَرَ ممَّا يحتاجُ إليه من المأكولِ والمشروبِ، وذلك الأكثَرُ ممنوعٌ من أكلِه؛ فينبغي أن يكونَ صَرفُ المالِ في الممنوعِ ممنوعًا، وحَدُّ السَّرَفِ في الأكلِ: أن يجاوِزَ الشِّبَعَ ويُثقِلَ البَدَنَ حتَّى لا يمكِنَ معه أداءُ واجِبٍ ولا قضاءُ حَقٍّ إلَّا بحَملٍ على البَدَنِ، وليس السَّرَفُ في الإنفاقِ كُلِّه ما ذكَرْنا، لكِنْ في المسكَنِ والملبَسِ والمركَبِ والخُدَّامِ من السَّرَفِ مِثلُ ما في الطَّعامِ والشَّرابِ [381] يُنظَر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (3/ 99)، ((شعب الإيمان)) للبيهقي (8/ 488). .
- قال الهيتمي: (الإمساكُ حيثُ وَجَب البَذلُ بُخلٌ، والبَذلُ حيثُ وَجَب الإمساكُ تبذيرٌ، وبَيْنَهما وَسَطٌ هو المحمودُ، وهو الذي ينبغي أن يُعَبَّرَ عنه بالسَّخاءِ والجودِ) [382] ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (1/ 289). .
- ممَّا يدخُلُ في جملةِ التَّبذيرِ والإسرافِ: ألَّا يباليَ الواحِدُ فيما يشتري ويبيعُ، كأن يَغبِنَ أو يُغبَنَ، فيَبيعَ بوَكْسٍ ويشتريَ بفَضلٍ... وكُلُّ هذا ممنوعٌ، وهذا الوَجهُ هو الموجِبُ للحَجرِ، وكذلك الإنفاقُ في الملاهي والشَّهَواتِ المحرَّمةِ من التَّبذيرِ الموجِبِ للحَجرِ والوَقفِ، فأمَّا إذا اشترى طعامًا أكثَرَ من حاجتِه، أو لباسًا أو خادِمًا أكثَرَ من حاجتِه، فهو وإن كان سَرَفًا فليس من السَّرَفِ الموجِبِ للحَجرِ؛ لأنَّه يَستبدِلُ بالمِلْكِ مِلكًا يوازِنُه، وإنَّما ينبُعُ الإسرافُ منه في الانتفاعِ بما ملَكَه [383] يُنظَر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) للحليمي (3/ 99، 100)، ((شعب الإيمان)) للبيهقي (8/ 489). .
- وقال ابنُ عاشورٍ: (قيل في الكلامِ الذي يَصِحُّ طَرْدًا وعَكسًا: لا خيرَ في السَّرَفِ، ولا سَرَفَ في الخَيرِ) [384] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (القسم الأول - 8/124). .
- قال عبدُ اللهِ بنُ المُقَفَّعِ: (الرِّجالُ أربعةٌ: جَوَادٌ، وبخيلٌ، ومُسرِفٌ، ومقتَصِدٌ؛ فالجوادُ الذي يوجِّهُ نصيبَ آخِرتِه ونصيبَ دُنياه جميعًا في أمرِ آخِرتِه، والبَخيلُ الذي يخطِئُ واحِدةً منهما نصيبَها، والمُسرِفُ الذي يجمَعُهما لدُنياه، والمقتَصِدُ الذي يُلحِقُ بكُلِّ واحدةٍ منهما نصيبَها) [385] ((الأدب الصغير والأدب الكبير)) لعبد الله بن المقفَّع (ص: 49). .
- وقال الماوَرْديُّ: (وأمَّا السَّرَفُ والتَّبذيرُ فإنَّ مَن زاد على حَدِّ السَّخاءِ فهو مُسرِفٌ ومُبَذِّرٌ، وهو بالذَّمِّ جديرٌ. وقد قال اللهُ تعالى: وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141] ...، واعلَمْ أنَّ السَّرَفَ والتَّبذيرَ قد يفتَرِقُ معناهما؛ فالسَّرَفُ: هو الجَهلُ بمقاديرِ الحقوقِ، والتَّبذيرُ: هو الجَهلُ بمواقِعِ الحُقوقِ. وكِلاهما مذمومٌ، وذمُّ التَّبذيرِ أعظَمُ؛ لأنَّ المُسرِفَ يخطِئُ في الزِّيادةِ، والمُبَذِّرَ يُخطِئُ في الجَهلِ، ومَن جَهِل مواقِعَ الحقوقِ ومقاديرَها بمالِه وأخطَأَها، فهو كمَن جَهِلَها بفِعالِه فتعَدَّاها، وكما أنَّه بتبذيرِه قد يضَعُ الشَّيءَ في غيرِ موضِعِه، فهكذا قد يَعدِلُ به عن مَوضِعِه؛ لأنَّ المالَ أقَلُّ من أن يُوضَعَ في كُلِّ مَوضِعٍ من حقٍّ وغيرِ حَقٍّ) [386] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 186، 187). .
- قال ابنُ الجوزيِّ في أوجُهِ تلبيسِ إبليسَ على أصحابِ الأموالِ: (الرَّابعُ: في إنفاقِها، فمنهم من يُنفِقُها على وجهِ التَّبذيرِ والإسرافِ؛ تارةً في البُنيانِ الزَّائِدِ على مقدارِ الحاجةِ، وتزويقِ الحِيطانِ وزَخرفةِ البُيوتِ، وعَمَلِ الصُّوَرِ، وتارةً في اللِّباسِ الخارِجِ بصاحِبِه إلى الكِبرِ والخُيَلاءِ، وتارةً في المطاعِمِ الخارجةِ إلى السَّرَفِ، وهذه الأفعالُ لا يَسلَمُ صاحِبُها مِن فِعلِ محَرَّمٍ أو مكروهٍ، وهو مسؤولٌ عن جميعِ ذلك) [387] ((تلبيس إبليس)) (ص: 348، 349). .

انظر أيضا: