موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- نماذِجُ من الأُلفةِ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم


كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنُ النَّاسِ أُلفةً مع أهلِ بَيتِه ومع المُسلِمين عامَّةً، وقد دعا بأقوالِه وأفعالِه إلى الأخذِ بأسبابِ الأُلفةِ، وطَرحِ ما يخالِفُها، ومن ذلك:
1- قال أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((إن كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليُخالِطُنا، حتى يقولَ لأخٍ لي صغيرٍ: يا أبا عُمَيرٍ، ما فَعَل النُّغَيرُ؟)) [728] أخرجه البخاري (6129) واللَّفظُ له، ومسلم (2150). ، وفي قولِه: ((لَيُخالِطُنا)) ما يدُلُّ على الأُلفةِ بخِلافِ النُّفورِ، وذلك من صفةِ المؤمِنِ [729] ((فوائد حديث أبي عمير)) لابن القاص (ص: 20). .
2- وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لها: يا عائِشةُ، لولا أنَّ قَومَكِ حديثُ عهدٍ بجاهليَّةٍ لأمَرْتُ بالبيتِ فهُدِم، فأدخَلْتُ فيه ما أُخرِجَ منه وألزَقْتُه بالأرضِ، وجعَلْتُ له بابَينِ: بابًا شرقيًّا، وبابًا غربيًّا، فبَلَغْتُ به أساسَ إبراهيمَ)) [730] أخرجه البخاري (1586) واللَّفظُ له، ومسلم (1333) بنحوِه. ، فتَرَك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تغييرَ بناءِ البيتِ لِما رأى في إبقائِه من تأليفِ القُلوبِ [731] ((القواعد النورانية)) لابن تيمية (ص: 46). .
3- قال أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أتانا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في دارِنا هذه فاستسقى، فحلَبْنا له شاةً لنا، ثمَّ شُبْتُه من ماءِ بِئْرِنا هذه فأعطَيتُه، وأبو بكرٍ عن يسارِه وعُمَرُ تُجاهَه، وأعرابيٌّ عن يمينِه، فلمَّا فرَغ قال عُمَرُ: هذا أبو بكرٍ، فأعطى الأعرابيَّ فَضْلَه)) [732] أخرجه البخاري (2571) واللَّفظُ له، ومسلم (2029) ، وإنَّما أعطى الأعرابيَّ ولم يستأذِنْه كما استأذنَ الغُلامَ؛ ليتألَّفَه بذلك لقُربِ عَهدِه بالإسلامِ [733] ((شرح البخاري)) لابن بطال (7/ 89). .
4- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقبَلُ الهَدِيَّةَ ويُثيبُ عليها) [734] أخرجه البخاري (2585). ، فقَبولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الهَدِيَّةَ نوعٌ من الكَرَمِ وبابٌ مِن حُسنِ الخُلُقِ يتألَّفُ به القُلوبَ [735] ((معالم السنن)) للخطابي (3/ 168). .
5- قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: ((قَسَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَسْمًا، فقُلتُ: واللهِ يا رسولَ اللهِ، لغَيرُ هؤلاء كان أحَقَّ به منهم، قال: إنَّهم خيَّروني أن يَسألوني بالفُحشِ أو يُبَخِّلوني، فلَستُ بباخِلٍ)) [736] أخرجه مسلم (1056). ، ومعناه: أنَّهم ألحُّوا عليه في المسألةِ، واشتَطُّوا في السُّؤالِ، وقصَدوا بذلك أحَدَ شَيئَيِن: إمَّا أن يَصِلوا إلى ما طلَبوه، أو يَنسُبوه إلى البُخلِ؛ فحَلُمَ النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عنهم؛ ليتألَّفَهم، وأعطاهم ما سألوه، وصَبَر على جَفوتِهم [737] ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (3/ 101). .
قال النَّوويُّ: (وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يتألَّفُ النَّاسَ، ويَصبِرُ على جَفاءِ الأعرابِ والمنافِقين وغيرِهم؛ لِتَقوى شوكةُ المُسلِمين، وتَتِمَّ دَعوةُ الإسلامِ، ويتمَكَّنَ الإيمانُ من قُلوبِ المُؤَلَّفةِ، ويرغَبَ غيرُهم في الإسلامِ، وكان يُعطيهم الأموالَ الجزيلةَ لذلك، ولم يقتُلِ المنافِقين لهذا المعنى) [738] ((شرح مسلم)) (16/ 139). .
6- عن سَهلِ بنِ سَعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بيتَ فاطِمةَ فلم يجِدْ عَلِيًّا في البيتِ، فقال: أين ابنُ عَمِّكِ؟ قالت: كان بَيني وبَينَه شيءٌ، فغاضبَني فخَرَج، فلم يَقِلْ عندي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لإنسانٍ: انظُرْ أين هو؟ فجاء فقال: يا رسولَ اللهِ، هو في المسجِدِ راقِدٌ، فجاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُضطَجِعٌ، قد سَقَط رداؤُه عن شِقِّه، وأصابه ترابٌ، فجَعَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يمسَحُه عنه، ويقولُ: قُمْ أبا تُرابٍ، قُمْ أبا تُرابٍ!)) [739] أخرجه البخاري (441)، ومسلم (2409). ، فمازَحَ المُغضَبَ ليُؤنِسَه مِن حَرَجِه، وفيه: مُداراةُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ صِهْرَه، وتَسليةُ أمرِه من عتابِه [740] ((شرح البخاري)) لابن بطال (2/ 93). .
7- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كُنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفَرٍ، فكُنتُ على بَكْرٍ صَعبٍ لعُمَرَ، فكان يَغلِبُني، فيتَقَدَّمُ أمامَ القومِ، فيَزجُرُه عُمَرُ ويَرُدُّه، ثمَّ يتقَدَّمُ، فيَزجُرُه عُمَرُ ويَرُدُّه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لعُمَرَ: بِعْنِيه، قال: هو لكَ يا رسولَ اللهِ، قال: بِعْنِيه، فباعَه من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هو لكَ يا عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ، تصنَعُ به ما شِئتَ)) [741] أخرجه البخاري (2115). ، وفيه: مراعاةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحوالَ الصَّحابةِ، وحِرصُه على ما يُدخِلُ عليهم السُّرورَ [742] ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 336). .

انظر أيضا: