موسوعة الأخلاق والسلوك

ه- نماذِجُ من الأُلفةِ عِندَ العُلَماءِ المُعاصِرين


1- قال أحمَدُ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ بازٍ: (كان أبي يتعامَلُ معنا بلُطفٍ ورِفقٍ، فهو لا يَفرِضُ رأيَه علينا فَرضًا، بل يَعرِضُه عَرْضَ النَّاصِحِ المُشفِقِ، ولا يتعَصَّبُ لهذا الرَّأيِ، وكان يجالِسُ أبناءَه، ويتعَرَّفُ على مشاكِلِهم، وقد خصَّص لنا بعضَ الوقتِ مَساءً للسَّمَرِ والمحادَثةِ، وكان يحُثُّنا على الخَيرِ، ورَغْمَ التَّواضُعِ والبساطةِ إلَّا أنَّ للشَّيخِ مهابةً في نفوسِ أبنائِه؛ نظَرًا لِما منحَه اللهُ من هيبةٍ؛ فقد كنا نخجَلُ منه رَغْمَ بساطتِه وقُربِه منَّا) [767] ((موسوعة إمام المسلمين)) لعبد العزيز أسعد (1/37، 38(. .
2- وقَبْلَ وفاةِ ابنِ بازٍ بعامينِ جاءَه رجُلٌ وهو في مجلِسِ بَيتِه بالطَّائِفِ بَينَ ضيوفِه وزوَّارِه، طالِبًا شفاعتَه للحُصولِ على مالٍ ليتزَوَّجَ، فجعَلَ يحتَدُّ عليه ويرفَعُ صوتَه، فقال له: (اذهَبْ إلى فُلانٍ في بَلَدِكم الفُلانيِّ، واطلُبْ منه أن يكتُبَ لكم تزكيةً ويقومَ باللَّازِمِ، ثمَّ يرفَعَه إلينا، ونحن نُكمِلُ اللَّازِمَ، ونرفَعُ إلى أحَدِ المُحسِنين في شأنِك)، فقال الرَّجُلُ: (يا شيخُ، ارفَعْها إلى المسؤولِ فُلانٍ)، فقال: (ما يكونُ إلَّا خيرٌ)، فرفَع الرَّجُلُ صوتَه وأخَذ يُكَرِّرُ: (لا بُدَّ أن ترفَعَها إلى فلانٍ). والشَّيخُ يُلاطِفُه ويَرفُقُ به ويَعِدُه بالخيرِ، حتى تضايَقَ الحاضِرون، وبدا الغَضَبُ على وجوهِهم، وهَمَّ بعضُهم بإخراجِ الرَّجُلِ، لكِنَّهم تأدَّبوا بحضرةِ الشَّيخِ، فلم يُقدِموا على عَمَلٍ بَينَ يَدَيه دونَ إذنِه، فقال الرَّجُلُ: (يا شيخُ، عُمْري يزيدُ على الخمسينَ، وما عندي زوجةٌ، وما بَقِيَ من عُمُري إلَّا القليلُ!)، فتبسَّم الشَّيخُ وقال: (يا ولدي، إن شاء اللهُ ستتزَوَّجُ، ويزيدُ عُمُرُك إن شاء اللهُ على التِّسعينَ، وسنَعمَلُ ما نستطيعُ في تلبيةِ طلَبِك)، فهَدَأ الرَّجُلُ، وقَبَّل رأسَه، وجعل يدعو له، فلمَّا أراد الانصرافَ ألحَّ عليه الشَّيخُ كثيرًا في تناوُلِ الغَداءِ معه، لكِنَّه اعتَذَر لارتباطِه بمَوعِدٍ [768] ((جوانب من سيرة الإمام عبد العزيز بن باز))، رواية محمد الموسى (ص: 220 - 222). .
3- وكان ابنُ بازٍ يعامِلُ العامِلين معه معامَلةً كريمةً، فيدعوهم إلى طعامِه، ويُجلِسُهم على مائِدتِه، ويتفَقَّدُ أحوالَهم، ويسألُهم عن أهليهم، ويُعطي كلَّ واحدٍ منهم حَقَّه وزيادةً عن أجورِهم في الأعيادِ والمواسِمِ؛ إدخالًا للسُّرورِ عليهم، ويساعِدُ المحتاجَ منهم، ويُلبِسُهم من ملابِسِه، ففي يومٍ باردٍ اصطَحَب صلاحَ الدِّينِ عثمان -أمينَ مكتبةِ مَنزِلِه- وكانت ملابسُه خفيفةً، فقال له الشَّيخُ: (كيف تَلبَسُ هذا الثَّوبَ والبَردُ شديدٌ كما ترى؟ انتَظِرْني قليلًا)، فدخل منزلَه وأحضر عباءةً وأهداها له.
وكان يسمَحُ لهم باستخدامِ الهاتِفِ في الاتصالِ بزَوجاتِهم وأولادِهم للاطمئنانِ عليهم، فذاتَ يومٍ أراد أحَدُ السَّائقين أن يتَّصِلَ بأولادِه خارِجَ المملكةِ، فاستأذن بعضَ كُتَّابِ الشَّيخِ، فقال له: لا بُدَّ من الاستئذانِ منه، فلمَّا تحدَّث الكاتِبُ مع الشَّيخِ في هذا الأمرِ، قال الشَّيخُ: (لعلَّك منَعْتَه!) فقال الكاتِبُ: (لا بُدَّ من إذنِ سماحَتِكم)، فقال الشَّيخُ: (اترُكْه يتَّصِلُ، لا تمنَعوهم، ارحَموهم، أمَا لكم أولادٌ؟! أعوذُ باللهِ، الرَّسولُ يقولُ: من لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ!) [769] أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وإذا قَدَّم أحدُ الخَدَمِ له طعامًا أو شرابًا شَكَره ودعا له، وإذا تحدَّث مع الطَّبَّاخِ أثنى على طعامِه، وشَكَره على عمَلِه، ولم يَعِبْ طعامًا، إن اشتهاه أكلَه، وإلَّا تركَه، تقولُ أمُّ أحمدَ -زوجتُه: (منذُ أن تزوَّجْتُ الشَّيخَ ما سَمِعتُه قطُّ ينهَرُ خادِمًا ولا يَعيبُ طعامًا) [770] ((موسوعة إمام المسلمين)) لعبد العزيز أسعد (1/51(. .
4-قال عبدُ المحسِنِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ القاضي: (حدَّثني بعضُ الإخوةِ أنَّه ذهب يُصَلِّي في الجامِعِ برُفقةِ وَلَدِه الصَّغيرِ ذي السِّتِّ سَنَواتٍ؛ بغَرَضِ السَّلامِ على الشَّيخِ ابنِ عُثَيمين عَقيبَ عودتِه من السَّفَرِ، وبعدَ أداءِ المكتوبةِ انشغل الأخُ بصلاةِ الرَّاتبةِ، وخَشِيَ الطِّفلُ أن يخرُجَ الشَّيخُ من الجامِعِ، فذهب إليه في وسَطِ أتباعِه وطُلَّابِه، وقال له: تعالَ، أبي يريدُ أن يُسَلِّمَ عليك! فما كان من الشَّيخِ إلَّا أن أعطى الطِّفلَ يَدَه حتى أوقَفَه على أبيه وهو يُصَلِّي، فظَلَّ الشَّيخُ واقِفًا حتَّى فرغ والِدُ الطِّفلِ من الصَّلاةِ، فسَلَّمَ عليه!) [771] ((الدر الثمين)) لعصام بن عبد المنعم المري (ص: 264(.

انظر أيضا: