موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيات (121-129)

ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ

غريبُ الكَلِمات:

غَدَوْتَ: أي ذهبتَ أوَّلَ النَّهار؛ يُقال: غدا يَغْدو، والغَدْوة والغَداة تكون من أوَّلِ النَّهار يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/415)، ((المفردات)) للراغب (ص: 603). .
تُبَوِّئُ: تتَّخِذ لهم، وتُوطِّن، وأصْل البَواء: مساواةُ الأجزاءِ في المكانِ، وتَساوي الشَّيئين يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 162)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/312)، ((المفردات)) للراغب (ص: 158)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 127)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 321). .
مَقَاعِدَ: أي: مُعسكرًا، ومَصافَّ للقِتال، وأصْل المَقعَد: مكان القُعُود يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 162)، ((المفردات)) للراغب (ص: 679)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 127)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 321). .
تَفْشَلَا: أي: تجبُنَا وتَضعُفَا يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109)، ((المفردات)) للراغب (ص: 637)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 50)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 128)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 319). .
أَذِلَّةٌ: قليلون مَقهورون، وأصل الذُّلِّ: الخضوعُ، والاستكانةُ، واللِّين، والذُّلُّ: ضدُّ العز، وخِلافُ الصُّعوبة يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/345)، ((المفردات)) للراغب (ص: 330). .
مِنْ فَوْرِهِمْ: أي: مِن وجْهِهم أو مِن ساعتِهم، أو مِن غضَبهم، ، يُقال: فار فائرُه، إذا غضِب، وأصْل الفَوْر: ابتداءُ الأمْر، يُؤخَذ فيه ويُوصَل بآخَرَ؛ يُقال: فَعلَه مِن فَوْره، أي: في بَدْءِ أمْره، قبل أن يَسكُن يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 359)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/458)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 128)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 699). .
مُسَوِّمِينَ: أي: مُعلِّمين لأنفسِهم أو لخيولِهم بعَلامةِ الحَرب، مأخوذٌ من السَّومة والسَّيماء: وهي العلامة التي تُعلِّم الفارسَ نفْسَه يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109، 110)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 434)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3/118)، ((المفردات)) للراغب (ص: 438)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 50)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 128). .
لِيَقْطَعَ طَرَفًا: أي: ليُقتُل فِرْقةً منهم، أو يُهلِك جماعةً منهم، وأصْل القطع: الفَصْل، وإبانةُ شيءٍ من شيء، وطرَف الشَّيء: جانِبُه، وأصْله: حدُّ الشيءِ وحَرْفه يُنظر: ((مقاييس اللغة)) (5/101)، ((المفردات)) للراغب (ص: 678)، ((تذكرة الأريب))، لابن الجوزي (ص: 50). .
يَكْبِتَهُمْ: يَصرَعهم لوجوهِهم ويُهلِكهم، والكَبْت: الإهلاكُ، والردُّ بعُنفٍ وتذليل يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 110)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 505)، ((المفردات)) للراغب (ص: 695)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 50)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 128). .
فَيَنْقَلِبُوا: فيَنهزِموا مُنقطِعي الآمال، والانقلابُ: الانصرافُ، ورجوعُ القَهْقَرى، وقلبُ الشيءِ: تصريفُه وصرْفُه عن وجْهٍ إلى وجه يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((المفردات)) للراغب (ص: 681)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 993). .

المَعنَى الإجماليُّ:

يُذكِّر الله نبيَّه محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخروجه من بيته للقاءِ الكفَّار يوم أحدٍ، حين كان يُرتِّب المؤمنين للقتال، كلٌّ في مَقعَده اللائق به، مُخبِرًا عزَّ وجلَّ أنَّه سبحانه سميعٌ عليم.
ويذكِّره أيضًا حين همَّت طائفتانِ من المؤمنين وهما بنو سلمة وبنو الحارث بالفشلِ، فثبَّتهما الله تعالى، مُنبِّهًا سبحانه أنه عليه وحْدَه فليتوكَّل المؤمنون.
ويَمتنُّ الله على عِبادِه بنَصْرِه لهم يومَ بدرٍ وهم ضعفاءُ، فينبغى أنْ يتَّقوه؛ لعلهم يَشكُرونه تعالى مُقابِل ما امتنَّ به عليهم، ثم يُذكِّر الله نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حين قال عليه الصَّلاة والسَّلام لأصحابه مُبشَّرًا لهم، أَلن يَكفِيَكم إمدادُ الله لكم بثلاثة آلاف من الملائكة يُنزِلهم سبحانه وتعالى من السَّماء؛ ليُشارِكوكم القتالَ يوم بدرٍ، بلى، هو كافٍ لكم، ولكم أيضًا أنْ يُمِدَّكم الله بخمسةِ آلافٍ من الملائكة الذين عليهم علامةُ الشُّجعان في حالِ صَبْركم وتقواكم، ومجيءِ المشركين من الجِهة التي جاؤوكم منها مُسرِعين إليكم.
ويُخبِرهم سبحانه أنَّ إعلامَ الله لهم بأنَّه سيُمِدُّهم بالملائكة هو بُشرى لهم؛ ولتَسكُنَ قلوبهم به، وما النَّصر إلَّا من عند الله العزيز الحكيم، يَنصُرهم سبحانه من أجْل أن يُهلِك بعضَ الكفَّار أو يُخزي بعضَهم، ويُذِلَّهم فيعودوا إلى بلادِهم خائبين لم ينالوا خيرًا، أو أنَّه سبحانه يَهديهم للإسلام، أو يُعذِّبهم بسبب ظُلْمهم، فأمرُهم كلُّه راجعٌ إلى الله سبحانه، ليس للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ من الأمر شيء.
ثم يُقرِّر تعالى أنَّ له وحْده كلَّ ما في السَّموات والأرض، يتجاوزُ عن عقوبةِ مَن يشاء مِن عباده، ويُعاقِب مَن يُشاءُ، والله هو الغفورُ الرَّحيم.

تفسير الآيات:

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا بيَّن الله تعالى أنَّ سلاحَ الصبر والتقوى يأمنُ بإذنِه المؤمنون من غوائلِ المتربِّصين، ويحصُل به النصرُ على الكافرين، ذكَر هنا مثالًا يَمنعُ تحقُّقَ ذلك الأمْر، إذا تخلَّفتْ بعضُ أسباب النصر تلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/5). ، كما أنَّ ذِكر هذه الغزوةِ يُظهر شيئًا من كيدِ الأعداءِ الذين حذَّر الله تعالى عِبادَه من اتِّخاذهم بطانةً يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/69). .
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ
أي: واذكُر- يا محمَّدُ- حين خرجتَ مِن بيتك مُغادِرًا المدينةَ، للقاءِ المشركين في غزوة أُحُد، وأخذتَ تُنزِل المؤمنين في مَواضِع القتالِ التي يَثبُت فيها الجيشُ، ولا يَنتقِل عنها؛ لأنَّها لائقةٌ بتحرُّكاته، كل في الموضِع الذي يَصلُح له مَيمنةً أو مَيسرةً وغير ذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/5-11)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/485)، ((تفسير ابن كثير)) (2/109-110)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/70-71). وممَّن قال من السلف: إنَّ الآية متعلقةٌ بيوم أُحد: ابن عباس، وقتادة، والربيع، والسُّدِّي، وابن إسحاق. انظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/6)، و((تفسير ابن أبي حاتم)) (3/748). .
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
أي: إنَّ اللهَ سميعٌ لِمَا تتشاورُ فيه أنت ومَن معك حول مَوضِع لقاءِ العَدوِّ، عليمٌ بأصلحِ تلك الآراء لكم، وبما تُخفيه صدورُ المُشيرين من المؤمنين والمنافقين من نيَّات، كما أنَّه سبحانه يسمعُ ويعلمُ غيرَ ذلك من أمورِكم وأمورِ سائر خَلْقه، فيُحصي على عبادِه ما يقولون ويعملون، وبحسَب ذلك يُجازون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/11-12)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/485)، ((تفسير ابن كثير)) (2/110)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973). .
إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)
إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا
أي حدَّث بنو سَلِمةَ وبنو حارثة أنفسَهم بالفِرار والانصرافِ عن القتال مع رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ أُحُد؛ خوفًا وضَعْفًا من لِقاء العدوِّ، لا شكًّا منهم في الإسلام ولا نفاقًا يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/12، 15)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/486)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/111). قال ابنُ جرير: (ولا خلافَ بين أهل التأويل أنَّه عنَى بالطائفتين بني سلمة وبني حارثة، ولا خلافَ بين أهل السِّيَرِ والمعرفة بمغازي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّ الذي ذكَر الله من أمرهما إنما كان يومَ أُحُدٍ دون يوم الأحزاب) ((تفسير ابن جرير)) (6/7). .
وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا
أي: عصَمهم اللهُ ممَّا همُّوا به، فثبَّتهم برعايته الخاصَّة، وأيَّدهم ووفَّقهم ليَمضوا مع رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لقتالِ الأعداء يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/15)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 146، 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/111-112). .
عن جابرِ بن عبدِ الله رضِي اللهُ عنهما قال: ((فينا نَزَلَتْ: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا، قال: نحن طائفتان: بنو حارِثةَ وبنو سَلِمَةَ، وما نُحِبُّ- وقال سُفيانُ مرةً: وما يَسُرُّني- أنَّها لم تَنزِلْ؛ لقولِ اللهِ: وَاللهُ وَلِيُّهُمَا)) رواه البخاري (4558). .
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
أي: على اللهِ تعالى وحْده اعتَمِدوا بصِدقٍ- أيُّها المؤمنون- في كلِّ شؤونكم؛ جلبًا للخيرات، أو دفعًا للكريهات يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (4/189)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146، 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/112-113). .
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا بيَّن الله تعالى أنَّ سلاح الصَّبر والتَّقوى يأمَن بإذنه المؤمنون من غوائل المُتربِّصين ويحصُل به النَّصر على الكافرين، ذكَر هنا مثالًا تحقَّقت فيه للمؤمنين أسبابُ النَّصر هذه، فنصرهم الله تعالى بفضلِه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/5). .
كما أنَّه لَمَّا ذكَر حالَهم في غزوة أُحُد وما جرَى عليهم من المصيبة، أَدخَل فيها تذكيرَهم بنَصْره، ونِعمتِه عليهم يوم بَدْر؛ ليكونوا شاكرين لربِّهم، وليُخفِّف هذا هذا يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 973). .
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ
أي: قد أَظهَركم اللهُ على عدوِّكم فغلَبتموهم في الغزوة التي دارتْ في محلَّة بَدْر، والحال أنَّكم يومئذٍ ضعفاءُ، فقليلٌ عَددُكم وعُددُكم، وكنتم في غير مَنَعَةٍ من النَّاس، وهم كانوا أكثرَ منكم عَددًا وعُددًا، فإنْ تَصبِروا لأمْر الله وتتَّقوه سبحانه يَنصرْكم كما نصرَكم في ذلك اليوم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/16، 18)، ((تفسير ابن كثير)) (2/111، 112)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146، 973)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/72)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (ص: 125). .
فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
أي: لأنَّ الله تعالى جعَل لكم الغَلَبة يومَ بدر، فاتَّقوه بامتِثال أوامِره، واجتنابِ نواهيه؛ لتكونوا بذلك من الشَّاكرين له على ما منَّ به عليكم من النَّصرِ على الأعداء، وجَعْلِكم مِن بعد الهوانِ أعزَّاء يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/16)، ((تفسير ابن كثير)) (2/112)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146، 973)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/72)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/126). نسب ابن عاشور لجمهور المفسِّرين أنَّ نزول الملائكة المذكور في هذه الآية كان في غزوة بدر. .
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)
أي: اذكُر- يا محمَّدُ- حين قلتَ للمؤمنين من أصحابك مُبشِّرًا لهم: أَلَا يكون كافيًا إمدادُ الله تعالى لكم بثلاثة آلاف من الملائكة، يُنزِلهم الربُّ سبحانه من السماء، ليُقاتِلوا معكم المشركين يوم بَدْر يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/20، 28، 29)، ((تفسير ابن كثير)) (2/112)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146، 973)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/72، 73)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/505). ؟
بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا
أي: هذا الإمدادُ يَسُدُّ حاجتَكم، ولكن إنِ استعملتُم الصَّبر في كلِّ ما وجب فيه الصَّبر، ولَزِمتُم التَّقوى بامتِثال أوامرِ الله تعالى واجتناب نواهيه، وخرج المشركون عليكم مباشرةً من حيث خرَجوا مُسرِعين إليكم، في حدَّةٍ وحرارةٍ لقتالكم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/31)، ((تفسير ابن كثير)) (2/113)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/76)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/132-133). وقيل المراد بقوله تعالى: ويأتوكم أي يأتي المدد لنصرة إخوانهم المشركين يوم بدر. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/31)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/75). .
يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
القِراءاتُ ذاتُ الأثرِ في التَّفسير:
في قوله تعالى: مُسَوِّمِينَ قِراءتان:
1- (مُسَوِّمِينَ) -بكَسرِ الواو على أنَّها اسمُ فاعل- أي: سوَّم الملائكةُ أنفسَهم، أو سوَّموا خُيولَهم قرأ بها ابنُ كثيرٍ، والبصريَّانِ، وعاصم. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 194). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 113)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 173)، ((الكشف)) لمكي (1/355-356). .
2- (مُسَوَّمِينَ) -بفَتحِ الواو على أنَّها اسمُ مفعول- أي: إنَّ الملائكةَ قد سُوِّموا قرأ بها الباقون. يُنظر: ((النشر)) لابن الجزري (ص: 194). ويُنظر لمعنى هذه القراءة: ((الحجة)) لابن خالويه (ص: 113)، ((حجة القراءات)) لابن زنجلة (ص: 173)، ((الكشف)) لمكي (1/355-356). .
يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ
أي: إنَّ ربَّكم الذي له بكم عِناية خاصَّة، يُزوِّدكم بأكثر ممَّا وعدكم من قَبْل بزيادة ألفين من الملائكة، يأتونكم وعليهم أو على خيولهم علامة الشُّجعان الأبطال، دَلالة على أنَّهم لا يَكترِثون بأنْ يَعرِفهم عدوُّهم من شدَّة شجاعتهم يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/113)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/76). ويُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/133، 137). .
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ
أي: وما أَخبَركم اللهُ سبحانه بنبأِ إمدادِكم بالملائكةِ إلَّا لإدخالِ السُّرور عليكم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/38)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (ص: 489)، ((تفسير ابن كثير)) (2/114)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/77). .
وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
أي: جعَل اللهُ تعالى هذا المددَ لكم؛ لحصولِ الطُّمأنينة أيضًا في قلوبِكم، فتَسكُن ولا يُصيبها الهَلَعُ والانزعاجُ من تفوُّق عدوِّكم عليكم في العَدد والعُدد يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/38)، ((تفسير ابن كثير)) (2/114)، ((العذب النمير)) (4/541). .
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
أي: لا يتحقَّق لكم الظَّفَرُ بعدوِّكم إلَّا بعَونِ الله وحده، لا من قِبَل المددِ الذي يأتيكم من الملائكة، فعلى الله فتوكَّلوا، وبه فاستَعينوا، لا على ما أُوتِيتم من أسباب؛ فإنَّه الذي ذَلَّ له كلُّ الخلائق فهم تحتَ تدبيره وقَهْره، وهو الغالبُ على أمْره، وهو الذي يَضَع الأشياء مَواضِعها فيتصرَّف في عبادِه بحِكمتِه، ومن ذلك أنَّه يَنصُر أولياءَه كما في بَدْر، أو يُقدِّر هزيمتَهم، كما وقَع في أحدٍ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/38، 39)، ((تفسير ابن كثير)) (2/114)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/78)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (4/541). .
قال تعالى بعدَ أمْرِه المؤمنين بالقتال: ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد: 4] .
لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)
لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أي: مِن أسبابِ نَصْر الله تعالى لعباده إهلاكُ بعض الكفَّار كاستئصالِ صناديدِهم، وأسْر بعضِهم، وقتْل آخرين، كما وقَع يومَ بَدْر، أو الاستيلاءِ على أراضيهم وأموالِهم، وغير ذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/40، 41)، ((تفسير ابن كثير)) (2/114)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/78، 79). .
أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ
أو يُخْزي بعضَهم، ويُصيبهم بالغمِّ والحَزَن بسببِ رُجوعهم مُحمَّلين بالخيبةِ والفشل الذَّريع؛ إذ لم ينالوا ما أمَّلوا من الانتصارِ عليكم- أيُّها المؤمنون يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/41)، ((تفسير ابن كثير)) (2/114)، ((تفسير السعدي)) (ص: 146)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/79). .
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)
سببُ النُّزول:
عن أنسِ بن مالكٍ رضِي اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كُسِرَتْ رَباعيَتُه الرَّبَاعيَة- بوزن الثمانية-: هي السِّنِّ التي بين الثنية والناب.((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 117)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/217). يومَ أُحُدٍ، وشُجَّ شُجَّ في رأسه: أي ضرب بشيء فجرح رأسه وكسر أو شق، فالشج أن يعلو رأس الشيء فيضربه بشيء فيجرحه فيه ويشقه، ولا يكون الشج إلا في الرأس- في الأصل- ثم استعمل في غيره من الأعضاء. ((النهاية)) لابن الأثير (2/445)، ((تاج العروس)) للزبيدي (6/54). في رأسِه، فجَعل يَسلُتُ يَسلُت: أي يميط عنه الدَّم، ويَمسحُه لينْظُفَ. ((النهاية)) لابن الأثير (2/387)، ((تاج العروس)) للزبيدي (4/564- 565). الدمَ عنه ويقول: ((كيف يُفلِحُ قومٌ شجُّوا نبيَّهم وشجُّوا رَبَاعِيَتَه وهو يَدعوهم إلى اللهِ؟!. فأنزل اللهُ تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيءٌ)) رواه مسلم (1791). .
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)
أي: إنَّ شأنَ أولئك الكفَّار راجعٌ إلى اللهِ تعالى لا إليكَ- يا محمَّدُ-؛ فاترُك أمرَهم للهِ عزَّ وجلَّ، وامضِ أنتَ لشأنِكَ في تبليغِ رِسالةِ ربِّك، فإمَّا أنْ يُوفِّقهم الله تعالى للدُّخول في دِينه، فيُسلِموا محضَ فضلٍ منه جلَّ وعلا، أو يُعذِّبهم في الدُّنيا أو الآخِرة عدْلًا منه سبحانه؛ بسببِ وضْعهم أنفسَهم في غيرِ ما خُلِقُوا لأجله، باعتناقِهم الكفرَ وارتكابِهم المعاصي يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/42-43)، ((تفسير ابن كثير)) (2/114)، ((تفسير السعدي)) (ص: 147)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/79-81)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/146-148). .
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
أي: إنَّ جميعَ المخلوقات مُلْكٌ لله تعالى وحده، يحكُم فيهم بما شاءَ ويتصرَّف فيهم بما أَحبَّ سبحانه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/49(، ((تفسير ابن كثير)) (2/116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 147). .
يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ
أي: ما دامَ أنَّ له مُلْك كلِّ شيءٍ سبحانه، فعباده دائرون بين مَغفرتِه وتعذيبه، فيَتجاوَز عن عقوبةِ مَن يشاء بحِكمته فضلًا منه سبحانه، ويُعاقِب مَن يشاء بحِكمته عدْلًا منه سبحانه يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/49)، ((تفسير السعدي)) (ص: 147)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/150). .
وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
أي: هو الذي يَستُر ذُنوبَ عباده، ويتجاوَز عن المؤاخذة بها، وهو الرَّحيم الذي رحْمته غلبتْ غضبه، ومِن رحمته سَعةُ إحسانِه إلى عباده يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/49)، ((تفسير السعدي)) (ص: 147)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/150-152). .

 الفوائد التربوية:

1- التَّوفيقُ والعِصمةُ من الله تعالى، ولولا توفيقُه سبحانه وتسديدُه لَمَا تَخلَّص أحدٌ عن ظُلماتِ المعاصي، يُبيِّن ذلك قولُه تعالى: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا                      [1]   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/347).     .
2- أنَّه يَنبغي للقائد أنْ يُبوِّئ أمكنةَ المُقاتِلين، ويُعرِّف كلَّ واحد منهم مكانَه وعملَه؛ حتى لا يَحصُل ازدواجٌ يَضُرُّ بالجيش، كلُّ واحد يُرتِّبه على حسَب ما يَليق به ويقول: اجلِس مكانَك، وهذا عملُك واستمرَّ عليه؛ لأنَّ في النَّظام- ولا سيَّما- في مِثْل هذه المواقف فائدةً كبيرة            [2]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/121).       .
3- وجُوب التَّوكُّل على الله وأنَّه مِن مُقتضى الإيمان؛ لقوله: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ            [3] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/122).       ، وأنَّه ينبغي للإنسان أنْ يتوكَّل على الله- ولا سيما- في هذه المواطِن التي يَشتدُّ فيها الأمرُ على المسلم، بل على المؤمن ألَّا يَنظُر إلى الأمورِ نظرًا ماديًّا؛ لأنَّ وراء الأمور الماديَّة ما هو أَعظَم منها، وهي قُدْرة الله سبحانه وتعالى التي تَقضي على كلِّ هذه الأمور            [4]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/122).     .
4- يَنبغي أنْ يَدفَع الإنسانُ ما يعْرِضُ له من مكروهٍ وآفةٍ بالتَّوكُّل على الله تعالى، وأنْ يَصرِف الجَزْع عن نَفْسه بذلك التَّوكُّل، يُبيِّن ذلك قوله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ            [5]   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/348).     .
5- أنَّه إذا قوِي الإيمانُ قوِي التَّوكُّل على الله؛ لقوله: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ بِناءً على قاعدة معروفة، وهي: أنَّ ما عُلِّق على وصْفٍ يقوى بقوَّته، ويَضْعُف بضَعفه            [6]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/122).     .
6- في قوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أنَّ الإنسان بغير نَصْر الله لا يستطيعُ أن يَنتصِر؛ لأنَّه إذا كان جندُ الله الذين هم أعظمُ جندٍ كان على وجْهِ الأرض، وهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ومن معه لم يَنتصِروا بأنفسهم وإنَّما انتصروا بنصر الله؛ فمَن سواهم مِن باب أَوْلى، ويتفرَّع على هذه الفائدة: أنَّنا لا نُعلِّق النَّصر إلَّا بالله سبحانه وتعالى، لا نُعلِّق النَّصرَ بقوَّتنا            [7]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/127).     .
7- أنَّه كلَّما كان الإنسان أذلَّ لله كان أقربَ إلى نصْر الله، وكلَّما كان الإنسان مُستغنيًا عن الله كان أبعدَ عن النَّصر؛ لقوله: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، والإنسان إذا رأى مِن نَفْسه العِزَّة وعلا وشمخ فإنَّه يُخذَل، قال الله تعالى: كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6-7]            [8]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/129).     .
8- أنَّ النَّصرَ لا يكون بكثرة العَدَد ولا بقوَّة العُدَد، بل هو من عند الله سبحانه وتعالى، لكن كثرة العَدَد وقوة العُدَد ممَّا أمَرَنا الله به وجعله سببًا للنَّصر            [9]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/129).     ، فمهما عظُمتِ الأسباب إذا لم يؤيِّد اللهُ الإنسانَ بنصر، فإنَّه لن يَنتصِر؛ لقوله بعد ذِكْر هذا الإمداد وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ            [10]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/141).     .
9- أنَّ مَنْ مَنَّ الله عليه بنعمةٍ كان ذلك مُوجِبًا لتقوى الله، فالنَّصر سببٌ للتَّقوى والذُّلِّ لله والخضوعِ له والانطراحِ بين يديه، كما فعَل النَّبيُّ عليه السَّلام حين فتَح مكة دخل مُطأطِئ الرَّأس يتْلو كتابَ الله عزَّ وجلَّ، خِلافًا لِمَا يفعله بعضُ النَّاس إذا انتصر جعَل هذا النَّصر سببًا للأَشَر والبَطَر والملاهي والأغاني، وغير ذلك من المعاصي، بل قد يكون بعد النَّصر أكثرَ منه فُسُوقًا ممَّا قبل الحرب، وهذا خلافُ ما أمر الله به؛ لأنَّه قال: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ فأمر بالتَّقوى بعد النَّصر لئلا يَشمَخَ الإنسان بأَنْفه، ويتطاوَل على ربِّه بانتصاره، فيعود إلى ما كان عليه من الفَرَح والبَطَر والأَشَر            [11]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/129).     .
10- أنَّ تقوى الله تعالى من الشُّكر لله؛ لقوله: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وهذا أمْرٌ لا شكَّ فيه أنَّ التَّقوى من الشُّكر، بل هي الشُّكر حقيقةً؛ لأنَّ التَّقوى اتِّخاذ وقاية من عذاب الله بفِعْل أوامره واجتناب نواهيه، والشُّكر هو القيام بطاعة المُنعِم بالقلب واللِّسان والجوارح            [12]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/129).     .
11- أفاد قوله تعالى: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ ما كان عليه النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في معاملة أصحابه من إدخال الأمَل في قلوبهم عند اشتدادِ الأزمات، وهذا أدْعى للنَّشاط وطرْح الهمِّ والغمِّ، أمَّا بعض النَّاس فيكون على العكس تَجِده يُدخِلُ على النَّاس التَّشاؤمَ والمروِّعاتِ والمُخيفاتِ، وهذا لا شكَّ أنَّه خلافُ السِّياسة الشَّرعيَّة، بل وخلافُ العقل            [13]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/134).       .
12- أنَّ الصَّبرَ والتَّقوى سببانِ للنَّصر؛ لقوله: إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا أي: تَصبِروا على الأوامر وتتَّقوا المحارم            [14]   يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/136).       .
13- إظهارُ عجْز العبوديَّة، وألَّا يخوضَ العبدُ في أسرار الله تعالى في مُلْكه ومَلكُوته؛ يُبيِّن ذلك قولُه تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ            [15]   يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/356).     .

الفوائِدُ العلميَّةُ واللَّطائف:

1- حُسْنُ تدبيرِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الحرب؛ لقوله: تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/121). .
2- في قول الله تعالى: تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ جاءتْ لفظةُ القعود، وهي أدلُّ على الثُّبوت، ففيها إشارةٌ إلى أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَقدَّم إلى كلِّ أحد بالثَّبات في مركزه، وأَوعَز إليه في أنْ لا يفعل شيئًا إلَّا بأمْره يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/324)، ((تفسير أبي حيان)) (3/327)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/42). .
4- قولُ الله تعالى: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ: طَائِفَتَانِ إشارة لطيفةٍ إلى الكِناية عمَّن يَقَع منه ما لا يُناسِب والسَّتْر عليه، إذ لم يُعيِّن الطائفتين بأنفسهما، ولا صرَّح بمَن هما منه من القبائل؛ سَترًا عليهما يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/329). .
5- أنَّ الدِّعايةَ ولو كانتْ باطلةً ربما تؤثِّر حتى على المؤمن؛ قال: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/122). .
6- أنَّ الله سبحانه وتعالى يَلطُف بالمؤمن حتى يُثبِّته على الحقِّ؛ لقوله: وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/122). .
7- قول الله تعالى: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، فيه تنبيهٌ على الوصفِ الذي يَقتضي التَّوكُّلَ، وهو الإيمان يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/329). .
8- قول الله تعالى: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ قدَّم لهم الوعدَ بنُزول الملائكة؛ لتَقْوَى قلوبُهم؛ ويَعزِموا على الثَّبات، ويَثِقوا بنصر الله يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/353)، ((تفسير أبي حيان)) (3/327). .
10- أنَّ مَوطِن الملائكة هو السماء، هذا هو الأصلُ؛ لقوله مُنْزَلِينَ؛ لأنَّ النُّزول إنَّما يكون مِن أعلى إلى أسْفَل، فإذا كان هؤلاءِ الملائكةُ مُنزَلين دلَّ على أنَّ مكانهم في السَّماء، هذا هو الأصلُ، لكن ينزلون إلى الأرضِ كثيرًا حسَب أمْر الله تعالى يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/106). .
11- في قول الله تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ؛ صرَّح أنَّ البُشرى إليهم مع ظهورِ ذلك؛ قيل: للدَّلالةِ على تَكرِمةِ الله تعالى إيَّاهم بأنْ بشَّرهم بُشرى لأجْلهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/78). .
10- إثباتُ الحِكمة لله عزَّ وجلَّ في أفعاله وتشريعاته؛ وذلك لأنَّ اللام للتَّعليل، والتَّعليلُ هو الحكمة، قال تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/113). .
11- في قوله تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ، أنَّ الله سبحانه وتعالى يُسلِّط المؤمنين على الكفَّار؛ ليَقطَع طرفًا من الذين كفروا، وليس كلَّ الذين كفَروا؛ لأنَّ مِن حِكمة الله أنْ يبقى الإيمانُ والكفر متصارعَينِ دائمًا؛ حتى يَتبيَّن المؤمنُ الخالصُ من غيره يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/113). .
12- في قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَملِك شيئًا من الأمر الكونيِّ، وفي هذه الجملةِ ردٌّ على الذين يتعلَّقون بالرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام في الدُّعاء، والاستعانةِ به، والاستغاثةِ به حتى بعدَ موته يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/117). .
10- في قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ، دلالةٌ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُكلَّف، يأمُره الله سبحانه وتعالى وينهاه؛ وعليه فيكونُ في هذا إبطال لدَعْوى مَن يقولون: إنَّ الإنسان إذا وصَلَ إلى حالة مُعيَّنة من العبوديَّة سقطتْ عنه التَّكاليف؛ فيُقال لهم: إذا كان النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام- وهو أشرفُ الخَلْق- لا يَصِل إلى هذه المرتبةِ؛ فما بالك بمن دونه يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/117). ؟!
11- أنَّ الله سبحانه قد يُعذِّب الكافرين عذابًا ليس للمسلمين فيه يدٌ، بل هو مِن عند الله وحْده؛ لقوله: أَوْ يُعَذِّبَهُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/118). .
12- أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُعذِّب إلَّا بذنب؛ لقوله: فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، والظالم مُستحِقٌّ لأنْ يُنكِّل اللهُ به؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى لا يُحِب الظلم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/118). .

بلاغة الآيات:

1- قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
- قوله: وَإِذْ غَدَوْتَ: فيه تخصيصُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالخِطاب خاصَّة، مع عمومِ الخطابِ فيما قبله وما بعدَه له وللمؤمنين؛ لاختصاصِ مضمونِ الكلامِ هنا به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/7). .
- قوله: مِنْ أَهْلِكَ: فيه إطلاقُ العامِّ المرادِ به الخاصُّ؛ إذ المرادُ بـأَهْلِكَ: بيتُ عائشة رضي الله عنها- على قول الجمهور يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/342). .
- قوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ: الجملةُ اعتراضٌ؛ للإيذانِ بأنَّه قد صدَر عنهم هناك من الأقوالِ والأفعالِ ما لا يَنبغي صدورُه عنهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/78). .
2- قوله: إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ:
- جملةُ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا اعتراضٌ، ويجوزُ أنْ تكونَ حالًا من فاعل همَّتْ أو من ضميرِه في تَفْشَلَا، وهي مفيدةٌ لاستبعادِ فشلِهما أو همِّهما بهِ مع كونِهِما في ولاية الله تعالى يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/79). .
- وقوله: وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ: فيه إظهارُ الاسمِ الجليلِ؛ للتَّبرُّك والتَّعليل؛ فإنَّ الأُلوهيَّة من مُوجِبات التَّوكُّلِ عليه تعالى، واللامُ في الْمُؤْمِنُونَ للجِنْس؛ فيدخلُ فيه الطائفتان دخولًا أوليًّا، وفيه إشعارٌ بأنَّ وصْفَ الإيمان من دَواعي التَّوكُّلِ وموجباتِه يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/79). .
- وقُدِّم المجرورُ- وهو لفظُ الجلالة اللهِ- للاعتناءِ بمن يُتوكَّل عليه يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/329). .
3- قوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ جملةٌ مُستأنَفةٌ؛ سِيقتْ لإيجاب الصبرِ والتَّقوى بتذكير ما ترتَّب عليهما من النَّصر إثرَ تذكيرِ ما ترتَب على عدمهما من الضَّرر يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (24/79). .
- قوله: وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فيه تعريضٌ بأنَّ انهزام يوم أُحُد لا يَفِلُّ حِدَّة المسلمين؛ لأنَّهم صاروا أعزَّةً، والحرب سِجالٌ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/342)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/72). ، و(الأذِلَّة) جمع قِلَّة، وإنما ذُكِر جمعُ القِلَّة؛ ليَدلُّ على أنَّهم مع ذُلِّهم كانوا قليلين يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/348)، ((تفسير أبي حيان)) (3/330). ..
4- قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: فيه الاقتصارُ على الأمر بالتَّقوى مع كونه مشفوعًا بالصَّبر فيما سبقَ وما لحِق؛ للإشعارِ بأصالتِه، وكونِ الصَّبرِ من مباديه اللازمةِ له؛ ولذلك قُدِّم عليه في الذِّكر، وفي ترتيبِ الأمرِ بالتَّقوى على الإخبار بالنَّصر إيذانٌ بأنَّ نصرَهم المذكورَ كان بسبب تقواهم؛ أي: إذا كان الأمرُ كذلك، فاتَّقوا الله كما اتَّقيتم يومئذ يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (24/79). .
5- قوله: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ، ثم قال بعده: إِذْ تَقُولُ: فيه تلوينٌ للخِطاب بتَخصيصِه رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لتشريفِه والإيذانِ بأنَّ وقوعَ النَّصرِ كان ببِشارتِه عليه السَّلام يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/79). .
- وإِذْ ظرفٌ لـنَصَرَكُمْ قُدِّم عليه الأمر بالتَّقوى؛ لإظهارِ كمالِ العِنايةِ به، والمرادُ به الوقتُ الممتدُّ الذي وقع فيه ما ذكَر بعده يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/79- 80). .
- وصيغةُ المضارعِ تَقُولُ؛ لحكايةِ الحالِ الماضيةِ؛ لاستحضارِ صورتِها أي: نصَركم وقتَ قولِك يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/80). .
6- قوله: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ:
- الاستفهامُ في قوله: أَلَنْ تقريريٌّ؛ لإثباتِ أنَّ ذلك العددَ كافٍ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/73). .
- وجيءَ في النَّفيُ بحرف (لَنْ) الذي يُفيد تأكيدَ النَّفي؛ للإشعارِ بأنَّهم كانوا يوم بدر لقِلَّتهم، وضَعْفهم، مع كثرةِ عَدوِّهم، وشَوْكته، كالآيسين من كفايةِ هذا المدد من الملائكة، فأَوقَع الاستفهامَ التَّقريريَّ على ذلك ليكون تَلْقِينًا لمَن يُخالِج نَفْسه اليأسُ من كفاية ذلك العدد من الملائكة، بأنْ يُصرِّح بما في نفْسه، والمقصود من ذلك لازمُه، وهذا إثباتُ أنَّ ذلك العدد كافٍ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/353)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/73). .
- وقوله: يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ في إسنادِ الإمدادِ إلى لفظة رَبُّكُمْ دون غيرِه من أسماءِ اللهِ: إشعارٌ بحُسْنِ النَّظر لهم، واللُّطف بهم يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/334). .
- قوله: مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ: فيه وصْف الملائكة بـمُنْزَلِينَ؛ للدَّلالة على أنهم يَنزِلون إلى الأرض في مَوقِع القتال؛ عِنايةً بالمسلمين يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/74). .
7- قوله: بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ...:
- بَلَى إبطالٌ للنَّفي، وإثباتٌ لكون ذلك العدد كافيًا يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/73). .
- قوله: مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا: لفظ فَوْرِهِمْ فيه تأكيدٌ لسرعةِ إتيانِهم وإمدادِهم بزيادةِ تعيينِه وتقريبِه، مع تحقُّق الإمدادِ لا محالةَ، سواءٌ أَسرعوا أو أبطؤوا؛ لتحقيقِ سُرعةِ الإمدادِ لا لتحقيقِ أصلِه، أو لبيانِ تحقُّقِه على أيِّ حالٍ فُرِضَ، على أبلغِ وجهٍ وآكَدِه بتعليقه بأبعدِ التقاديرِ؛ ليُعلم تحقُّقُه على سائرِها بالطَّريق الأوْلى؛ فإنَّ هجومَ الأعداءِ وإتيانَهم بسرعةٍ من مظانِّ عدمِ لُحوقِ المددِ عادةً فعُلِّق به تحققُ الإمدادِ إيذانًا بأنَّه حيثُ تحقَّقَ مع ما ينافيه عادةً فلأَنْ يتحقَّقَ بدونه أولى وأحرى يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/80). .
- وإضافةُ الفَورِ إلى ضميرِ الآتين في قوله تعالى: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ؛ لإفادةِ شدَّة اختصاصِ الفَوْر بهم، أي: شدَّة اتِّصافِهم به حتى صارَ يُعرَف بأنَّه فَوْرهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/76). .
- والإشارةُ بقوله: هَذَا إلى الفور؛ تنزيلًا له منزلةً المُشاهَد القريب يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/76). .
8- قوله تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ
- فيه إظهارُ اسمِ الجلالةِ (الله) في مَقامِ الإضمار؛ للتَّنويهِ بهذه العِناية مِنَ اللهِ بهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/78). .
- وقد وردتْ في سورةِ الأنفال آيةٌ أُخرى مشابهةٌ لهذه الآيةِ التي في آل عمران، وهي قولُه تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللَهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 10] ، لكن جاءَ التعبيرانِ فيهما بعضُ الاختلاف؛ ففي هذه الآية قال بُشْرَى لَكُمْ، بينما في آيةِ الأنفالِ لم يذكُر الجارَّ والمجرور لَكُمْ، وفي هذه الآية قال: قُلُوبُكُمْ بِهِ فأخَّر الجارَّ والمجرور بِهِ، بينما قدَّمه في الأنفال فقال: بِهِ قُلُوبُكُمْ، وفي هذه الآية قال: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، وقال في سورةِ الأنفال: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، ومن الحِكَم في هذا التغايُرِ ما يأتي يُنظر: ((درة التنزيل وغرة التأويل)) للخطيب الإسكافي (1/389- 395)، ((البرهان في توجيه متشابه القرآن)) للكرماني (ص: 92)، ((ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل)) لأبي جعفر الغرناطي (1/89- 90). :
1- أمَّا التَّصريح بالجارِّ والمجرورِ في قوله: بُشْرَى لَكُمْ فقدْ جاءَ على الأصل، بينما في آية الأنفال لم يظهرِ الجارَّ والمجرورُ لأنَّه قد تقدَّم (لَكُمْ) في قولِه تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ [الأنفال: 7] ، وقوله: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ [الأنفال: 9] ؛ فأغْنَى عن إعادتِها بلفظها ومعناها، فالتصريحُ بها هنا يُعلَم منه أنَّ جَعْل البشرى لهم، بينما لم يتقدَّم في سورة آل عمران ما يقومُ مقامَ الأُولى؛ لهذا جاءَ بها على الأصلِ.
ولأنَّه لَمَّا تقدَّم في آية آل عمران قوله تعالى: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ والإخبارُ عن عدوِّهم، فاختلَط ذكرُ الطائفتينِ، وضَمَّهما كلامٌ واحدٌ، فجُرِّدت البشارةُ لِمَن هُدي منهما، وأنَّها لأولياءِ الله المؤمنين، فجيء بضمير خِطابهم لَكُمْ متَّصلًا بلام الجرِّ المقتضيةِ الاستحقاقَ، فقيل: بُشْرَى لَكُمْ، أمَّا آيةُ الأنفال فلم يتقدَّمْ فيها ذِكرٌ لغيرِ المؤمنين؛ فلم يُحتَجْ إلى ذِكْر ضميرِ الخِطاب لَكُمْ.
2- وأمَّا تأخيرُ بِهِ بعدَ قوله: قُلُوبُكُمْ هنا في آل عمران، وتقديمُها في آية الأنفال؛ فلأنَّه لَمَّا أخَّر الجارَّ والمجرورَ في الكلامِ الأوَّل، وهو قوله تعالى: وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ..، وعطَف الكلامَ الثاني عليه، وقد وقَع فيه جارٌّ ومجرور وجَب تأخيرُهما في اختيار الكلام؛ ليكونَ الثاني كالأوَّل في تقديمِ ما الكلامُ أحوجُ إليه، وتأخيرُ ما قد يُستغنَى عنه، وأمَّا تقديم (به) في آيةِ الأنفال؛ فلأنَّ الأصلَ في كلِّ خبرٍ يُصدَّر بفِعل أنْ يكون الفاعلُ بَعدَه، ثمَّ المفعولُ والجارُّ المجرور، وقد يُقدَّم المفعولُ على الفاعلِ إذا كان اللبسُ واقعًا فيه، وأُريد إزالتُه عنه، ومثله الجارُّ والمجرور، وفي هذا الموضِع لم يعرِضْ في اللَّفظ ما يُوجِب إجراءَ الكلامِ على الأصْل كما كان في سورة آل عمران؛ فإنَّ المعتمدَ بتحقيقه عند المخاطبَين إنَّما هو الإمدادُ بالملائكةِ، وهو الذي أخْبَر الله تعالى عنه أنَّه لم يجعلْه إلَّا بشرى، فوَجَب أنْ يُقدَّم الإمداد، وهو الضَّميرُ بعد الباءِ في قوله تعالى: بِهِ على الفاعِل قُلُوبُكُمْ، فقال تعالى: وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ.
وقد يُقال: قَدَّم قُلُوبُكُمْ هُنا وأَخَّر بِهِ؛ ازدواجًا بَين المخاطبَين، فقال: وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبكُمْ بِهِ، وقدَّم بِهِ في الأنْفال؛ ازدواجًا بَين الغائبِين، فقال: وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبكُمْ.
3- أمَّا قوله في آية آل عمران: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، وقال في سورة الأنفال: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ؛ فذلك لأنَّ آيةَ الأنفال تقدَّم فيها أوعادٌ جليلةٌ كقولِه تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ [الأنفال: 7] ، ثمَّ قال: وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ [الأنفال: 7] ، ثمَّ قال: لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ [الأنفال: 8] ؛ فهذه أوعادٌ عليَّةٌ لم يتقدَّم إفصاحٌ بمِثلها في آية آل عمران فناسَبَها تأكيدُ الوصفين العظيمَينِ من قُدرته سبحانه على كلِّ شيءٍ وحِكمته في أفعالِه، فقال: إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، ولَمَّا لم يقعْ في آيةِ آل عمران إفصاحٌ بما في آية الأنفال وردتِ الصفتانِ تابعتَينِ دون تأكيدٍ، وجاء كلٌّ على ما يُناسِب.
وقد يُقال: إنَّه قال في الأنفال: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ فجاءَ وصفُ اللهِ تعالى بالعِزَّة والحِكمة بلفظِ خبرٍ ثانٍ مستأنَف، وذلك على الأصلِ الواجبِ في توفيةِ كلِّ معنًى حقَّه من البيان؛ لأنَّ القصدَ في الآية إعلامُ المخاطَبين أنَّ النَّصرَ ليس من قِبَل الملائكة، ولا مِن جِهة العدَدِ والعُدَّة وفضْل القوَّة، ولكنَّه من القادِر الذي لا يُغلُب ولا يُمنَع عمَّا يُريد فِعلَه، والحكيمِ الذي يَضعُ النصرَ موضعَه، ففَصَل ذلك في خَبرينِ. وحذف إِنَّ اللهَ هاهنا في سورة آل عمران؛ لأنَّ الذي في الأنفال قِصَّةُ بدر؛ وهي سابقةٌ على ما في هذه السُّورة؛ فإنَّها في قصَّة أُحُد، فأخْبَر هناك في الأنفال أنَّ الله عزيز حكيم، فاستقرَّ الخبرُ. وجعَله في هذه السُّورةِ صِفةً؛ لأنَّ الخبَر قد سَبَق.
9- قوله: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ: تذييلٌ، أي: كلُّ نَصْر هو من الله لا من الملائكة، وذَكَر وصفَي الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ هنا؛ لأنَّهما أَوْلى بالذِّكر في هذا المقام؛ لأنَّ العزيزَ يَنصُر مَن يُريد نصره، والحكيم يعلم مَن يَستحِقُّ نصرَه وكيف يُعطاه يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/78). .
10- قوله: لِيَقْطَعَ طَرَفًا: تنكيرٌ (طرفًا) للتفخيم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/78- 79). .
- وفيه تشبيه مَن قُتِل منهم وتَفرَّق بالشَّيء المقتَطَع الذي تَفرَّقت أجزاؤه، وانخرم نظامُه يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/342). .
11- قوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ: اعتراضٌ وُسِّط بين المعطوف عليه المتعلّقِ بالعاجل، والمعطوفِ المتعلِّقِ بالآجل؛ لتحقيق أنْ لا تأثير للمنصورين إثرَ بيانِ أن لا تأثيرَ للنَّاصرين، وفي تخصيص النَّفيِ برسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: تلوين الخطاب؛ للدَّلالة على الانتفاءِ من غيره بالطَّريق الأولى، وإنما خُصَّ الاعتراضُ بموقعه؛ لأنَّ ما قبله من القطع والكبْتِ من مظانِّ أن يكونَ فيه لرسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولسائر مُباشري القتالِ مدخَلٌ في الجملة يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/82). .
12- قوله: فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ: تعليلٌ لقوله تعالى: أَوْ يُعَذّبَهُمْ، مُبيِّنٌ لكون ذلك من جِهَتهم وجزاءٌ لظُلْمهم يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/84). .
13- قوله: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ: كلامٌ مستأنفٌ سيق لبيان اختصاصِ ملكوتِ كلِّ الكائناتِ به عزَّ وجلَّ إثرَ بيانِ اختصاصِ طرَفٍ من ذلك به سبحانه؛ تقريرًا لما سبق وتكملةً له، وتقديمُ الجارِّ (ولله) للقَصْر وانفراد الله بذلك، وكلمةُ (مَا) من صيغ العُمُوم شاملةٌ للعقلاء أيضًا تغليبًا، أي: له مَا فِيهمَا مِنَ الموجوداتِ خَلْقًا ومُلكًا لا مدخَلَ فيه لأحد أصلًا؛ فله الأمرُ كلُّه يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/84). .
14- قوله: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ تذييلٌ مُقرِّرٌ لمضمونِ قولِه تعالى: يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء مع زيادة فيه، وفي تخصيصِ التَّذييلِ به دون قرينةٍ اعتناءٌ بشأن المغفرةِ والرَّحمة يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (2/84)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/83). .