موسوعة الأخلاق والسلوك

سابعًا: مظاهِرُ وصُوَرُ السَّكينةِ


1- السَّكينةُ في المشيِ إلى الصَّلاةِ؛ فينبغي للماشي إلى الصَّلاةِ أن يمشيَ وعليه السَّكينةُ والوَقارُ، وألَّا يُسرِعَ في مشيِه.
عن أبي قتادةَ، قال: ((بينما نحن نصَلِّي مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ سمع جَلَبةَ [4702] جَلَبةٌ: أي: أصواتًا لحركتِهم وكلامِهم واستعجالِهم. يُنظَر: ((شرح النووي على مسلم)) (5/ 101). رجالٍ، فلمَّا صلَّى قال: ما شأنُكم؟ قالوا: استعجَلْنا إلى الصَّلاةِ؟ قال: فلا تفعَلوا، إذا أتيتُم الصَّلاةَ فعليكم بالسَّكينةِ، فما أدركْتُم فصَلُّوا وما فاتكم فأتِمُّوا)) [4703] أخرجه البخاري (635) واللفظ له، ومسلم (603). .
2- السَّكينةُ عندَ القيامِ إلى الصَّلاةِ؛ عن أبي قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تقوموا حتى تَرَوني، وعليكم السَّكينةُ)) [4704] أخرجه البخاري (909) واللفظ له، ومسلم (604). .
3- السَّكينةُ في الصِّيامِ؛ فإنَّ الصَّائِمَ يلزَمُ السَّكينةَ، فلا يصخَبُ ولا يفسُقُ ولا يجهَلُ، ولا يقابِلُ السَّيِّئةَ بمِثْلِها.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، يقولُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ: كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدَمَ له إلَّا الصِّيامَ؛ فإنَّه لي وأنا أجزي به، والصِّيامُ جُنَّةٌ، وإذا كان يومُ صَومِ أحَدِكم فلا يَرفُثْ ولا يصخَبْ، فإن سابَّه أحَدٌ أو قاتَلَه، فليَقُلْ إنِّي امرؤٌ صائِمٌ)) [4705] أخرجه البخاري (1904) واللفظ له، ومسلم (1151). .
4- السَّكينةُ في المشيِ بَينَ النَّاسِ هَوْنًا بخَفضِ الجَناحِ وتَركِ الكِبرِ، وهي صفةٌ من صفاتِ عبادِ الرَّحمنِ.
قال تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] .
قال مجاهِدٌ: (بالوَقارُ والسَّكينةِ) [4706] ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (17/ 490). .
5- السَّكينةُ عندَ ذِكرِ اللهِ سُبحانَه، وعندَ تِلاوةِ القرآنِ؛ فإنَّ ذِكرَ اللهِ سُبحانَه يبعَثُ على الطُّمَأنينةِ، وهي جالِبةٌ للسَّكينةِ.
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28] .
(وفى قَولِه تعالى: وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ إشارةٌ إلى أنَّ من علاماتِ أهلِ الإيمانِ أنَّهم إذا ذكَروا اللهَ أو ذُكِّروا به، اطمأَنَّت قلوبُهم، واشتَمَلت عليهم السَّكينةُ، وغَشِيَهم الأمنُ والسَّلامُ) [4707] ((التفسير القرآني للقرآن)) لعبد الكريم الخطيب (7/109). .
وعن الأغرِّ أبي مسلمٍ، ((أنَّه قال: أشهَدُ على أبي هُرَيرةَ وأبي سعيدٍ الخُدْريِّ أنهما شَهِدا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: لا يقعُدُ قومٌ يَذكُرون اللهَ عزَّ وجَلَّ إلَّا حفَّتْهم الملائكةُ، وغَشِيَتهم الرَّحمةُ، ونزلت عليهم السَّكينةُ، وذكَرَهم اللهُ فيمن عِندَه)) [4708] أخرجه مسلم (2700). .
6- السَّكينةُ في الجهادِ؛ فهي تطرَحُ عن العبدِ انزعاجَه في أشَدِّ المواقِفِ صعوبةً، وحين التِحامِ الصُّفوفِ، وتكسوه يقينًا وثباتًا.
ففي حُنَينٍ حينَ وَلَّوا مُدبِرين من شِدَّةِ بأسِ الكُفَّارِ، لا يلوي أحدٌ منهم على أحَدٍ؛ أنزل اللهُ سكينتَه عليهم؛ تثبيتًا لقلوبِهم، وذَهابًا لقَلَقِها، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ [التوبة: 25 - 26] .
وفي الحُدَيبيَةِ حينَ اضطَرَبت قلوبُهم من تحكُّمِ الكُفَّارِ عليهم، ودخُولِهم تحتَ شروطِهم التي لا تحمِلُها النُّفوسُ، يقولُ عزَّ وجَلَّ: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح: 4] ، فمِن نعمةِ اللهِ على عَبدِه في هذه الحالِ أن يُثَبِّتَه، ويربِطَ على قَلبِه، ويُنزِلَ عليه السَّكينةَ؛ ليتلقَّى هذه المشقَّاتِ بقَلبٍ ثابتٍ، ونفسٍ مُطمَئِنَّةٍ.
7- السَّكينةُ عندَ حُلولِ المصيبةِ، أو عندَ اشتدادِ الكَربِ، وذلك باللُّجوءِ إلى اللهِ سُبحانَه، وسؤالِه تفريجَ الكَربِ وإزالةَ الهَمِّ؛ فإنَّ هذه الأدعيةَ مزيلةٌ للهَمِّ، جالبةٌ للسَّكينةِ.
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يدعو عندَ الكَربِ يقولُ: ((لا إلهَ إلَّا اللهُ العظيمُ الحَليمُ، لا إلهَ إلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَواتِ والأرضِ، ورَبُّ العرشِ العظيمِ)) [4709] أخرجه البخاري (6345) واللفظ له، ومسلم (2730). .

انظر أيضا: