موسوعة الأخلاق والسلوك

خامسًا: صُوَرُ الإسرافِ ومظاهِرُه


لا شَكَّ أنَّ الإسرافَ تتعَدَّدُ صُوَرُه ومظاهِرُه، ومن هذه الصُّوَرِ:
1- الإسرافُ على الأنفُسِ بالمعاصي والآثامِ:
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] .
قال القاسِميُّ: (أي: جَنَوا عليها بالإسرافِ في المعاصي والكُفرِ... لا تيأسوا من مغفرتِه بفِعلِ سبَبٍ يمحو أثَرَ الإسرافِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53] أي: لمَن تاب وآمَن) [358] ((محاسن التأويل)) (8/293). .
2- الإسرافُ في الأكلِ، والشِّبَعُ المُفرِطُ:
وقد نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الإسرافِ في تناوُلِ الطَّعامِ، فقال: ((ما ملأَ آدَميٌّ وِعاءً شَرًّا من بَطنٍ، حَسْبُ الآدَميِّ لُقَيماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَه، فإن غَلَبَت الآدَميَّ نَفسُه فثُلُثٌ للطَّعامِ، وثُلُثٌ للشَّرابِ، وثُلُثٌ للنَّفَسِ)) [359] أخرجه الترمذي (2380)، وابن ماجه (3349) واللَّفظُ له، وأحمد (17186) من حديثِ المقدامِ بنِ مَعدِ يكَرِبَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (5236)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3349)، وحسَّنه البغوي في ((شرح السنة)) (7/293). .
قال القُرطبيُّ: (من الإسرافِ الأكلُ بَعدَ الشِّبَعِ، وكُلُّ ذلك محظورٌ. وقال لُقمانُ لابنِه: يا بُنَيَّ لا تأكُلْ شِبَعًا فوقَ شِبَعٍ؛ فإنَّك أن تَنبِذَه للكَلبِ خيرٌ من أن تأكُلَه) [360] ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (ص: 24). .
3- الإسرافُ في الوضوءِ:
قال البُخاريُّ: (بَيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ فَرْضَ الوُضوءِ مرَّةٌ مرَّةٌ، وتوضَّأ أيضًا مرَّتين وثلاثًا، ولم يَزِدْ على ثلاثٍ، وكَرِه أهلُ العِلمِ الإسرافَ فيه، وأن يجاوِزوا فِعلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [361] ((صحيح البخاري)) (1/39). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (وكان- أي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- من أيسَرِ النَّاسِ صَبًّا لماءِ الوُضوءِ، وكان يُحَذِّرُ أمَّتَه من الإسرافِ فيه، وأخبر أنَّه يكونُ في أمَّتِه من يعتدي في الطُّهورِ) [362] ((زاد المعاد)) لابن القيم (1/184). .
عن أبي إسحاقَ قال: حدَّثنا أبو جَعفَرٍ أنَّه كان عِندَ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ هو وأبوه، وعنده قومٌ، فسألوه عن الغُسلِ، فقال: يكفيك صاعٌ. فقال رجُلٌ: ما يكفيني. فقال جابِرٌ: كان يكفي من هو أوفى منك شَعرًا، وخيرٌ منك... [363] أخرجه البخاري (252) واللَّفظُ له، ومسلم (329). ، يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
4- الإسرافُ في المرافِقِ العامَّةِ:
والإسرافُ في المرافِقِ العامَّةِ مذمومٌ أيضًا، كالإسرافِ في الماءِ والكَهرباءِ، ويُعدُّ من إضاعةِ المالِ؛ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعةَ المالِ، وكَثرةَ السُّؤالِ)) [364] أخرجه البخاري (1477) ومُسلِم (593) من حديثِ المغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
قال المُناويُّ: (إضاعةُ المالِ: هو صَرفُه في غيرِ وُجوهِه الشَّرعيَّةِ، وتعريضُه للتَّلَفِ، وسبَبُ النَّهيِ أنَّه إفسادٌ، واللهُ لا يُحِبُّ المُفسِدين، ولأنَّه إذا أضاع مالَه تعرَّض لما في أيدي النَّاسِ) [365] ((فيض القدير)) للمناوي (7/3). .
5- الإسرافُ في شراءِ أثاثِ البيوتِ ممَّا لا حاجةَ له.
6- زيادةُ التَّرفُّهِ والتَّأنُّقِ في المآكِلِ والمشارِبِ واللِّباسِ [366] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 287). .
7- الإسرافُ في القِصاصِ؛ قال تعالى: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء: 33] .
(واختلفوا في هذا الإسرافِ الذي مُنِع منه وليُّ القتيلِ؛ فقال ابنُ عبَّاسٍ وأكثَرُ المُفَسِّرين: معناه و لا يقتُلْ غيرَ القاتِلِ، وذلك أنَّهم كانوا في الجاهليَّةِ إذا قُتِل منهم قتيلٌ لا يَرضَون بقَتلِ قاتِلِه، حتَّى يُقتَلَ أشرَفُ منه) [367] ((تفسير البغوي)) (3/ 132). .
وقال السَّعديُّ: (والإسرافُ مجاوزةُ الحَدِّ؛ إمَّا أن يُمَثِّلَ بالقاتِلِ، أو يقتُلَه بغيرِ ما قَتَل به، أو يَقتُلَ غيرَ القاتِلِ) [368] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 457). .

انظر أيضا: