موسوعة الأخلاق والسلوك

تاسِعًا: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ 


أ- تَركُ بَعضِ المندوباتِ تأليفًا للقُلوبِ:
يُستحَبُّ للمُسلِم أن يترُكَ بعضَ المندوباتِ؛ تأليفًا للقلوبِ، ودَفعًا للنِّزاعِ والتَّفَرُّقِ، ومنعًا للتَّباغُضِ والتَّباعُدِ؛ قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ يَزيدَ: (صلَّى بنا عُثمانُ بمِنًى أربَعَ ركَعاتٍ، فقِيلَ ذلك لعبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ، فاسترجَعَ، ثمَّ قال: صلَّيتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى ركعَتَينِ، وصلَّيتُ مع أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ بمِنًى ركعَتينِ، وصلَّيتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بمِنًى ركعتَينِ، فليتَ حَظِّي من أربَعِ ركَعاتٍ ركْعتانِ مُتقَبَّلتانِ) [772] أخرجه البخاري (1084)، ومسلم (695) واللَّفظُ له. ، معناه: ليتَ عُثمانَ صَلَّى ركعتينِ بَدَلَ الأربَعِ، كما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبو بكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ في صَدْرِ خلافتِه يَفعَلون، ومقصودُه كراهةُ مخالفةِ ما كان عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وصاحِباه، ومع هذا فابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه موافِقٌ على جوازِ الإتمامِ؛ ولهذا كان يُصَلِّي وراءَ عُثمانَ رَضِيَ اللهُ عنه مُتِمًّا [773] ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 204). .
وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بمِنًى ركعتَينِ، وأبو بكرٍ بَعدَه، وعُمَرُ بَعدَ أبي بكرٍ، وعُثمانُ صَدرًا من خلافتِه، ثمَّ إنَّ عثمانَ صَلَّى بَعدُ أربعًا، فكان ابنُ عُمَرَ إذا صلَّى مع الإمامِ صَلَّى أربعًا، وإذا صلَّاها وَحدَه صلَّى ركعتَينِ) [774] أخرجه البخاري (1082)، ومسلم (694) واللَّفظُ له ، فقَصَد ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه إلى تأليفِ القُلوبِ بتَركِ بعضِ المُستحَبَّاتِ؛ لأنَّ مَصلَحةَ التَّأليفِ في الدِّينِ أعظَمُ من مصلحةِ فِعلِ مثلِ هذا [775] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (22/ 407). .
قال ابنُ تيميَّةَ: (ولو كان الإمامُ يرى استحبابَ شَيءٍ، والمأمومون لا يستَحِبُّونه، فترَكَه لأجْلِ الاتِّفاقِ والائتِلافِ، كان قد أحسَنَ) [776] ((مجموع الفتاوى)) (22/ 268). .
ب- أسبابُ الأُلفةِ:
أسبابُ الأُلفةِ خمسةٌ، وهي: الدِّينُ، والنَّسَبُ، والمُصاهَرةُ، والمودَّةُ، والبِرُّ.
أمَّا الدِّينُ: فلأنَّه يَبعَثُ على التَّناصُرِ، ويمنعُ من التَّقاطُعِ والتَّدابُرِ.
وأمَّا النَّسَبُ: فلأنَّ تعاطُفَ الأرحامِ وحَمِيَّةَ القرابةِ يَبعَثانِ على التَّناصُرِ والأُلفةِ، ويمنَعانِ من التَّخاذُلِ والفُرقةِ؛ أنَفةً من استعلاءِ الأباعِدِ على الأقارِبِ، وتوقِّيًا من تسَلُّطِ الغُرَباءِ الأجانِبِ.
وأمَّا المُصاهَرةُ: فلأنَّها استحداثُ مُواصَلةٍ، وتمازُجُ مُناسَبةٍ، صدَرَا عن رغبةٍ واختيارٍ، وانعقَدَا على خيرٍ وإيثارٍ؛ فاجتَمَع فيها أسبابُ الأُلفةِ وموادُّ المُظاهَرةِ.
وأمَّا المُؤاخاةُ بالمودَّةِ فلأنَّها تُكسَبُ بصادِقِ الميلِ إخلاصًا ومُصافاةً، وتحدُثُ بخُلوصِ المصافاةِ وفاءً ومحاماةً، وهذا أعلى مراتِبِ الأُلفةِ.
وأمَّا البِرُّ فلأنَّه يُوصِلُ إلى القلوبِ ألطافًا، ويُثنِّيها محبَّةً وانعِطافًا [777]  ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (147-161) بتصرُّفٍ. .

انظر أيضا: