موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: الوَسائِلُ المُعينةُ على اكتِسابِ الأُلفةِ


1- التَّعارُفُ ومُعاشَرةُ النَّاسِ:
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الأرواحُ جُنودٌ مجنَّدةٌ، ما تعارَف منها ائتَلَف، وما تناكَر منها اختَلَف)) [700] رواه البخاري (3336)، ومسلم (2638). .
2- القيامُ بحُقوقِ المُسلِمين والالتِزامُ بها:
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حَقُّ المسلِمِ على المُسلِمِ خَمسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وعيادةُ المريضِ، واتِّباعُ الجنائِزِ، وإجابةُ الدَّعوةِ، وتشميتُ العاطِسِ)) [701] رواه البخاري (1240)، ومسلم (2612). .
(فهذه الحُقوقُ التي بَيَّنَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كُلُّها إذا قام بها النَّاسُ بعضُهم مع بعضٍ، حَصَل بذلك الأُلفةُ والمودَّةُ، وزال ما في القُلوبِ والنُّفوسِ من الضَّغائِنِ والأحقادِ) [702] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (2/606). . وقد قيل: (إذا أدَّى كُلٌّ إلى كُلٍّ حَقَّه، كان ذلك سَبَبًا لدوامِ الأُلفةِ) [703] ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (4/ 323). .
فأمَّا السَّلامُ فقد قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا أيُّها النَّاسُ أفشُوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ؛ تَدخُلوا الجنَّةَ بسَلامٍ)) [704] رواه الترمذي (2485)، وابن ماجه (1334) مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وصحَّحه الترمذي، وقال الحاكم (3/14): صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي، وصحَّحه البغوي في ((شرح السنة)) (4/40). .
و(الحِكمةُ في طَلَبِ السَّلامِ عندَ التَّلاقي والمُكاتَبةِ دونَ غَيرِهما: أنَّ تحيَّةَ السَّلامِ طُلِبَت عندَ ما ذُكِر؛ لأنَّها أوَّلُ أسبابِ الأُلفةِ، والسَّلامةُ التي تضَمَّنها السَّلامُ هي أقصى الأمانيِّ، فتَنبَسِطُ النَّفسُ عِندَ الاطِّلاعِ عليه أيَّ بَسْطٍ، وتتفاءَلُ به أحسَنَ فَألٍ) [705] ((فيض القدير)) للمناوي (1/437) نقلا عن الرازي. . فالقَصدُ من السَّلامِ المؤانَسةُ والأُلفةُ [706] ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض (1/ 276)، ((الأذكار)) للنووي (ص: 409). ، وأمَّا زيارةُ المُسلِمِ وعيادتُه إذا مَرِضَ؛ فزيارةُ المسلِمِ لأخيه المُسلِمِ تبعَثُ على الحُبِّ والإخاءِ، ولا سيَّما عِندَ المَرَضِ، مع ما أعدَّه اللهُ مِن الأجرِ والثَّوابِ له، وقال الأبشيهيُّ: (اعلَمْ أنَّ المودَّةَ والأُخُوَّةَ والزِّيارةَ سَبَبُ التَّآلُفِ) [707] ((المستطرف)) للأبشيهي (ص: 130). .
3- الكلامُ اللَّيِّنُ، وطلاقةُ الوَجهِ:
فالكَلامُ اللَّيِّنُ والطَّيِّبُ من الأسبابِ التي تُؤَلِّفُ بَينَ القُلوبِ؛ قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء: 53] .
إنَّ (خَفْضَ الجَناحِ ولِينَ الكَلِمةِ وتَركَ الإغلاظِ: من أسبابِ الأُلفةِ واجتِماعِ الكَلِمةِ وانتِظامِ الأمرِ؛ ولهذا قيل: مَن لانت كَلِمَتُه وجَبَت محبَّتُه، وحَسُنَت أُحدوثَتُه، وظَمِئَت القُلوبُ إلى لقائِه، وتنافَسَت في موَدَّتِه) [708] ((التيسير بشرح الجامع الصَّغير)) للمناوي (1/434). .
قال ابنُ عُثَيمين: (وظيفةُ المُسلِمِ مع إخوانِه أن يكونَ هَيِّنًا لَيِّنًا بالقَولِ وبالفِعلِ؛ لأنَّ هذا ممَّا يُوجِبُ المودَّةَ والأُلفةَ بَينَ النَّاس، وهذه الأُلفةُ والمودَّةُ أمرٌ مطلوبٌ للشَّرعِ؛ ولهذا نهى النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عن كُلِّ ما يُوجِبُ العداوةَ والبغضاءَ) [709] ))شرح رياض الصالحين)) (2/544). .
وينبغي أن يُقابِلَ المرءُ غيرَه بالبِشرِ والسَّماحةِ وطَلاقةِ الوَجهِ، فذلك من أسبابِ الأُلفةِ والمحبَّةِ؛ ولهذا كان من أوصافِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه كان دائِمَ البِشرِ، كثيرَ التَّبسُّمِ، وضِدُّه العُبوسُ والتَّقطيبُ وعَدَمُ الانشراحِ؛ ممَّا يُحدِثُ النُّفورَ [710] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة القصص)) (ص: 102). .
4- التَّعَفُّفُ عن سؤالِ النَّاسِ:
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وازهَدْ فيما في أيدي النَّاسِ يحِبَّك النَّاسُ)).
5- السَّعيُ للإصلاحِ بَينَ النَّاسِ؛ قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال: 1] ، وقال رسولُ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((فَسادُ ذاتِ البَينِ هي الحالِقةُ)) [711] أخرجه أبو داود (4919)، والترمذي (2509) واللَّفظُ له، وأحمد (27508) من حديثِ أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (5092)، وابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/1146). ، أي: القاطِعةُ للمَحبَّةِ والأُلفةِ والصِّلةِ [712] ((مرقاة المفاتيح)) لعلي القاري (8/ 3154). .
6- الاهتِمامُ بأُمورِ المُسلِمين:
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُؤمِنون كرَجُلٍ واحِدٍ، إذا اشتكى رأسَه تداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالحُمَّى والسَّهَرِ)) [713] رواه مسلم (2586). .
7- التَّهادي: لا شَكَّ أنَّ تقديمَ الهَدِيَّةِ يَزيدُ من الأُلفةِ والمحبَّةِ، والتَّقارُبِ بَينَ المُهْدي والمَهدَى إليه.
وقد قيلَ:
إنَّ الهَدِيَّةَ حُلوةٌ
كالسِّحرِ تجتَلِبُ القُلوبا
تُدني البغيضَ من الهَوى
حتَّى تُصَيِّرَه قَريبَا
وتُعيدُ مُضطَغَنَ العَدا
وةِ بَعدَ نُفرتِه حبيبَا [714] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (3/ 42). .
8- الاجتِماعُ على الطَّعامِ يُوقِعُ الأُلفةَ والمودَّةَ في القُلوبِ [715] ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 115). ؛ قال الكَلاباذيُّ: (المواكَلةُ أوكَدُ أسبابِ الأُلفةِ، وأوثَقُ عُرى المداخَلةِ والاستِئناسِ) [716] ((بحر الفوائد)) للكلاباذي (ص: 244). .                                              
9- النَّظَرُ إلى المخطوبةِ من أسبابِ الأُلفةِ بَينَ الزَّوجَينِ؛ فعن المُغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه خَطَب امرأةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: انظُرْ إليها؛ فإنَّه أحرى أن يُؤدَمَ بَينَكما) [717] أخرجه الترمذي (1087) واللَّفظُ له، والنسائي (3235)، وابن ماجه (1866). صحَّحه ابنُ القطان في ((النظر في أحكام النظر)) (387)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/305)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1087)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (11/289). ، أي: يُجمَعَ بَينَكما، وتحصُلَ الأُلفةُ والمحبَّةُ [718] ((تحفة الأبرار)) للبيضاوي (2/ 337). .
10- أن يأتيَ إلى النَّاسِ الذي يحِبُّ أن يُؤتَى إليه؛ قال الحَسَنُ: (اصحَبِ النَّاسَ بما شِئتَ أن يَصحَبوك بمِثْلِه) [719] ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي (ص: 297)، رقم (911). .
11- العَمَلُ بتعاليمِ الدِّينِ؛ قال ابنُ تيميَّةَ: (سَبَبُ الاجتماعِ والأُلفةِ جَمْعُ الدِّينِ والعَمَلُ به كُلِّه) [720] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (1/ 17). ، وقد قال تعالى: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ [المائدة: 14] ، فمتى وُجِدَت عداوةٌ وبَغضاءُ بَينَ النَّاسِ، فهذا بسَبَبِ إعراضِهم عن دينِ اللهِ، والعَكسُ يكونُ بالعَكسِ، بمعنى أنَّ النَّاسَ إذا قاموا بطاعةِ اللهِ واتَّفَقوا عليها، فإنَّ اللهَ يُلقي بَينَهم المودَّةَ والمحبَّةَ والوَلايةَ [721] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (1/205). .
12- حُسنُ الخُلُقِ؛ من استِعمالِ اللُّطفِ، والتَّغافُلِ عن الزَّلَّاتِ، والتَّواضُعِ للنَّاسِ، وإقالةِ العَثَراتِ، ومُقابلةِ الإساءةِ بالإحسانِ، وقَضاءِ الحوائِجِ، والتَّفسُّحِ في المجالِسِ، والمُشاورةِ، والمواساةِ، والتَّهنئةِ في الفَرَحِ، ووَصْلِ القاطِعِ، وشُكرِ المعروفِ، والعَفوِ والحِلمِ، ونحوِ ذلك من المكارِمِ.
قال الغَزاليُّ: (اعلَمْ أنَّ الأُلفةَ ثَمَرةُ حُسنِ الخُلُقِ...‏، فحُسْنُ الخُلُقِ يوجِبُ التَّحابَّ والتَّآلُفَ والتَّوافُقَ ... ومهما كان المُثمِرُ محمودًا كانت الثَّمَرةُ محمودةً) [722] ((الإحياء)) (2/ 157). .
وقال أيضًا: (ولا يخفى أنَّ ثَمَرةَ الخُلُقِ الحَسَنِ الأُلفةُ وانقِطاعُ الوَحشةِ) [723] ((الإحياء)) (2/ 158). .
13- مُداراةُ النَّاسِ؛ قال ابنُ بطَّالٍ: (المُداراةُ من أخلاقِ المُؤمنِين، وهى خَفضُ الجَناحِ للنَّاسِ، ولِينُ الكَلِمةِ، وتَركُ الإغلاظِ لهم في القَولِ، وذلك من أقوى أسبابِ الأُلفةِ وسَلِّ السَّخيمةِ) [724] ((شرح البخاري)) (9/ 305). .
14- الوَفاءُ؛ قيل: (بالوَفاءِ تُملَكُ القُلوبُ، وتُستدامُ الأُلفةُ بَينَ المحِبِّ والمحبوبِ) [725] ((غرر الخصائص)) للوطواط (ص: 42). .
15- الإعلامُ بالمحبَّةِ؛ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاه فلْيُخبِرْه أنَّه يحِبُّه)) [726] أخرجه أبو داود (5124) واللَّفظُ له، والترمذي (2392) بلفظ: "فلْيُعلِمْه إيَّاه" من حديثِ المِقدامِ بنِ مَعْدِيكَرِبَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (570)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (128)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5124)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1143)، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. ، فإنَّه أبقى للأُلفةِ، وأثبَتُ للمَوَدَّةِ، وبه يتزايدُ الحُبُّ ويتضاعَفُ، وتجتَمِعُ الكَلِمةُ، وينتَظِمُ الشَّملُ بَينَ المُسلِمين، وتزولُ المفاسِدُ والضَّغائِنُ، وهذا من محاسِنِ الشَّريعةِ [727] (فيض القدير)) للمناوي (1/ 247). .

انظر أيضا: