موسوعة التفسير

سُورةُ البَلَدِ
الآيات (1-10)

ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ

غريب الكلمات:

حِلٌّ: أي: حَلالٌ تَصنَعُ فيه ما تُريدُ مِنَ القَتلِ والأَسْرِ. وقيل: حالٌّ ساكِنٌ به، وأصلُ (حلل): يدُلُّ على فَتحِ الشَّيءِ [5] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 202)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/20)، ((المفردات)) للراغب (ص: 251)، ((تفسير البغوي)) (8/426)، ((تفسير القرطبي)) (20/61). .
كَبَدٍ: أي: مَشقَّةٍ وتَعَبٍ ومُكابَدةٍ لأُمورِ الدُّنيا والآخِرةِ، وأصلُ (كبد): يدُلُّ على شِدَّةٍ في شَيءٍ وقُوَّةٍ [6] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 528)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 393)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/153). .
لُبَدًا: أي: كثيرًا مجتَمِعًا بَعضُه على بَعضٍ، مِن: تلَبَّدَ الشَّيءُ على الشَّيءِ، أي: تجَمَّعَ، وأصلُ (لبد): يدُلُّ على تكَرُّسِ الشَّيءِ بَعضِه فوقَ بَعضٍ [7] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 528)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 406)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/228)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 453)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 430). .
النَّجْدَيْنِ: أي: الطَّريقَينِ؛ طَريقَ الخَيرِ، وطريقَ الشَّرِّ، والنَّجْدُ: الطَّريقُ في ارتِفاعٍ. وكلُّ عَالٍ مِنَ الأرضِ: نَجْدٌ، وأصلُ (نجد): يدُلُّ على اعتِلاءٍ وإشرافٍ [8] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 528)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 470)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/391)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 453)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 463). .

المعنى الإجمالي:

افتَتَح اللهُ تعالى هذه السُّورةَ الكريمةَ قائلًا: أُقسِمُ بالبَلَدِ الحَرامِ العَظيمِ القَدْرِ، وهو مَكَّةُ المكَرَّمةُ، والحالُ أنَّك -يا محمَّدُ- حلالٌ به يحِلُّ لك ما يَحرُمُ على غيرِك مِن القتالِ فيه، وأُقسِمُ بوالِدٍ وبوَلَدِه؛ لقد خلَقْنا الإنسانَ في تَعَبٍ وشِدَّةٍ مِن أوَّلِ حياتِه إلى مَوتِه.
ثمَّ قال تعالى: أيَظُنُّ الإنسانُ أنَّه لن يَقهَرَه ويَغلِبَه أحَدٌ؟ يَقولُ وقد بَذَّر أموالَه في الباطِلِ وفي شَهَواتِه: أنفَقْتُ مالًا كَثيرًا! أيظُنُّ أنَّ اللهَ لم يَرَه حالَ إنفاقِ أموالِه في الباطِلِ؟
ثمَّ ذكَرَ اللهُ تعالى جانبًا مِن مَظاهِرِ نِعَمِه، فقال: ألم نجعَلْ له عينَينِ يُبصِرُ بهما، ولِسانًا وشفَتينِ؟ وبَيَّنَّا له طريقَ الخَيرِ والشَّرِّ!

تفسير الآيات:

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1).
أي: أُقسِمُ بهذا البَلَدِ الحَرامِ العَظيمِ القَدْرِ، وهو مَكَّةُ المكَرَّمةُ [9] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/401)، ((تفسير ابن كثير)) (8/402)، ((تفسير السعدي)) (ص: 924)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/346)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 210). قال السَّمْعانيُّ: (قَولُه تعالى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ معناه: أُقسِمُ، و«لا» صِلَةٌ. قال الفرَّاءُ: وهو على مَذهَبِ كَلامِ العَرَبِ، يَقولونَ: لا واللهِ لا أفعَلُ كذا، أي: واللهِ. وكذلك: لا واللهِ لَأَفْعَلَنَّ كذا، أي: واللهِ، فيجوزُ أن تكونَ «لا» صِلةً، ويجوزُ أن يكونَ رَدًّا لقَولٍ سابقٍ، وابتِداءُ القَسَمِ مِن قَولِه: واللهِ، فكذلك قَولُه: لَا أُقْسِمُ يجوزُ أن يكونَ «لا» صِلَةً، ويجوزُ أن يكونَ رَدًّا لزَعْمِهم مِن إنكارِ البَعْثِ أو إنكارِ نُبُوَّةِ الرَّسُولِ، والقَسَمُ مِن قَوْلِه: أُقْسِمُ، وقال الفرَّاءُ: هذا الثَّاني أَولى). ((تفسير السمعاني)) (6/225). ويُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/207)، ويُنظر أيضًا ما يأتي في الفوائد (ص: 325 - 326). ممَّن اختار أنَّ معنى لَا أُقْسِمُ أي: أُقسِمُ: ابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، والسمرقنديُّ، وابنُ أبي زَمَنِين، والماوَرْديُّ، والسمعاني، والزمخشري، وابنُ جُزَي، والعُلَيمي، وابن عاشور، وابن عثيمين. ومِنهم مَن نَصَّ على أنَّ (لا) صِلَةٌ مُؤكِّدةٌ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/401)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/327)، ((تفسير السمرقندي)) (3/582)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (5/133)، ((تفسير الماوردي)) (6/274)، ((تفسير السمعاني)) (6/225)، ((تفسير الزمخشري)) (4/753)، ((تفسير ابن جزي)) (2/483)، ((تفسير العليمي)) (7/366)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/346)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 210). وقال ابنُ عثيمين: (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ: لَا للاستِفتاحِ، أي: استفتاحِ الكلامِ وتوكيدِه، وليست نافيةً؛ لأنَّ المرادَ إثباتُ القَسَمِ، يعني: أنا أُقسِمُ بهذا البلَدِ، لكِنْ «لا» هذه تأتي هنا للتَّنبيهِ والتَّأكيدِ). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 210). وقال الواحديُّ: (أجمَعَ المفَسِّرونَ على أنَّ هذا قَسَمٌ بالبلَدِ الحَرامِ، وهو مكَّةُ). ((الوسيط)) (4/488). وممَّن نَقَل اتِّفاقَ المُفَسِّرينَ على ذلك أيضًا: ابنُ عطيَّةَ، والقرطبيُّ، وابنُ جُزَي، والخازنُ، والشَّوكانيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/483)، ((تفسير القرطبي)) (20/60)، ((تفسير ابن جزي)) (2/483)، ((تفسير الخازن)) (4/429)، ((تفسير الشوكاني)) (5/538). ونسَبَه مكِّيٌّ إلى قولِ أكثَرِ المُفَسِّرينَ. يُنظر: ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8271). .
كما قال تعالى: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين: 3] .
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2).
أي: أُقسِمُ بمكَّةَ والحالُ أنَّك -يا محمَّدُ- حلالٌ به في المُستقبَلِ مِن الزَّمانِ؛ يحِلُّ لك ما يَحرُمُ على غيرِك مِن القِتالِ فيها [10] يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/274)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 36)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/47). ممَّن اختار في الجملةِ أنَّ المرادَ: وأنت -يا محمَّدُ- في المستقبَلِ حلالٌ في مكَّةَ، يحِلُّ لك ما يَحرُمُ على غيرِك مِن القِتالِ فيها، فيكونُ في هذا إشارةٌ إلى فتحِ مكَّةَ، وأنَّ اللهَ سيُحِلُّ لنبيِّه القِتالَ في مكَّةَ ساعةَ الفَتحِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والفَرَّاءُ، وابنُ جرير، والسمرقنديُّ، والواحدي، والقرطبي، وابنُ جُزَي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/701)، ((معاني القرآن)) للفراء (3/263)، ((تفسير ابن جرير)) (24/402)، ((تفسير السمرقندي)) (3/582)، ((الوسيط)) للواحدي (4/488)، ((تفسير القرطبي)) (20/60)، ((تفسير ابن جزي)) (2/ 483)، ((تفسير العليمي)) (7/366). ويُنظر أيضًا: ((تفسير ابن كثير)) (8/402). وممَّن قال بنحوِ هذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، ومجاهدٌ، وأبو صالحٍ، وعَطاءٌ، وعطيَّةُ، والضَّحَّاكُ، وقَتادةُ، والحسَنُ البصريُّ، والسُّدِّيُّ، وابنُ زَيدٍ، والكلبيُّ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/403)، ((البسيط)) للواحدي (24/8)، ((تفسير ابن كثير)) (8/402). قال الرَّسْعَني: (قال ابنُ عبَّاسٍ ومجاهدٌ وجمهورُ المفسِّرينَ: المعنى: وأنت يا محمَّدُ في المُستقبَلِ مِن الزَّمانِ -ونظيرُه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر:30] - حلالٌ بهذا البلدِ، تَصنَعُ فيه ما تَشاءُ، مِن قتْلٍ وأَسْرٍ، فيكونُ خارجًا مخرَجَ البِشارةِ له، بأنَّه سيُفتَحُ عليه، فيكونُ [فيه] حِلًّا، فظهَر أثرُ ذلك يومَ الفتحِ، وأحلَّه له ساعةً مِن النَّهارِ...). ((تفسير الرسعني)) (8/628). وقيل: المرادُ: وأنت حالٌّ مقيمٌ بمكَّةَ. وقد استظهَر هذا المعنى: أبو حيَّانَ، وممَّن ذهب إليه: القاسميُّ، والسعدي، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/479)، ((تفسير القاسمي)) (9/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 924)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 211). ويُنظر أيضًا: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/530). قال ابن عاشور: (وهو تأويلٌ جميلٌ لو ساعَد عليه ثُبوتُ استعمالِ حِلٌّ بمعنَى: حالٌّ، أيْ: مُقيمٌ في مكانٍ، فإنَّ هذا لم يَرِدْ في كُتُبِ اللُّغةِ... ولم يُعَرِّجْ عليه صاحِبُ «الكشَّافِ»، ولا أحْسِبُ إعراضَه عنه إلَّا لِعَدَمِ ثِقَتِه بصِحَّةِ استِعْمالِه. وقال الخفاجِيُّ: «والحِلُّ: صِفَةٌ أو مَصدَرٌ بمعنَى الحالِّ هنا على هذا الوجهِ، ولا عِبْرةَ بِمَن أنْكَره لعَدَمِ ثُبوتِه في كُتُبِ اللُّغةِ». اهـ وكيف يُقالُ: لا عِبْرةَ بِعَدَمِ ثُبوتِه في كُتُبِ اللُّغةِ، وهل المَرجِعُ في إثباتِ اللُّغةِ إلَّا كُتبُ أئمَّتِها؟!). ((تفسير ابن عاشور)) (30/348). ويُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/754)، ((حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي)) (8/362). وقيل: المعنى: وأنت حِلٌّ عندَ المشركينَ بهذا البَلَدِ، يَستَحِلُّونَ إخراجَك وقَتْلَك. يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/165)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/446). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: شُرَحْبِيلُ بنُ سعدٍ. يُنظر: ((تفسير الثعلبي)) (10/207)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/518). وقيل: هو نَفْيٌ للقسَمِ، والمعنى: لا أُقسِمُ بهذا البلدِ إذا لم تكُنْ فيه بعدَ خُروجِك منه. يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (5/538). .
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عنه، قال: ((إِنَّ خُزاعَةَ قَتَلوا رجلًا مِن بني لَيْثٍ عامَ فَتْحِ مَكَّةَ بقَتيلٍ منهم قَتَلوه، فأُخْبِر بذلك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فرَكِب راحِلَتَه، فخَطَب، فقالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وجلَّ حَبَس عن مَكَّةَ الفيلَ، وسَلَّطَ عليها رَسولَه والمُؤْمِنينَ، ألَا وإنَّها لم تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلي، ولنْ تَحِلَّ لأحَدٍ بَعْدي، ألَا وإنَّها أُحِلَّتْ لي ساعَةً مِن النَّهارِ، ألا وإنَّها ساعَتي هذه حَرامٌ )) [11] رواه البخاريُّ (6880) ومسلمٌ (1355). .
وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّهُ عنهما، أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ: ((إنَّ اللَّهَ حَرَّم مَكَّةَ فلم تَحِلَّ لأحَدٍ قبلي ، ولا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدي وإنَّما أُحِلَّتْ لي ساعَةً مِن نَهارٍ )) [12] رواه البخاريُّ (1833). .
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3).
أي: وأُقسِمُ بوالِدٍ، وأقسِمُ بوَلَدِه [13] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/405، 408)، ((الوسيط)) للواحدي (4/488)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 35)، ((تفسير ابن كثير)) (8/403)، ((تفسير السعدي)) (ص: 924)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 212). قيل: المرادُ بالوالِدِ: آدَمُ عليه السَّلامُ، وبالوَلَدِ: ذُرِّيَّتُه. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسمرقنديُّ، والواحدي، والبغوي، ونسَبَه ابنُ القَيِّمِ إلى جمهورِ المُفَسِّرينَ، واستحسَنه وقوَّاه ابنُ كثير، واختاره العُلَيمي. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/701)، ((تفسير السمرقندي)) (3/582)، ((الوسيط)) للواحدي (4/488)، ((تفسير البغوي)) (5/254)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 35)، ((تفسير ابن كثير)) (8/403)، ((تفسير العليمي)) (7/367). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، ومجاهدٌ، وقَتادةُ، والضَّحَّاكُ، وأبو صالحٍ، والحسَنُ البصريُّ، والسُّدِّيُّ، وسُفْيانُ الثَّوريُّ، وخُصَيفٌ، وشُرَحْبِيلُ ابنُ سعدٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/406)، ((تفسير الماوردي)) (6/275)، ((البسيط)) للواحدي (24/11). وقيل: إنَّ اللهَ أقسَمَ بكُلِّ والدٍ ووَلَدِه، فهي عامَّةٌ تَشملُ كُلَّ والدٍ وكُلَّ مولودٍ. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: ابنُ جرير، وأبو حيَّان، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/408)، ((تفسير أبي حيان)) (10/480)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 212). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/ 406). قال ابنُ عاشور: (الَّذي يناسِبُ القَسَمَ بهذا البَلَدِ أن يكونَ المرادُ بـ «والدٍ» إبراهيمَ عليه السَّلامُ؛ فإنَّه الَّذي اتَّخَذ ذلك البلَدَ لإقامةِ وَلَدِه إسماعيلَ وزَوجِه هاجَرَ؛ قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم: 35]، ثمَّ قال: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [إبراهيم: 37] ، وإبراهيمُ والِدُ سُكَّانِ ذلك البلَدِ الأصليِّينَ؛ قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ [الحج: 78] ، ولأنَّه والِدُ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وَمَا وَلَدَ مَوصولٌ وصِلةٌ، والضَّميرُ المستَتِرُ في وَلَدَ عائِدٌ إلى «والِدٍ»، والمقصودُ: وما ولَدَه إبراهيمُ مِنَ الأبناءِ والذُّرِّيَّةِ، وذلك مخصوصٌ بالَّذين اقتَفَوا هَدْيَه، فيَشملُ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((تفسير ابن عاشور)) (30/349). وقيل: الوالدُ: النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لتقدُّمِ ذِكْرِه، وما ولَدَ: أُمَّتُه. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/275). .
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4).
أي: لقد خلَقْنا الإنسانَ في تَعَبٍ وشِدَّةٍ مِن أوَّلِ حياتِه إلى مَوتِه، يُكابِدُ أُمورَ حياتِه ومَعيشتِه، وهمومَ دُنياه وآخِرتِه [14] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/408، 412)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/316)، ((تفسير ابن جزي)) (2/483)، ((تفسير الألوسي)) (15/351)، ((تفسير القاسمي)) (9/476). قال ابنُ جرير: (هذا هو جوابُ القَسَمِ). ((تفسير ابن جرير)) (24/408). وقال ابنُ عطيَّة: (اختَلَف النَّاسُ في «الكَبَدِ»؛ فقال جمهورُ النَّاسِ: «الإنسانُ» اسمُ الجِنسِ كُلِّه، و«الكَبَدُ» المشقَّةُ والمُكابَدةُ، أي: يُكابِدُ أمرَ الدُّنيا والآخِرةِ). ((تفسير ابن عطية)) (5/483). وقال السعدي: (قَولُه: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ يحتَمِلُ أنَّ المرادَ بذلك: ما يُكابِدُه ويُقاسيه مِن الشَّدائدِ في الدُّنيا، وفي البَرزخِ، ويومَ يقومُ الأشهادُ، وأنَّه يَنبغي له أن يَسعى في عَمَلٍ يُريحُه مِن هذه الشَّدائِدِ، ويوجِبُ له الفَرَحَ والسُّرورَ الدَّائِمَ، وإن لم يَفعَلْ فإنَّه لا يَزالُ يُكابِدُ العَذابَ الشَّديدَ أبَدَ الآبادِ. ويحتَمِلُ أنَّ المعنى: لقد خلَقْنا الإنسانَ في أحسَنِ تقويمٍ، وأقْوَمِ خِلقةٍ، يَقدِرُ على التَّصَرُّفِ والأعمالِ الشَّديدةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 925). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (20/62، 63). ممَّن اختار القولَ المذكورَ في قولِه: كَبَدٍ في الجملةِ: ابنُ جرير، والزَّجَّاجُ، والثعلبيُّ، ومكِّيٌّ، والواحدي، والسمعاني، وابن عطية، والرَّسْعَني، والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، وابنُ جُزَي، وجلال الدين المحَلِّي، والعُلَيمي، وأبو السعود، والشوكاني، والألوسي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/412)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/328)، ((تفسير الثعلبي)) (10/207)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/8275)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1203)، ((تفسير السمعاني)) (6/226)، ((تفسير ابن عطية)) (5/483، 484)، ((تفسير الرسعني)) (8/632)، ((تفسير القرطبي)) (20/62)، ((تفسير البيضاوي)) (5/313)، ((تفسير النسفي)) (3/644)، ((تفسير ابن جزي)) (2/483)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 808)، ((تفسير العليمي)) (7/ 367)، ((تفسير أبي السعود)) (9/161)، ((تفسير الشوكاني)) (5/539)، ((تفسير الألوسي)) (15/351). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ في الجملةِ: ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، ومجاهدٌ، وقَتادةُ، والحسَنُ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/408)، ((تفسير الثعلبي)) (10/207)، ((البسيط)) للواحدي (24/15). وممَّن قال: إنَّ المعنى: خلَقْناه مُعتَدِلَ الخَلقِ والقامةِ، مُنتصِبًا قائمًا: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسمرقنديُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/701)، ((تفسير السمرقندي)) (3/582). قال ابن كثير: (وقولُه: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ رُويَ عن ابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ، وعِكْرِمةَ، ومُجاهِدٍ، وإبراهيمَ النَّخَعيِّ، وخَيْثَمةَ، والضَّحَّاكِ، وغيرِهم: يعني: مُنتَصِبًا، زاد ابنُ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه: في بَطنِ أمِّه. والكبَدُ: الاسْتِواءُ والاستِقامةُ. ومعنى هذا القولِ: لقد خلَقْنا الإنسانَ سَويًّا مستقيمًا، كقولِه: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ [الانفطار: 6، 7]، وكقولِه: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 4] ). ((تفسير ابن كثير)) (8/403). وقال ابنُ عُثَيمين: (فِي كَبَدٍ فيها مَعنيانِ: المعنى الأوَّلُ: في استِقامةٍ، يعني: أنَّه خُلِقَ على أكمَلِ وَجهٍ في الخِلْقةِ، مُستقيمًا يَمشي على قَدَمَيه، ويرفَعُ رَأْسَه وبَدَنَه مُعتَدِلًا، والبهائِمُ بالعَكْسِ؛ الرَّأسُ على حِذاءِ الدُّبُرِ، أمَّا بنو آدَمَ فالرَّأسُ مُرتَفِعٌ أعلى البَدَنِ، فهو كما قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين: 4] . وقيل: المرادُ بـ كَبَدٍ مُكابَدةُ الأشياءِ ومُعاناتُها، وأنَّ الإنسانَ يُعاني المشَقَّةَ في أمورِ الدُّنيا، وفي طَلَبِ الرِّزقِ، وفي إصلاحِ الحَرْثِ وغَيرِ ذلك، ويُعاني أيضًا معاناةً أشَدَّ مع نَفْسِه ومجاهَدتِها على طاعةِ اللهِ، واجتِنابِ مَعاصي اللهِ، وهذا الجِهادُ الَّذي هو أشَقُّ مِن مُعاناةِ طَلَبِ الرِّزقِ، ولا سيَّما إذا ابتُلِيَ الإنسانُ ببيئةٍ مُنحَرِفةٍ، وصار بيْنَهم غَريبًا؛ فإنَّه سيَجِدُ المشَقَّةَ في مُعاناةِ نَفْسِه، وفي مُعاناةِ النَّاسِ أيضًا). ثمَّ ذكَرَ القاعِدةَ: أنَّه إذا كانت الآيةُ تحتَمِلُ مَعنَيينِ فتُحمَلُ عليهما إذا لم يكُنْ بيْنَهما مُناقَضةٌ، ثمَّ قال: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ يَصِحُّ أن تكونَ الآيةُ شامِلةً للمعنَيَينِ، أي: في حُسنِ قامةٍ واستِقامةٍ، وفِي كَبَدٍ في مُعاناةٍ لِمَشاقِّ الأمورِ). ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 212، 213). وقيل: التَّعريفُ في الإنسان تَعريفُ الجِنسِ، والمرادُ به خُصوصُ أهلِ الشِّركِ، والمرادُ بالكَبَدِ: التَّعَبُ الَّذي يُلازِمُ أصحابَ الشِّركِ مِن اعتِقادِهم تعدُّدَ الآلهةِ، واضطرابِ رأيِهم في الجَمعِ بيْن ادِّعاءِ الشُّرَكاءِ لله تعالى وبيْن توَجُّهِهم إلى اللهِ بطَلَبِ الرِّزقِ وبطَلَبِ النَّجاةِ إذا أصابَهم ضُرٌّ، ومِن إحالَتِهم البَعْثَ بعْدَ المَوتِ، مع اعتِرافِهم بالخَلْقِ الأوَّلِ. قاله ابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/351). .
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5).
أي: أيَظُنُّ الإنسانُ أنَّه لن يَقهَرَه ويَغلِبَه أحَدٌ؟ فاللهُ غالِبُه وقاهِرُه، وهو قادِرٌ عليه وعلى بَعْثِه وعُقوبتِه [15] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/412)، ((تفسير السمرقندي)) (3/583)، ((تفسير القرطبي)) (20/64)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 37)، ((تفسير الجاوي)) (2/633)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/351). قال مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ: (يعني بالأحَدِ: اللهَ عزَّ وجَلَّ، يعني: نَفْسَه). ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/702). وقال البِقاعي: (أَحَدٌ أي: مِن أهلِ الأرضِ أو السَّماءِ، فيَغلِبَه؛ حتَّى إنَّه يُعانِدُ خالِقَه مع ما يَنظُرُ مِن اقتِدارِه على أمثالِه بنَفْسِه وبمَن شاء مِن جُنودِه، فيُعادي رُسُلَه عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ، ويَجحَدُ آياتِه!). ((نظم الدرر)) (22/52). قال القرطبي: (أي: أيَظُنُّ ابنُ آدَمَ أنْ لن يُعاقِبَه اللهُ عزَّ وجَلَّ؟!). ((تفسير القرطبي)) (20/64). ويُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/583). .
كما قال الله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة: 3-4] .
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6).
أي: يَقولُ هذا الإنسانُ المبَذِّرُ أموالَه في الباطِلِ وفي شَهَواتِه ومَلَذَّاتِه: أنفَقْتُ مالًا كَثيرًا [16] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/412)، ((تفسير القرطبي)) (20/64)، ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 37)، ((تفسير ابن كثير)) (8/404)، ((تفسير السعدي)) (ص: 925)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 213). قال ابنُ جرير: (أهلَكْتُ مالًا كثيرًا في عَداوةِ محمَّدٍ، فأنفَقْتُ ذلك فيه). ((تفسير ابن جرير)) (24/412، 413). وقال ابنُ عاشور: (كان أهلُ الجاهليَّةِ يتبجَّحونَ بإتلافِ المالِ ويَعُدُّونَه مَنقَبةً؛ لإيذانِه بقِلَّةِ اكتِراثِ صاحِبِه به). ((تفسير ابن عاشور)) (30/352). .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [النساء: 38] .
وقال سُبحانَه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال: 36] .
وقال عزَّ وجَلَّ: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 27] .
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7).
أي: أيَظُنُّ أنَّ اللهَ لم يَرَه حالَ إنفاقِ أموالِه في الباطِلِ، وأنَّه لن يُحاسِبَه ويُجازيَه على ذلك [17] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/702)، ((تفسير ابن جرير)) (24/414)، ((تفسير القرطبي)) (20/64)، ((تفسير ابن كثير)) (8/404)، ((تفسير الجاوي)) (2/633)، ((تفسير السعدي)) (ص: 925). ؟!
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا حكى سُبحانَه عن ذلك الكافِرِ قَولَه: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، أقام الدَّلالةَ على كَمالِ قُدرتِه؛ فقال تعالى [18] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/167). :
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8).
أي: ألَمْ نجعَلْ له عينَينِ يُبصِرُ بهما [19] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/415)، ((تفسير السمرقندي)) (3/583)، ((تفسير القرطبي)) (20/64)، ((تفسير ابن كثير)) (8/404)، ((تفسير السعدي)) (ص: 925). قال القرطبي: (المعنى: نحن فعَلْنا ذلك، ونحن نَقدِرُ على أنْ نبعَثَه ونُحصيَ عليه ما عَمِلَه). ((تفسير القرطبي)) (20/65). ؟
وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9).
أي: أوَلم نجعَلْ له لِسانًا وشفَتينِ يَستعينُ بهما على النُّطقِ أو غَيرِه مِنَ المنافِعِ [20] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/415)، ((تفسير السمرقندي)) (3/583)، ((تفسير القرطبي)) (20/64)، ((تفسير ابن كثير)) (8/404)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/55، 56)، ((تفسير السعدي)) (ص: 925)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/354)، ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 214). ؟
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10).
أي: وبَيَّنَّا له طريقَ الخَيرِ وطَريقَ الشَّرِّ [21] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (24/415، 419)، ((الوسيط)) للواحدي (4/490)، ((تفسير القرطبي)) (20/65)، ((تفسير ابن كثير)) (8/404)، ((تفسير السعدي)) (ص: 925). قال ابنُ تيميَّةَ: (المعنى: ألَمْ نُعَرِّفْه طريقَ الخَيرِ والشَّرِّ، ونُبَيِّنْه له كتَبيينِ الطَّريقَينِ العالِيَينِ؟). ((مجموع الفتاوى)) (10/580). وقال أبو حيَّانَ: (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ قال ابنُ مَسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ والجُمهورُ: طريقَ الخَيرِ والشَّرِّ. وقال ابنُ عبَّاسٍ أيضًا، وعليٌّ، وابنُ المسَيِّبِ، والضَّحَّاكُ: الثَّديَينِ؛ لأنَّهما كالطَّريقَينِ لحياةِ الوَلَدِ ورِزْقِه). ((تفسير أبي حيان)) (10/482). .

الفوائد التربوية:

1- في قَولِه تعالى: يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا أنَّه سُبحانَه سَمَّى الإنفاقَ في الشَّهَواتِ والمعاصي إهلاكًا، ووَجْهُه: أنَّه لا ينتَفِعُ المُنفِقُ بما أنفَقَ، ولا يَعودُ عليه مِن إنفاقِه إلَّا النَّدَمُ والخَسارُ والتَّعَبُ والقِلَّةُ، لا كمَن أنفَقَ في مَرضاةِ اللهِ في سَبيلِ الخَيرِ؛ فإنَّ هذا قد تاجَرَ مع الله، ورَبِحَ أضعافَ أضعافِ ما أنفَقَ [22] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 925). .
2- في قَولِه تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ أعقَبَ سُبحانَه ما به اكتِسابُ العِلمِ، وما به الإبانةُ عن المعلوماتِ بما يُرشِدُ الفِكرَ إلى النَّظَرِ والبَحثِ، وذلك قَولُه: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ، فاستكمَلَ الكلامُ أُصولَ التَّعَلُّمِ والتَّعليمِ؛ فإنَّ الإنسانَ خُلِقَ مُحِبًّا للمَعرفةِ محِبًّا للتَّعريفِ، فبِمَشاعِرِ الإدراكِ يكتَسِبُ المُشاهَداتِ -وهي أصولُ المعلوماتِ اليَقينيَّةِ-، وبالنُّطقِ يُفيدُ ما يَعْلَمُه لغيرِه، وبالهَدْيِ إلى الخَيرِ والشَّرِّ يُمَيِّزُ بيْنَ مَعلوماتِه ويُمَحِّصُها [23] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/354). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ سؤالٌ: أنَّ هذه الآيةَ الكريمةَ يتبادَرُ مِن ظاهِرِها أنَّه تعالى أخبَرَ بأنَّه لا يُقسِمُ بهذا البلَدِ الَّذي هو مكَّةُ المكَرَّمةُ، مع أنَّه تعالى أقسَمَ به في قَولِه تعالى: وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين: 3] .
الجوابُ مِن أوجُهٍ:
الأوَّلُ -وعليه الجُمهورُ-: أنَّ «لا» هنا صِلةٌ على عادةِ العرَبِ؛ فإنَّها رُبَّما لَفَظَت «لا» مِن غيرِ قَصدِ معناها الأصليِّ، بل لِمُجَرَّدِ تقويةِ الكلامِ وتوكيدِه، كقَولِه: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ [طه: 92-93] يعني: أن تتَّبِعَني.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّ «لا» نَفيٌ لكلامِ المُشرِكينَ المكَذِّبينَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقَولُه: أُقْسِمُ إثباتٌ مُستأنَفٌ، وهذا القَولُ وإن قال به كثيرٌ مِن العُلَماءِ فليس بوَجيهٍ؛ لِقَولِه تبارك وتعالى في سورةِ (القيامةِ): وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة: 2] ؛ لأنَّ قَولَه تعالى: وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ يدُلُّ على أنَّه لم يُرِدِ الإثباتَ المؤتَنِفَ بعدَ النَّفيِ بقَولِه: أُقْسِمُ.
الوَجهُ الثَّالِثُ: أنَّها حَرفُ نَفيٍ أيضًا، ووَجْهُه أنَّ إنشاءَ القَسَمِ يتضَمَّنُ الإخبارَ عن تعظيمِ المقسَمِ به، فهو نفيٌ لذلك الخبَرِ الضِّمنيِّ على سبيلِ الكِنايةِ، والمرادُ أنَّه لا يَعظُمُ بالقَسَمِ، بل هو نَفْسُه عظيمٌ أُقسِمَ به أوْ لا.
الوَجهُ الرَّابِعُ: أنَّ اللَّامَ لامُ الابتِداءِ أُشبِعَت فتحتُها، وأصلُ الكلامِ: لَأُقْسِمُ، والعرَبُ رُبَّما أشبعَتِ الفَتحةَ بألِفٍ، والكسرةَ بياءٍ، والضَّمَّةَ بواوٍ [24] يُنظر: ((دفع إيهام الاضطراب)) للشنقيطي (ص: 263-266). وذكَرَ الشنقيطيُّ أنَّ القولَ الثَّالثَ لا يخلو مِن بُعدٍ. .
2- في قَولِه تعالى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ سؤالٌ عن قَسَمِ اللهِ تعالى بهذه المخلوقاتِ، وقد نُهِينا عن القَسَمِ بغيرِه.
والجوابُ عنه مِن وَجهينِ:
الأوَّلُ: أنَّ هذا مِن فِعْلِ اللهِ تعالى، واللهُ لا يُسْأَلُ عمَّا يَفعَلُ، وله أنْ يُقسِمَ سُبحانَه بما شاء مِن خَلْقِه، وهو سائلٌ غيرُ مَسؤولٍ، وحاكمٌ غيرُ محكومٍ عليه.
الثَّاني: أنَّ قَسَمَ اللهِ بهذه الآياتِ دليلٌ على عَظَمتِه وكمالِ قُدرتِه وحِكمتِه، فيكونُ القَسَمُ بها الدَّالُّ على تعظيمِها ورَفْعِ شأنِها مُتضمِّنًا للثَّناءِ على اللهِ عزَّ وجلَّ بما تَقتَضيه مِن الدَّلالةِ على عَظَمتِه، وأمَّا نحن فلا نُقسِمُ بغيرِ اللهِ أو صِفاتِه؛ لأنَّنا مَنهيُّونَ عن ذلك [25] يُنظر: ((القول المفيد على كتاب التوحيد)) لابن عثيمين (2/214). .
3- في قَولِه تعالى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ تَضَمَّنَ القَسَمُ أصلَ المكانِ وأصلَ السُّكَّانِ؛ فمَرجِعُ البلادِ إلى مكَّةَ، ومَرجِعُ العِبادِ إلى آدمَ [26] يُنظر: ((التبيان في أقسام القرآن)) لابن القيم (ص: 35). . وذلك على قولٍ.
4- في قَولِه تعالى: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ استَدَلَّ به مَن مَنَعَ قِتالَ البُغاةِ فيه [27] يُنظر: ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 289). لا خِلافَ بيْن الفُقهاءِ في أنَّ مَن دخَل مِن البُغاةِ الحرَمَ مُقاتِلًا وبدأ القِتالَ فيه أنَّه يُقاتَلُ، لكنِ اختلَفوا في قتالِهم في الحرَمِ إذا لم يَبدَؤوا بالقتالِ. يُنظر: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (17/189). . وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ.
5- في قَولِه تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ إشارةٌ إلى أنَّه ليس في الدُّنيا إلَّا الكَدُّ والمِحْنةُ [28] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (31/166). .
6- قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ هذا الدَّليلُ العقليُّ القاطعُ فيه تنبيهٌ أنَّ الَّذي جَعَلَك تُبْصِرُ وتَتكلَّمُ وتَعلَمُ: أَولى أنْ يكونَ بَصيرًا متكَلِّمًا عالِمًا، فأيُّ دليلٍ عقليٍّ قَطعيٍّ أقوى مِن هذا وأبْيَنُ وأقرَبُ إلى المعقولِ [29] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (3/915). ؟!
7- في قَولِه تعالى: وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ذِكْرُ الشَّفَتينِ مع اللِّسانِ؛ لأنَّ الإبانةَ تَحصُلُ بهما معًا، فلا ينطِقُ اللِّسانُ بدونِ الشَّفَتينِ، ولا تنطِقُ الشَّفتانِ بدونِ اللِّسانِ. ومِن دقائِقِ القرآنِ الكريمِ أنَّه لم يقتَصِرْ على اللِّسانِ ولا على الشَّفَتينِ، خِلافَ عادةِ كلامِ العرَبِ أن يقتَصِروا عليه؛ يقولون: «يَنطِقُ بلِسانٍ فَصيحٍ»، ويقولون: «لم ينطِقْ ببِنتِ شَفَةٍ» أو «لم يَنبِسْ ببِنتِ شَفَةٍ»؛ لأنَّ المقامَ مَقامُ استِدلالٍ، فجيءَ فيه بما لَه مزيدُ تصويرٍ لخَلْقِ آلةِ النُّطقِ [30] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/354). .

بلاغة الآيات:

1- قولُه تعالَى: لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ
- ابتُدِئَت السُّورةُ الكريمةُ بالقسَمِ؛ تَشويقًا لِما يَرِدُ بعْدَه، وأُطِيلَت جُملةُ القسَمِ؛ زِيادةً في التَّشويقِ [31] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/346). .
- والإشارةُ بـ (هذا) مع بَيانِه بـ الْبَلَدِ إشارةٌ إلى حاضرٍ في أذهانِ السَّامِعينَ، كأنَّهم يَرَونه؛ لأنَّ رُؤيتَه مُتكرِّرةٌ لهم، وهو بلَدُ مَكَّةَ، وفائدةُ الإتيانِ باسمِ الإشارةِ تَمييزُ المُقسَمِ به أكمَلَ تَمييزٍ؛ لقصْدِ التَّنويهِ به [32] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/346). .
- والقسَمُ بالبَلدةِ -مع أنَّها لا تدُلُّ على صِفةٍ مِن صِفاتِ الذَّاتِ الإلهيَّةِ، ولا مِن صِفاتِ أفعالِه-؛ كِنايةٌ عن تَعظيمِ اللهِ تعالَى إيَّاها وتَفضيلِها [33] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/347). .
- وفيه مُناسَبةٌ حسَنةٌ، حيثُ قال تعالَى في سُورةِ (التِّينِ): وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين: 3] ، ولم يَصِفْه -هنا- بالأمْنِ؛ لأنَّه لا يُناسِبُ سِياقَ المشَقَّةِ، بخِلافِ ما في (التِّينِ)؛ فإنَّ المرادَ هناك الكَمالاتُ [34] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (22/46). .
- وجُملة وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ مُعترِضةٌ لتَسليتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالوعْدِ بفتْحِه، على مَعْنى: وأنتَ حِلٌّ بهِ في المُستقبَلِ، و(أنت) على هذا الوجْهِ مِن بابِ التَّقديمِ للاختِصاصِ، وقيل غيرُ ذلك [35] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/753، 754)، ((تفسير البيضاوي)) (5/313)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/440، 441)، ((تفسير أبي حيان)) (10/479، 480)، ((تفسير أبي السعود)) (9/160)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/485). . والمقصودُ مِن الاعتراضِ يَختلِفُ باختلافِ مَحمَلِ معْنى وَأَنْتَ حِلٌّ [36] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/347). .
- وتَكريرُ لَفظِ بِهَذَا الْبَلَدِ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ؛ لقصْدِ تَجديدِ التَّعجيبِ، ولقَصْدِ تَأكيدِ فتْحِ ذلك البلدِ العزيزِ عليه، والشَّديدِ على المشرِكين أنْ يَخرُجَ عن حَوزتِهِم [37] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/349). .
وقيل: إنَّه لمْ يُكرِّرْه؛ إذِ التَّقديرُ: لا أُقسِمُ بهذا البلدِ المحرَّمِ الَّذي جُبِلَت العرَبُ على تَعظيمِه وتَحريمِه، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ، أي: أُحِلَّ لك فيه مِن حُرُماتِه ما لمْ يَحِلَّ لأحدٍ قبْلَك ولا بعْدَك؛ مِن قتْلِ ابنِ خَطَلٍ، وقِتالِ المشركين ساعةً مِن نَهارٍ، فالمرادُ بالبلدِ الأوَّلِ الباقي على تَحريمِه، وبالثَّاني الَّذي أُحِلَّ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إكرامًا له، وتَعظيمًا لمَنزلتِه [38] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 612). .
- قولُه: وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ نُكِّرَ الوالدُ والولَدُ للإبهامِ المُستقِلِّ بالمدْحِ والتَّعجُّبِ، وجِيءَ باسمِ الموصولِ (ما) في قولِه: وَمَا وَلَدَ دونَ (مَن)، مع أنَّ (مَن) أكثَرُ استعمالًا في إرادةِ العاقلِ، وهو مُرادٌ هنا؛ فعُدِلَ عن (مَن)؛ لأنَّ (ما) أشدُّ إبهامًا، فأُرِيدَ تَفخيمُ أصحابِ هذه الصِّلةِ، فجِيءَ لهم بالمَوصولِ الشَّديدِ الإبهامِ؛ لإرادةِ التَّفخيمِ، ونَظيرُه قولُه تعالَى: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ [آل عمران: 36] ، يعْني: مَولودًا عَجيبَ الشَّأنِ، ولأنَّ قُوَّةَ الإبهامِ في (ما) أنسَبُ بإرادةِ الجَماعةِ دونَ واحدٍ مُعيَّنٍ [39] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/754)، ((تفسير البيضاوي)) (5/313)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (16/443)، ((تفسير أبي حيان)) (10/481)، ((تفسير أبي السعود)) (9/160)، ((تفسير ابن عاشور)) (30/349، 350). .
2- قولُه تعالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ الجُملةُ جَوابُ القَسَمِ، وهو الغرَضُ مِن السُّورةِ [40] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/350). .
- قولُه: فِي كَبَدٍ، أي: تعَبٍ ومَشقَّةٍ، وهو تَسليةٌ للرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ممَّا كان يُكابِدُه مِن قُرَيشٍ [41] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/313)، ((تفسير أبي السعود)) (9/161). .
3- قولُه تعالَى: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا * أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ
- قولُه: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ الهَمزةُ للإنكارِ والتَّوبيخِ والتَّخطئةِ [42] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/352)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/487). .
- وفي قولِه: يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا أُعقِبَت مَساوي نفْسِه بمَذامِّ أقوالِه، وهو التَّفخُّرُ الكاذبُ، والتَّمدُّحُ بإتلافِ المالِ في غيرِ صَلاحٍ [43] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/352). .
- قولُه: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ الاستِفهامُ للإنكارِ والتَّوبيخِ [44] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/353)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/488). .
- وأيضًا قولُه: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ كِنايةٌ عن عِلمِ اللهِ تعالَى بدَخيلتِه، وأنَّ افتِخارَه بالكرَمِ باطلٌ [45] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/353). .
4- قولُه تعالَى: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ
- قولُه: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ تَعليلٌ للإنكارِ والتَّوبيخِ في قولِه: أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ [البلد: 5] ، أو قولِه: أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ [البلد: 7] ، أي: هو غافلٌ عن قُدرةِ اللهِ تعالَى، وعن عِلمِه المُحيطِ بجَميعِ الكائناتِ الدَّالِّ عليهما أنَّه خلَقَ مَشاعرَ الإدراكِ، الَّتي منها العَينانِ، وخلَقَ آلاتِ الإبانةِ، وهي اللِّسانُ والشَّفتانِ، فكيف يكونُ مُفيضُ العِلمِ على النَّاسِ غيرَ قادرٍ وغيرَ عالِمٍ بأحوالِهم [46] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/353). ؟!
- قولُه: أَلَمْ نَجْعَلْ الهَمزةُ للاستِفهامِ، ويجوزُ أنْ يكونَ هذا الاستِفهامُ تَقْريريًّا، وأنْ يكونَ إنكاريًّا [47] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/353)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/488). .
- والاقتِصارُ على العَينينِ؛ لأنَّهما أنفَعُ المشاعِرِ، ولأنَّ المُعلَّلَ إنكارُ ظنِّه أنْ لم يَرَه أحدٌ [48] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/354). .
- قولُه: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ النَّجْدُ: الأرضُ المرتفِعةُ ارتفاعًا دُونَ الجبَلِ، وعُبِّرَ بالنَّجْدَينِ عن الخَيرِ والشَّرِّ، وجُعِلَا نَجْدينِ؛ لصُعوبةِ اتِّباعِ أحدِهما، وهو الخيرُ، فغُلِّبَ على الطَّريقَينِ. أو لأنَّ كلَّ واحدٍ صعْبٌ باعتبارٍ؛ فطَريقُ الخَيرِ صُعوبتُه في سُلوكِه، وطَريقُ الشَّرِّ صُعوبتُه في عَواقبِه؛ ولذلك عُبِّرَ عنه بعْدَ هذا بـ الْعَقَبَةَ [49] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/355)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/490). [البلد: 11] .
- وأُدمِجَ في هذا الاستِدلالِ امتِنانٌ على الإنسانِ بما وُهِبَه مِن وَسائلِ العَيشِ المُستقيمِ [50] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (30/355). .