موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيًا: الفَرقُ بَينَ السَّكينةِ وبعضِ الصِّفاتِ


الفَرقُ بَينَ السَّكينةِ والوقارِ:
السَّكينةُ والوَقارُ كَلِمتانِ مترادِفتانِ، إلَّا أنَّ هناك فرقًا طفيفًا بينهما؛ قال أبو هلالٍ العَسكريُّ: (إنَّ السَّكينةَ مُفارَقةُ الاضطرابِ عندَ الغَضَبِ والخوفِ، وأكثَرُ ما جاء في الخوفِ؛ ألا ترى قولَه تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ [التوبة: 40] ، وقال: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 26] ، ويضافُ إلى القلبِ، كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 4] ، فيكونُ هَيبةً وغيرَ هَيبةٍ، والوقارُ لا يكونُ إلَّا هيبةً) [4664] ((الفروق اللغوية)) (ص: 202). .
وقيل: المشهورُ في الفَرقِ بينهما: أنَّ السَّكينةَ هيئةٌ بَدَنيَّةٌ تنشأُ من اطمِئنانِ الأعضاءِ. والوقارُ: هيئةٌ نفسانيَّةٌ تنشأُ من ثباتِ القلبِ، وقيل: لو عُكِس الفرقُ لكان أصوَبَ وأحقَّ، بأن تكونَ السَّكينةُ هيئةً نفسانيَّةً، والوقارُ: هيئةً بدَنيَّةً [4665] ((معجم الفروق اللغوية)) لبيت الله بيات (ص: 280-281). .
وقال النَّوويُّ: (السَّكينةُ: التَّأنِّي في الحرَكاتِ، واجتنابُ العَبَثِ ونحوِ ذلك. والوقارُ: في الهيئةِ، وغَضِّ البَصَرِ، وخَفضِ الصَّوتِ، والإقبالِ على طريقِه بغيرِ التِفاتٍ، ونحوِ ذلك) [4666] ((شرح النووي على مسلم)) (5/100). .
الفَرقُ بَينَ السَّكينةِ والطُّمَأنينةِ:
أشار أبو إسماعيلَ الهَرَويُّ إلى فرقينِ بينهما:
(أحَدُهما: أنَّ السَّكينةَ صولةٌ تُورِثُ خمودَ الهيبةِ أحيانًا، والطُّمَأنينةُ سُكونُ أمنٍ فيه استراحةُ أُنسٍ.
والثَّاني: أنَّ السَّكينةَ تكونُ نعتًا وتكونُ حِينًا بعدَ حِينٍ، والطُّمَأنينةُ نَعتٌ لا يُزايلُ صاحِبَه) [4667] ((منازل السائرين)) (ص: 85). .
وأضاف ابنُ القَيِّمِ قائلًا: (والذي يظهَرُ لي في الفرقِ بينهما أمرانِ سوى ما ذُكِر: أحدُهما: أنَّ ظَفَره وفَوزَه بمطلوبِه الذي حصَل له السَّكينةُ بمنزلةِ مَن واجهه عدُوٌّ يريدُ هلاكَه، فهرب منه عَدُوُّه، فسَكَن رَوعُه. والطُّمَأنينةُ بمنزلةِ حِصنٍ رآه مفتوحًا فدخله وأَمِن فيه وتقوَّى بصاحِبِه وعُدَّتِه؛ فللقلبِ ثلاثةُ أحوالٍ؛ أحدُها: الخوفُ والاضطرابُ والقَلَقُ من الواردِ الذي يزعِجُه ويُقلِقُه. الثَّاني: زوالُ ذلك الوارِدِ الذي يزعِجُه ويُقلِقُه عنه وعَدَمُه. الثَّالثُ: ظَفَرُه وفوزُه بمطلوبِه الذي كان ذلك الوارِدُ حائلًا بينه وبينه. وكُلٌّ منهما يستلزِمُ الآخَرَ ويقارِنُه؛ فالطُّمَأنينةُ تستلزِمُ السَّكينةَ ولا تفارِقُها، وكذلك بالعكسِ، لكِنِ استلزامُ الطُّمَأنينةِ للسَّكينةِ أقوى من استلزامِ السَّكينةِ للطُّمأنينةِ. الثَّاني: أنَّ الطُّمَأنينةَ أعَمُّ؛ فإنَّها تكونُ في العِلمِ، والخبرِ به واليقينِ، والظَّفَرِ بالمعلومِ؛ ولهذا اطمأنَّت القلوبُ بالقرآنِ لَمَّا حصل لها الإيمانُ به ومعرفتُه، والهدايةُ به في ظُلَمِ الآراءِ والمذاهبِ، واكتفَت به منها، وحكَّمَتْه عليها وعزَلَتْها، وجعَلَت له الوِلايةَ بأسْرِها كما جعلَها اللهُ؛ فبه خاصَمَت، وإليه حاكَمَت، وبه صالت، وبه دفَعَت الشُّبَهَ. وأمَّا السَّكينةُ فإنَّها ثباتُ القَلبِ عندَ هُجومِ المخاوِفِ عليه، وسكونُه وزَوالُ قَلَقِه واضطرابِه، كما يحصُلُ لحِزبِ اللهِ عندَ مقابلةِ العَدُوِّ وصَولتِه) [4668] ((مدارج السالكين)) (2/515-516). .

انظر أيضا: