موسوعة التفسير

سُورةُ المائِدَةِ
الآيات (101 - 105)

ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ

غريب الكلمات:

تَسُؤْكُمْ: أي: تَحْزُنْكم وتَغُمَّكم، والسوءُ مصدرُ ساء، وهو اسمٌ جامعٌ للآفات، ويُستعملُ في كلِّ ما يُستقبَحُ، وهو أيضًا كلُّ ما يغمُّ الإنسانَ [1871] يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 441)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/113)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 73). .
بَحِيرَةٍ: هي الناقةُ التي إذا نُتِجتْ خَمسةَ أَبطُنٍ شقُّوا أُذُنَها، وحُرِّمتْ على النِّساءِ، ويُمنَح دَرُّها للطواغيتِ؛ فلا يَحْلُبها أحدٌ مِن النَّاس، والبَحيرة الفَعيلةِ، مِن قول القائل: بحرتُ أُذن هذه النَّاقةِ إذا شَقَّها، وأصل (بحر): يدلُّ على الانبساطِ والسَّعَة [1872] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 147)، ((تفسير ابن جرير)) (9/29)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 119)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/201)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 90)، ((تفسير ابن كثير)) (3/208). .
سَائِبَةٍ: السَّائبةُ هي الأُنثَى من النَّعَم الَّتي كان يُسيِّبهُا الكُفَّارُ لطَواغيتِهم؛ فلا يُحمَل عليها شيءٌ، أو التي تُسيَّب في المرعَى؛ فلا تُردُّ عن حَوضٍ ولا عَلفٍ، وكان الواحدُ مِنهم يُسيِّبها بنَذْرٍ؛ إنْ سُلِّم مِن مَرضٍ، أو بُلِّغ مَنزلَه أنْ يَفعَلَ ذلك، وأصل (سيب): يدلُّ على استِمرارِ شيءٍ وذَهابِه [1873] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 147)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 120)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/119)، ((المفردات)) للراغب (ص: 431)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 90)، ((تفسير ابن كثير)) (3/208). .
وَصِيلَةٍ: الوَصيلةُ هي: الأُنثى من النَّعَمِ إذا ولَدَتْ سَبعةَ أَبطُنٍ، نظَروا؛ فإنْ كان السَّابعُ ذَكَرًا ذُبِح، فأَكَل مِنه الرِّجالُ والنِّساءُ، وإنْ كان أُنثى تُرِكتْ، وإنْ كان ذَكرًا وأُنثى قالوا: قد وَصَلَتْ أخاها، فلم تُذبَح بَدَفْعِها عنه الذَّبحَ، وكانتْ لحومُها حَرامًا على النِّساءِ، ولبَنُ الأُنثى حَرامًا على النِّساءِ إلَّا أنْ يَموتَ منهما شيءٌ فيأكلَه الرِّجالُ والنِّساءُ [1874] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 147)، ((تفسير ابن جرير))  (9/30)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 120)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 90)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 187)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 949). .
حَامٍ: الحامِي هو: الفَحلُ من النَّعَمِ إذا نُتجَ مِن صُلبِه عَشرة أبطُنٍ، كان يُقال: حمَى ظَهرَه؛ فيَتركونَه للطَّواغيتِ، ويُحمَى مِن الحَمْلِ والُّركوبِ عليه والانتفاعِ به؛ بسَببِ تتابُعِ الأولاد مِن ضِرابِه، وأصل (حمي) يدلُّ على الدَّفْعِ والمَنْعِ [1875] يُنظر: ((تفسير ابن جرير))  (9/30)، ((المفردات)) للراغب (ص: 259)، ((تفسير ابن كثير)) (3/208). .

المعنى الإجمالي:

يَنهَى اللهُ عِبادَه المؤمنين عن السُّؤالِ عن أشياءَ لو بانَ لهم جوابُها لساءَهم ذلك، وشقَّ عليهم، ولكنَّهم إنْ سألوا عن أشياءَ بعدَ نُزولِ القرآنِ عليهم بها، فهنا قدْ وافَق سؤالُهم مَحلَّه، فيُبيَّن لهم ما سَألوا عنه، والله تعالى قد عفا عمَّا كان مِن مسألتِهم قبلَ النَّهي؛ فهو سبحانه غفورٌ حليمٌ.
ثم أَخبر تعالى أنَّه قد كان أناسٌ ممَّن سَبَقوا سألوا هذه المسائلَ المنهيَّ عنها، فأُجيبوا عنها، لكنَّهم أصْبَحوا بسببِ الخوضِ فيها، والتفتيشِ عنها كافرينَ.
ثم نفَى اللهُ أن يكونَ أَذِنَ في شيءٍ ممَّا يفعله الكفَّارُ بالأنعامِ ممَّا ابتدعوه، فهو سبحانه لم يَشْرَع لهم البحيرةَ ولا السَّائبةَ ولا الوصيلةَ ولا الحامِيَ، وهي حيواناتٌ حرَّم أهلُ الجاهليةِ أكلَها والانتفاعَ بها مِن عندِ أنفسِهم بدونِ علمٍ أو برهانٍ، فهؤلاء الكفَّار يَفْترون على الله الكذبَ، وأكثرُهم لا يعقلون.
وإذا ما قيل لهؤلاء الكفَّارِ: تعالَوا إلى كتابِ اللهِ وإلى رسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ ليتَّضحَ لكم دِينُ الله ويتبيَّن لكم شَرْعُه، كان جوابُهم أنَّهم يَكفيهم ما وَجدوا عليه آباءَهم من قبلُ، وكيف يكون ذلك مع أنَّ آباءَهم جَهَلةٌ لا يَعلمون شيئًا، وضُلَّالٌ لا يهتدونَ؟!
ثم يُبيِّن الله لعبادِه المؤمنين أنَّهم إنِ استقاموا كما أُمِروا، فإنَّه لا يَضرُّهم مَن سَلَك سبيلَ الضلالةِ؛ فإليه سبحانه وتعالى مرجعُهم، فيُخبرهم بما كانوا يَفعلون.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا قال تعالى: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ صارَ التقديرُ كأنَّه قال: ما بلَّغه الرسولُ إليكم فخُذوه، وكونوا مُنقادِين له، وما لم يُبلِّغْه الرسولُ إليكم فلا تَسْألوا عنه، ولا تَخوضوا فيه؛ فإنَّكم إنْ خُضْتُم فيما لا تَكليفَ فيه عليكم فربَّما جاءَكم بسببِ ذلك الخوضِ الفاسدِ من التكاليفِ ما يَثقُل عليكم ويشُقُّ عليكم [1876] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/443). .
سَببُ النُّزولِ:
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِي اللهُ عنه، قال: ((بلَغ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن أصحابِه شيءٌ، فخَطَب فقال: عُرِضَتْ عليَّ الجَنَّةُ والنار، فلمْ أرَ كاليومِ في الخيرِ والشرِّ، ولو تَعلمونَ ما أعلمُ لضَحِكتُم قليلًا ولبَكَيتُم كثيرًا! قال: فما أتَى على أصحابِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومٌ أشدُّ منه، قال: غطَّوْا رُؤوسَهم ولهم خَنينٌ [1877] الخَنين: نوعٌ مِن البكاء دون الانتحابِ، وأصلُ الخَنين خروجُ الصوتِ من الأنف، كالحنين مِن الفمِ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (5/2109)، ((النهاية)) لابن الأثير (2/85). ، قال: فقام عُمَرُ فقال: رَضِينا باللهِ ربًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمَّدٍ نبيًّا. قال: فقام ذاك الرجلُ، فقال: من أبي؟ قال: أبوك فلان. فنَزَلَت : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة: 101] )) [1878] رواه البخاري (7295)، ومسلم (2359) واللفظ له. .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
أي: لا تَسألوا- أيُّها المؤمنون- عن أشياءَ لو أُظْهِر جوابُها لكم لساءَكم وشقَّ عليكم [1879] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/203، 206)، ((تفسير السعدي)) (ص: 245)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/437-438). وهذه الأشياء التي نُهي المسلمون عن سؤالها تَشملُ أمورًا عديدة؛ منها: سؤال بعض المسلمين لرسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن آبائِهم، وعن حالهم أفي الجنَّة هم أم في النار؟ وكالسؤال عمَّا لا يَعني وكالسؤال عمَّا سكَتَ عنه الشرع، وما يُخشَى أن يكون السؤالُ عنه سببًا لنزول التَّشديد فيه، إلى غير ذلك. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/13، 23)، ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (1/240-241)، ((تفسير السعدي)) (ص: 245)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/437-438). .
عن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((أيُّها النَّاسُ، قد فَرَض اللهُ عليكم الحجَّ فحُجُّوا، فقال رجلٌ: أكُلَّ عامٍ يا رسولَ اللهِ؟ فسكَت، حتى قالها ثلاثًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لو قلتُ: نعمْ، لوجبَت، ولَمَا استطعتُم، ثم قال: ذَروني ما تركتُكم؛ فإنَّما هلَك مَن كان قبلكم بكثرةِ سؤالِهِم واختلافِهِم على أنبيائِهم، فإذا أمرتُكم بِشَيٍء فَأْتُوا منهُ ما استطعتُم، وإذا نهيتُكم عن شيٍء فدَعوهُ )) [1880] رواه مسلم (1337). .
وعن سَعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضِي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((إنَّ أعظمَ المسلِمين في المسلِمين جُرمًا: مَن سألَ عن شيءٍ لم يُحرَّم على المسلمينَ، فحُرِّم عليهم مِن أجْلِ مسألَتِه )) [1881] رواه البخاري (7289)، ومسلم (2358) واللفظ له. .
وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ.
مُناسَبتُها لِمَا قَبلَها:
لَمَّا منَع اللهُ تعالى من السُّؤال في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، أوْهَم اللفظُ أنَّ جميعَ أنواعِ السؤالِ ممنوعٌ منه، فأتْبعَه بما ليس داخلًا في النهي [1882] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/444- 445)، ((تفسير ابن عادل)) (7/550). ، فقال تعالى:
وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ.
أي: ولكنَّكم إنْ سألتُم عن أشياءَ بعدَ نُزولِ القرآنِ عليكم بها، كالسُّؤالِ عن آيةٍ أَشكلتْ، أو حُكمٍ خَفِيَ وجهُهُ عليكم وغير ذلك، فهنا قدْ وافَق سؤالُكم مَحلَّه، فيُبيَّن لكم ما سَألتم عنه [1883] وهذا اختيارُ ابنِ جريرٍ، والواحديِّ، والقرطبيِّ، وابنِ رجبٍ، والسعدي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/24)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 337)، ((تفسير القرطبي)) (6/ 333-334)، ((جامع العلوم والحكم)) (1/240-244)، ((تفسير السعدي)) (ص: 245). وممَّن قال مِن السَّلف بنحو هذا: ابن عبَّاس رضي الله عنهما. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/25). .
عَفَا اللَّهُ عَنْهَا.
قيل: المعنى: عفا الله عمَّا كان منكم مِن سؤالٍ عن تلك الأشياءِ التي نهاكم اللهُ تعالى عن السُّؤال عنها، فلا يُعاقِبُكم عليها [1884] وهذا اختيارُ ابن جريرٍ في ((تفسيره)) (9/25)، والواحدي في ((الوجيز)) (ص: 337). .
وقيل: المرادُ أنَّ اللهَ تعالى وإنْ نهاكم عن المسألةِ إلَّا أنَّه عفا عنكم السؤالَ حين يَنزِلُ القرآنُ، فأذِنَ لكم بذلك [1885] وهذا اختيارُ ابنِ عاشور في ((تفسيره)) (7/68). .
وقيل: المرادُ أنَّ ما لم يَذكُرْه الله تعالى في كتابِه فهو ممَّا عفا عنه، وأباحه لكم؛ فاسكُتوا أنتم عنه كما سكَتَ عنه سبحانه [1886] وهذا اختيارُ ابن كثيرٍ في ((تفسيره)) (3/207)، والسعديِّ في ((تفسيره)) (ص: 246)، وابنِ عُثيمين في ((تفسير سورة المائدة)) (2/439). .
وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
أي: واللهُ تعالى غفورٌ يستُر ذُنوبَ عِبادِه، ويتجاوَزُ عن مؤاخذتِهم بها، وهو الحليمُ سبحانه فلا يُعاجِلُ عِبادَه بالعقوبةِ، كما قال عزَّ وجلَّ: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر: 45] [1887] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/25)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/439). .
قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102).
أي: قد سألَ هذه المسائلَ المنهيَّ عنها أناسٌ سَبقوكم، فأُجيبوا عنها لكنَّهم لم يُؤمنوا بها، ولم يَعمَلوا بها؛ لأنَّهم لم يَسألوا عنها على وجهِ الاسترشادِ، بل على وجهِ التعنُّتِ والعِناد، فصاروا بسببِها كفَّارًا [1888] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (3/207)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246). .
عن أبي هُرَيرَةَ رضِي اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((ذَروني ما تركتُكم؛ فإنَّما هلَك مَن كان قَبلَكم بكثرةِ سؤالِهِم واختلافِهِم على أنبيائِهم، فإذا أمرتُكم بشيٍء فأتُوا منهُ ما استطعْتُم، وإذا نهيتُكم عن شيٍء فدَعُوه )) [1889] رواه مسلم (1337). .
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا منَع اللهُ تعالى الناسَ مِن البَحثِ عن أمورٍ لم يُكلَّفوا بالبحْثِ عنها، كذلك منَعَهم من التزامِ أُمورٍ لم يُكلَّفوا بالتزامِها، ولَمَّا كان الكفَّارُ يُحرِّمونَ على أنفسهم الانتفاعَ بهذه الحيوانات، وإنْ كانوا في غايةِ الحاجةِ إلى الانتفاعِ بها؛ بَيَّن الله تعالى أنَّ ذلك باطلٌ [1890] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/552). ، فقال تعالى:
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ .
أي: لم يأذنِ اللهُ تعالى مطلقًا بأنْ يُفعَل بالأنعامِ شيءٌ ممَّا ابتدَعَه الكفَّار، فلم يَشرَعْ لهم البحيرةَ: وهي ناقةٌ يشقُّون أُذُنها، ثم يُحرِّمون رُكوبَها ويَرَونَها محترَمَةً. ولا السَّائبةَ: وهي ناقةٌ، أو بقرةٌ، أو شاة، تُسيَّب وتُخلَّى؛ فلا تُركَبُ ولا يُحمَل عليها، ولا تُؤكَل ولا يُنتفَع منها بشيءٍ. ولا الوصيلةَ: وهي التي تُحرَّم أو تُجعل لآلهتهم. ولا الحاميَ: وهو جملٌ يُحمَى ظهرُه عن الركوب والحَمْل [1891] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/29-32)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/450-451). وفي تفصيل معنى البَحِيرَة والسائِبَة والوَصِيلَة والحَامي، ومتى تسمَّى كلُّ واحدة بذلك يُنظر: ((زاد المسير)) لابن الجوزي (1/592-593)، ((تفسير ابن كثير)) (3/208-211). .
وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ.
أي: لم يَشرعِ اللهُ هذه الأشياءَ، وليستْ هي عندَه بقُربةٍ، ولكن الكُفَّار هم الذين يَفعلون ذلك بغيرِ دليلٍ، ويَفتُرون على اللهِ تعالى الكَذِبَ [1892] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/26، 40)، ((تفسير ابن كثير)) (3/211)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/451). .
وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ .
أي: وأكثرُ هؤلاءِ الكفَّار لا يَملِكون عَقْلًا صحيحًا راشدًا، وإنَّما يَنساقونَ إلى تلك الشرائعِ الباطلةِ بجهلِهم، متَّبعين في ذلك أكابرَهم [1893] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/41)، ((تفسير ابن عاشور)) (7/74)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/451-452). .
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) .
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا حرَّموا هذه الأشياءَ مِنْ قَوْلِه: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ اضطُرُّوا إلى تحليلِ المَيتةِ، فحرَّموا الطيِّبَ، وأحلُّوا الخبيثَ! ولَمَّا اتَّخذوه دِينًا، واعتَقدُوه شَرعًا، ومضَى عليه أسلافُهم، دَعَتْهم الحظوظُ والأَنَفَةُ من نِسبةِ آبائهم إلى الضَّلالِ، والشهادةِ عليهم بالسَّفهِ إلى الإصرارِ عليه، وعَدَمِ الرجوعِ عنه بعدَ انكشافِ قبحِه، وبيانِ شناعتِه، فقال تعالى دالًّا على خِتام الآية التي قَبْلها مِن عَدَمِ عَقْلِهم [1894] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/322). وقال محمَّد رشيد رضا في بيانِ مناسبةِ هذه الآية والتي قبلَها للآياتِ التي قبلَهما: (وجهُ اتِّصال هاتين الآيتين بما قبلَهما أنَّه سبحانه وتعالى نهَى في السِّياق الذي قبلَهما عن تحريمِ ما أحلَّه الله، وعن الاعتداءِ فيه، وإن كان التحريمُ تركًا لمباحٍ يُلتزمُ بالنَّذر أو بالحلفِ باسمِ الله تنسكًا وتعبدًا، مع اعتقادِ إباحتِه في نفسِه، لا شرعًا يدعى إليه ويعتقدُ وجوبَه، وبيَّن فيه كفارةَ الأيمانِ، وحرَّم الخمرَ والميسرَ والأنصابَ والأزلامَ، وصيدَ البرِّ على المُحْرم بحجٍّ أو عمرةٍ، وبعد أن نهَى عن تحريمِ ما أحلَّه، نهَى أن يكونَ المؤمنُ سببًا لتحريمِ الله تعالى شيئًا لم يكنْ حرَّمه، أو شرعِ حكمٍ لم يكنْ شرَعه، بأن يسألَ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم عن شيءٍ مما سكَت الله عنه عفوًا وفضلًا، فيكونَ الجوابُ عنه أن أورد تكليفًا جديدًا، فناسبَ بعدَ هذا أن يبيِّن ضلالَ أهلِ الجاهليَّة فيما حرَّموه على أنفسِهم وما شرعوه لها بغيرِ إذنٍ مِن ربِّهم، وما قلَّد به بعضُهم بعضًا على جهلِهم، مع بيانِ بطلانِ التقليدِ وكونِه ينافي العلمَ والدِّينَ) ((تفسير المنار)) (7/169). :
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ.
أي: وإذا قِيل لهؤلاءِ الذين وقَعوا في تحريمِ ما أحلَّ الله تعالى: هلَمُّوا وأقْبِلُوا إلى كتابِ الله عزَّ وجلَّ وإلى رسولِه عليه الصَّلاة والسَّلام؛ ليتبيَّنَ لكم شَرعُ اللهِ سبحانه، وما أوجبَه وما حرَّمه، وبُطلانُ ما ابتدَعتُم [1895] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/42)، ((تفسير ابن كثير)) (3/211)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/452). .
قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا.
أي: قالوا جوابًا على مَن دَعاهم إلى ذلك: يَكفينا ما وجَدْنا عليه مَن قَبْلَنا مِن الآباءِ والأجدادِ مِن طرائقَ ساروا عليها، ونحن لهم تبَعٌ في ذلك [1896] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/42)، ((تفسير ابن كثير)) (3/211)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/452). .
أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ.
أي: أيتَّبِعون آباءَهم حتى لو كانوا على هذه الحالِ التي لا يَستحقُّون أنْ يُتَّبعوا فيها؛ إذ لا يَحمِلون عِلمًا بشريعةِ الله تعالى، ولا يَعمَلون على وَفْقِها عمَلًا صالحًا؛ فكيفَ يتَّبعونَهم ومِثْلُهم لا يصلُحُ أنْ يُقتدَى بهم [1897] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/42-43)، ((تفسير ابن كثير)) (3/211-212)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/452). ؟!
كما قال سبحانه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [البقرة: 170] .
وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ* وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [لقمان: 20-21] .
وقال جلَّ وعلا: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات: 69-70] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
أنَّه لَمَّا كان المانِعُ لهم من قَبولِ الهُدى كونَ ذلك تسفيهًا لآبائهم؛ فيعود ضررًا عليهم يُسبُّون به على زَعْمهم، أعْلمَ اللهُ المؤمنينَ أنَّ مخالفةَ الغيرِ في قَبول الهُدى لا تضرُّهم أصلًا، بأنْ عقَّبَ آيةَ الإنكارِ عليهم في التقيُّد بآبائهم لمتابعتِهم لهم في الكُفرِ بهذه الآيةِ [1898] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/323). .
أيضًا لَمَّا ذَكَر اللهُ تعالى مكابرةَ المشركينَ وإعراضَهم عن دعوةِ الخير بقوله: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أعْقَبه بتعليمِ المسلمين حدودَ انتهاءِ المناظَرَةِ والمجادلةِ إذا ظهرتِ المكابرةُ، وعُذْرِ المسلمين بكِفايةِ قِيامِهم بما افترَض اللهُ عليهم من الدَّعوة إلى الخيرِ، فأعْلَمَهم أنَّ على الدَّاعي بذْلَ جُهدِه، وأنَّه ليس مسؤولًا إذا لم يُصغِ المدعوُّ إلى الدَّعوة، كما قال تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [1899] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/76). [القصص: 56] .
وأيضًا لَمَّا بيَّن اللهُ تعالى أنواعَ التَّكاليفِ والشرائعِ والأحكامِ، ثم قال: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ، إلى قولِه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا، فكأنَّه تعالى قال: إنَّ هؤلاء الجُهَّالَ مع ما تقدَّم مِن أنواع المبالغةِ في الإعذارِ والإنذارِ والترغيبِ والترهيبِ لم يَنتفعوا بشيءٍ منه، بل بقُوا مُصرِّين على جَهلِهم، مُجدِّين على جَهالاتِهم وضلالتِهم؛ فلا تُبالوا- أيُّها المؤمنون- بجهالتِهم وضلالتِهم، بل كونوا مُنقادِينَ لتكاليفِ اللهِ، مُطيعينَ لأوامرِه ونواهيه، فلا يضرُّكم ضلالتُهم وجهالتُهم؛ فلهذا قال [1900] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/448). :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ.
أي: يا أيُّها المؤمنون ألْزِموا أنفسَكم العملَ بطاعةِ الله تعالى، وترْكَ معصيتِه؛ فإنَّه لا يَضرُّكم مَن سلَك غيرَ سبيلِ الحقِّ، إذا أنتم استقمتُم على صراطِ الله تعالى فآمنتُم بربِّكم وأطعْتُموه، ومِن ذلك: قِيامُكم بواجبِ أمْرِ الناسِ بالمعروفِ، ونهيهِم عن المنكرِ، ولا ضيرَ عليكم بعدَ ذلك إنْ تمادَوْا في غيِّهم وضلالِهم، ما دُمتُم قد أدَّيْتُم حقَّ الله تعالى فيهم [1901] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/54-55)، ((تفسير ابن كثير)) (3/212)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (1/459-460)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/459). وممَّن رُوي عنه من السَّلف نحوٌ من هذا: أبو بكر الصِّدِّيق، وابن عبَّاس، وسعيد بن المسيِّب، وحُذيفة، والسُّدِّي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/49). .
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
أي: إنَّ مآلَكم في الآخرةِ إلى الله تعالى وحْدَه، وسوف يُخبرُكم بما قدَّمتموه في الدُّنيا من خيرٍ أو شرٍّ؛ فإنَّه لا يَخفَى عليه شيءٌ من أعمالِكم، ويُجازيكم عليها ثوابًا أو عقابًا [1902] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/55)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/460). .

الفوائد التربوية:

1- أنَّ ممَّا يُنافي كمالَ الإيمان أنْ يسألَ الإنسانُ عن شيءٍ لم يُكلَّفْ به؛ لِقَوْلِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا.. [1903] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/439). .
2- ممَّا يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ أنَّ الإنسانَ قد يَسُوؤه ما شرَعه الله عزَّ وجلَّ من إيجابٍ أو تحريمٍ، ولكنَّ المؤمِنَ وإنْ كرِه ذلك بطبيعتِه، لا يَكرهُه من حيثُ كونُه شرعًا لله عزَّ وجلَّ [1904] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/547)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/440). .
3- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ ضربُ الأمثالِ بالأمم السَّابقين؛ حتى نقتنِعَ بأنَّه لا يَنبغي لنا أن نَسْألَ؛ لأنَّ غيرَنا سألَ وكفَر [1907] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/448). .
4- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ أنَّ الإنسانَ لا يَنبغي أن يتعرَّض لِمَا قد يكونُ مِحنةً عليه [1908] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/448). .
5- قَوْلُه: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ... فيه دلالةٌ على أنَّ الإنسانَ قد يقعُ في شَرْعِه لنفْسِه على الخبيثِ دون الطيِّبِ؛ وذلك لأنَّ الكفَّارَ شَرَعوا لأنفسِهم هذا، وظنُّوا أنَّه من محاسنِ الأعمال، فإذا هو ممَّا لا يَعبأُ الله به، بل ممَّا يُعذِّب عليه؛ لكونه أوقعَهم فيما كانوا مُعترِفينَ بأنَّه أقبحُ القبائِحِ وهو الكَذِب، بل في أقبحِ أنواعِه، وهو الكذبُ على مَلِك الملوك، ثم صارَ لهم دِينًا، وصاروا أرسخَ الناسِ فيه، وهو عينُ الكُفْر [1909] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/318). .
6- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ خطرُ الإفتاء، وأنَّ الإنسانَ قد يُفتي بالشيءِ فيكون ممَّن افترى على الله كذبًا [1910] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/453). .
7- ذمُّ أولئك الذين يقولونَ بلا عِلمٍ، وأنَّهم قد فَقَدوا عُقولَهم؛ لِقَوْلِه: وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وصدَق اللهُ عزَّ وجلَّ؛ كلُّ إنسانٍ يُقدِم على الفتوى بالتَّحليلِ أو التَّحريم أو الإيجاب بدون عِلمٍ فهو غيرُ عاقلٍ، وإنْ ظنَّ أنه صارَ إمامًا فإنَّه غيرُ عاقلٍ، وسيَفْضَحه اللهُ عزَّ وجلَّ إمَّا في الدُّنيا وإمَّا في الآخِرةِ، يعني: قد يُمهِل اللهُ له، ويكون إمامًا في وقتٍ ما؛ لغفلةِ الناسِ وعدمِ العلماء، ولكنَّ النَّتيجة أنَّه سوف يكون مخذولًا، والعياذُ بالله [1911] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/454). .
8- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ أنَّ التحرِّيَ في الإفتاءِ مِنَ العَقْلِ، ولقد كان السلفُ الصَّالح يَتدافعون الإفتاءَ، ويُؤجِّلونَ المُستفتيَ [1912] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/454). .
9- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أنَّ كلَّ مَن أتى بشريعةٍ ليستْ مِن عندِ الله فإنَّه يَصدُقُ أن نقول: إنَّه افتَرى على اللهِ الكذِبَ، لكنْ مَن اجتهدَ وبذَل الوُسْعَ للوصولِ إلى الحقِّ، وحَكَمَ بغير الصَّواب، فإنَّه لا يُقال: إنَّه افتَرى على الله كذبًا، بل يُقال: إنَّه اجتهَدَ وأخطَأَ، وله أجرٌ واحدٌ، وهذا- والحمدُ لله- مِن سَعةِ رحمةِ الله عزَّ وجلَّ [1913] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/453). .
10- أنَّ العوامَّ يُوجَّهون ويُرشَدونَ ويُدْعَون إلى الكتابِ والسُّنَّة؛ لِقَوْلِه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا وأبَهم القائلَ إمَّا لكثرةِ القائلينَ، وإمَّا لاختلافِ مراتِبِهم؛ لأنَّ كثرةَ القائلين تُوجِبُ أنَّ الإنسانَ ينصاعُ، والمرتبة العُليا تُوجِبُ أيضًا أنَّ الإنسانَ ينصاعُ ويأتي [1914] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/455). .
11- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أنَّ مَن تعصَّب لقولِ إمامٍ والْتزمَه، وأصرَّ عليه مع عِلْمِه بمخالفةِ قوله للكتابِ والسُّنَّة، ففيه شَبَهٌ من هؤلاء الكفَّار؛ لأنَّه إذا قيل له: تعالَ إلى ما أنزَلَ اللهُ وإلى الرسولِ قال: حسبي إمامي؛ فيكون فيه شَبهٌ من هؤلاء الكفَّارِ [1915] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/457). .
12- وجوبُ الرُّجوعِ إلى ما جاءَ في الكِتاب والسُّنة؛ لأنَّ الله أنكَرَ على هؤلاءِ الذين قالوا: حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا [1916] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/457). .
13- لا يجوزُ تركُ اتِّباعِ ما أنزل الله، واتباعِ رسلِه، وتقليدُ مَن لا علمَ عنده صحيحٌ، ولا عقلٌ رجيحٌ، وإنَّما يجوزُ الاقتداءُ بالعالمِ المهتدي، الذي يبني قولَه على الحجَّة والدليلِ، قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ [1917] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/448)، ((تفسير السعدي)) (ص: 246). .
14- أنَّ إصلاحَ النَّفْس والعنايةَ بها مِن مُقتضياتِ الإيمانِ؛ لِقَوْلِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [1918] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/461). .
15- المقصودُ مِنْ قَوْلِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ... بعدَ قولِه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا بيانُ أنَّه لا يَنبغي للمؤمنينَ أن يتشبَّهوا بهم في هذه الطريقةِ الفاسِدةِ، بل ينبغي أن يكونوا مُصِرِّين على دِينهم، وأنْ يَعلَموا أنَّه لا يضرُّهم جهلُ أولئك الجاهِلين إذا كانوا راسِخينَ في دِينهم، ثابِتينَ فيه [1919] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/449). .
16- أنَّ الإنسانَ لا يُحاسَب على حديثِ النَّفْسِ؛ لِقَوْلِه: فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، وحديثُ النَّفْسِ ليس عملًا؛ ودليلُ ذلك قولُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((إنَّ اللهَ تجاوزَ عن أمَّتي ما حدَّثت به أنفُسَها ما لم تعمَلْ أو تتكلَّم )) [1921] أخرجه البخاريُّ (5269) واللفظ له، ومسلمٌ (127) من حديث أبي هُرَيرَة رضي الله عنه. ، ولكن إذا ركَن الإنسانُ إلى حديثِ النَّفْس واطمأنَّ إليه واعتقدَه، فحينئذٍ يكونُ قد عمِل عملًا قلبيًّا لا جوارحيًّا [1922] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/463). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- دفْعُ التَّعارُضِ بين قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، وقولِه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [ الأنبياء: 7] حيث ذكَر كراهةَ السؤالِ والنهيَ عنه في الموضِع الأوَّل، وأمَر بالسُّؤالِ في الموضِع الثاني، فالجوابُ عن ذلك:
أنَّ الأوَّل المنهيَّ عنه هو سؤالُ الأشياءِ التي إذا بُيِّنَتْ لهم ساءتْهم وأحزنَتْهم بخلافِ سُؤال الاسترشادِ والتَّعلُّم مما تدعو الحاجةُ إليه في أمورِ الدِّين والدُّنيا، فهو محمودٌ قد أمرَ الله به، وأَذِن بالسُّؤالِ عنه [1923] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/550)، ((فتح القدير)) للشوكاني (2/93)، ((تفسير السعدي)) (ص: 62). .
2- قدَّم قولَه: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ على قولِه: وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ؛ لفائدة الزَّجرِ عن السُّؤالِ؛ فإنَّه قدَّم لهم أنَّ سؤالَهم عن أشياءَ متَى ظهرتْ أساءتْهم؛ قبلَ أنْ يُخبِرَهم بأنَّهم إنْ سألوا عنها، بدَتْ لهم لينزجِروا [1924] يُنظر: ((تفسير ابن عادل)) (7/547). .
3- أنَّ ما سكَت اللهُ عنه فهو عَفْوٌ؛ لِقَوْلِه: عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [1925] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/441). .
4- البِناءُ على الأصلِ في بَراءة الذِّمَّةِ؛ لِقَوْلِه: عَفَا اللَّهُ عَنْهَا، فالأصلُ عدمُ شَغلِ الذِّمَّة بإيجابٍ أو تحريمٍ [1926] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/445). .
5- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ أنَّ مَن قَبْلَنا كانوا يَسألون، ولكن يَهلِكون بالسُّؤال، ويُؤيِّدُ هذا قولُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الحديثِ الصحيحِ عمَّن سبَقَنا: ((إنَّما أَهْلَك الذين مِن قبلكم كثرةُ مَسائِلِهم واختلافُهم على أنبيائِهم )) [1927] أخرجه البخاريُّ (7288)، ومسلمٌ (1337) واللفظ له من حديث أبي هُرَيرَة رضي الله عنه. ؛ يسألون ثم يختلِفونَ عليهم، ولا يُوافِقونَهم [1928] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/448). .
6- إنْ قيل: كيف قال: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْياءَ ثم قال: قَدْ سَأَلَهَا ولم يقُلْ: (قد سأَل عنها)؟ فالجوابُ: أنَّ الضميرَ في: سَأَلَها ليس براجعٍ إلى أَشْيَاءَ حتَّى تجبَ تعديتُه بـ(عن)، وإنَّما هو راجعٌ إلى المسألةِ التي دلَّ عليها لا تَسْأَلُوا يعنى: قد سأَل قومٌ هذه المسألةَ مِن الأوَّلين، ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها أى: بمرجوعِها أو بسببِها كافِرِينَ وذلك أنَّ بنى إسرائيلَ كانوا يستفتون أنبياءَهم عن أشياءَ، فإذا أُمِروا بها تركوها فهلكوا [1929] ينظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/ 684). ، وقيل غير ذلك [1930] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (12/ 445، 446). .
7- إطلاقُ الجَعْل على التَّشريع؛ لِقَوْلِه: مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ [1931] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/453). .
8- حُسنُ الجدال في القرآنِ الكريم؛ حيث أقام الحُجَّة على هؤلاء الذين: قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا بأنَّ آباءَهم لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ فهم ضالُّونَ في عِلمهم وفي عَمَلِهم [1932] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/458). .
9- يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ أنَّ ضَلالَ مَن يضِلُّ لا يترتَّبُ عليه ضررُ المهتدي، يعني: الضَّررَ المعيَّن الشَّخصي، وأمَّا الضررُ العامُّ، وهي العقوبةُ العامَّة فهذه قد تكونُ، وقد لا تكونُ أيضًا إن كانوا ينهَوْنَ عن السُّوءِ؛ فاللهُ تعالى لَمَّا أخَذَ مَن أخَذَ من الأممِ السابقةِ نجَّى أنبياءَه ومَن معهم [1933] يُنظر:  ((تفسير ابن عثيمين- سورة المائدة)) (2/461). .

بلاغة الآيات:

1- قَوْلُه: وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ اعتراضٌ تذييليٌّ مُقرِّر لعفوِه تعالى، ومجيءُ الوصفَيْنِ غَفُورٌ رَحِيمٌ على صيغة المبالغَةِ؛ للمبالغة في وصْفِه بمغفرةِ الذُّنوبِ، والإغضاءِ عن المعاصي؛ ولذلك عفا عنكم، ولم يُؤاخِذْكم بعقوبةِ ما فرَط منكم [1934] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/85). .
2- قَوْلُه: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ استئنافٌ بيانيٌّ، جوابُ سؤالٍ يُثيرُه النهيُ عن السؤال ثمَّ الإذنُ فيه في حِين يُنزَّل القرآنُ؛ أنْ يقول سائلٌ: إنْ كان السؤالُ في وقتِ نزولِ القرآنِ، وإنَّ بعضَ الأسئلةِ يسوءُ جوابُه قومًا؛ فهل الأَوْلى تركُ السؤال أو إلقاؤه؟ فأُجيب بتفصيلِ أمْرِها بأنَّ أمثالَها قد كانتْ سببًا في كُفر قومٍ قبلَ المسلمين [1935] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/69). .
- وقوله: قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ، أي: سألوا هذه المسألةَ لكنْ لا عينَها، بل مثلَها في كونها محظورةً ومستتْبِعةً للوبال، وعدمُ التصريح بالمِثل- حيث لم يقُلْ: سأل مِثلَها قومٌ- للمبالغةِ في التَّحذيرِ [1936] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/86). .
- (ثُمَّ) في قوله: ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ للترتيبِ الرُّتبي، كشأنها في عطْفِ الجُمَل؛ فإنَّها لا تُفيد فيه تراخِي الزَّمانِ، وإنَّما تُفيد تراخي مَضمونِ الجملة المعطوفة في تصوُّر المتكلِّم عن تصوُّر مضمونِ الجملةِ المعطوفِ عليها؛ فتدلُّ على أنَّ الجملة المعطوفة لم يكُن يُترقَّبُ حُصولُ مضمونِها حتَّى فاجأَ المتكلِّمَ [1937] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/69). .
- وفِعْلُ أَصْبَحُوا مستعمَلٌ بمعنى صاروا، وهو في هذا الاستعمالِ مُشْعِرٌ بمصيرٍ عاجِلٍ لا ترَيُّثَ فيه؛ لأنَّ الصَّباحَ أَوَّلُ أوقاتِ الانتشارِ للأَعمالِ [1938] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (7/70). .
3- قَوْلُه: مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ فيه: الإغراقُ في النَّفي بقوله: مِنْ بَحِيرَةٍ، ثم تأكيد النَّفي بإعادةِ حَرْفِ النَّفي (لا)، فقال: وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ [1939] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (6/318). .
4- قَوْلُه: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ الواو في (أوَلَوْ) للعطفِ على شرطيَّةٍ أُخرى مقدَّرة قبلها، والتقدير: أحَسْبُهم ذلك، أو أيقولون هذا القولَ لو لم يكُن آبَاؤُهم لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا من الدِّين، ولا يَهتُدون للصَّوابِ ولَوْ كانوا لا يعلمون... إلخ [1940] وقيل: إنَّ الواو في قوله: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ واو الحال قد دخلتْ عليها همزة الإنكار، وتقديره: أحسْبُهم ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون. وقيل: إنَّ مؤدَّى القولين واحد. يُنظر: ((تفسير الزمخشري))، (1/685)، ((تفسير الرازي)) (12/448)، ((تفسير أبي حيان)) (4/385- 386)، ((تفسير أبي السعود)) (3/87). ، وما في (لو) مِن معنى الامتناعِ والاستبعادِ إنَّما هو بالنَّظَر إلى زَعْمهم لا إلى نفْسِ الأمْرِ، وفائدتُه: المبالغةُ في الإنكارِ والتعجُّب ببيانِ أنَّ ما قالوه موجِبٌ للإنكارِ والتعجُّب، إذا كان كونُ آبائِهم جَهلةً ضالِّين في حيِّز الاحتمالِ البعيد؛ فكيف إذا كانَ ذلك واقعًا لا ريبَ فيه [1941] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (3/87). ؟!
5- قَوْلُه: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ خبرٌ فيه: وعدٌ ووعيدٌ للفريقين، وتنبيهٌ على أنَّ أحدًا لا يُؤاخَذُ بذنبِ غيرِه [1942] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/146)، ((تفسير أبي حيان)) (4/388). .