موسوعة الأخلاق والسلوك

أ- مِن القرآنِ الكريمِ


ورَد الإصلاحُ في القرآنِ الكريمِ في مواضِعَ مُتعدِّدةٍ بمعانٍ مُختلِفةٍ؛ كإصلاحِ عقائِدِ النَّاسِ، وإصلاحِ أخلاقِهم، وبهما تصلَحُ دُنيا النَّاسِ وآخِرتُهم، كما دعا القرآنُ الكريمُ إلى الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ، وحثَّ على إزالةِ أسبابِ العَداواتِ، وأثنى سبحانَه على المُصلِحينَ؛ ومِن ذلك:
1- قال تعالى: وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف: 142] .
قال الزَّمَخشَريُّ: (وأَصْلِحْ: وكُنْ مُصلِحًا، أو أصلِحْ ما يجِبُ أن يُصلَحَ مِن أمورِ بَني إسرائيلَ، ومَن دعاك منهم إلى الإفسادِ فلا تتَّبِعْه ولا تُطِعْه) [343] ((تفسير الزمخشري)) (2/151). .
قال الطَّبريُّ: (وأَصْلِحْ يقولُ: وأصلِحْهم بحَملِك إيَّاهم على طاعةِ اللهِ وعِبادتِه) [344]  ((جامع البيان)) (10/ 416). .
وقال ابنُ كثيرٍ: (أوصاه بالإصلاحِ وعَدمِ الإفسادِ، وهذا تنبيهٌ وتذكيرٌ، وإلَّا فهارونُ عليه السَّلامُ نبيٌّ شريفٌ كريمٌ على اللهِ، له وَجاهةٌ وجلالةٌ، صَلَواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وعلى سائِر الأنبياءِ) [345] ((تفسير القرآن العظيم)) (3/ 468). .
2- قال تعالى حكايةً عن صالِحٍ عليه السَّلامُ: وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ [الشعراء: 151-152] ، قال الطَّبريُّ: (يقولُ: الذين يسعَونَ في أرضِ اللهِ بمعاصيه، ولا يُصلِحونَ، يقولُ: ولا يُصلِحونَ أنفُسَهم بالعَملِ بطاعةِ اللهِ) [346]  ((جامع البيان)) (17/ 625). .
3- وقال تعالى -واعِدًا المُصلِحينَ بالأجرِ-: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف: 170] .
قال السَّعديُّ: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ في أقوالِهم وأعمالِهم ونيَّاتِهم، مُصلحينَ لأنفُسِهم ولغَيرِهم) [347] ((تفسير السعدي)) (ص: 307). .
4- وقال تعالى في الحثِّ على الإصلاحِ بَينَ النَّاسِ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114] .
قال القُرطُبيُّ: (قولُه تعالى: أو إصلاحٍ بَينَ النَّاسِ عامٌّ في الدِّماءِ والأموالِ والأعراضِ، وفي كُلِّ شيءٍ يقعُ التَّداعي والاختِلافُ فيه بَينَ المُسلِمينَ، وفي كُلِّ كلامٍ يُرادُ به وَجهُ اللهِ تعالى) [348] ((تفسير القرطبي)) (5/384). .
5- وقال تعالى آمِرًا بإصلاحِ ذاتِ البَينِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [الأنفال: 1] .
و(ذاتُ البَينِ: هي صاحِبةُ البَينِ، والبَينُ في كلامِ العربِ يأتي على وَجهَينِ مُتضادَّينِ: فيأتي بمعنى الفُرقةِ، ويأتي بمعنى الوَصلِ. وإصلاحُ ذاتِ البَينِ على المعنى الأوَّلِ يكونُ بمعنى إصلاحِ صاحِبةِ الفُرقةِ بَينَ المُسلِمينَ، وإصلاحُها يكونُ بإزالةِ أسبابِ الخِصامِ، أو بالتَّسامُحِ والعَفوِ، أو بالتَّراضي على وَجهٍ مِن الوُجوهِ، وبهذا الإصلاحِ يذهَبُ البَينُ، وتنحلُّ عُقدةُ الفُرقةِ. أمَّا إصلاحُ ذاتِ البَينِ على المعنى الثَّاني فيكونُ بمعنى إصلاحِ صاحِبةِ الوَصلِ والتَّحابُبِ والتَّآلُفِ بَينَ المُسلِمينَ، وإصلاحُها يكونُ برأبِ ما تصدَّع منها، وإزالةِ الفسادِ الذي دبَّ إليها بسببِ الخِصامِ والتَّنازُعِ على أمرٍ مِن أمورِ الدُّنيا، واللهُ تبارَك وتعالى أمَر المُؤمِنينَ بأن يُصلِحوا ذاتَ بَينِهم ويُطيعوا اللهَ ورسولَه إن كانوا مُؤمِنينَ حقًّا، فمِن صفاتِ المُؤمِنينَ المُتَّقينَ أنَّهم يُصلِحونَ ذاتَ بَينِهم، فإذا نشأ بَينَهم وبَينَ إخوانٍ لهم خصامٌ على أمرٍ مِن أمورِ الدُّنيا أسرَعوا إلى إصلاحِه بأنفُسِهم، ولو لم يتدخَّلْ بَينَهم وبَينَ إخوانِهم وُسَطاءُ) [349] ((الأخلاق الإسلامية وأسسها)) لعبد الرحمن بن حسن حبنكة الميداني (2/230) .
6- قال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفيْءَ إِلىَ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات: 9-10] .
قال الطَّبريُّ: (فأصلِحوا أيُّها المُؤمِنونَ بَينَهما بالدُّعاءِ إلى حُكمِ كتابِ اللهِ، والرِّضا بما فيه لهما وعليهما، وذلك هو الإصلاحُ بَينَهما بالعدلِ) [350]  ((جامع البيان)) (21/ 357). .
7- قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] .
قال السَّمْعانيُّ: (قولُه: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يعني: عفا عن الظَّالِمِ وأصلَح الأمرَ بَينَه وبَينَه فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ أي: ثوابُه على اللهِ) [351]  ((تفسير السمعاني)) (5/ 83). .

انظر أيضا: