موسوعة التفسير

سُورَةُ آل عِمْرانَ
الآيات (118-120)

ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ

غريبُ الكَلِمات:

بِطَانَةً: أي: دُخلاءَ، وبِطانةُ الرَّجُل: أهلُ سِرِّه، الذين يُبطِنون أمْرَه، مِمَّن يسكُن إِلَيهم، ويَثِق بمودَّتهم يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109،441)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 131)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/259)، ((المفردات)) للراغب (ص: 130، 131)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 127)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 251). .
من دُونِكُمْ: أي: مِن غيرِ المسلمين، وأصْل الدُّون: المُداناة والمٌقاربة يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 131)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/317)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 49)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 127)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 251). .
لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا: لا يُقصِّرون في فَسادِ دِينكم؛ يُقال: ألوتُ في الشَّيء آلو: إذا قصَّرتُ فيه يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/128)، ((المفردات)) للراغب (ص: 83)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 49)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 127). ، وخَبَالًا: أي: فَسادًا أو شرًّا، وأصْل: الخَبْل: فسادُ الأعضاء، والجُنُون يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109، 187)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 205)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/242)، ((المفردات)) للراغب (ص: 274)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 139)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 127)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 436). .
ودُّوا مَا عَنِتُّمْ: أي: ودُّوا عنَتَكم، والمُعانتة: مُعانَدة فيها خوفٌ وهلاك، وأصْل العَنَت: المشقَّة يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/150)، ((المفردات)) للراغب (ص: 589)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 49). .
خَلَوْا: أي: انَفرَدوا؛ يُقال: خلا إليه: انتهى إليه في خَلوةٍ، والخَلاءُ من الشَّيء: الفراغ منه يُنظر: ((المفردات)) للراغب (ص: 298)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 51)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 436). .
تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ: أي: تَنلْكُم وتُصبْكم نِعمة، وأصْل المسِّ: جسُّ الشيء باليدِ، والحسَنة: النِّعمة يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 109)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/271) (2/57)، ((المفردات)) للراغب (ص: 767). .

المَعنَى الإجماليُّ:

يَنهى الله عبادَه المؤمنين عن اتِّخاذ أشخاصٍ مُقرَّبين من غير المؤمنين، يُطلِعونهم على أسرارِهم، أو يُولُّونهم أعمالًا، فإنَّ هؤلاء الكفرةَ والمنافقين لا يؤمَن جانبُهم، لا تَسْنَح لهم فرصةٌ للإضرار بالمؤمنين إلَّا استغَلُّوها، بل يَسْعَون في الإضرارِ بهم بكلِّ طاقتهم، فهم يتمنَّون حصول كلِّ ما فيه مشقَّةٌ على المؤمنين، ومِن شدَّة ما يَحمِلونه من أحقادٍ تُجاهم لم يستطيعوا كِتمانَها، فظهرتْ كراهيتُهم للمؤمنين على فلتاتِ ألْسنتهم، وما بقِي حبيسَ صدورِهم من البغضاء أعظمُ وأكبرُ ممَّا ظهَر، قد وضَّح اللهُ الآياتِ للمؤمنين، وسيُفيدهم ذلك التَّوضيح إنْ عقَلوه وفَهِموه.
ثم يُبيِّن الله بعضًا ممَّا يُوجِب الحذرَ من الكفَّار والمنافقين، وبُغْضهم، فهم من شدَّة ما في صدورِهم على المؤمنين من الحِقد، لا يُبادِلونهم المشاعر، فالمؤمنون يُحبُّونهم ويَودُّونهم، وهؤلاء الكفَّار يُبغِضونهم، كما أنَّ المؤمنين آمنوا بجميعِ الكتُبِ المنزَّلة من عند الله بينما هم لا يؤمنون بما أَنزَله الله إلى محمَّد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد حرَّفوا ما أُنزِل إليهم؛ فالأَوْلى بمَن هذا صنيعُه أنْ يُعادَى ويُبغَض، بل إنَّهم إذا قابَلوا المؤمنين أَظهَروا الإيمانَ بألْسنتِهم وعندَ انفرادِهم بعضِهم إلى بعضٍ عضُّوا أطرافَ أصابِعهم من شِدَّة الغيظِ على المؤمنين. ثم أمَر الله نبيَّه محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن يقول لهم: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إنَّ الله مُطَّلِعٌ على ما تُكِنُّه الصُّدرور لا يَخفى عليه شيءٌ.
هؤلاء المذكورون من المنافقين والكفَّار إنْ حصَلَ للمؤمنين ما يَسُرُّ ساءَهم ذلك وأَحزَنهم، وإنْ أصاب المؤمنين سوءٌ فرِحوا بذلك، ثمَّ أرشدَ الله المؤمنين لِمَا يُعِينهم على تحمُّل ذلك وهو الصَّبرُ والتَّقوى؛ فإنَّهم إنْ فعَلوا ذلك فإنه لن يَلحَقهم من ضررِ هؤلاء وكيدِهم شيءٌ، واللهُ مُحيطٌ بجميع ما يفعله هؤلاءِ المنافقون والكفَّارُ، وسيُجازيهم عليه.

تفسير الآيات:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا شرَح الله تعالى أحوالَ المؤمنين والكافرين شرَع في تحذيرِ المؤمنين عن مُخالَطة الكافرين يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/339)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/62). ، فقال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا
أي: يا أيُّها المؤمنون، لا تَجعلوا مِن خاصَّةِ أصدقائكم والمقرَّبين منكم أُناسًا من غير المؤمنين، كفَّارًا أو منافقين؛ فيَطَّلِعوا على أسرارِكم، أو يتولَّوْا لكم أعمالًا، أو تَجعلوا لهم مناصبَ ونفوذًا؛ فإنَّ الكافرَ لا يُؤمَن جانبُه، وما تنطوي عليه نَفْسُه من الغِشِّ والخداع، وإذاعة أسرار المؤمنين إلى الأعداء، ولا يترك مجالًا يُمكِن أنْ يُفسِد أحوالَكم فيه إلَّا وسعَى إليه بكلِّ طاقته، ولا يُقصِّر في إلحاقِ أنواع الضَّررِ بكم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/707-708)، ((تفسير ابن كثير)) (2/106-107)، ((تفسير السعدي)) (ص: 144، 973). .
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ((ما بعَث اللهُ مِن نبيٍّ، ولا استَخلَف من خليفةٍ، إلَّا كانتْ له بِطانتان: بِطانةٌ تأمرُه بالمعروفِ وتَحضُّه عليه، وبِطانةٌ تأمرُه بالشرِّ وتحضُّه عليه، فالمعصومُ مَن عصَم اللهُ تعالى )) رواه البخاري (7198). .
وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ
أي: يُحِبُّون ويتمنَّون بكلِّ قلوبِهم وقوعَ الضِّيقِ، وحصولَ المشقَّة عليكم في دِينكم وأموالِكم وأبدانِكم، وكلِّ ما يسوؤكم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/709)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/98). .
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ
أي: ظهرتْ على فَلتات ألْسنتهم البغضاءُ لكم، فلم يَستطيعوا كِتمانَها يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/712-713)، ((تفسير ابن كثير)) (2/108)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/98). .
وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ
أي: إنَّ ما انطوت عليه صدورُهم من الكراهيةِ للإسلامِ وأهلِه أشدُّ وأعظمُ ممَّا بَان على ألْسنتِهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/715)، ((تفسير ابن كثير)) (2/108)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/98-99). .
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
أي: قد أَظهَرْنا لكم بوضوح- أيُّها المؤمنون- آياتِ الله تعالى، ومنها العلاماتُ والبراهين التي تُظهِر لكم أمْرَ هؤلاء الذين حذَّرناكم من اتِّخاذهم بِطانة، تُفسِد عليكم مصالحَكم الدِّينيَّة والدُّنيويَّة، فتتمكَّنوا من خلالها من التَّفْرِقة بين الصَّديق والعَدوِّ إنْ كنتم تَعقِلون عن الله آياتِه؛ فإنَّ ذلك لا يَخفى على لبيبٍ عاقل يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/715، 716)، ((تفسير السعدي)) (ص: 144، 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/99). .
هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)
هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ
أي: ها أنتم- أيُّها المؤمنون- تُحِبُّون هؤلاء الذين نَهيتُكم عن اتخاذِهم بِطانةً، فتودُّونهم وتُريدون لهم الخيرَ، وهم لا يُحِبُّونكم، بل يُبغِضونكم ويُريدون لكم السوءَ والضَّررَ؛ فكيف تُحِبُّونهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/716)، ((تفسير السعدي)) (ص: 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/100). ؟!
وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ
أي: إنَّكم تؤمنون بجميعِ الكُتُب التي أَنزَلها الله تعالى، وتَعلَمون أنَّ هؤلاء القومَ لا يؤمنون بما أُنزِل إليكم، وقد حرَّفوا وبدَّلوا ما أُنزِل إليهم، فالأَوْلى بكم إذنْ أن تُعادوهم وتُبغِضوهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/716، 717)، ((تفسير السعدي)) (ص: 144، 145، 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/101). .
وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا
أي: إنَّ هؤلاء الذين نهاكم اللهُ أن تتَّخِذوهم بِطانةً إذا لَقُوكم أَعلَنوا لكم بألْسنتهم إيمانَهم نِفاقًا منهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/718)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/101). .
وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ
أي: إذا صاروا في خَلاءٍ مع أضرابِهم من حيث لا تَرونهم، عَضُّوا أطرافَ أصابعهم من شِدَّة الحَنَق والغيظ على ما يَرون مِن ائتلافكم، واجتماعِ كلمتِكم على الحقِّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/718، 719)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/101-102). .
قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ
أي: قل- يا محمَّدُ- لهؤلاء: لتَهلِكوا بغيظِكم الذي بكم على المؤمنين؛ ذلك أنَّ الله تعالى مُتِمُّ نِعمتِه على عبادِه، وستَرَوْن من عِزِّ الإسلام وذُلِّ الكُفر ما يسوؤكم، وتموتون بغيظكم فلا تَضُرُّون بذلك إلَّا أنفسَكم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/721)، ((تفسير ابن كثير)) (2/108)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973)، ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/102). .
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
أي: إنَّ الله سبحانه لا يَخفى عليه ما تَنطوي عليه صدورُ هؤلاء من الغِلِّ والبغضاء لعبادِه المؤمنين، ويعلمُ أيضًا ما تحويه صدورُ جميعِ خَلْقه، فيحفظُ عليهم ذلك؛ ليُجازيَ كلًّا منهم بما يُكِنُّه قلبُه من خيرٍ أو شرٍّ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/721)، ((تفسير ابن كثير)) (2/108)، ((تفسير السعدي)) (ص: 973). .
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا ذكَر الله تعالى شِدَّةَ عداوة أهل الكتاب للمؤمنين، ذكَر هاهنا أحوالًا دالَّةً على ذلك، تَكشِف عمَّا في صدورهم يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/108-109)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/40) ((تفسير ابن عاشور)) (4/68). ، فقال:
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ
أي: إنْ تنالوا- أيُّها المؤمنون- سرورًا بظهوركم على عدوِّكم، أو بكَثْرة أنصارِكم، أو ظَفِرتُم بالنَّصر على أعدائكم، أو بحصولِ العافية لكم، وغير ذلك من أنواع الخيرِ، يَغُمُّهم ذلك ويُحزِنهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/721، 722)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 229)، ((تفسير ابن كثير)) (2/108، 109)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973). .
وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا
أي وإنْ تنالوا- أيُّها المؤمنون- ما يسوؤكم كانتصارِ عدوِّكم عليكم، أو حدوثِ اختلاف بينكم، أو وقوع جَدْبٍ في أرضكم، وغير ذلك من أنواع الضُرِّ، فإنَّهم يُسَرُّون بذلك يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/722)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 229)، ((تفسير ابن كثير)) (2/109)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973). .
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا بيَّن تعالى شدَّةَ عداوةِ الكفَّار والمنافقين، وشرَح ما هم عليه من الصِّفات الخبيثة، وجَّه عِبادَه إلى ما يُعينهم على تحمُّل ذلك، ودفْعِ ضرره عنهم يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 973). ، فقال:
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا
أي: إن تَصبِروا- أيُّها المؤمنون- على كلِّ ما وجَب عليكم الصَّبرُ عليه، ومن ذلك: أقدارُه سبحانه، وتمتثلوا ما أمَركم الله تعالى به، وتَجتنبوا ما نهاكم عنه؛ فإنَّ استعمالَ هذا الصَّبرِ ولُزومَ هذه التَّقوى يدفعُ عنكم بإذنه كلَّ كيدٍ للأعداء، وكلَّ ضررٍ أرادوا إلحاقَه بكم، فتَسلَموا من أذاهم يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/723، 724)، ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (2/327)، ((تفسير ابن كثير)) (2/109)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973). .
وقال تعالى عن إنجائه يوسف من كيدِ إخوته وغيرهم: قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90] .
إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ
أي: إنَّ اللهَ تعالى بما يقوم به هؤلاء الكفَّار من كيدٍ وضُرٍّ بأهل طاعته، مُحيطٌ بجميعه، لا يَغيب عنه شيءٌ من ذلك، فهو سبحانه يُحصيه عليهم ويُجازيهم به يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (5/724، 725)، ((التفسير الوسيط)) للواحدي (1/484)، ((تفسير السعدي)) (ص: 145، 973). .

الفَوائِدُ التربويَّة:

1- أنَّ تَجنُّب البِطانة السَّيئة من مقتضيات الإيمان؛ لأنَّ الخطاب وُجِّه إلى المؤمنين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/114). .
2- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ الآية، فيه دلالةٌ على أنَّه ليس كلُّ أحد يُجعل بِطانةً، فإذا ابتُلِي المرءُ بمُخالَطة العدوِّ فينبغي أنْ تكون مُخالَطتُه له في الظاهر، ولا يُطْلِعه على شيءٍ مِن باطنه، ولو تَملَّق له وأَقسَم أنَّه من أوليائِه يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 144). .
3- في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ، بيانُ عِناية الله تعالى بعبادِه المؤمنين؛ حيث حذَّرهم من أمورٍ قد تَخفى عليهم كاتِّخاذ البِطانات السِّيئة يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/115). .
4- في قوله تعالى: وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ أنَّ أعداءَنا يودُّون لنا ما يَشُقُّ علينا؛ في الدُّنيا أو الدِّين، فيودُّون ما يُدمِّر جيوشَنا، ويودُّون ما يُدمِّر اقتصادَنا، ويودُّون ما يدمِّر معارفَنا، ويودُّون ما يُدمِّر دِينَنا، وهذا الأخيرُ هو الأهمُّ لديهم يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/115). .
5- إعمالُ الفِكْرِ والاستدلال، واستعمالُ العقل في تأمُّل الآيات، هو سبيلُ العِلْم والفِطْنة، يُبيِّن ذلك قولُ الله تعالى: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/341)، ((تفسير ابن عاشور)) (4/65). .
6- كلَّما كان الإنسان أقوى عقلًا كان أَفْهَمَ لآيات الله؛ فقد قال تعالى: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/117). .
7- التَّحذيرُ ممَّن يُبدِي أنَّه ناصحٌ لك وقلْبُه كارهٌ لك؛ لأنَّ المقصودَ من هذا قوله: هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ... التَّحذيرُ من هؤلاء، فلا تَغترَّ بمَن ظاهِر حالِه النُّصحُ، بل قِسِ الأمور بالأفعال؛ لأنَّ الأفعالَ هي التي تُبيِّن حقيقةَ الأمر، فكم من إنسانٍ يقول لك قولًا وهو على خلافِ ما يقول لك، فالعِبرةُ بالأفعال لا بالأقوال يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/117). .
8- أنَّه ينبغي للمسلمِ أنْ يكون قويًّا صارمًا أمام أعدائه؛ لقوله: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/118). .
9- في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ...، التَّحذير من تولية اليهود والنَّصارى لأمورِ المسلمين القياديَّة؛ كأنْ يجعلوهم مُدراء أو وزراء أو ما أَشْبه ذلك؛ لأنَّهم لا يألُوننا خبالًا ويُسَرُّون بما يَسوؤنا، ويُساؤون بما يَسُرُّنا، فكيف نتَّخِذهم بِطانةً نُولِّيهم أمورَنا القياديَّة من: إدارة أو رئاسة أو غيرها؟ يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/119). .
10- أنَّ أعداءَنا لا يألون جَهْدًا في الكيدِ لنا، وعلاجُ هذا بالصَّبر والتَّقوى وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا، بالصَّبرِ على كلِّ ما يجبُ الصَّبرُ عليه من أوامِرَ فنقوم بها، أو نَواهٍ فنتركها، أو سياساتٍ فنتَّبِعها، فمَن صبَر واتَّقى كان في حِفْظِ اللهِ عن الآفاتِ والمخافات، فلا يَضُرُّه كيدُ الكافرين ولا حِيَلُ المُحتالِين يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/344)، ((تفسير أبي حيان)) (3/323)، ((تفسير الشربيني)) (1/242) ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/119). .
11- أنَّ الصَّبر والتَّقوى يَدفعانِ الأعداءَ؛ لقوله سبحانه: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ وما فعلوه عَلنًا إنْ صبَرنا واتَّقينا لا يَضُرُّنا من باب أَوْلى؛ لأنَّ الكيدَ الذي يكون بالمكرِ والخديعةِ إذا كان لا يَضُرُّنا مع الصَّبر والتَّقوى، فما كان ظاهرًا بيِّنًا فهو من باب أَوْلى يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/120). .

الفوائِدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:

1- توجيهُ الخِطاب إلى المؤمنين- كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا- له ثلاثُ فوائد: الأولى: الإغراءُ على الامتِثال كأنَّه يقول: إنْ كنتَ مؤمنًا فافْعَل كذا وكذا، إنْ كنتَ مؤمنًا فلا تفعل كذا وكذا، إنْ كنتَ مؤمنًا فصَدِّق بالخبرِ، ففيه توجيهٌ للمؤمنين وإغراءٌ بالامتثال.
الثَّانية: أنَّ امتثالَه من مقتضياتِ الإيمان؛ لأنَّه لا يُخاطَب الشَّخصُ بوصفٍ ثم يُوجَّه إليه حُكْمٌ مُتعلِّقٌ بهذا الوصف إلَّا كان ذلك دليلًا على أنَّ امتثالَ هذا الحُكم من مُقتضيات الإيمان؛ لأنَّه لا يَصِحُّ أنْ تُوجَّه لكافرٍ كلمةٌ تتعلَّق بالمؤمن.
الثَّالثة: أنَّ الإخلالَ به نَقْصٌ في الإيمان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/95). .
2- في قولِ الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ، نهيٌ عن اتِّخاذ بِطانةٍ كافرة، ثم نبَّه على أشياءَ مَّما هم عليه من ابتغاء الغوائلِ للمؤمنين، ومحبَّة مشقَّتهم، وظهور بُغْضهم، والتَّقييد بالوصف أو بالحالِ يُؤذِن بجوازِ الاتِّخاذ عند انتفائهما يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/317). .
3- في قول الله تعالى: مِنْ دُونِكُمْ؛ إشارةٌ إلى أنَّهم يَهضِمون أنفسَهم، ويُنزِلونها عن عَلَيِّ دَرجتِها بموادَّتِهم يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (5/38). .
4- قول الله تعالى: قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ فيه ذِكْر الأفواهِ دون الألْسنة؛ إشعارًا بأنَّ ما تلفَّظوا به يملأ أفواهَهم، كما يُقال: كلمة تملأ الفمَ إذا تَشدَّق به، وقيل: المعنى لا يَتمالَكون مع ضبْطِهم أنفسَهم وتَحامُلهم عليها أنْ ينفلِتَ من ألْسنتهم ما يُعْلَم به بُغضُهم للمسلمين يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/317). .
5- قال الله تعالى: قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ولم يَقُل: (إنْ كنتم تعلمون أو تفقهون)؛ لأنَّ العقلَ أعمُّ من العِلْم والفقه، وهذه الآياتُ آياتُ فراسةٍ وتَوسُّم؛ لذا قال: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/65). .
6- في قوله تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا أنَّ العدوَّ إذا أصابتْ عَدوَّه حسنةٌ ساءتْه، وإذا أصابتْه سيئةُ فرِح بها، وقد جعل الفقهاء رحِمهم الله هذا ضابطًا في العَداوة، حينما تكلَّموا في باب الشَّهادات على أنَّ العدوَّ لا تُقبَل شهادتَه على عدوِّه، قالوا في ضابط العدوِّ: هو مَن سرَّتْه مساءتُك وساءَه مَسرَّتُك، مأخوذٌ من هذه الآية يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/119). .
7- قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ، لم يَقُل: (إنَّ الله محيط بما يعملون)؛ لأنَّه ليس المقصودُ هاهنا بيانَ كَوْنه تعالى عالِمًا، وإنَّما بيان أنَّ جميعَ أعمالهم معلومةٌ لله تعالى ومُجازيهم عليها يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/344). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ:
- في تصديرِ الخِطابِ بالنِّداءِ في قولِه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا دلالةٌ على أهمِّيَّة ما يأتي بَعْدَه والتَّنبُّه له، وتوجيهه إلى المؤمنين أفادَ الإغراءِ بالامتثالِ، وأنَّ امتثالَه من مُقتضياتِ الإيمانِ، وأنَّ الإخلالَ به نقصٌ في الإيمان يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة آل عمران)) (2/95- 96). .
- وقوله: لَا يَأْلُونَكُمْ، ووَدُّوا مَا عَنِتُّمْ، وكذلك قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ: جُمَل مُستأنَفةٌ على وجهِ التَّعليل للنَّهي عن اتِّخاذهم بِطانةً هنا للتَّنبيه، وهو أَبلغُ وأَحسنُ من تقديرِ هذه الجُملِ صِفةً للبِطانة يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/406)، ((تفسير البيضاوي)) (2/35). ؛ فهي مُبيِّنةٌ لحالِهم، داعيةٌ إلى الاجتناب عنهم، ومؤكِّدةٌ للنَّهي أيضًا، ومُوجِبةٌ لزِيادةِ الاجتنابِ عن المنهيِّ عنه يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/76). .
- قوله: إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ فيه حَذْف الجواب؛ لدَلالة المذكور عليه، والتَّقدير: إنْ كنتُم من أهلِ العقلِ، أو إنْ كنتم تَعقِلون ما بُيِّن لكم من الآيات يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (4/76). .
2- قوله: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ: فيه خروجُ الأمْرِ عن معناه الحقيقيِّ إلى معنى التَّوبيخِ والتَّقريع، كقوله: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: 40] ، وليس هو بأمرٍ جازِم؛ لأنَّه لو كان أمرًا لَمَاتوا من فَورِهم، وليس بدعاءٍ؛ لأنَّه لو أمَرَه بالدعاء لَمَاتوا جميعُهم على هذه الصِّفة؛ فإنَّ دعوتَه لا تُرَدُّ، وقد آمَن منهم بعد هذه الآيةِ كثيرٌ، وليس بخبر؛ لأنَّه لو كان خبرًا، لوقَع على حُكمِ ما أَخبَر به، فلم يؤمن أحدٌ بعدُ يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/321). .
3- قوله: هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ: استئنافٌ ابتدائي، قُصِد منه المقابلةُ بين خُلُقِ الفريقين؛ فالمؤمنون يُحِبُّون أهلَ الكتاب، وأهلُ الكتاب يُبغِضونهم، وكلُّ إناء بما فيه يَرشَح يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/65). .
- وفيه تعجُّبٌ من مجموع الحالين؛ فالعجبُ مِن محبَّة المؤمنين إيَّاهم في حال بُغْضهم المؤمنين، ولا يُذكَر بعد اسمِ الإشارة جملةٌ في هذا التَّركيبِ إلَّا والقصد التَّعجُّب من مضمونِ تلك الجملة يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/65). .
4- قوله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ:
- قوله: بِالْكِتَابِ: فيه تعريفُ (الكتاب) للجِنْس؛ تعظيمًا وتكريمًا، وأُكِّد بصيغةِ المفرد (كله) مُراعاة للفظِه يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/66)، ((دليل البلاغة القرآنية)) للدبل (ص: 527). .
- قول الله تعالى: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ في الآية إضمارٌ، والتَّقدير: وتؤمنون بالكتاب كلِّه وهم لا يؤمنون به، وحَسُن الحذفُ؛ لأنَّ الضِّدَّين يُعلمانِ معًا، فكان ذِكْرُ أحدهما مُغنيًا عن ذِكْر الآخَر يُنظر: ((تفسير الرازي)) (8/342). .
5- قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ: تذييلٌ لقوله: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، وما بينها كالاعتراض، أي: إنَّ الله مُطَّلِع عليهم، وهو مُطلِعك على دخائلِهم يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (4/67). .
6- قوله: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ: ذِكرُ المسِّ مع الحسنة، والإصابة مع السيِّئة؛ للإيذانِ بأنَّ مدارَ مَساءتِهم أدْنى مراتبِ إصابةِ الحسنةِ، ومناطَ فرحِهم تمامُ إصابةِ السَّيئةِ يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (2/35)، ((تفسير أبي السعود)) (2/77). ، لأنَّ الشَّيء المصِيب لشيء هو مُتمكِّن منه، أو فيه، فدلَّ هذا النَّوع البليغ على شِدَّة العداوة، إذ هو حِقْد لا يذهب عند نُزول الشَّدائد، بل يَفْرحون بنُزولِ الشَّدائد بالمؤمنين يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/322). .
- وحَسَنَةٌ- سَيِّئَةٌ نكرتانِ في سياقِ الشَّرط بـ (إن) يُفيدان عُمومَ البدلِ، ولم تُعرَّفَا لإيهامِ التَّعيين بالعهدِ، ولإيهام العُمُوم الشُّمولي يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (3/322). .