موسوعة التفسير

سُورةُ الدُّخَانِ
الآيات (51-59)

ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ

غَريبُ الكَلِماتِ:

سُنْدُسٍ: أي: رَقيقِ الحَريرِ [303] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (15/255)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 276)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 274)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 519). .
وَإِسْتَبْرَقٍ: أي: غليظِ الحريرِ [304] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 442)، ((تفسير ابن جرير)) (15/255)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 276)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 274)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 116). .

مُشكِلُ الإعرابِ:

قَولُه تعالى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى
قَولُه: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى في هذا الاستِثناءِ وَجْهانِ؛ أحدُهما: أنَّ الْمَوْتَةَ مَنصوبةٌ على الاستِثناءِ المُنقَطِعِ، أي: لكِنِ المَوتةُ الأولى قد ذاقوها في الدُّنيا، أو سِوى المَوتةِ الأُولى الَّتي قد ذاقوها في الدُّنيا. الثَّاني: أنَّ الْمَوْتَةَ مَنصوبةٌ على الاستِثناءِ المتَّصِلِ، وتأوَّلوه: بأنَّ المُؤمِنَ عندَ مَوتِه في الدُّنيا بمَنزِلَتِه في الجنَّةِ؛ لِمُعايَنةِ ما يُعطاه منها، أو لِما يَتيَقَّنُه مِن نَعيمِها. وقيل غيرُ ذلك [305] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/44)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (4/428)، ((مشكل إعراب القرآن)) لمكِّي (2/658)، ((البسيط)) للواحدي (20/126)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/631)، ((تفسير الألوسي)) (13/134). .

المعنى الإجماليُّ:

بعدَ أن ذكَر تعالى الكافرينَ وسوءَ مصيرِهم، يَذكُرُ المتَّقينَ وحُسنَ عاقِبَتِهم، فيقولُ تعالى: إنَّ المتَّقينَ في مَكانٍ يأمَنُ فيه ساكِنُه مِن كُلِّ مَكروهٍ وسُوءٍ؛ في جنَّاتٍ وعُيونِ ماءٍ، يَلبَسونَ مِن حريرٍ رَقيقٍ ناعِمٍ وآخَرَ غَليظٍ، مُتواجِهينَ في الجنَّةِ، يُقابِلُ بَعضُهم بَعضًا بالوُجوهِ، كذلك وزَوَّجْناهم بنِساءٍ نَقِيَّاتِ البَياضِ، شديداتِ بياضِ العَينِ معَ قوَّةِ سَوادِها، واسِعاتِ الأعيُنِ حِسانِها. ويَطلُبونَ في الجنَّةِ كُلَّ الفواكِهِ آمِنينَ مِن نَفادِها، أو أن يَنالَهم مِن أكلِها أذًى.
ثمَّ يُبيِّنُ سبحانَه أنَّ بقاءَهم في تلك الجنَّاتِ بقاءٌ دائمٌ، فيقولُ: لا يَذوقونَ في الجنَّةِ الموتَ إلَّا المَوتةَ الأُولى الَّتي ماتوها مِن قَبْلُ، ووقاهم رَبُّهم عذابَ النَّارِ؛ تفَضُّلًا منه سُبحانَه وإحسانًا، وذلك هو الفَوزُ العَظيمُ!
ثمَّ يقولُ تعالى: فإنَّما يسَّرْنا هذا القُرآنَ على النَّاسِ -يا محمَّدُ- بلِسانِك العَربيِّ الَّذي هو أفصَحُ الألسِنةِ؛ لَعَلَّهم يَفهَمونَ مَعانيَه فيَتَّعِظونَ ويَعمَلونَ. ثمَّ يُسلِّي اللهُ تعالى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم ويَعِدُه بالنَّصرِ، ويَتوعَّدُ مَن كذَّبه، فيقولُ: فترَقَّبْ -يا محمَّدُ- ما يَحُلُّ بهم مِن العذابِ؛ إنَّهم مُترَقِّبونَ.

تَفسيرُ الآياتِ:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالى لَمَّا ذَكَرَ الوَعيدَ في الآياتِ المُتقَدِّمةِ؛ ذكَرَ الوَعدَ في هذه الآياتِ [306] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/665). .
القِراءاتُ ذاتُ الأثَرِ في التَّفسيرِ:
1- قِراءةُ: مُقَامٍ بضَمِّ الميمِ. قيل: بمعنى الإقامةِ، فيَكونُ المعنى أنَّ المتَّقينَ في مُقامٍ أمينٍ مِنَ الانتِقالِ والارتحالِ عنه، فهم في إقامةٍ دائمةٍ في الجنَّةِ، أو يكونُ قَولُه تعالى: أَمِينٍ وَصفًا لِمُقَدَّرٍ مَحذوفٍ، أي: في مَوضِعِ إقامةٍ أمينٍ. وقيل: يحتَمِلُ أن يريدَ به المكانَ مِن «أقامَ»، فيَكونَ بمعنى القراءةِ الثَّانيةِ [307] قرأ بها نافعٌ، وابنُ عامرٍ، وأبو جعفرٍ. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/371). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (21/63)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (6/168)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 657). .
2- قِراءةُ: مَقَامٍ بفَتحِ الميمِ، أي: في مَوضِعٍ آمِنٍ مِنَ الخُروجِ منه، ومِن الأوصابِ والعِلَلِ والأنصابِ والأحزانِ، وغيرِ ذلك مِن المَخاوِفِ والآفاتِ [308] قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (2/371). ويُنظر لمعنى هذه القراءةِ: ((تفسير ابن جرير)) (21/63)، ((الحجة للقراء السبعة)) لأبي علي الفارسي (6/168)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 657). .
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51).
أي: إنَّ الَّذين اتَّقَوا سَخَطَ اللهِ وعَذابَه، بامتِثالِ ما أمَرَ به، واجتِنابِ ما نهَى عنه: مُستَقَرُّهم في الجنَّةِ في مَوضِعٍ يأمَنُ فيه ساكِنُه مِنَ الموتِ والخُروجِ، ومِن كُلِّ هَمٍّ وحَزَنٍ ونَكَدٍ، ومِن سائِرِ الآفاتِ والمصائِبِ [309] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/825)، ((تفسير ابن جرير)) (21/63)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 100)، ((تفسير ابن كثير)) (7/261)، ((تفسير الشوكاني)) (4/663)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
كما قال الله تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان: 24] .
وقال سُبحانَه: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 75، 76].
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52).
أي: مَقامُهم في بَساتينَ وعُيونِ ماءٍ [310] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/64)، ((تفسير السعدي)) (ص: 774)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53).
يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ.
أي: يَلبَسونَ فيها الحَريرَ الرَّقيقَ النَّاعِمَ، والغَليظَ اللَّامِعَ البَرَّاقَ [311] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/64)، ((تفسير القرطبي)) (16/152)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 197)، ((تفسير ابن كثير)) (7/261)، ((تفسير السعدي)) (ص: 774). قيل: يَلبَسونَ الحَريرَ النَّاعِمَ على أجسادِهم، ويَلبَسونَ الإستَبْرَقَ فوقَ اللِّباسِ الأوَّلِ، فيُفيدُ السُّندُسُ الْتِذاذَ الجِسمِ به؛ لِرِقَّتِه ونُعومتِه، ويفيدُ الإستَبرَقُ الْتِذاذَ العَينِ به؛ لبَريقِه ولَمَعانِه. يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 197)، ((تفسير ابن كثير)) (7/261)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
كما قال تعالى: وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ [الكهف: 31].
وقال سُبحانَه: وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [الحج: 23] .
مُتَقَابِلِينَ.
أي: مُتواجِهينَ يُقابِلُ بَعضُهم بعضًا بالوُجوهِ، فلا يَجلِسُ أحَدٌ منهم وظَهرُه إلى غيرِه [312] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/64)، ((تفسير القرطبي)) (16/152)، ((تفسير ابن كثير)) (7/261)، ((تفسير السعدي)) (ص: 774)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/318). قال السعدي: (مُتَقَابِلِينَ في قلوبِهم ووُجوهِهم، في كمالِ الرَّاحةِ والطُّمَأنينةِ، والمَحبَّةِ والعِشْرةِ الحَسَنةِ والآدابِ المُستحسَنةِ). ((تفسير السعدي)) (ص: 774). .
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54).
أي: كذلك [313] قيل: المرادُ: كما فعَلْنا بهم ما ذكَرْنا -مِن إكرامِهم بالجنَّاتِ والعُيونِ واللِّباسِ- كذلك نُزَوِّجُهم بالحُورِ العِينِ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، والسمعاني، والبغوي. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/65)، ((تفسير السمعاني)) (5/132)، ((تفسير البغوي)) (4/182). وقيل: المعنى: الأمرُ كما ذكَرْنا ووَصَفْنا لكم. وممَّن ذهب إلى هذا: الواحديُّ، وابن عطية، وابن الجوزي، والقرطبي، والبقاعي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/93)، ((تفسير ابن عطية)) (5/78)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/94)، ((تفسير القرطبي)) (16/152)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/49). قال الشوكاني: (والكافُ في قولِه: كَذَلِكَ إمَّا نعتُ مَصدرٍ محذوفٍ، أي: نَفعَلُ بالمُتَّقينَ فِعْلًا كذلك. أو: مَرفوعٌ على أنَّه خبَرٌ لمبتدأٍ مَحذوفٍ، أي: الأمرُ كذلك). ((تفسير الشوكاني)) (4/663). ، وزَوَّجْناهم [314] ممَّن اختار أنَّ معنى وَزَوَّجْنَاهُمْ أي: قَرَنَّاهم بهِنَّ: ابنُ أبي زَمَنين، والبغوي، والزمخشري، والقرطبي، والبيضاوي، والنسفي، والنيسابوري، والعُلَيمي، وأبو السعود، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/208)، ((تفسير البغوي)) (4/182)، ((تفسير الزمخشري)) (4/411)، ((تفسير القرطبي)) (17/65)، ((تفسير البيضاوي)) (5/104)، ((تفسير النسفي)) (3/295)، ((تفسير النيسابوري)) (6/194)، ((تفسير العليمي)) (6/259)، ((تفسير أبي السعود)) (8/66)، ((تفسير ابن عاشور)) (27/47). قال الألوسي: (والمرادُ على ما قال غيرُ واحِدٍ: وقَرَنَّاهم بِحُورٍ عِينٍ، وفُسِّرَ بذلك؛ قيل: لأنَّ الجنَّةَ ليس فيها تكليفٌ، فلا عَقْدَ ولا تزويجَ بالمعنى المشهورِ. وقيل: لِمَكانِ الباءِ، وزَوَّجَه المرأةَ بمعنى أنكَحَه إيَّاها: مُتعَدٍّ بنَفْسِه. وفيه بحثٌ؛ فإنَّ الأخفَشَ جَوَّزَ الباءَ فيه، فيُقالُ: زوَّجْتُه بامرأةٍ فتزَوَّجَ بها، وأزْدُ شَنُوءةَ يُعَدُّونَه بالباءِ أيضًا، وفي القاموسِ: زوَّجْتُه امرأةً وتزوَّجْتُ امرأةً وبِها، أو هي قليلةٌ [أي: التَّعديةُ بالباءِ]...، ويجوزُ أن يُقالَ: إنَّ ذلك التَّفسيرَ؛ لأنَّ الحُورَ العِينَ في الجنَّةِ مِلكُ يَمينٍ كالسَّراريِّ في الدُّنيا، فلا يَحتاجُ الأمرُ إلى العَقْدِ عَليهنَّ، على أنَّه يُمكِنُ أن يكونَ في الجنَّةِ عَقدٌ، وإنْ لم يكُنْ فيها تَكليفٌ). ((تفسير الألوسي)) (13/133). ويُنظر: ((القاموس المحيط)) للفيروزابادي (ص: 192). وقال أبو عُبيدة: (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ: جعَلْناهم أزواجًا، كما تُزَوَّجُ النَّعْلُ بالنَّعْلِ، جعَلْناهم اثنَينِ اثنَينِ جَميعًا بجَميعٍ). ((مجاز القرآن)) (2/209). قال الواحدي: (وقَولُ أبي عُبَيدةَ حَسَنٌ؛ لأنَّه جَعَل قَولَه: وَزَوَّجْنَاهُمْ مِنَ التَّزويجِ الَّذي هو بمعنى: جَعْلِ الشَّيءِ زَوجًا، لا بمعنى عَقْدِ النِّكاحِ، ومِن هذا يجوزُ أن يُقالَ: كان فَرْدًا وزَوَّجْتُه بآخَرَ، كما يُقالُ: شَفَعْتُه بآخَرَ، فإنَّما يَمتَنِعُ الباءُ عندَ مَن [يمنَعُها] إذا كان بمعنى التَّزويجِ، ونحوَ هذا قال الأخفَشُ في هذه الآيةِ: جعَلْناهم أزواجًا بالحُورِ). ((البسيط)) (20/124). ويُنظر: ((معانى القرآن)) للأخفش (2/516). وقال ابن عاشور: (المُرادُ أَنَّهُم مَأنُوسُون بصُحبةِ حَبائِبَ مِن النِّساءِ، كما أَنِسوا بصُحبةِ الأصحابِ والأحِبَّةِ مِن الرِّجالِ؛ استِكمالًا لمُتعارَفِ الأُنسِ بيْنَ النَّاسِ، وفي كِلَا الأُنسَينِ نَعيمٌ نَفْسانيٌّ مُنجَرٌّ للنَّفْسِ مِن النَّعيمِ الجُثمانيِّ، وهذا مَعنًى سامٍ مِن مَعاني الانبِساطِ الرُّوحيِّ). ((تفسير ابن عاشور)) (25/318). وقال ابنُ القَيِّمِ بعدَ أنْ ذَكَر قَولَ مَن قال: إنَّ المعنى: قَرَنَّاهم، قال: (وعلى هذا فزَوَّجْناهم عندَ هؤلاءِ: مِنَ الاقتِرانِ والشَّفْعِ، أي: شفَعْناهم وقَرَنَّاهم بهِنَّ. وقالت طائِفةٌ -منهم مُجاهِدٌ-: زَوَّجْناهم بهِنَّ، أي: أنكَحْناهم إياهُنَّ. قُلتُ: وعلى هذا فتَلويحُ فِعلِ التَّزويجِ قد دَلَّ على النِّكاحِ، وتَعديتُه بالباءِ المُتضَمِّنةِ معنَى الاقترانِ والضَّمِّ؛ فالقَولانِ واحِدٌ. واللهُ أعلَمُ). ((التبيان في أقسام القرآن)) (ص: 274). وقال أيضًا: (ولا يَمتَنِعُ أن يُرادَ الأمْرانِ معًا؛ فلَفظُ التَّزويجِ يدُلُّ على النِّكاحِ، كما قال مجاهِدٌ: أنكَحْناهم الحُورَ، ولَفظُ الباءِ تدُلُّ على الاقتِرانِ والضَّمِّ، وهذا أبلَغُ مِن حَذْفِها. واللهُ أعلَمُ). ((حادي الأرواح)) (ص: 220). بنِساءٍ نَقِيَّاتِ البَياضِ، شديداتِ بياضِ العَينِ مع قوَّةِ سَوادِها [315] الحورُ جمعُ حوراءَ. قيل: هي المرأةُ البَيضاءُ النَّقِيَّةُ البَياضِ. وممَّن قال بهذا المعنى في الجُملةِ: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والسمرقنديُّ، والثعلبي، والعُلَيمي، والشوكاني. يُنظر: ((مقاتل ابن سليمان)) (3/826)، ((تفسير السمرقندي)) (3/274)، ((تفسير الثعلبي)) (8/356)، ((تفسير العليمي)) (6/259)، ((تفسير الشوكاني)) (4/663). وقال القرطبي: (والحُورُ: البِيضُ. في قَولِ قَتادةَ والعامَّةِ، جمْعُ حَوراءَ). ((تفسير القرطبي)) (16/152). وقيل: الحَوراءُ: هي الشَّديدةُ سَوادِ العَينِ والشَّديدةُ بَياضِها. وممَّن اختاره: أبو عُبيدةَ، ومكِّي، والنَّسَفي، وابنُ جُزَي. يُنظر: ((مجاز القرآن)) لأبي عبيدة (2/246)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7123)، ((تفسير النسفي)) (3/295)، ((تفسير ابن جزي)) (2/312). قال ابنُ القيِّم: (الصَّحيحُ أنَّ الحُورَ مأخوذٌ مِنَ الحَوَرِ في العَينِ: وهو شِدَّةُ بَياضِها مع قُوَّةِ سَوادِها، فهو يتضَمَّنُ الأمْرَينِ... ولا تُسَمَّى المرأةُ حَوراءَ حتَّى يكونَ مع حَوَرِ عَيْنِها بياضُ لَونِ الجَسَدِ). ((حادي الأرواح)) (ص: 219). ويُنظر: ((البسيط)) للواحدي (20/125). وقيل: سُمِّينَ حُورًا؛ لِأنَّ الطَّرْفَ يَحارُ فيهِنَّ؛ مِن حُسْنِهنَّ وجَمالِهنَّ. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: السعدي. يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 775). وممَّن قال به مِن السَّلَفِ: مجاهدٌ. وقد ردَّ هذا القولَ ابنُ جرير. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/65). والعِينُ: جمعُ العَيناءِ. وممَّن اختار أنَّ المرادَ بها: المرأةُ الواسِعةُ العَينِ عَظيمَتُها: ابنُ جرير، ومكِّي، والرازي، والبيضاوي، وأبو السعود، والشوكاني. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/538) و(21/66)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (10/6759)، ((تفسير الرازي)) (27/666)، ((تفسير البيضاوي)) (5/104)، ((تفسير أبي السعود)) (8/66)، ((تفسير الشوكاني)) (4/663). وممَّن اختار أنَّ المرادَ بالعِيْنِ: حِسانُ الأعيُنِ: مقاتلُ بنُ سُليمانَ، والسمرقنديُّ، ومكِّي، والسمعانيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/218)، ((تفسير السمرقندي)) (3/274)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (11/7123)، ((تفسير السمعاني)) (5/271). وممَّن اختار أنَّ المرادَ: سَعةُ العَينِ وعِظَمُها معَ حُسْنِها: ابنُ جُزَي، وجلال الدين المحلي، والعُليمي، والقاسمي. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/312)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 697)، ((تفسير العليمي)) (6/259)، ((تفسير القاسمي)) (9/51). قال ابنُ القيِّم: (والعِينُ: جَمعُ عَيناءَ، وهي العَظيمةُ العَينِ مِن النِّساءِ... والصَّحيحُ: أنَّ العِينَ: اللَّاتي جَمَعَت أعيُنهُنَّ صِفاتِ الحُسنِ والمَلاحةِ، قال مُقاتلٌ: العِينُ: حِسانُ الأعيُنِ. ومِن محاسِنِ المرأةِ اتِّساعُ عَيْنِها في طُولٍ، وضِيقُ العَينِ في المرأةِ مِن العُيوبِ). ((حادي الأرواح)) (ص: 219). ، واسِعاتِ الأعيُنِ حِسانِها [316] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/65، 66) و(21/578)، ((الوسيط)) للواحدي (4/93)، ((تفسير القرطبي)) (16/152، 153)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 218 - 220)، ((تفسير ابن كثير)) (7/261)، ((تفسير السعدي)) (ص: 774)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/ 318، 319). .
كما قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [الطور: 20].
يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55).
أي: يَطلُبُ المتَّقونَ في الجنَّةِ كُلَّ ما يَشتَهونَه مِن أنواعِ الفَواكِهِ، فتَأتيهم في كُلِّ حينٍ، آمِنينَ مِن نَفادِها أو انقِطاعِها، وآمِنينَ مِن أن يَنالَهم مِن أكْلِها ضَرَرٌ، أو يَلحَقَهم أذًى [317] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/66)، ((تفسير القرطبي)) (16/154)، ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 218)، ((تفسير ابن كثير)) (7/261)، ((تفسير السعدي)) (ص: 775)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/319). .
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا وَصَف اللهُ تعالى أنواعَ ما هم فيه مِنَ الخَيراتِ والرَّاحاتِ؛ بَيَّنَ أنَّ حياتَهم دائِمةٌ [318] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/666). .
وأيضًا لَمَّا ذَكَر الأمانَ، وكان أخْوَفَ ما يَخافُ أهلُ الدُّنيا الموتُ؛ قال [319] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (18/50). :
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى.
أي: لا يَذوقُ المتَّقونَ في الجنَّةِ الموتَ أبدًا إلَّا المَوتةَ الأُولى الَّتي ماتوها مِن قَبْلُ في الدُّنيا [320] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/44)، ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 53)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/428)، ((الوسيط)) للواحدي (4/93)، ((تفسير ابن عطية)) (5/78). قيل: المرادُ بـ إِلَّا هنا: (بَعْدَ). والمعنى: لا يَذوقونَ فيها الموتَ بعدَ الموتةِ الأُولى الَّتي ماتوها في الدُّنيا. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: ابنُ جرير، ومكِّي، وذكَرَا أنَّها قريبةُ المعنى مِن (بَعْدَ)، لكِنْ ضَعَّفَ هذا القَولَ الجُمهورُ -كما ذكَرَ السَّمينُ الحَلَبي-؛ لعدَمِ ثُبوتِ كَونِ (إلَّا) بمعنى (بَعْدَ). يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/67، 68)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (10/6760)، ((الدر المصون)) للسمين الحلبي (9/631). وقال الشربيني: (واختاره الطَّبَريُّ: لكِنْ نُوزِعَ بأنَّ إلَّا بمعنى «بَعْدَ» لم يَثبُتْ، وقد يُجابُ بأنَّ مَن حَفِظَ حُجَّةٌ على مَن لم يحفَظْ). ((تفسير الشربيني)) (3/467). وقال أبو الحسَنِ المُجاشِعيُّ: (وإنَّما جاز أن تقعَ «إلَّا» مَوقِعَ «بَعْدَ»؛ لأنَّ «إلَّا» لإخراجِ بَعضٍ مِن كُلٍّ، و «بَعْدَ» لإخراجِ الثَّاني عن الوَقتِ الأوَّلِ). ((النكت في القرآن الكريم)) (ص: 444). وقال ابنُ القيِّمِ: (هذا مِن الاستثناءِ السَّابقِ زَمانُه زمانَ المُستثنى منه، ولَمَّا كانت المَوتةُ الأُولى مِن جِنسِ الموتِ المنفيِّ زَعَم بَعضُهم أنَّه مُتَّصِلٌ. وقال بَعضُهم: إِلَّا بمعنى «بَعْدَ»، والمعنى: لا يَذوقونَ بَعْدَ الموتةِ الأُولى مَوتًا في الجنَّةِ، وهذا معنًى حَسَنٌ جِدًّا يَفتَقِرُ إلى مُساعدةِ اللَّفظِ عليه، ويُوضِّحُه: أنَّه ليس المرادُ إخراجَ الموتةِ الأُولى مِن الموتِ المنفيِّ، ولا ثَمَّ شَيءٌ مُتوَهَّمٌ يُحتاجُ لأجْلِه إلى الاستثناءِ، وإنَّما المرادُ الإخبارُ بأنَّهم بعدَ مَوتَتِهم الأُولى الَّتي كتَبَها اللهُ عليهم لا يَذوقونَ غَيرَها، وعلى هذا فيُقالُ: لَمَّا كان ما بَعْدَ إِلَّا حُكمُه مخالِفٌ لحُكمِ ما قَبْلَها، والحياةُ الدَّائِمةُ في الجنَّةِ إنَّما تكونُ بعدَ المَوتةِ الأُولى؛ كانت أداةُ إِلَّا مُفهِمةً هذه البَعْديَّةَ، وقد أُمِنَ اللَّبسُ؛ لعَدَمِ دُخولِها في الموتِ المنفيِّ في الجنَّةِ، فتجَرَّدت لهذا المعنى، فهذا مِن أحسَنِ ما يُقالُ في الآيةِ؛ فتأمَّلْه). ((بدائع الفوائد)) (3/70). وقيل: إِلَّا هنا بمعنى «سِوى»، أي: لا يَذوقونَ في الجنَّةِ مَوتًا سِوى المَوتةِ الَّتي ماتوها مِن قَبْلُ في الدُّنيا. وممَّن ذهب إلى هذا القولِ: الفَرَّاءُ، وابنُ قُتَيْبةَ، والزَّجَّاجُ. يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (3/44)، ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 53)، ((معاني القرآن وإعرابه)) للزَّجَّاج (4/428). قال الرَّسْعَني: (وأكثَرُ المفَسِّرينَ يقولُ: سِوى الموتةِ الأُولى الَّتي ذاقوها في الدُّنيا). ((تفسير الرسعني)) (7/183). وقال ابن عطيَّة: (قولُه تعالى: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى قدَّر قَومٌ إِلَّا بـ «سِوى»، وضَعَّف ذلك الطَّبريُّ، وقَدَّرَها بـ «بَعْدَ»، وليس تضعيفُه بصَحيحٍ، بل يَصِحُّ المعنى بـ «سِوَى» ويَتَّسِقُ). ((تفسير ابن عطية)) (5/78). وقيل: هذا مِن بابِ التَّعليقِ بالمحالِ، أُريدَ أن يُقالَ: لا يَذوقونَ فيها الموتَ البتَّةَ، فوَضَعَ قَولَه: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى مَوضِعَ ذلك؛ لأنَّ الموتةَ الماضيةَ مُحالٌ ذَوقُها في المُستقبَلِ، كأنَّه قيل: إنْ كانت الموتةُ الأُولى يَستقيمُ ذَوقُها في المُستَقبَلِ فإنَّهم يَذوقونَها. وممَّن ذهب إلى هذا المعنى: الزمخشري، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/283)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/319). وقيل: الاستِثناء مُنقَطِعٌ، أي: لا يَذوقونَ فيها الموتَ البتَّةَ؛ لأنَّهم خالِدونَ فيها، لَكِنِ الموتةُ الأُولى قد ذاقوها في الدُّنيا. وممَّن ذهب إلى هذا القول: القرطبيُّ، وابنُ كثير. يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (16/154)، ((تفسير ابن كثير)) (7/261). قال ابن القيِّم: (هذا الاستِثناءُ هو لتَحقيقِ دَوامِ الحياةِ، وعدَمِ ذَوقِ الموتِ، وهو يجعَلُ النَّفيَ الأوَّلَ العامَّ بمَنزلةِ النَّصِّ الَّذي لا يَتطَرَّقُ إليه استِثناءٌ البتَّةَ؛ إذْ لو تطَرَّق إليه استِثناءُ فَردٍ مِن أفرادِه لَكان أَولى بذِكْرِه مِن العُدولِ عنه إلى الاستِثناءِ المنقَطِعِ؛ فجرى هذا الاستِثناءُ مَجرى التَّأكيدِ والتَّنصيصِ على حِفظِ العُمومِ، وهذا جارٍ في كُلِّ مُنقَطِعٍ؛ فتأمَّلْه فإنَّه مِن أسرارِ العَرَبيَّةِ). ((مدارج السالكين)) (1/326). .
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا صار أهلُ الجنَّةِ إلى الجنَّةِ، وصار أهلُ النَّارِ إلى النَّارِ؛ أُتِيَ بالموتِ حتَّى يُجعَلَ بيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ، ثمَّ يُذبَحُ، ثمَّ يُنادي مُنادٍ: يا أهلَ الجنَّةِ لا مَوتَ، ويا أهلَ النَّارِ لا مَوتَ، فيَزدادُ أهلُ الجنَّةِ فَرَحًا إلى فَرَحِهم، ويَزدادُ أهلُ النَّارِ حُزنًا إلى حُزنِهم)) [321] رواه البخاريُّ (6548)، ومسلمٌ (2850) واللَّفظُ له. .
وعن أبي سَعيدٍ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُجاءُ بالموتِ يومَ القيامةِ كأنَّه كَبشٌ أمْلَحُ [322] أملَحُ: أي: في صوفِه بَياضٌ وسَوادٌ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/189). ، فيُوقَفُ بيْنَ الجنَّةِ والنَّارِ، فيُقالُ: يا أهلَ الجنَّةِ هل تَعرِفونَ هذا؟ فيَشْرَئِبُّونَ [323] فيَشْرَئِبُّونَ: أي: يَرفَعونَ رُؤوسَهم إلى المنادي. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (17/185). ويَنظُرونَ ويَقولونَ: نعَمْ، هذا الموتُ! ويُقالُ: يا أهلَ النَّارِ هل تَعرِفونَ هذا؟ فيَشرَئِبُّونَ ويَنظُرونَ ويَقولونَ: نعَمْ، هذا الموتُ! فيُؤمَرُ به فيُذبَحُ، ثمَّ يُقالُ: يا أهلَ الجنَّةِ خُلودٌ فلا مَوتَ، ويا أهلَ النَّارِ خُلودٌ فلا مَوتَ )) [324] رواه البخاري (4730)، ومسلم (2849) واللَّفظُ له. .
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ وأبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((يُنادي مُنادٍ: إنَّ لكم أن تَصِحُّوا فلا تَسْقَموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَحْيَوْا فلا تَموتوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا تَهْرَموا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَنْعَموا فلا تَبْأَسُوا أبدًا )) [325] رواه مسلم (2837). .
وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.
أي: ونجَّى اللهُ المُتَّقينَ مِن عَذابِ النَّارِ، فصَرَفَه عنهم [326] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/69)، ((تفسير السمرقندي)) (3/274)، ((تفسير ابن كثير)) (7/262). .
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57).
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ.
أي: وقاهم اللهُ تعالى عذابَ الجَحيمِ تَفَضُّلًا مِن رَبِّك -يا محمَّدُ- عليهم، وإحسانًا منه إليهم [327] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/69)، ((تفسير القرطبي)) (16/155)، ((تفسير ابن كثير)) (7/263)، ((تفسير السعدي)) (ص: 775). .
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قارِبوا وسَدِّدوا، واعلَموا أنَّه لن يَنجوَ أحَدٌ مِنكم بعَمَلِه! قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ولا أنتَ؟! قال: ولا أنا إلَّا أن يَتغَمَّدَني اللهُ برَحمةٍ منه وفَضلٍ !)) [328] رواه البخاري (5673)، ومسلم (2816) واللَّفظُ له. .
ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
أي: النَّجاةُ مِن النَّارِ ودُخولُ الجنَّةِ: هو الرِّبحُ والظَّفَرُ العَظيمُ الَّذي لا فَوزَ غَيرُه [329] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/69)، ((تفسير القرطبي)) (16/155)، ((تفسير السعدي)) (ص: 775). .
كما قال الله تبارك وتعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران: 185] .
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه لَمَّا بَيَّن اللهُ تعالى الدَّلائِلَ، وشَرَح الوَعدَ والوَعيدَ؛ قال: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، والمعنى: أنَّه تعالى وَصَف القُرآنَ في أوَّلِ هذه السُّورةِ بكَونِه كِتابًا مُبينًا، أي: كَثيرَ البَيانِ والفائِدةِ، وذَكَر في خاتمتِها ما يُؤَكِّدُ ذلك، فقال: إنَّ ذلك الكِتابَ المُبِينَ الكَثيرَ الفائِدةِ: أنزَلْناه عَربيًّا بِلُغَتِك؛ لَعَلَّهم يَتَذكَّرونَ [330] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/667). .
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58).
أي: فإنَّما سَهَّلْنا على النَّاسِ -يا محمَّدُ- هذا القُرآنَ ويَسَّرْنا لهم بيانَه بِلُغَتِك العَربيَّةِ الَّتي هي أفصَحُ اللُّغاتِ؛ لعَلَّهم يَفهَمونَ مَعانيَه، ويَتَّعِظونَ بعِظاتِه، ويَعمَلونَ به [331] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/70)، ((تفسير القرطبي)) (16/155)، ((تفسير ابن كثير)) (7/263)، ((تفسير السعدي)) (ص: 775)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/321). .
كما قال تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [مريم: 97] .
وقال سُبحانَه: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192 - 195] .
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17].
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59).
أي: فتَرَقَّبْ -يا محمَّدُ- ما يحُلُّ بهم مِنَ العذابِ والهلاكِ وانتَظِرْه؛ إنَّهم مُنتَظِرونَ [332] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/826)، ((تفسير السمعاني)) (5/133)، ((تفسير ابن كثير)) (7/263)، ((تفسير السعدي)) (ص: 775). .
كما قال تعالى: وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ [السجدة: 28 - 30] .

الفَوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِفُ:

1- قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إلى قَولِه: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ، تأمَّلْ كيفَ ذكَرَ سُبحانَه الأمْنَ في قَولِه تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ، وفي قَولِه تعالى: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ؛ فجَمَع لهم بيْنَ أمْنِ المكانِ، وأمْنِ الطَّعامِ -فلا يَخافونَ انقِطاعَ الفاكِهةِ، ولا سُوءَ عاقِبَتِها ومَضَرَّتَها-، وأمْنِ الخُروجِ منها فلا يَخافونَ ذلك، وأمْنِ الموتِ فلا يَخافونَ فيها مَوتًا [333] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 100). .
2- قال الله تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ الأمنُ أكبَرُ شُروطِ حُسنِ المكانِ؛ لأنَّ السَّاكِنَ أوَّلُ ما يتطَلَّبُه الأمنُ، وهو السَّلامةُ مِن المَكارِهِ والمَخاوِفِ، فإذا كان آمِنًا في مَنزِلِه كان مُطمَئِنَّ البالِ، شاعِرًا بالنَّعيمِ الَّذي يَنالُه [334] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
3- قال اللهُ تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فجَمَع لهم بيْنَ حُسنِ المَنزِلِ، وحُصولِ الأمْنِ فيه مِن كُلِّ مَكروهٍ، واشتِمالِه على الثِّمارِ والأنهارِ، وحُسنِ اللِّباسِ، وكَمالِ العِشْرةِ؛ لِمُقابَلةِ بَعضِهم بعضًا، وتمامِ اللَّذَّةِ بالحُورِ العِينِ، ودُعائِهم بجَميعِ أنواعِ الفاكِهةِ، معَ أمْنِهم مِن انقِطاعِها ومَضَرَّتِها وغائِلتِها، وفي خِتامِ ذلك أعلَمَهم بأنَّهم لا يَذوقونَ فيها هناك مَوتًا [335] يُنظر: ((حادي الأرواح)) لابن القيم (ص: 218). .
4- قَولُه تعالى عن المتَّقينَ: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى إنْ قيلَ: أليس أهلُ النَّارِ لا يموتونَ، فلِمَ بَشَّرَ أهلَ الجنَّةِ بهذا مع مُشارَكةِ غَيرِهم في هذا المعنى؟
والجواب: أنَّ أهلَ الجنَّةِ في حياةٍ هَنيئةٍ، بِشارتُهم بالخُلودِ تَزيدُهم سُرورًا وقُرَّةَ عَينٍ، وأهلَ النَّارِ يموتونَ مَوتاتٍ كَثيرةً بما يُقاسُونَ مِن الشِّدَّةِ، وانتفاءُ الموتِ عنهم يَزيدُهم حَسرةً وشِدَّةَ وَجْدٍ [336] يُنظر: ((التفسير البسيط)) للواحدي (20/126). . فالآيةُ فيها بِشارةٌ بخُلودِ النِّعمةِ؛ لأنَّ الموتَ يَقطَعُ ما كان في الحياةِ مِن النَّعيمِ لأصحابِ النَّعيمِ، كما كان الإعلامُ بأنَّ أهلَ الشِّركِ لا يَموتون نِذارةً بدَوامِ العَذابِ [337] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/319). .
5- قَولُ الله تعالى: يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ، فيه سؤالٌ: كيف وعَدَ الله تَعالَى أهلَ الجَنَّةِ بلُبسِ الإستَبرَقِ، وهو غَليظُ الدِّيباجِ، مع أنَّ غَليظَه عندَ السُّعداءِ مِن أهلِ الدُّنيا عَيبٌ ونَقصٌ؟
الجواب: أنَّ غَليظَ دِيباجِ الجَنَّةِ لا يُشابِهُ غَليظَ دِيباجِ الدُّنيا حتَّى يُعابَ، كما أنَّ سُندُسَ الجَنَّةِ -وهو رَقيقُ الدِّيباجِ- لا يُشابِهُ سُندُسَ الدُّنيا. وقيل: غيرُ ذلك [338] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 518)، ((حاشية الجمل على الجلالين)) (4/110، 111). ويُنظر ما تقدَّم في حاشية التَّفسير. .
6- في قَولِه تعالى: يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ جُلُوسُهم على صفةِ التَّقابُلِ، والغَرَضُ منه استِئناسُ بعضِهم ببعضٍ في المَجالِسِ [339] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (27/665). .
7- قال الله تعالى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى مَعلومٌ أنَّ الجنَّةَ لا موتَ فيها -لا أُولى ولا ثانِيةَ-، لكنْ لَمَّا كان نعيمُ القَلبِ مُمتَدًّا مِن الدُّنيا إلى دُخولِ الجنَّةِ صار كأنَّ الدُّنيا والآخِرةَ كِلْتَيهما جَنَّةٌ، وليس فيها إلَّا مَوتةٌ واحِدةٌ [340] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 207). !
8- قَولُ الله تعالى: فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ فيه أنَّ حُصولَ النَّعيمِ واندِفاعَ العَذابِ عنهم: مِن فَضلِ اللهِ عليهم وكَرَمِه؛ فإنَّه تعالى هو الَّذي وفَّقَهم للأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي بها نالوا خَيرَ الآخِرةِ، وأعطاهم أيضًا ما لم تَبلُغْه أعمالُهم [341] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 774). .
9- قال الله تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ خَتَم السُّورةَ بالحَثِّ على اتِّباعِ القُرآنِ وإنْ لم يكُنْ مَذكورًا، كما قال في مُفتَتَحِ السُّورةِ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [342] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (16/155). [الدخان: 3] .
10- قال تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وهذا كثيرٌ في القُرآنِ؛ يُخبِرُ أنَّ كِتابَه ورَسولَه مُذَكِّرٌ لهم بما هو مَركوزٌ في فِطَرِهم؛ مِن مَعرِفَتِه تعالى ومَحبَّتِه، وتَعظيمِه وإجلالِه، والخُضوعِ له والإخلاصِ له، ومحبَّةِ شَرعِه الَّذي هو العَدلُ المَحْضُ، وإيثارِه على ما سِواه؛ فالفِطَرُ مَركوزٌ فيها مَعرِفتُه ومَحبَّتُه، والإخلاصُ له والإقرارُ بشَرعِه، وإيثارُه على غَيرِه؛ فهي تَعرِفُ ذلك وتَشعُرُ به مُجمَلًا ومُفَصَّلًا بَعضَ التَّفصيلِ؛ فجاءت الرُّسُلُ تُذَكِّرُها بذلك، وتُنَبِّهُها عليه، وتُفَصِّلُه لها وتُبَيِّنُه، وتُعَرِّفُها الأسبابَ المُعارِضةَ لِمُوجبِ الفِطرةِ، المانِعةَ مِنِ اقتِفائِها أثَرَها [343] يُنظر: ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 301، 302). .

بلاغةُ الآياتِ:

1- قولُه تعالَى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ
- قولُه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ استِئنافٌ ابتِدائيٌّ انتَقَل به الكَلامُ مِن وَصفِ عَذابِ الأثيمِ إلى وَصفِ نَعيمِ المُتَّقِينَ؛ لِمُناسَبةِ التَّضادِّ، على عادةِ القُرآنِ في تَعقيبِ الوَعيدِ بالوَعدِ، والعَكسِ [344] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/316). .
- وقولُه: فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ بدَلٌ مِن مَقَامٍ؛ جِيءَ به دَلالةً على نَزاهَتِه، واشتِمالِه على طَيِّباتِ المَآكِلِ والمَشارِبِ [345] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/104)، ((تفسير أبي السعود)) (8/66)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
- وأُعِيدَ حرْفُ فِي مع البدَلِ؛ للتَّأكيدِ [346] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
- قولُه: يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ فيه وصْفُ نَعيمِ أجسادِهم بذِكرِ لِباسِهم، وهو لِباسُ التَّرَفِ والنَّعيمِ، وفيه كِنايةٌ عن تَوَفُّرِ أسبابِ نَعيمِ الأجسادِ؛ لأنَّه لا يَلبَسُ هذا اللِّباسَ إلَّا مَنِ استَكمَلَ ما قَبْلَه مِن مُلائِماتِ الجَسَدِ باطِنِه وظاهِرِه [347] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
- قولُه: مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ حَرفُ (مِنْ) لبَيانِ الجِنسِ، والمُبَيَّنُ مَحذوفٌ دلَّ عليه يَلْبَسُونَ، والتَّقديرُ: ثِيابًا مِن سُندُسٍ وإستَبْرَقٍ [348] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/317). .
- وقدْ وصَفَ نَعيمَ نُفوسِهم بعضِهم مع بَعضٍ في مَجالِسِهم ومُحادثاتِهم بقولِه: مُتَقَابِلِينَ؛ لأنَّ الحَديثَ مع الأصحابِ والأحِبَّةِ نَعيمٌ للنَّفْسِ؛ فأغْنَى قَولُه: مُتَقَابِلِينَ عن ذِكْرِ اجتِماعِهم وتَحابِّهِم وحَديثِ بَعضِهم مع بَعضٍ، وأنَّ ذلك شَأنُهم أجمَعِينَ؛ بأنْ ذَكَر ما يَستَلزِمُ ذلك، وهو صِيغةُ مُتَقَابِلِينَ ومادَّتُه؛ على وَجهِ الإيجازِ البَديعِ [349] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/318). .
2- قولُه تعالَى: كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ قولُه: كَذَلِكَ هذه الجُملةُ اعتِراضيَّةٌ بيْنَ المَعطوفِ والمَعطوفِ عليه؛ جِيءَ بها للتَّقريرِ [350] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/318)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/136، 137). .
- قولُه: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ الزَّوجُ هنا كِنايةٌ عن القَرينِ، أي: قَرَنَّا بكُلِّ واحِدٍ نِساءً حُورًا عِينًا [351] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/318). ، وذلك على قَولٍ في التَّفسيرِ.
3- قولُه تعالَى: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ، أي: همْ يَأمُرون بأنْ تُحضَرَ لهم الفاكِهةُ، أي: فيُجابُونَ؛ ففي الكلامِ حذْفٌ. والدُّعاءُ نَوعٌ مِن الأمرِ، أي: يَأذَنون بكلِّ فاكِهةٍ، أي: بإحضارِ كلِّ فاكِهةٍ، و(كل) هنا إمَّا مُستَعمَلةٌ في الكَثرةِ الشَّديدةِ لكُلِّ واحِدٍ منهم، أو تَكونُ بمَعنَى الإحاطةِ، أي: بكلِّ صِنفٍ مِن أصنافِ الفاكِهةِ [352] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/319). .
4- قولُه تعالَى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ
- قال في صِفةِ أهلِ الجنَّةِ: إنَّهم لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى، مع أنَّهُم لم يَذوقُوا المَوتَ فيها، وهو مِن تَأكيدِ الشَّيءِ بما يُشبِهُ ضِدَّه؛ لِزِيادةِ تَحقيقِ انتِفاءِ ذَوقِ المَوتِ عن أَجَلِ الجَنَّةِ، كأنَّه قيل: لا يَذوقُون فيها المَوتَ الْبَتَّةَ؛ للمُبالَغةِ في تَعميمِ النَّفيِ؛ فوُضِعَ قَولُه: إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى مَوضِعَ ذلك؛ لأنَّ المَوتةَ الماضِيةَ مُحالٌ ذَوقُها في المُستقبَلِ؛ فهو مِن بابِ التَّعليقِ بالمُحالِ، كأنَّه قيل: إنْ كَانَت المَوتةُ الأُولَى يَستَقيمُ ذَوقُها في المُستقبَلِ فإنَّهم يَذوقونَها، وذلك على قولٍ في التَّفسيرِ. وقيل غيرُ ذلك [353] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/283)، ((تفسير البيضاوي)) (5/104)، ((تفسير أبي حيان)) (9/409)، ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 518)، ((تفسير أبي السعود)) (8/66)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/320)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/138). .
- وضَميرُ وَوَقَاهُمْ عائِدٌ إلى ضَميرِ المُتكَلِّمِ في وَزَوَّجْنَاهُمْ على طَريقةِ الالْتِفاتِ [354] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/320). .
5- قولُه تعالَى: فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
- قولُه: فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ الخِطابُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ. وذِكرُ الرَّبِّ إظهارٌ في مَقامِ الإضمارِ، ومُقتَضَى الظَّاهِرِ أنْ يُقالَ: فَضلًا مِنه أو مِنَّا، ونُكتَةُ هذا الإظهارِ: تَشريفُ مَقامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، والإيماءُ إلى أنَّ ذلك إِكرامٌ له؛ لإيمانِهم به [355] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/320). .
- وقولُه: ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ تَذيِيلٌ. والإشارةُ بـ ذَلِكَ؛ لِتَعظيمِ الفَضلِ ببُعدِ المَرتَبةِ. وأُتِيَ بضَميرِ الفَصلِ هُوَ؛ لِتَخصيصِ الفَوزِ بالفَضلِ المُشارِ إليه، وهو قَصرٌ لإفادَةِ مَعنَى الكَمالِ؛ كأنَّه لا فَوْزَ غَيْرُه [356] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/320). .
6- قولُه تعالَى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ
- الفاءُ في قولِه: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ للتَّفريعِ؛ إشارةً إلى أنَّ ما بَعْدَها مُتَفَرِّعٌ عمَّا قَبْلَها؛ حيث كان المَذكورُ بعْدَ الفاءِ فَذْلَكةً للسُّورَةِ [357] الفَذْلَكةُ: مِن فَذْلَكَ حِسابَه فَذْلَكةً، أي: أنْهاهُ وفَرَغ منه، وذكَر مُجمَلَ ما فُصِّل أوَّلًا وخُلاصتَه. و(الفَذْلَكةُ) كلمةٌ مَنحوتةٌ كـ (البَسملةِ) و(الحَوْقَلةِ)، مِن قولِهم: (فذَلِكَ كذَا وكذَا عددًا). ويُرادُ بالفَذْلَكةِ: النَّتيجةُ لِمَا سبَق مِن الكلامِ، والتَّفريعُ عليه، ومنها فَذْلَكةُ الحسابِ، أي: مُجمَلُ تفاصيلِه، وإنهاؤُه، والفراغُ منه، كقولِه تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ بعْدَ قولِه: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة: 196] . يُنظر: ((تاج العروس)) للزَّبِيدي (27/293)، ((كُنَّاشة النوادر)) لعبد السلام هارون (ص: 17)، ((مفاتيح التفسير)) لأحمد سعد الخطيب (ص: 638، 639). ، أي: إجمالًا لأغراضِها بعْدَ تَفصيلِها فيما مَضَى؛ إحضارًا لتِلكَ الأغراضِ، وضَبطًا لتَرَتُّبِ عِلَّتِها، أي: إنَّما أنزَلْنا الكِتابَ المُبينَ بِلُغَتِكَ كَيْ يَفْهَمَه قَومُك، ويَتذَكَّروا ويَعمَلُوا بمُوجَبِه، وإذا لم يَفعلُوا ذلكَ فَارْتَقِبْ ما يَحُلُّ بهم إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ ما يَحُلُّ بكَ [358] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/283)، ((تفسير البيضاوي)) (5/104)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/229)، ((تفسير أبي السعود)) (8/66)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/320)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/137). .
- وضَميرُ يَسَّرْنَاهُ عائدٌ إلى الكتابِ المَفهومِ مِن المَقامِ، والمَذكورِ في قَولِه: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ... إلخ [الدخان: 2، 3]، والَّذي كان جُلُّ غَرَضِ السُّورَةِ في إثباتِ إنزالِه مِن اللهِ تعالى، كما أشار إليه افتِتاحُها بالحُروفِ المُقَطَّعةِ وقَولِه: وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ؛ فهذا التَّفريعُ مُرتَبِطٌ بذلك الافتِتاحِ، وهو مِن رَدِّ العَجُزِ على الصَّدرِ [359] رَدُّ العَجُزِ على الصَّدرِ -ويُعرَفُ أيضًا بالتَّصديرِ-: هو أنْ تكونَ اللَّفظةُ بعَيْنِها تقدَّمتْ في أوَّلِ الكَلامِ، ثُمَّ تُعادُ في آخِرِه، وبتعبيرٍ آخَرَ: هو أنْ يُجعَلَ أحدُ اللَّفظينِ المُكرَّرينِ، أو المتجانسَينِ، أو المُلحقَينِ بهما في أوَّلِ الفِقرةِ، ثُمَّ تُعادُ في آخِرِها، وهو على ثلاثةِ أقسامِ؛ الأوَّلُ: أن يُوافِقَ آخِرُ الفاصِلةِ آخِرَ كَلمةٍ في الصَّدرِ؛ كقوله تعالى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء: 166]. والثَّاني: أنْ يُوافِقَ أوَّلَ كَلمةٍ منه؛ كقولِه: وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8] . والثَّالثُ: أنْ يُوافِقَ بعضَ كَلِماتِه؛ كقولِه: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنعام: 10] . يُنظر: ((البرهان في علوم القرآن)) للزركشي (3/461)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/354)، ((جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع)) للهاشمي (ص: 333)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/514). ؛ فهذا التَّفريعُ تَفريعٌ لِمَعنَى الحَصرِ الَّذي في قَولِه: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ؛ لبَيانِ الحِكمةِ في إنزالِ القُرآنِ باللِّسانِ العَرَبيِّ؛ فيَكون تَفريعًا على ما تقدَّم في السُّورةِ، وما تَخَلَّله وتَبِعَه مِن المَواعِظِ. ويَجوزُ أنْ يَكونَ المُفَرَّعُ قَولَه: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وقُدِّم عليه ما هو تَوطِئةٌ له؛ اهتِمامًا بالمُقَدَّمِ، وتَقديرُ النَّظمِ: فلَعَلَّهُم يتَذَكَّرون بهذا؛ لِمَا يَسَّرْناه لهم بلِسانِهم [360] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/320، 321). .
- والقَصرُ المُستفادُ مِن (إِنَّمَا) قَصرُ قَلبٍ [361] القَصرُ أو الحَصرُ هو: تَخصيصُ شَيءٍ بشَيءٍ وحصْرُه فيه، ويُسمَّى الأمرُ الأوَّلُ: مَقصورًا، والثَّاني: مقصورًا عليه، مِثلُ: إنَّما زَيدٌ قائمٌ، و: ما ضرَبتُ إلَّا زيدًا. وينقسِمُ إلى قَصْرٍ حقيقيٍّ، وقصرٍ إضافيٍّ، وادِّعائيٍّ، وقصرِ قَلْبٍ؛ فالحقيقيُّ هو: أن يختصَّ المقصورُ بالمقصورِ عليه بحسَبِ الحقيقةِ والواقِعِ، بألَّا يتعدَّاه إلى غيرِه أصلًا، مِثلُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، حيثُ قُصِر وصفُ الإلهيَّةِ الحقِّ على موصوفٍ هو اللهُ وحْدَه، وهذا مِن قصرِ الصِّفةِ على المَوصوفِ، وهو قصرٌ حقيقيٌّ. والقصرُ الإضافيُّ: أن يكونَ المقصورُ عنه شيئًا خاصًّا، يُرادُ بالقصرِ بيانُ عدَمِ صحَّةِ ما تصوَّره بشأنِه أو ادَّعاه المقصودُ بالكلامِ، أو إزالةُ شكِّه وترَدُّدِه، إذا كان الكلامُ كلُّه منحصرًا في دائرةٍ خاصَّةٍ؛ فليس قصرًا حقيقيًّا عامًّا، وإنَّما هو قصرٌ بالإضافةِ إلى موضوعٍ خاصٍّ، يَدورُ حوْلَ احتمالَينِ أو أكثرَ مِن احتمالاتٍ محصورةٍ بعددٍ خاصٍّ، ويُستدَلُّ عليها بالقرائنِ. مِثلُ قولِه تعالى: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ [آل عمران: 144]. والقصرُ الادِّعائيُّ: ما كان القصرُ الحقيقيُّ فيه مبنيًّا على الادِّعاءِ والمبالَغةِ؛ بتنزيلِ غيرِ المذكور مَنزِلةَ العدَمِ، وقصْرِ الشَّيءِ على المذكورِ وحْدَه. وقصْرُ القَلبِ: أن يَقلِبَ المتكلِّمُ فيه حُكمَ السَّامعِ؛ كقولِك: ما شاعرٌ إلَّا زَيدٌ، لِمَن يَعتقِدُ أنَّ شاعرًا في قبيلةٍ معيَّنةٍ أو طرَفٍ مُعَيَّنٍ، لكنَّه يقولُ: ما زيدٌ هناك بشاعِرٍ. وللقَصرِ طُرُقٌ كثيرةٌ؛ منها: القصرُ بالنَّفيِ والاستثناءِ، والقصرُ بـ (إنَّما)، والقصرُ بتقديمِ ما حَقُّه التَّأخيرُ، وغيرُ ذلك. يُنظر: ((مفتاح العلوم)) للسكَّاكي (ص: 288)، ((الإيضاح في علوم البلاغة)) للقزويني (1/118) و(3/6)، ((التعريفات)) للجرجاني (1/175، 176)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/167)، ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 167، 168)، ((موجز البلاغة)) لابن عاشور (ص: 19-22)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (1/525). ، وهو رَدٌّ على المُشرِكين؛ إذ قد سَهَّل لهم طَريقَ فَهمِه بفَصاحَتِه وبَلاغَتِه؛ فقَابَلوه بالشَّكِّ والهُزْءِ، كما قَصَّه اللهُ في أوَّلِ السُّورَةِ بقَولِه: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ [الدخان: 9] ، أي: ما جَعَلْنا فَهْمَه يَسيرًا بسَبَبِ اللُّغةِ العَرَبيَّةِ الفُصحَى -وهي لُغَتُهم- إلَّا لِيَتذَكَّروا فلم يَتذكَّروا، فمَفعولُ يَسَّرْنَاهُ مُضافٌ مُقَدَّرٌ دلَّ عليه السِّياقُ، تَقديرُه: فَهْمَه [362] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/321). .
- والباءُ في بِلِسَانِكَ للسَّبَبيَّةِ، أي: بسَبَبِ لُغَتِك، أي: العربيَّةِ، وفي إضافةِ اللِّسانِ إلى ضَميرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم عِنايةٌ بجانبِه، وتَعظيمٌ له، وإلَّا فاللِّسانُ لِسانُ العَرَبِ [363] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/321). .
- و(لعَلَّ) مُستَعمَلةٌ في التَّعليلِ، أي: مِن أجْلِ أن يتَذَكَّروا به [364] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/321). .
- وفي هذا الكَلامِ المُوجَزِ إِخبارٌ بتَيسيرِ القُرآنِ للفَهمِ؛ لأنَّ الغَرَضَ منه التَّذَكُّرُ، وبأنَّ سَبَبَ ذلك التَّيسيرِ كَونُه بأَفصَحِ اللُّغاتِ، وكَونُه على لِسانِ أفضَلِ الرُّسُلِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فلذلك كان تَسَبُّبُه في حُصولِ تَذَكُّرِهم تَسَبُّبًا قَريبًا لو لم يَكُونُوا في شكٍّ يَلعبَون، وباعتبارِ هذه المَعاني المُتَوافِرةِ حَسُنَ أنْ يُفَرَّعَ على هذه الجُملةِ تَأْيِيدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَهديدُ مُعانِديه بقَولِه: فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ، أي: فارتَقِبِ النَّصْرَ الَّذي سَأَلْتَه بأنْ تُعانَ عليهم بسِنينَ كَسِنِي يوسفَ -وذلك على قولٍ في تفسيرِ الدُّخَانِ-؛ فإنَّهُم مُرتَقِبون ذلك وأَشَدَّ منه، وهو البَطْشةُ الكُبرَى [365] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/322). .
- والفاءُ في قولِه: فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ فصيحةٌ؛ تُفصِحُ عن محذوفٍ، أي: إنْ لم يَتَّعِظوا ولم يُؤمِنوا به فارْتقِبْ [366] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/137). .
- ومَفعولُ (ارْتَقِبْ) مَحذوفٌ، تَقديرُه: هَلاكَهم [367] يُنظر: ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/137). .
- وجُملةُ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ تَعليلٌ للأمْرِ بالانتِظارِ في قَولِه: فَارْتَقِبْ، أي: ارتَقِبِ النَّصْرَ بأَنَّهُم لَاقُو العذابِ بالقَحطِ -وذلك على قولٍ في تفسيرِ الدُّخَانِ-، وقد أَغنَت (إنَّ) عن التَّسَبُّبِ والتَّعليلِ [368] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (25/322)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (9/137). .
- وفي هذه الخاتِمةِ ردُّ العَجُزِ على الصَّدرِ؛ إذ كان صَدرُ السُّورةِ فيه ذِكرُ إنزالِ الكِتابِ المُبينِ، وأنَّه رَحمةٌ مِن اللهِ بواسِطةِ رِسالةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان في صَدرِها الإنذارُ بارْتِقابِ يَوم تأْتي السَّماءُ بدُخَانٍ مُبينٍ، وذِكرُ البَطْشةِ الكُبرَى؛ فكانت خاتِمةُ هذه السُّورةِ خاتِمةً عَزيزةَ المَنالِ؛ اشتَمَلت على حُسْنِ بَراعةِ المَقطَعِ، وبَديعِ الإيجازِ [369] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (14/230)، ((تفسير ابن عاشور)) (25/322). .