موسوعة الأخلاق والسلوك

رابعًا: آثارُ الإسرافِ والتَّبذيرِ


1- عَدَمُ محبَّةِ اللهِ للمُسرِفين والمُبَذِّرين:
قال تعالى: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141] .
قال ابنُ عاشورٍ: (فبَيَّن أنَّ الإسرافَ من الأعمالِ التي لا يحِبُّها، فهو من الأخلاقِ التي يلزَمُ الانتهاءُ عنها، ونفيُ المحبَّةِ مختَلِفُ المراتِبِ؛ فيُعلَمُ أنَّ نَفيَ المحبَّةِ يشتَدُّ بمقدارِ قوَّةِ الإسرافِ، وهذا حُكمٌ مُجمَلٌ، وهو ظاهِرٌ في التَّحريمِ) [343] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (القسم الأول - 8/123). .
2- يُفضي إلى طَلِبِ المالِ بالكَسْبِ الحرامِ:
لأنَّ المُسرِفَ ربَّما ضاقت به المعيشةُ نتيجةً لإسرافِه، فيلجَأُ إلى الكَسبِ الحرامِ؛ قال ابنُ عاشورٍ: (فوَجهُ عَدَمِ محبَّةِ اللهِ إيَّاهم أنَّ الإفراطَ في تناوُلِ اللَّذَّاتِ والطَّيِّباتِ، والإكثارَ من بَذْلِ المالِ في تحصيلِها: يُفضي غالِبًا إلى استنزافِ الأموالِ، والشَّرَهِ إلى الاستكثارِ منها، فإذا ضاقت على المُسرِفِ أموالُه تطلَّبَ تحصيلَ المالِ من وُجوهٍ فاسدةٍ؛ ليُخمِدَ بذلك نَهْمتَه إلى اللَّذَّاتِ، فيكونَ ذلك دأْبَه، فرُبَّما ضاق عليه مالُه، فشَقَّ عليه الإقلاعُ عن مُعتادِه، فعاش في كَربٍ وضِيقٍ، وربَّما تطلَّب المالَ من وجوهٍ غيرِ مشروعةٍ، فوقَع فيما يؤاخَذُ عليه في الدُّنيا أو في الآخِرةِ، ثمَّ إنَّ ذلك قد يُعقِبُ عيالَه خصاصةً، وضَنْكَ مَعيشةٍ، وينشَأُ عن ذلك مَلامٌ وتوبيخٌ، وخصوماتٌ تُفضي إلى ما لا يُحمَدُ في اختلالِ نِظامِ العائلةِ) [344] ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (القسم الأول - 8/124). .
3- الإسرافُ في الأكلِ يَضُرُّ بالبَدَنِ:
قال عليُّ بنُ الحُسَينِ بنِ واقِدٍ: (جمَع اللهُ الطِّبَّ كُلَّه في نِصفِ آيةٍ، فقال: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا [الأعراف: 31] ) [345] ((معالم التنزيل)) للبغوي (2/189). .
وقال ابنُ عاشورٍ: (ولا تُسرِفوا في الأكلِ بكثرةِ أكلِ اللُّحومِ والدَّسَمِ؛ لأنَّ ذلك يعودُ بأضرارٍ على البَدَنِ، وتنشَأُ منه أمراضٌ مُعضِلةٌ. وقد قيل: إنَّ هذه الآيةَ جمَعَت أصولَ حِفظِ الصِّحَّةِ من جانِبِ الغِذاءِ؛ فالنَّهيُ عن السَّرَفِ نهيُ إرشادٍ لا نهيُ تحريمٍ) [346] ((التحرير والتنوير)) (القسم الثاني - 8/95). .
وقال محمَّد رشيد رضا: (فمَن جَعَل شَهوةَ بَطنِه أكبَرَ هَمِّه فهو مِن المُسرِفين، ومَن بالَغ في الشِّبَعِ وعَرَّض مَعِدتَه وأمعاءَه للتُّخَمِ فهو من المُسرِفين، ومَن أنفَق في ذلك أكثَرَ من طاقتِه، وعرَّض نفسَه لذُلِّ الدَّينِ، أو أكْلِ أموالِ النَّاسِ بالباطِلِ؛ فهو من المُسرِفين، وما كان المُسرِفُ من المتَّقين) [347] ((تفسير المنار)) (7/25). .
4- المُسرِفُ والمُبَذِّرُ يُشارِكُه الشَّيطانُ في حياتِه:
إنَّ الذي يُسرِفُ ويُبَذِّرُ مُعَرَّضٌ لمُشاركةِ الشَّيطانِ في مَسكَنِه ومَطعَمِه ومَشرَبِه وفِراشِه؛ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فِراشٌ للرَّجُلِ، وفِراشٌ لامرأتِه، والثَّالِثُ للضَّيفِ، والرَّابعُ للشَّيطانِ)) [348] أخرجه مسلم (2084) من حديثِ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
5- الإسرافُ والتَّبذيرُ من صفاتِ إخوانِ الشَّياطينِ:
قال تعالى: وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26-27] .
قال السَّعديُّ: (لأنَّ الشَّيطانَ لا يدعو إلَّا إلى كُلِّ خَصلةٍ ذميمةٍ، فيدعو الإنسانَ إلى البُخلِ والإمساكِ، فإذا عصاه دعاه إلى الإسرافِ والتَّبذيرِ. واللهُ تعالى إنَّما يأمُرُ بأعدَلِ الأمورِ وأقسَطِها، ويمدَحُ عليه، كما في قولِه عن عِبادِ الرَّحمنِ الأبرارِ: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] ) [349] ((تيسير الكريم الرحمن)) (456). .
6- الإسرافُ يجُرُّ إلى مذَمَّاتٍ كثيرةٍ:
قال ابنُ عاشورٍ: (والإسرافُ إذا اعتاده المرءُ حمَلَه على التَّوسُّعِ في تحصيلِ المرغوباتِ، فيرتَكِبُ لذلك مذَمَّاتٍ كثيرةً، وينتَقِلُ من مَلذَّةٍ إلى مَلذَّةٍ، فلا يَقِفُ عِندَ حَدٍّ) [350] ((التحرير والتنوير)) (القسم الأول - 8/123). .
7- التَّعرُّضُ للمُساءَلةِ والحِسابِ عن مَصارِفِ مالِه:
عن أبي بَرْزةَ الأسلَميِّ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسأَلَ عن عُمرِه فيما أفناه، وعن عِلمِه فيمَ فَعَل، وعن مالِه مِن أين اكتَسَبه وفيمَ أنفَقَه، وعن جِسمِه فيمَ أبلاه))  [351]أخرجه الترمذي (2417) واللَّفظُ له، والدارمي (537)، وأبو يعلى (7434) مطوَّلًا. صحَّحه الترمذي، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (30/301)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2417)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سير أعلام النبلاء)) (9/316). .
(أي: مِن موقِفِه للحسابِ حتَّى يُسأَلَ عن عُمُرهِ فيمَ أفناه: أفي طاعةٍ أم معصيةٍ؟ وعن عَمَلِه فيمَ عَمِلَه: لوجهِ الله تعالى خالِصًا أو رياءً وسمعةً؟ وعن مالِه مِن أين اكتَسَبه: أمِن حلالٍ أو حرامٍ؟! وفيمَ أنفَقَه: أفي البِرِّ والمعروفِ أو الإسرافِ والتَّبذيرِ؟! وعن جِسمِه فيمَ أبلاه: أفي طاعةِ اللهِ أو معاصيه؟!) [352] ((تطريز رياض الصالحين)) لفيصل المبارك (ص: 275). .
8- الإسرافُ والتَّبذيرُ فيه تضييعٌ للمالِ. وهذا مُشاهَدٌ محسوسٌ، وقد افتَقَر خَلقٌ كثيرٌ بالإسرافِ في اللَّذَّاتِ والشَّهَواتِ [353] ((الآداب الشرعية والمنح المرعية)) لابن مفلح (3/ 202). . وقد قيل: ما عال مقتَصِدٌ، وقيل: لا عَيلةَ على مُصلِحٍ، ولا مالَ لأخرَقَ، وقيل: التَّبذيرُ يُبَدِّدُ الكثيرَ [354] ((التمثيل والمحاضرة)) (ص: 428). .
9- الإسرافُ والتَّبذيرُ عاقِبَتُه وَخيمةٌ:
قال ابنُ الجَوزيِّ: (العاقِلُ يُدَبِّرُ بعَقلِه عيشتَه في الدُّنيا؛ فإن كان فقيرًا اجتَهَد في كَسبٍ وصناعةٍ تَكُفُّه عن الذُّلِّ للخَلقِ، وقَلَّل العلائِقَ، واستعمَلَ القَناعةَ، فعاش سليمًا من مِنَنِ النَّاسِ عزيزًا بَيْنَهم. وإن كان غنيًّا فينبغي له أن يُدَبِّرَ في نفَقتِه؛ خوفَ أن يفتَقِرَ، فيحتاجَ إلى الذُّلِّ للخَلقِ، ومِنَ البَليَّةِ أن يُبَذِّرَ في النَّفَقةِ ويباهيَ بها ليَكمَدَ الأعداءَ، كأنَّه يتعَرَّضُ بذلك -إن أكثَرَ- لإصابتِه بالعَينِ... وينبغي التَّوسُّطُ في الأحوالِ، وكِتمانُ ما يَصلُحُ كِتمانُه، وإنَّما التَّدبيرُ حِفظُ المالِ، والتَّوسُّطُ في الإنفاقِ، وكِتمانُ ما لا يَصلُحُ إظهارُه) [355] ((صيد الخاطر)) (498). .
10- السَّرَفُ يَضُرُّ بمعيشةِ الإنسانِ، حتَّى إنَّه ربَّما أدَّت به الحالُ إلى أن يَعجِزَ عمَّا يجِبُ عليه من النَّفَقاتِ [356] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 287). . وقد قيل: (إنَّك إن أعطيتَ مالَك في غيرِ الحَقِّ يُوشِكُ أن يجيءَ الحَقُّ وليس عندَك ما تُعطي منه) [357] ((محاضرات الأدباء)) للراغب الأصفهاني (1/578). .

انظر أيضا: