موسوعة التفسير

سُورةُ الأنعامِ
الآيات (104-107)

ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ

غريب الكلمات :

بَصَائِرُ: حُججٌ بيِّنةٌ ظاهرةٌ؛ تُبصرونَ بها الهُدى من الضَّلالِ، والإيمانَ من الكُفْرِ، ومفردها: بصيرةٍ، والبَصَرُ يقال للجارِحَة النَّاظِرَة، ويُقال لقوَّةِ القَلْبِ المُدرِكَة، وأصل (بصر): العِلْمُ بالشَّيء [1644] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/469- 470)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 121)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/253)، ((المفردات)) للراغب (ص: 127). .
وَمَا أَنَا عَلَيْكُمُ بِحَفِيظٍ: أي: وما أنا عليكم بحافظٍ ولا برقيبٍ؛ أُحصِي عليكم أعمالَكم وأفعالَكم، وأصل (حفظ): يدلُّ على مراعاةِ الشَّيءِ، وتعاهُدِه، وتفقُّدِه [1645] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/470)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/87)، ((المفردات)) للراغب (ص: 244)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 340). .
دَرَسْتَ: أي: قرأْتَ، ويُقال: درسْتَ العِلمَ: أي: تناولْتَ أثَرَه بالحفْظِ، ولمَّا كان تناولُ ذلك بمداومةِ القراءةِ؛ عُبِّر عن إدامةِ القراءةِ بالدَّرسِ [1646] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 157)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 219)، ((المفردات)) للراغب (ص: 311)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 100)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 197). .

المعنى الإجمالي :

قد جاءَكُم- أيُّها النَّاسُ- أدلَّةٌ بيِّنةٌ، وحُججٌ قاطعةٌ في هذا القرآنِ العظيمِ؛ بيَّنَ اللهُ تعالى فيها توحيدَه، وكمالَ قُدرَتِه، فمَن تبيَّنَها وآمَنَ بما دلَّت عليه، فنَفْعُ ذلك لنفْسِه، ومَن لم يؤمِنْ بها، وعَمِيَ عمَّا دلَّت عليه، فإنَّما يعود وَبالُ ذلك على نفسِه، وما الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم عليكم بحافظٍ، ولا رقيبٍ يُحصي أعمالَكم.
ثم يخبِرُ تعالى أنَّه كما فصَّلَ الآياتِ والحُجَجَ في هذه السورة، ووضَّحَها بطُرُقٍ متنوِّعةٍ؛ لبيان التوحيد، كذلك يوضِّحُ للنَّاسِ الآياتِ، ويُبَيِّنها بطرقٍ متعدِّدةٍ في جميع القرآن، ولِيَقولَ عند ذلك من أعمى قَلْبَه عن الحَقِّ: تَعَلَّمْتَ يا محمدُ هذا الذي تأتي به مِن أهْلِ الكتابِ، وأيضًا لأجْلِ أنْ يبيِّنَه الله لقومٍ يعلمون الحقَّ إذا تبيَّن لهم فيتَّبِعوه ويَقْبلوه.
ثم يأمُرُ اللهُ نَبِيَّه محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أن يَتَّبِعَ القرآنَ المُنَزَّلَ إليه من ربِّه تعالى، هو سبحانه لا معبودَ بحقٍّ غيرُه، وأَمَرَه أن يُعْرِضَ عن المُشركينَ.
ويُخبِر تعالى أنَّه لو أراد هدايةَ المشركينَ لَفَعلَ ذلك، ولكنْ له حِكْمةٌ في خِذْلانِهم وإِضْلالِهم، ويخاطِبُ اللهُ تعالى نبيَّه محمدًا صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه لم يَجعَلْه عليهم حافظًا يحفَظُ أعمالَهم ويُحْصِيها، ولا رقيبًا عليهم، وأنَّه ليس عليهم بقَيِّمٍ يُدَبِّرُ مصالِحَهم، ولا مُوكلًا بأعمالِهم فيحاسِبَهم عليها.

تفسير الآيات :

قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104).
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا أكثَرَ من إقامَةِ الأدلَّةِ على وحدانيَّتِه؛ ناسَبَ أن يَعِظَهُم، ويمدَحَ الأدِلَّةَ حثًّا على تدبُّرِها [1647] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/222). .
قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا.
أي: قد جاءتْكم حججٌ قاطعاتٌ، وأدلَّةٌ واضحاتٌ في هذا القرآنِ العظيمِ، تُبصرونَ بها  الهدَى من الضَّلالِ، والحَقَّ من الباطِلِ ؛ بَيَّنَ اللهُ لكم بها توحيدَه، وكمالَ قُدْرَتِه؛ فمَن عَرَفَها وآمَنَ بها، وعَمِلَ بمقتضاها، ففائِدَةُ ذلك تعودُ إليه في الدُّنيا والآخِرَة، ومن لم يؤمِنْ بها، وعمِيَ قلبُه عن دَلالَتِها، فإنَّما يعودُ وَبالُ ذلك على نَفْسِه فحَسْبُ، وإليها أساءَ لا إلى غيرها [1648] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/469-470)، ((تفسير ابن كثير)) (3/312)، ((تفسير السعدي)) (ص: 268)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/61-65). قال الشنقيطي: (وهذا الكلامُ كأنَّ الله أمَر النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يقولَه، ولذا قال في آخرِه: وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) ((العذب النمير)) (2/65). .
قال تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46] .
وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ.
أي: وما أنا عليكم بحافظٍ، ولا رقيبٍ أُحْصِي عليكم أعمالَكم وأفعالَكم، كلَّا! فليس هذا من شأني، وإنَّما أنا رسولٌ من اللهِ، وظيفتي تقتصِرُ على إبلاغِكم ما أُرْسِلْتُ به إليكم [1649] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/470-471)، ((تفسير ابن كثير)) (3/312)، ((تفسير السعدي)) (ص: 268)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/65). .
كما قال سبحانه: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ [الرعد: 40] .
وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105).
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
لَمَّا تَمَّمَ اللهُ تعالى الكلامَ في الإلهيَّاتِ في آياتٍ سابقةٍ؛ شَرَعَ في إثباتِ النبوَّاتِ، فبدَأَ تعالى بحكايةِ شُبُهاتِ المُنْكرينَ لنبوَّةِ مُحمَّدٍ صلَّى الله عليه وآلِه وسَلَّم؛ فقال [1650] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/105). :
وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ.
أي: وكما فصَّلنا الآياتِ والحُجَجَ في هذه السورةِ، ووضَّحْناها بطرقٍ متنوِّعةٍ؛ لبيانِ التَّوحيدِ، وأنَّه لا إلهَ إلا هو، فهكذا أيضًا نوضِّحُ لكم آياتِنا، ونُبَيِّنُها بطُرقٍ متعدِّدةٍ في جميعِ القرآنِ [1651] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/471)، ((تفسير ابن كثير)) (3/312)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/66-68). .
وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ.
القراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسير:
في قوله تعالى: وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ ثلاثُ قراءاتٍ:
1- قراءةُ دَارَسْتَ أي: ذاكَرَتْ، فالمعنى: قارَأْتَ أهلَ الكتابِ، وتعلمْتَ مِنهم [1652] قرأ بها ابنُ كثير وأبو عَمرو. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 236). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((تفسير ابن جرير)) (9/471)، ((معاني القراءات)) للأزهري (1/377)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 264). .
2- قراءة دَرَسَتْ أي: مَضَتْ وامَّحَتْ وتقادَمَت، فالمعنى: هذا الذي تتلوه علينا قد تطاوَلَ ومَرَّ بِنَا، ومُحِيَ أثرُه من قُلُوبِنا [1653] قرأ بها ابن عامر ويعقوب. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 236). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((معاني القراءات)) للأزهري (1/377)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 264-265). .
3- قراءةُ دَرَسْتَ أي: قرأْتَ أنت وتعلَّمْتَ- يا محمَّدُ- كُتُبَ أهلِ الكتابِ [1654] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 236). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((معاني القراءات)) للأزهري (1/377)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 265). .
وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ.
أي: ونصرِّفُ الآياتِ؛ ليقولَ مَن خَذَلَه اللهُ تعالى وأشقاه، فلم يُوفَّقْ للعَمَلِ بالقرآنِ: دَرستَ- يا محمَّدُ- هذا الذي تَأتِينا به ممَّنْ قَبْلَك من أهلِ الكتابِ، فقرَأْتَ وتَعلَّمْتَ منهم، وليس بشَيءٍ جديدٍ أُنْزِلَ عليك من السَّماءِ كما تزعُم [1655] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (2/308-309)، ((تفسير ابن عطية)) (2/331)، ((تفسير ابن كثير)) (3/312)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/68-69)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/422). قال الواحديُّ: (أَيْ: نصرِّفُ الآياتِ؛ ليكونَ عاقبةُ أمرِهم تكذيبًا؛ للشَّقاوةِ التي لَحِقَتْهم) ((الوجيز)) (ص: 369). وقال ابنُ عطيَّة: (وقرأ الجمهورُ وَلِيَقُولُوا بكسرِ اللامِ على أنَّها لامُ «كي»، وهي على هذا لامُ الصيرورةِ، كقولِه تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا [القصص: 8] ). ((تفسير ابن عطية)) (2/331). .
كما قال عزَّ وجلَّ: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الفرقان: 4-5] .
وقال سبحانه: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل: 103] .
وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
أي: وأيضًا لأجْلِ أنْ نُبيِّنَه لقومٍ وفَّقْناهم، فلهُم عقولٌ، وعِلْمٌ يظهَرُ لهم به ما في هذا القُرآنِ العَظيمِ مِن آياتٍ مُتنوِّعةٍ، وأدلةٍ قاطعَةٍ موضِّحةٍ للحَقِّ بلا لَبْسٍ، فيَقبلونَ الحَقَّ ويتَّبعونَه بعد تبيُّنِه لهم [1656] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/478)، ((تفسير ابن كثير)) (3/312)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/69-70). .
كما قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء: 82] .
وقال سبحانه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت: 44] .
اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106).
مناسبةُ الآيةِ لما قَبلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا بَيَّنَ لرَسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ النَّاسَ فريقانِ؛ فريقٌ قد فَسَدَتْ فِطْرَتُهم، ولم يبْقَ فيه استعدادٌ للاهتداء، وفريقٌ يعْلَمون، وبالبيانِ يَهْتدونَ- أَمَرَه أن يتَّبِعَ ما أُوحِيَ إليه من رَبِّه؛ بالبيانِ له، والعَمَلِ به [1657] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/551). .
وأيضًا لَمَّا حكى اللهُ تعالى عن المُشركينَ أنَّهم يَنسُبونَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم- في إظهارِ هذا القرآنِ العَظيمِ- إلى الافتِراء، وإلى مُدارَسَةِ مَن يستفيدُ هذه العلومَ منهم، ثم يَنْظِمُها قرآنًا- أتْبَعَه بقوله: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لئلَّا يصيرَ ذلك القولُ سببًا لفُتُورِه عن تبليغِ الدَّعوةِ والرِّسالةِ، والمقصودُ: تقويةُ قَلْبِه، وإزالةُ الحُزنِ الذي حَصَلَ بسَمَاعِ تلك الشُّبهَةِ [1658] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (8/259). .
وأيضًا لَمَّا بَيَّنَ اللهُ جَلَّ وعلا أنَّه أَنزَلَ علينا على لسانِ نَبيِّنا بصائِرَ؛ حيث قال: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ والمعنى: جاءَتْكم مِن قِبَلِنَا على لسانِ نَبِيِّنا بصائِرُ؛ أي: حُجَجٌ قاطعاتٌ، وأدلَّةٌ واضحات، لا تترُكُ في الحقِّ لَبْسًا، فهذه البصائِرُ التي جاءتكم يَلْزَمُكم اتِّباعُها، وعدمُ المَيْل والحَيْدة عنها؛ ولذا أَتْبَعَ قَوْلَه: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ بقولِه [1659] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/70). :
اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ.
أي: اتَّبِعْ- يا محمدُ- هذا القرآنَ العظيمَ، فاقْتَدِ به، واقتَفِ أثَرَه، وتأدَّبْ بآدابِه، وتَخَلَّقْ بما فيه من أخلاقٍ، وأحِلَّ حلالَه، وحَرِّمْ حَرامَه، واعتَقِدْ عقائِدَه، وانزَجِرْ بِوَعيدِه، وانبَسِط لِوَعْدِه، واعْمَلْ به، ودعْ ما يدعوك إليه مُشْركو قومِك؛ فإنَّ ما أُوحِيَ إليك من ربِّكَ هو الحَقُّ الذي لا مِرْيَةَ فيه؛ لأنَّه لا معبودَ بحقٍّ سواه [1660] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/479)، ((تفسير ابن كثير)) (3/314)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/70-71). .
وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ.
أي: ودَعْ عنك يا محمَّدُ مجادَلةَ هؤلاءِ المُشْركينَ وخُصومتَهم، واعفُ عنهم واصْفَحْ، واحتَمِلْ أذاهم؛ حتى يَنْصُرَك اللهُ تعالى عليهم [1661] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/479)، ((تفسير ابن كثير)) (3/314)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/78). .
وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107).
وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ.
أي: ولو أرادَ الله تعالى هدايَتَهم واستِنقاذَهم من الضَّلالةِ لَوَفَّقَهم؛ فلم يُشْرِكوا به شيئًا، ولآمَنُوا بك فاتَّبَعوا ما جِئْتَهم به من الحَقِّ، لكنَّ لله تعالى حكمةً في خِذْلانهم وإضلالِهم؛ فإنَّه لو شاء لهدى النَّاسَ كلَّهم جميعًا [1662] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/479)، ((تفسير ابن كثير)) (3/314)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/79، 84). .
وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا.
أي: لم نبعَثْك عليهم حافظًا؛ تحفَظُ أعمالَهم وأقوالَهم، وتُحْصِيها عليهم [1663] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/479)، ((تفسير ابن كثير)) (3/314). .
وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ.
أي: ولَسْتَ عليهم بقَيِّمٍ على أرزاقِهم وأقواتِهم وأمورِهم، ولسْتَ مُوكلًا بأعمالِهم؛ فتحاسِبَهم بها، وتجازِيَهم عليها [1664] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/479-480)، ((تفسير ابن كثير)) (3/314)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/85). .

الفوائد التربوية :

1- ترْكُ التقليدِ، والاعتبارُ بالبصائِرِ والدَّلائلِ، والترقِّي في أَوْجِ المعرفَةِ إلى سَمواتِ الاجتهادِ والعملِ بالأدلَّةِ؛ نستفيدُ ذلك من قولِ الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا، فمن أبصَرَ وعَمِلَ بالأدلَّةَ خَلَّصَ نفسَه من الضَّلالِ المؤَدِّي إلى الهلاكِ، ومَن عَمِيَ ولم يهتَدِ بالأدلَّةِ؛ فعلى نَفْسِه عماهُ؛ فيَضِلُّ ويَعْطَب [1665] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/222-223). .
2- على الدَّاعِيةِ تنويعُ الأسلوبِ، والتفنُّنُ في البيانِ؛ لإثباتِ أُصُولِ الدِّينِ، والهدايةِ لمحاسِنِ الآدابِ والأعمالِ؛ مراعاةً للعقولِ والأفهامِ، ولاختلافِ استعدادِ الأفرادِ والأقوامِ؛ يُرشِدُ إلى ذلك قولُ الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ أي: وكذلك نُصَرِّفُ الآياتِ على أنواعٍ شَتَّى ليهتديَ بها المستَعِدُّونَ للإيمانِ على اختلافِ العقولِ والأفهامِ [1666] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/548). .
3- صاحِبُ الدَّعوةِ لا يجوزُ أن يُعَلِّقَ قَلْبَه وأمَلَه وعَمَلَه بالمُعْرِضينَ عن الدَّعوةِ، المعاندينَ، الذين لا تتفَتَّحُ قلوبُهم لدلائِلِ الهُدى ومُوحِيات الإيمانِ، إنَّما يَجِبُ أن يُفَرِّغَ قلبَه، وأن يُوَجِّهَ أمَلَه وعَمَلَه للذين سَمِعُوا واستجابوا؛ يُبَيِّنُ ذلك قولُ الله تعالى: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، فالحَقُّ يعلو متى ظَهَرَ بالقَولِ والعَمَلِ مع الإخلاصِ، لا يضرُّه الباطِلُ بخرافاتِ الأعمالِ، ولا بزخارفِ الأقوالِ [1667] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/552).
4- نبَّه بقوله: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ على أنَّه تعالى لَمَّا كان واحدًا في الإلهيَّةِ؛ فإنَّه يجِبُ طاعَتُه، ولا يجوزُ الإعراضُ عن تكاليفِه بسَبَبِ جَهْلِ الجاهلينَ، وزَيْغِ الزَّائغينَ [1668] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (13/107). ، وأَكَّدَ به إيجابَ الاتِّباعِ لِمَا في كلمةِ التوحيدِ من التمسُّكِ بحبلِ اللهِ، والاعتصامِ به، والإعراضِ عمَّا سواه [1669] يُنظر: ((تفسير الشربيني)) (1/443). .
5- تحلِّي الدَّاعِيَةِ بالتواضُعِ، وإسلامُ الجبروتِ والقَهرِ لله تعالى؛ يُرشِدُنا إلى ذلك قولُ الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي: وما جعلناك عليهم حفيظًا تحفَظُ عليهم أعمالَهم لتحاسِبَهم وتجازِيَهم عليها، ولا وكيلًا تتولَّى أمورَهم وتتصَرَّف فيها، وما أنت عليهم بوكيلٍ ولا حفيظٍ بمُلْكٍ ولا سِيادةٍ [1670] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/223)، ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/552). .

الفوائد العلمية واللطائف :

1- قولُ الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ لَمَّا كانت الآياتُ- لِقُوَّتِها وجَلالَتِها- توجِبُ المعرفةَ، فتكونُ سببًا لانكشافِ الحقائِقِ؛ الذي هو كالنُّورِ في جلاءِ المحسوساتِ، قال: بَصَائِرُ أي: أنوارٌ هي لقلوبكم بمنزلَةِ الضِّياءِ المحسوسِ لعيونِكم [1671] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (7/222)، ((تفسير ابن عادل)) (8/353). .
2- قولُ الله تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا يُبْطِلُ قولَ الجبريَّة في أنَّه تعالى يُكَلِّفُ بلا قدرةٍ [1672] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (8/353). .
3- قولُ الله تعالى: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فيه قَرَنَ أمرَه باتِّباعِ ما أُوحِيَ إليه من رَبِّه بكلمةِ توحيدِ الألوهيَّة؛ لبيانِ وجوبِ ملازَمَتِه لتوحيدِ الربوبيَّة، فكما أنَّ الخالِقَ المُرَبِّي بما أنْزَلَ من الرِّزْق، وللأرواحِ بما أَنْزَلَ من الوَحْيِ؛ واحِدٌ لا شريكَ له في الخَلْقِ، ولا في الهدايةِ، فالواجِبُ أن يكون الإلهُ المعبودُ واحدًا لا شريكَ له [1673] يُنظر: ((تفسير المنار)) لمحمد رشيد رضا (7/551-552). .
4- وقوله: وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكُوا عَطْفٌ على جملة وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وهذا تلطُّفٌ مع الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وتَطمينٌ لقلْبِه، وتذكيرٌ له بحقائقِ الأحوالِ، وإزالةٌ لِمَا يَلْقَاه من الكَدَر من استمرارِهم على الشِّرْكِ، وقلَّةِ إغناء آياتِ القرآنِ ونُذُره في قلوبهم؛ فذَكَّرَه اللهُ بأنَّه تعالى قادرٌ على أن يُحَوِّلَ قُلوبَهم، فتَقْبَل الإسلامَ بتكوينٍ آخَرَ، ولكنَّ اللهَ أرادَ أنْ يَحْصُلَ الإيمانُ مِمَّن يؤمِنُ بالأسبابِ المعتادَةِ في الإرشادِ والاهتداءِ؛ لِيَميزَ اللهُ الخبيثَ من الطَّيِّبِ، وتظهَرَ مراتِبُ النُّفوسِ في ميادينِ التلقِّي، فأرادَ اللهُ أنْ تختلِفَ النُّفوسُ في الخيرِ والشَّرِّ اختلافًا ناشئًا عن اختلافِ كيفيَّاتِ الخِلْقةِ والخُلُق والنَّشْأةِ والقَبول، وعن مراتبِ اتِّصالِ العِباد بخالِقِهم ورجائِهم منه [1674] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/171)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/425- 426). .
5- قولُه تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا... هذه الآيةُ تَرُدُّ على القَدَريَّة الزَّاعمين أنَّ الكُفْرَ والمعاصِيَ بمشيئةِ العبدِ لا بمشيئةِ اللهِ، فمذهَبُهم باطِلٌ؛ فَرُّوا من شيءٍ فَوَقَعوا فيما هو أشْنَعُ وأكبَرُ منه؛ فهم يُريدونَ التقرُّبَ لله، بأن يَزْعُموا أنَّ الخَسائِسَ؛ كالسَّرِقَة والزِّنا والشِّرْك؛ أنَّها بمشيئةِ العبادِ لا بمشيئةِ الله، زاعمينَ أنَّ اللهَ أَنْزَهُ وأعظَمُ وأجَلُّ من أن تكونَ هذه الرَّذائِلُ بمشيئتِه [1675] يُنظر: ((العذب النمير)) للشنقيطي (2/79،80). .
6- قوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا... ليس في مِثل هذا عذرٌ للمشركين ولا لأمثالِهم من العُصاة؛ ولذلك ردَّ اللهُ عليهم الاعتذارَ بمِثل هذا في قوله: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ [الأنعام: 148] ، وفي قوله: وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الزخرف: 20] ؛ لأنَّ هذه حقيقةٌ كاشفةٌ عن الواقِع لا تصلُح عذرًا لِمَن طَلبَ منهم ألَّا يكونوا في عِدادِ الذين لم يشأِ اللهُ أنْ يُرشِدَهم؛ قال تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [1676] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/171)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/425- 426). [المائدة: 41] .
7- قوله: وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا تذكيرٌ وتسليةٌ؛ ليُزيحَ عنه كرْبَ إعراضِهم عن الإسلامِ؛ لأنَّ ما يَحصُلُ له مِن الكَدَرِ لإعراضِ قومِه عن الإسلامِ يَجعَلُ في نفْسِه انكسارًا، كأنَّه انكسارُ مَن عُهِدَ إليه بعملٍ فلم يتسنَّ له ما يُريدُه مِن حُسن القِيام، فذَكَّره اللهُ تعالى بأنَّه قد أدَّى الأمانةَ، وبلَّغَ الرِّسالة، وأنَّه لم يَبعثْه مُكرِهًا لهم ليأتيَ بهم مُسلِمين، وإنَّما بعَثَه مُبلِّغًا لرسالتِه؛ فمَن آمَن فلنَفْسِه، ومَن كفَر فعليها [1677] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/426). .

بلاغة الآيات :

1- قوله: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِي فَعَلَيْهَا في التعرُّضِ لعنوانِ الربوبيَّةِ، مع الإضافةِ إلى ضميرِ المخاطبينَ في قوله: مِنْ رَبِّكُمْ؛ إظهارٌ لكمالِ اللُّطْفِ بهم، أي: قد جاءَكُم من جهةِ مالِكِكم ومُبَلِّغِكم إلى كَمالِكم اللَّائِقِ بكم من الوَحْيِ النَّاطِقِ بالحَقِّ والصوابِ؛ ما هو كالبصائِرِ للقُلوبِ، أو قد جاءَكُم بصائِرُ كائنةٌ من ربِّكم [1678] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/170). .
- قوله: أَبْصَرَ، وقوله: عَمِيَ كنايتانِ عن الهدى والضَّلالِ، والمعنى: أنَّ ثمرةَ الهدى والضَّلالِ إنَّما هي للمُهتدِي والضَّالِّ؛ لأنَّه تعالى غَنِيٌّ عن خَلْقِه، وهي من الكناياتِ الحسنَةِ؛ لَمَّا ذَكَرَ البصائِرَ أعقَبَها تعالى بالإبصارِ والعمى، وهذه مُطابَقةٌ [1679] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (4/607). .
2- قوله: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ استئنافٌ في خطابِ النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلامُ لأمْرِه بالإعراضِ عن بُهتانِ المشركينَ، وألَّا يَكْتَرِثَ بأقوالِهم، فابتداؤُه بالأمرِ باتِّباعِ ما أوحِيَ إليه يتنَزَّلُ منزلةَ المُقَدِّمةِ للأمرِ بالإعراضِ عن المشركينَ، وليس هو المقْصِدَ الأصليَّ من الغَرَضِ المَسُوقِ له الكلامُ؛ لأنَّ اتِّباعَ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم ما أوحِيَ إليه أمْرٌ واقِعٌ بجميعِ معانيه، فالمقصودُ من الأمْرِ الدَّوامُ على اتِّباعِه، والمعنى: أَعْرِضْ عن المشركين اتِّباعًا لِمَا أُنْزِلَ إليك من رَبِّك [1680] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/423). . وأيضًا فالوحيُ يَنزِلُ عليه حينًا بعدَ حينٍ في شَرائعِ الدِّينِ وأمورِ الإيمانِ؛ فهو مأمورٌ مع كلِّ وحيٍ جديدٍ بالإيمانِ به واتِّباعه.
- وفي التَّعرُّضِ لعنوانِ الربوبيَّةِ مع الإضافَةِ إلى ضميرِه صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله: رَبِّكَ مِن إظهارِ اللُّطْف به ما لا يَخفَى [1681] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/171). .
- وجملة لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ بَيْن الأمرينِ في قوله: اتَّبِعْ، وقوله: وَأَعْرِضْ اعتراضٌ؛ أُكِّدَ به إيجابُ اتِّباعِ المُوحَى؛ لا سيمَّا في أمرِ التوحيدِ؛ والمقصودُ منها إدماجُ التذكيرِ بالوحدانيَّة؛ لزيادَةِ تقرُّرِها، وإغاظَةِ المشركين. أو تكون هذه الجملةُ في موضع الحالِ المؤكِّدَةِ [1682] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (2/55)، ((تفسير البيضاوي)) (2/177)، ((تفسير أبي حيان)) (4/610)، ((تفسير أبي السعود)) (3/171)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/425). .
3- قوله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ جملة وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا، اعتراضٌ مؤكِّدٌ للإعراضِ المذكورِ في قوله تعالى: وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، وكذا قولُه تعالى: وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وقولُه تعالى: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ [1683] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/171). .
- قوله: عَلَيْهِمْ في الموضعينِ متعلِّقٌ بما بعده حَفِيظًا وبِوَكِيلٍ؛ قُدِّمَ عليه للاهتمامِ به، أو لرعايةِ الفواصِلِ [1684] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/171). .