موسوعة التفسير

سُورةُ الأنعامِ
الآيات (132-135)

ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ

غريب الكلمات :

وَيَسْتَخْلِفْ: أي: يأتِ بِخَلْقٍ وأُمَمٍ يَخْلُفونَ غيرَهم في الأرضِ، والخِلافةُ النِّيابةُ عن الغَير؛ يقال: خَلَفَ فلانٌ فلانًا: قام بالأمْرِ عنه، إمَّا معه وإمَّا بَعدَه، وأَصْلُ (خلف): مجيءُ شيءٍ بعدَ شيء يقومُ مقامَه [2013] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/565)، (( مقاييس اللغة)) (2/210)، ((المفردات)) للراغب (ص: 294). .
مَكَانَتِكمْ: أي: مكانِكم، أو مواضِعكم، أو ناحِيَتِكم، أو ما أنتم عليه [2014] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 160)، ((المفردات)) للراغب (ص: 772)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 103)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 198)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 875). .
يُفْلِحُ: أي: يظْفَرُ ويُدرِكُ بُغْيتَه؛ فأصل الفَلَاح: الظَّفَرُ، وإدراكُ البُغية، والبقاءُ [2015] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (1/39)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (1/432)، ((المفردات)) للراغب (ص: 644)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 48). .

المعنى الإجمالي :

يخبِرُ تعالى أنَّ لكُلِّ النَّاسِ منازِلَ ومراتِبَ في الآخِرَةِ، يستحقُّونها بحَسَبِ أعمالِهم؛ إنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ، ولا يخفى على اللهِ من أعمالِ البَشَرِ شيءٌ.
ثم خاطب اللهُ نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قائلًا له: وربُّك- يا مُحمَّدُ- هو الغنيُّ ذو الرَّحمةِ؛ إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكم- أيُّها النَّاسُ- ويستخلِفْ مِن بَعْدِكم قومًا آخرينَ، يعملونَ بطاعَتِه؛ كما أوجَدَكم مِن نَسْلِ قومٍ آخرينَ كانوا قَبلَكم.
ثم بَيَّنَ تعالى أنَّ ما يتوعَّدُ به عزَّ وجلَّ المشركينَ مِن العذابِ؛ فإنَّه آتٍ لا محالةَ، وما هم بمُعجزينَ.
ثم أمَرَ اللهُ نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُخبِرَ قَومَه مِن مُشْركي قريشٍ إذا دعاهم إلى اللهِ فلم يَنْقادُوا لدَعْوَتِه: أنْ يَعْمَلوا ما هم عامِلونَ على حالَتِهم التي هُم عليها، وارتَضَوْها لأنفُسِهم، وأنَّه عامِلٌ بما أمَرَه ربُّه، وأنَّهم سَوْفَ يعلمونَ عند نزولِ نِقْمةِ اللهِ بهم، أيُّهم أصابَ طريقَ الهُدى، فتكون له العاقبةُ الحسَنَةُ في الدُّنيا والآخرة؛ أهمُ المؤمنونَ، أم المشركونَ، فإنَّه لا يُفلِحُ الظَّالمونَ.

تفسير الآيات :

وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132).
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
لَمَّا شَرَحَ تعالى أحوالَ أهلِ الثَّوابِ والدَّرَجاتِ، وأحوالَ أهلِ العقابِ والدَّرَكات، في الآياتِ السَّابقة؛ ذكر كلامًا كليًّا، فقال [2016] ينظر: ((تفسير الرازي)) (13/153). :
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ.
أي: ولكُلِّ النَّاسِ: كافرينَ ومُؤمنينَ، طائعينَ وعاصينَ؛ منازِلُ ومراتِبُ في الآخرةِ، يستحِقُّونها بحسَبِ أعمالِهم؛ يُبَلِّغُهم اللهُ تعالى إيَّاها، ويُثِيبُهم بها؛ إنْ خيرًا فخيرٌ، وإن شَرًّا فشَرٌّ [2017] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/564)، ((جامع رسائل)) لابن تيمية (1/116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/298). .
قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء: 21] .
وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ.
أي: وكلُّ ما يعمَلُه النَّاسُ- يا مُحمَّدُ- لا يخفى على ربِّك؛ فهو يعلَمُ أعمالَهم، ويُحْصِيها عليهم، ويُثْبِتُها لهم عِنْدَه؛ ليُجِازِيَهم بها يومَ القيامةِ، وذلك بحَسَب أعمالِهم ومقاصِدِهم من خيرٍ أو شرٍّ [2018] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/564)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/299-300). .
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133).
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
لَمَّا بيَّنَ تعالى ثَوابَ أصحابِ الطَّاعاتِ، وعقابَ أصحابِ المعاصي والمحرَّمات، وذَكَرَ أنَّ لكلِّ قومٍ درجةً مخصوصةً، ومرتبةً مُعَيَّنةً- بَيَّنَ أنَّ تخصيصَ المُطيعينَ بالثَّوابِ، والمُذنبينَ بالعذابِ؛ ليس لأجْلِ أنَّه مُحتاجٌ إلى طاعةِ المُطيعينَ، أو ينتقِصُ بمعصيةِ المُذنبينَ، فطَلَبُ العبادةِ للائتمارِ والانتهاءِ ربَّما أوهَمَ الحاجَةَ إليها؛ لنَفْعٍ في الطَّاعَةِ، أو ضَرَرٍ يلحَقُه سبحانه من المعْصِيَةِ، وكان الإمهالُ مع المبارَزَة ربُّما ظُنَّ أنَّه عن عجزٍ، فقال تعالى مُرَغِّبًا مُرَهِّبًا [2019] ينظر: ((تفسير الرازي)) (13/153، 154)، ((تفسير أبي حيان)) (4/651)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/275). :
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ.
أي: وربُّك- يا مُحمَّد- غنيٌّ عن عبادِه، وعن أعمالِهم وعبادَتِهم إيَّاه؛ فلا تنفَعُه طاعةُ الطَّائعينَ، كما لا تَضُرُّه معصيةُ العاصينَ، وهم الفقراءُ المحتاجونَ إليه؛ فلم يخْلُقْهم، ولم يأمُرْهم بما أمَرَهم به، ويَنْهَهم عمَّا نهاهم عنه؛ لحاجةٍ إليهم وإلى أعمالِهم، ولكنْ ليتَفضَّلَ عليهم برَحْمَتِه، ويُثيبَهم على إحسانِهم إنْ أَحْسَنوا [2020] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/564-565)، ((تفسير ابن كثير)) (3/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/300-305). .
كما قال تعالى: وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38] .
وقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر: 15-17] .
وعن أبي ذرٍّ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّهُ قال: ((... يا عبادِي، إنَّكم لن تبلُغُوا ضُرِّي فتَضُرُّوني، ولن تبْلُغوا نَفْعِي فتنفَعوني. يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم، وإِنْسَكم وجِنَّكم؛ كانوا على أتقى قَلْبِ رجلٍ واحدٍ منكم؛ ما زاد ذلك في مُلْكي شيئًا. يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم، وإنْسَكم وجِنَّكم؛ كانوا على أفجَرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ؛ ما نقص ذلك مِن مُلْكِي شيئًا... )) [2021] رواه مسلم (2577). .
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء.
أي: إنْ يشَأْ يُذْهِبْكم- أيُّها الَّناسُ- بإهلاكِكم وإفنائِكم إذا خالَفْتُم أمْرَه، ويستخْلِفْ مِن بَعْدِكم قومًا آخرينَ؛ يعملونَ بطاعَتِه، فهو قادِرٌ على ذلك سبحانه [2022] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/565)، ((تفسير ابن كثير)) (3/342)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (4/188). .
كما قال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر: 15-17] .
كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ.
أي: كما أوجَدَكم مِن نَسْلِ خَلْقٍ آخرينَ كانوا قبْلَكم؛ فكما أذْهَبَ القرونَ الأُولَى، وأتى بالتي بَعْدَها؛ كذلك هو قادرٌ على إذهابِكم، والإتيانِ بآخَرينَ [2023] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/565)، ((تفسير ابن كثير)) (3/342). .
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (134).
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
أنَّ الله تعالى بعدَ أنْ أَنذَرَهم عذابَ الدُّنيا وهلاكَهم فيها؛ أنذَرَهم عذابَ الآخرةِ، على سُنَّةِ القرآنِ في الجمْعِ بينهما [2024] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/102). ، فقال تعالى:
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ.
أي: إنَّ الذي يُوعِدُكم به ربُّكم- أيُّها المشركون- من العذابِ والتَّنكيلِ على كُفْرِكم؛ واقعٌ بكم لا مَحالةَ [2025] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/566)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/308). قال القرطبيُّ: (قوله تعالى: إنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ يَحتمِل أن يكون مِن» أَوْعَدْت» في الشَّرِّ، والمصدر الإيعادِ. والمراد عذابُ الآخرة. ويحتَمِل أن يكون مِن» وَعَدْت» على أن يكون المرادُ السَّاعة التي في مجيئِها الخيرُ والشَّرُّ، فغُلِّبَ الخيرُ) ((تفسير القرطبي)) (7/88). وقال ابن عاشور: (ومِن بديعِ الفصاحةِ اختيارُ بنائِه للمجهول؛ ليصْلُحَ لفظُه لحال المؤمنين والمشركين، ولو بُنِيَ للمعلومِ لتَعَيَّن فيه أحدُ الأمرينِ: بأن يقال: إنَّ ما نَعِدُكم، أو إنَّ ما نُوعِدُكم، وهذا من بديع التوجيهِ المقصودِ منه أن يأخُذَ منه كلُّ فريقٍ من السَّامعينَ ما يليقُ بحالِه، ومعلومٌ أنَّ وعيدَ المشركينَ يَستلزِمُ وعدًا للمؤمنين، والمقصودُ الأهَمُّ هو وعيدُ المشركين؛ فلذلك عُقِّبَ الكلامُ بقوله: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ، فذلك كالتَّرشيحِ لأحد المحتَمَلينِ من الكلامِ الموجَّه) ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/88). .
وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ.
أي: ولن تُعجِزوا اللهَ تعالى هربًا منه في الأرضِ؛ فتَفُوتُوه، بل أنتم في قَبْضَتِه، وتحت قَهْرِه وسُلطانِه، وهو قادرٌ على أن يُنْفِذَ فيكم ما يشاءُ مِن وَعيدِه [2026] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/566)، ((تفسير ابن كثير)) (3/343)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/309). .
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (135).
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ.
أي: قل- يا مُحمَّدُ- لقومِك مِن مُشرِكي قريشٍ إذا دعَوْتَهم إلى اللهِ، وبَيَّنْتَ ما لهم وما عليهم من حُقوقِه، فامتَنَعُوا من الانقيادِ لأمْرِه، واتَّبَعوا أهواءَهم، واستَمَرُّوا على شِرْكِهم: اعملوا- يا قومي- ما أنتم عامِلونَ، على حالَتِكم التي أنتم عليها، ورَضِيتُموها لأنفُسِكم؛ فإنِّي عامِلٌ ما أنا عامِلُه مِمَّا أَمَرَني به ربِّي، ومُتَّبِعٌ لمراضِيه؛ فاستَمِرُّوا على طريقِكم وناحِيَتِكم، إن كُنْتم تظنُّونَ أنَّكم على هُدًى، وأنا مستمِرٌّ على طريقَتي ومنهَجي، ولا يَضُرُّني تصميمُكم على ما أنتم عليه [2027] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/567)، ((تفسير ابن كثير)) (3/343)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/91). .
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ.
أي: فسوف تَعْلَمونَ- أيُّها الكُفَّارُ- عند نزولِ نِقْمةِ الله بكم: أيُّنا كان المحِقَّ في عَمَلِه، والمصيبَ طريقَ الهدى، فتكون له العاقبةُ الحَسَنَة في الدُّنيا والآخرةِ، أتكونُ لنا نحن المؤمنينَ، أو لكم أيُّها المشركونَ [2028] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/568)، ((تفسير ابن عطية)) (2/348)، ((تفسير ابن كثير)) (3/343)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/91-93). .
كما قال تعالى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر: 51-52] .
وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105] .
وقال سبحانه: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم: 13-14] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور: 55] .
إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ.
أي: إنَّه لا ينجَحُ ولا يفوزُ بحاجَتِه عند الله، مَن عَمِلَ بخلافِ ما أمَرَه به في الدُّنيا؛ فكُلُّ ظالمٍ وإن تَمَتَّع في الدُّنيا بما تمتَّعَ به، فنهايَتُه إلى زوالٍ واضمحلالٍ [2029] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/568)، ((تفسير السعدي)) (ص: 274). .
والمراد: ستكونُ عُقبى الدَّارِ للمُسلمينَ، لا لكم؛ لأنَّكم ظالِمونَ [2030] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/93). .
عن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ اللهَ لَيُمْلِي للظَّالمِ [2031] أي: يُمهِلُه ويؤخِّرُه حتى يكْثُرَ منه الظُّلْمُ. والإملاءُ: الإمهالُ والتَّأخيرُ، وإطالةُ العُمُرِ؛ مأخوذٌ مِنَ المُلاوَةِ، وهي الحِينُ من الدَّهْرِ. ومنه (الـمـَلِيُّ) الزَّمانُ الطَّويلُ، و (الـمـَلَوانِ) اللَّيل والنَّهارُ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/363)، ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (8/3200). ، حتى إذا أخَذَه لم يُفْلِتْهُ. قال: ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)) [2032] رواه البخاري (4686). .

الفوائد التربوية :

.

الفوائد العلمية واللطائف :

1- قولُ اللهِ تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا استدَلَّ به من قال: إنَّ الجِنَّ يدخُلونَ الجنَّةَ ويُثابونَ [2034] ينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/86)، ((الإكليل)) للسيوطي (ص: 121). .
2- قولُ اللهِ تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا فيه أنَّ الخيرَ والشَّرَّ درجاتٌ؛ فالكُفْرُ والفُسوقُ والمعاصي درجاتٌ، كما أنَّ الإيمانَ والعَمَلَ الصَّالِحَ درجاتٌ [2035] ينظر: ((جامع الرسائل)) لابن تيمية (1/133)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (2/147). .
3- في قَوْلِه تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا غلَّب لفظَ دَرَجَاتٍ بدلًا عن دَرَكاتٍ؛ لِنُكتةِ الإشعارِ ببِشارَةِ المؤمنينَ بعد نِذارَةِ المُشركينَ [2036] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/84). .
4- قولُه تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ ناسَبَ قولَه ذُو الرَّحْمَةِ؛ فقد كان يجوزُ أنْ يَظُنَّ ظانٌّ أنَّه وإن كان ذا الرَّحمةِ إلَّا أنَّ لرَحْمَتِه مَعْدِنًا مخصوصًا، وموضعًا مُعَيَّنًا؛ فبَيَّنَ تعالى أنَّه قادِرٌ على وضْعِ الرَّحمةِ في هذا الخَلْقِ، وقادِرٌ على أن يخلُقَ قومًا آخرينَ، ويضَعَ رَحْمَته فيهم، وعلى هذا الوجهِ يكون الاستغناءُ عن العالَمينَ أكملَ وأتمَّ [2037] ينظر: ((تفسير الرازي)) (13/156). .
5- قوله تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ فيه التَّحذيرُ مِن بَطْشِ اللهِ في التَّعجيلِ بذلك [2038] ينظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/652). .
6- وصْفُ قومٍ بـ آخَرِينَ للدَّلالةِ على المغايرةِ؛ أي: قَوم لَيْسُوا من قبائِلِ العَربِ، وذلك تنبيهٌ على عظيمِ قُدرةِ الله تعالى؛ أن يُنْشِئ أقوامًا من أقوامٍ يخالفُونَهم في اللُّغَة والعوائِدِ والمواطِنِ، وهذا كنايةٌ عن تباعُدِ العُصورِ، وتسلسُلِ الْمُنْشَآت؛ لأنَّ الاختلافَ بينَ الأُصولِ والفُروعِ لا يحدُثُ إلَّا في أزمنةٍ بعيدةٍ، فشتَّانَ بين أحوالِ قَومِ نوحٍ، وبين أحوالِ العَرَبِ المخاطَبينَ، وبين ذلك قرونٌ مختلفةٌ متباعِدَةٌ [2039] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/87). .
7- قوله: يَا قَوْمِ في هذا النِّداءِ ضَرْبٌ من الاستمالةِ للكفَّار الَّذين خُوطِبوا بالدَّعوة أوَّلًا، بما يُذَكِّرُهم بأنَّهم قومُ الرَّسولِ الَّذين يحبُّهم، ويحرِصُ على خَيرِهم ومنفَعَتِهم، بباعِثِ الفِطرةِ والتَّربيةِ والمنافِعِ المشترَكَة، وقد كانتِ النَّعْرَةُ القوميَّةُ عند العَرَبِ أَقْوَى منها عند المَعروفِ حالُهم اليومَ مِن سائِرِ الأُممِ، فكان نداؤُهم بِقَوْلِه: يَا قَوْمِ جديرًا بأنْ يحرِّكَ هذه العاطِفَةَ في قُلوبِهم، فتَحْمِلَ المستعِدَّ على الإصغاءِ لِمَا يقولُ، والتأمُّلِ فيه [2040] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/103). .
8- قولُ اللهِ تعالى: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ أي: فسوف تعرفونَ الفريقَ الذي تكونُ له العاقبةُ الحُسنى التي خَلَقَ اللهُ هذه الدارَ الدُّنيا لها، وهذا طريقٌ من الإنذارِ لطيفُ المسلكِ: فيه إنصافٌ في المقالِ، وأدبٌ حَسَنٌ مع تضمُّنِ شِدَّةِ الوعيدِ والوثوقِ بأنَّ المنذِرَ مُحِقٌّ، وأن المُنذَرَ مُبطِلٌ [2041] ينظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/104). .
9- قوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ يُوهِمُ أنَّ الكافِرَ ليست له عاقبةُ الدارِ، وذلك مُشكِلٌ، فكيف الجوابُ عنه؟ الجواب: العاقِبَةُ تكونُ على الكافِرِ، ولا تكون له كما يقال: له الكثرةُ ولهم الظَّفَرُ، وفي ضِدِّه يقال: عليكُمُ الكَثْرَةُ والظَّفَرُ [2042] ينظر: ((تفسير الرازي)) (13/157). .

بلاغة الآيات :

1- قوله: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
- في قَوْلِه تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ احتراسٌ على قوله: ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ؛ للتنبيهِ على أنَّ الصَّالحينَ مِن أهْلِ القرى الغالِبِ على أهلِها الشِّرْكُ والظُّلْمُ؛ لا يُحرَمونَ جزاءَ صَلاحِهم [2043] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/83). .
- قوله: وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيه: تعريضٌ بالوعيدِ للمُشْركينَ [2044] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/84). .
2- قوله: وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ فيه: كنايةٌ عن غِناه تعالى عن إيمانِ الـمُشْركينَ وموالاتِهم، وكنايةٌ عن رَحمَتِه؛ إذ أمهَلَ المشركينَ، ولم يُعَجِّلْ لهم العذابَ [2045] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/85). .
- وفيه: إظهارٌ في مقامِ الإضمارِ؛ إذ مقتضى الظَّاهِرِ أن يقال: (وهو الغنيُّ ذو الرَّحمةِ)، فخُولِفَ مقتضى الظَّاهِر؛ لِمَا في اسمِ الرَّبِّ من دَلالةٍ على العِنايةِ بصلاحِ المربوبِ، ولتكونَ الجملةُ مستقلَّةً بنَفْسِها، فتسيرُ مَسْرَى الأَمْثالِ والحِكَم [2046] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/85). .
- وفيه الحصرُ أو القصْرُ، أي: وربُّك هو الغنيُّ الكامِلُ الغِنى، وذو الرَّحْمَةِ الكاملةِ الشَّامِلَة، التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ [2047] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/275)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (8/99).
3- قوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ فيه: استئنافٌ لتَهْديدِ المشركينَ الَّذين كانوا يُكَذِّبون الإنذارَ بعذابِ الإِهْلاكِ [2048] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/86). .
- وفيه إيجازٌ بالحَذْفِ؛ إذ إنَّ مفعولَ: يَشَأْ محذوفٌ على طريقَتِه المألوفةِ في حذْفِ مفعولِ المشيئةِ [2049] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/87). .
- والسينُ والتَّاءُ في قوله: وَيَسْتَخْلِفْ للتأكيدِ [2050] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/87). .
- وفيه: تعريضٌ بإهلاكِ المشركينَ، ونجاةِ المؤمنينَ من العذابِ [2051] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/87). .
- وقوله: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ الجملةُ الشرطيَّةُ استئنافٌ مقرِّرٌ لمَضْمونِ ما قَبْلَها مِنَ الغِنى والرَّحمةِ [2052] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/187). .
4- قوله: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ فيه: استئنافٌ بيانيٌّ؛ جوابًا عن أن يقولَ سائلٌ من الـمُشركينَ: إذا كنَّا قد أُمْهِلْنا وأُخِّرَ عنا الاستئصالُ، فقد أفْلَتْنَا مِنَ الوعيدِ، ولعلَّه يَلْقاه أقوامٌ بَعْدَنا، فوَرَدَ قَوْلُه: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [2053] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/88). .
- والتأكيدُ بـ(إنَّ) مناسِبٌ لمقامِ المترَدِّدِ الطَّالبِ، وزيادةُ التأكيدِ بلامِ الابتداءِ في لَآتٍ؛ لأنَّهم متوَغِّلونَ في إنكارِ تحقُّقِ ما أُوعِدُوا به من حصولِ الوعيدِ واستسخارِهم به [2054] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/88). .
- قوله: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ فيه: إيثارُ صيغةِ الفاعلِ (آتٍ) على المستقبَل (سيأتي)؛ للإيذانِ بكمالِ قُرْبِ الإتيانِ، وقال هنا: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ ولم يقل: لواقِعٌ؛ لبيان كمالِ سرعةِ وقوعِه، بتصويرِه بصورةِ طالبٍ حثيثٍ لا يفوته هاربٌ، حسَبَما يُعرِبُ عنه قولُه تعالى: وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ أي: بفائتينَ ذلك، وإن ركِبتُم في الهربِ متنَ كلِّ صَعْبٍ وذَلولٍ [2055] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/188). .
5- قوله: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ المرادُ منه بيانُ دوامِ انتفاءِ الإعجازِ، لا بيانُ انتفاءِ دوامِ الإعجازِ؛ فإنَّ الجملةَ الاسميَّةَ كما تدلُّ على دوامِ الثُّبوتِ، تدلُّ بمعونَةِ المقامِ- إذا دخل عليها حرفُ النَّفيِ- على دوامِ الانتفاءِ، لا على انتفاءِ الدَّوامِ [2056] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/188). .
6- قوله: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ استئنافٌ ابتدائيٌّ بعد قولِه: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ فإنَّ المقصودَ الأَوَّلَ منه هو وعيدُ الـمـُشركينَ، فأعقَبَه بما تمحَّضَ لوعيدِهم: وهو الأمرُ المستعمَلُ في الإنذارِ والتَّهديدِ [2057] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/653)، ((تفسير أبي السعود)) (3/188)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/90). ، والتهديدُ بصيغةِ الأمر مبالغةٌ في الوعيدِ [2058] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/451). .
- وفيه إيجاز بالحذفِ؛ حيث حُذِفَ مفعولُاعْمَلُوا؛ لأنَّ الفعلَ نُزِّلَ منزلةَ اللازمِ؛ أي: اعملوا عَمَلَكُم المألوفَ الذي هو دَأْبُكم، وهو الإعراضُ والتَّكذيبُ بالحَقِّ [2059] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/91). .
- قوله: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ المكانةُ كنايةٌ عن الحالَةِ؛ لأنَّ أحوالَ المرءِ تَظْهَر في مَكانِه ومَقَرِّه [2060] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/90). .
- وفيه- مع النَّصيحةِ- تخويفٌ شديدٌ؛ لأنَّ تهديدَ الحاضِرِ على لسانِ الغيرِ مع الإعراضِ أشَدُّ من مواجَهَتِه بالتَّهديدِ [2061] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/277). .
7- قوله: إِنِّي عَامِلٌ فيه إيجازٌ بحذفِ متعلِّق عامِلٌ للتَّعميمِ مع الاخْتِصارِ [2062] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/91). .
8- قوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ صريحٌ في التَّهديدِ؛ لأنَّ إخبارَهم بأنَّهم سَيَعْلمونَ يفيدُ أنَّه يعلَمُ وقوعَ ذلك لا محالةَ، وتصميمُه على أنَّه عامِلٌ على مكانَتِه، ومخالِفٌ لعَمَلِهم يدلُّ على أنَّه مُوقِنٌ بحُسْنِ عُقباه، وسوءِ عُقْباهم، ولولا ذلك لعَمِلَ عَمَلَهم؛ لأنَّ العاقِلَ لا يرضى الضُّرَّ لنَفْسِه، فدل قولُه: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ على أنَّ عِلْمَهم يقَعُ في المُستقَبلِ، وأمَّا هو فعالمٌ مِن الآن [2063] ينظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/92). .
- قوله: فَسَوْفَ حرفُ التَّنفيسِ مُرادٌ منه تأكيدُ الوُقوعِ؛ لأنَّ حَرْفَيِ التَّنفيسِ يؤكِّدانِ المستقبَلَ، كما تؤكِّدُ (قد) الماضِيَ [2064] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/188)، ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/91). .
9- قوله: إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فيه: تذييلٌ للوعيدِ يَتَنَزَّل منزلةَ التَّعليلِ [2065] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (8-أ/93). ، والغَرَضُ منه بيانُ أنَّ قولَه: اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ تهديدٌ وتخويفٌ، لا أنَّه أمرٌ وطَلَبٌ [2066] ينظر: ((تفسير الرازي)) (13/157). .