موسوعة الأخلاق والسلوك

مصادِرُ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ


يُمكِنُ أن نُجمِلَ مَصادِرَ الأخلاقِ الإسلاميَّةِ في مَصدَرَينِ رَئيسَينِ، هما أعظَمُ ما تُستَمَدُّ منه هذه الأخلاقُ: كِتابُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وسُنَّةُ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الصَّحيحةُ:
فالقُرآنُ الكَريمُ هو المَصدَرُ الأوَّلُ للأخلاقِ، والآياتُ التي تضمنَّت الدَّعوةَ إلى مَكارِمِ الأخلاقِ والنَّهيَ عن مَساوِئِها كَثيرةٌ؛ منها قولُه تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90] .
وقولُه تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] إلى غيرِ ذلك.
ويَدُلُّنا على أصالةِ هذا المَصدَرِ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الذي وصَفه اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بالخُلُقِ العَظيمِ تَصِفُه عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها بقَولِها: ((فإنَّ خُلُقَ نَبيِّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان القُرآنَ)) [38]أخرجه مسلم (746). . ومَعنى ذلك كما يَقولُ ابنُ كَثيرٍ: (أنَّه قد ألزَمَ نَفسَه ألَّا يَفعَلَ إلَّا ما أمَرّه به القُرآنُ، ولا يَترُكَ إلَّا ما نَهاه عنه القُرآنُ، فصارَ امتِثالُ أمرِ رَبِّه خُلُقًا له وسَجيَّةً، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه إلى يَومِ الدِّينِ) [39]((الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم)) لابن كثير (ص: 264). .
والمَصدَرُ الثَّاني: السُّنَّةُ النَّبَويَّةُ، والمُرادُ منَ السُّنَّةِ ما أضيف إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من أقوالٍ وأفعالٍ وتَقريراتٍ، وتُعتَبَرُ السُّنَّةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيحةُ هي المَصدَرَ الثَّانيَ للأخلاقِ، يَقولُ اللهُ تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ[الحشر: 7] ، وقال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21] ، وقال سُبحانَه: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء: 59] ، وقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما بُعِثتُ لأتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ)) [40]رواه أحمد (8952) واللفظ له، والحاكم (4221)، والبيهقي (21303). صحَّحه الحاكم وقال: على شرط مسلم، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/333)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (7/152)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2349)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8952). . قال إبراهيمُ الحَربيُّ: (يَنبَغي للرَّجُلِ إذا سَمِعَ شَيئًا من آدابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَتَمَسَّكَ به) [41]((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) للخطيب البغدادي (1/142). . (ولذا حَرَصَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم واهتَمُّوا اهتِمامًا كَبيرًا، وتَخَلَّقوا بالأخلاقِ الحَسَنةِ مُستَنِدينَ في ذلك إلى ما جاءَ في كِتابِ اللهِ سُبحانَه وتعالى وسُنَّةِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فهم قُدوتُنا وسَلَفُنا الصَّالحُ في الأخلاقِ) [42]((موسوعة الأخلاق)) لخالد الخراز (ص: 31). .

انظر أيضا: