موسوعة التفسير

سورةُ المُؤْمِنونَ
الآيات (44-50)

ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ

غريب الكلمات:

تَتْرَى: أي: تتواترُ واحدًا بعدَ واحدٍ، ويتبعُ بعضُهم بعضًا، وهو مِنَ المُواتَرةِ، أي: المُتابَعةِ، أو: مِن الوِتْرِ، وهو الفَرْدُ [392] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 297)، ((تفسير ابن جرير)) (17/48)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 149)، ((المفردات)) للراغب (ص: 163)، ((تفسير الشوكاني)) (3/573). .
أَحَادِيثَ: أي: أخبارًا وعِبَرًا يُتَمَثَّلُ بهم فِي الشَّرِّ، أو يُتحدَّثُ بهلاكِهم، ولا يُقالُ: جعلتُه حديثًا في الخيرِ. وأصلُ (حدث): كونُ الشَّيءِ لم يَكُنْ، والحديثُ مِن هذا؛ لأنَّه كلامٌ يَحْدُثُ منه الشَّيءُ بعدَ الشَّيءِ [393] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 297)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 70)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (2/412)، ((المفردات)) للراغب (ص: 223)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 242). .
وَسُلْطَانٍ: أي: حُجَّةٍ، وأصْلُ (سلط): القُوَّةُ والقَهْرُ؛ ولذلكَ سُمِّيَ السُّلطانُ سُلْطانًا [394] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 113)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (3 /95)، ((المفردات)) للراغب (ص: 420، 724). .
آَيَةً: أي: عَلَمًا ودَليلًا، وأمارةً قَاطِعةً، وهي مُشتقَّةٌ مِن التأيِّي الذي هو التثبُّتُ، والإقامةُ على الشيءِ [395] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 297)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/167)، ((المفردات)) للراغب (ص: 101)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 220)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/61). .
رَبْوَةٍ: قِيلَ: إنَّها دِمشقُ، وقيل: أرضُ بَيتِ المَقْدِسِ، والرَّبوةُ: المكانُ المُرتفِعُ مِن الأرضِ، وأصْلُ (ربو): العُلُوُّ والزِّيادةُ والنَّماءُ [396] يُنظر: ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 240)، ((المفردات)) للراغب (ص: 340)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 250)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 242)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 484). .
ذَاتِ قَرَارٍ: أي: مُسْتقَرٍّ، أو مُسْتويةٍ يَستقِرُّ عليها ساكِنُوها، وأصْلُ (قرر): يدلُّ على تمكُّنٍ [397] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 297)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 240)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/7)، ((المفردات)) للراغب (ص: 662)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 250). .
وَمَعِينٍ: أي: مَاءٍ ظَاهرٍ جَارٍ، يُقالُ: معَن الماءُ: أي: جرَى، وأصْلُ (معن): يدُلُّ على سُهولةٍ في جَرَيانٍ،  أو غيرِ ذلك [398] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/56)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 240)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/335)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 250)، ((تفسير القرطبي)) (12/127)، ((تفسير ابن كثير)) (5/477). .

المعنى الإجمالي:

يخبِرُ اللهُ تعالى أنَّه أرسَلَ رُسُلَه يَتبَعُ بَعضُهم بَعضًا، إلى أُمَمٍ أُخرى بعدَ أولئك القَومِ المُهلَكينَ، كلَّما أتى رَسولٌ أُمَّتَه كَذَّبوه ولم يَقْبَلوا ما جاء به مِن الحقِّ، فأتْبَع اللهُ بَعضَهم بَعضًا بالهَلاكِ وعَذابِ الاستِئصالِ، وجعَلهم أخبارًا للناسِ يتحدَّثون بها عنهم. فبُعدًا مِن رحمةِ الله لقَومٍ لا يُؤمِنونَ.
ثمَّ يخبِرُ تعالى أنَّه أرسَل بعدَهم مُوسى وأخاهُ هارونَ بمُعجِزاتِه وحُجَّةٍ بَيِّنةٍ واضِحةٍ إلى فِرعونَ وسادةِ قومِه وأشرافِهم، فاستَكبَروا عنِ الإيمانِ واتِّباعِ الحقِّ، وكانوا قَومًا مُتطاوِلينَ على النَّاسِ، قاهِرينَ لبني إسرائيلَ ظالمينَ لهم، فقال فِرعونُ ومَلَؤُه: أنُصَدِّقُ فَردَينِ مِن البشرِ مِثْلنا، وقَومُهما مُطيعونَ مُتذَلِّلونَ لنا؟! فكَذَّبوهما فكانوا مِنَ المُهلَكينَ غرقًا في البَحرِ.
ويخبِرُ تعالى أنَّه آتَى مُوسَى التَّوراةَ؛ لِيَهتَديَ بها قَومُه مِن بني إسرائيلَ إلى الحَقِّ، وجعَل عيسَى ابنَ مَريمَ وأُمَّه علامةً دالَّةً على قُدرَتِه سبحانه على خَلقِ ما يشاءُ؛ إذ خلَقه مِن أمٍّ بغيرِ أبٍ، وجعَل لهما مأوًى في مكانٍ مُرتَفعٍ مِنَ الأرضِ، مُستَوٍ مُستَقِرٍّ، وفيه ماءٌ جارٍ ظاهِرٌ للعُيونِ.

تفسير الآيات:

ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44).
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى.
أي: ثمَّ أرسَلْنا رُسُلَنا مُتواتِرينَ يَتبَعُ بَعضُهم بَعضًا، واحدًا بعدَ واحدٍ؛ إلى أُمَمٍ أُخرى بعد أولئك القَومِ المُهلَكينَ [399] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/48)، ((تفسير ابن كثير)) (5/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 552)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/62)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/332). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36] .
كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ.
أي: كلَّما جاء رَسولٌ إلى أُمَّةٍ مِن تلك الأُمَمِ كَذَّبوه، فلم يَقبَلوا ما جاء به مِنَ الحَقِّ [400] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/50)، ((تفسير ابن كثير)) (5/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 552). قال ابنُ عاشور: (المعنى: كذَّبه جُمهورُهم، وربَّما كذَّبه جميعُهم). ((تفسير ابن عاشور)) (18/62). .
كما قال تعالى: يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [يس: 30] .
وقال سُبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [سبأ: 34] .
فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا.
أي: فأهلَكْنا تِلك الأُمَمَ بعَذابِ الاستِئصالِ؛ بَعضَهم في إثْرِ بَعضٍ [401] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/50)، ((تفسير ابن كثير)) (5/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 552)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/62)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/332). .
كما قال سُبحانَه: وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ [الأنبياء: 11] .
وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ.
أي: وصَيَّرْناهم أخبارًا للنَّاسِ يتحَدَّثونَ بها عنهم [402] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/50)، ((تفسير ابن كثير)) (5/475)، ((تفسير السعدي)) (ص: 552)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/62)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/333). .
فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ.
أي: فبُعدًا مِن رَحمةِ اللهِ وهَلاكًا لقَومٍ لا يُؤمِنونَ بوَحدانيَّةِ اللهِ، ويُكَذِّبونَ رُسُلَه [403] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (3/157)، ((تفسير ابن جرير)) (17/50)، ((تفسير السمرقندي)) (2/481)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (5/333). .
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45).
أي: ثمَّ أرسَلْنا بَعدَ أولئك الرُّسُلِ مُوسى وأخاهُ هارونَ بمُعجِزاتِنا وحُجَّةٍ بَيِّنةٍ واضِحةٍ [404] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/50)، ((تفسير ابن كثير)) (5/475)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/63). قال أبو حيان: (بِآَيَاتِنَا قال ابنُ عباسٍ: هي التِّسعُ؛ وهي: العصا، واليدُ، والجرادُ، والقُمَّلُ، والضفادعُ، والدمُ، والبحر، والسِّنونَ، ونقصٌ مِن الثمراتِ. وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ قيل: هي العصا واليد، وهما اللَّتان اقترن بهما التحدِّي، ويدخلُ في عمومِ اللفظِ سائرُ آياتِهما؛ كالبحرِ والمُرسَلاتِ الستِّ... وقال الحسن: بِآَيَاتِنَا أي: بدينِنا. وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ هو المعجِز. ويجوزُ أن يُرادَ بالآياتِ: نفْسُ المعجزاتِ، و «بسلطانٍ مبينٍ»: كيفيَّةُ دَلالتِها... قيل: ويجوزُ أن يُرادَ بالسلطانِ المبينِ: العصا... ويجوز أن يُراد بسلطانٍ مبينٍ: الآياتُ أنفسُها، أي: هي آياتٌ وحُجَّةٌ بيِّنةٌ). ((تفسير أبي حيان)) (7/564). .
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46).
أي: إلى فِرعَونَ وأشرافِ قَومِه، فاستَكبَروا عنِ الإيمانِ واتِّباعِ الحَقِّ الَّذي جاءَهم مِن عندِ اللهِ، وكانوا قَومًا قاهِرينَ لبني إسرائيلَ ظالِمينَ لهم، خُلُقُهم وسَجِيَّتُهم الكِبْرُ [405] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/51)، ((تفسير القرطبي)) (12/126)، ((تفسير السعدي)) (ص: 552)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/63). .
فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47).
أي: فقال فِرعَونُ ومَلَؤُه: أنُصدِّقُ مُوسى وهارونَ ونُقِرُّ لهما، وهما بَشَرانِ مِثلُنا في المأكَلِ والمَشرَبِ وغَيرِهما مِمَّا يَعْتري أحوالَ البَشَرِ، وقَومُهما لنا مُطيعونَ ذَليلونَ خاضِعونَ؟! فكيف نَتَّبِعُهما [406] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/51)، ((تفسير البغوي)) (3/366)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (10/270)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/146)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/65). ؟!
فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48).
أي: فكذَّب فِرعَونُ ومَلَؤُه مُوسى وهارونَ، فأغرَقَهم اللهُ، فكانوا ممَّنْ أهلكهم الله؛ لِتَكذيبِهم رُسُلَ اللهِ [407] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/52)، ((الوسيط)) للواحدي (3/291)، ((تفسير القرطبي)) (12/126). .
كما قال تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا [الفرقان: 35، 36].
وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا كان ضَلالُ بني إسرائيلَ -الَّذين اسْتنقَذَهُم اللهُ تعالى مِن عُبوديَّةِ فِرعونَ وقَومِه- أعجَبَ، وكان السَّامعُ مُتشوِّفًا إلى ما كان مِن أمْرِهم بَعدَ نَصْرِهم؛ ذَكَرَ ذلك [408] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/147). .
وأيضًا لَمَّا ذُكِرَت دَعوةُ مُوسى وهارونَ لِفِرعونَ ومَلَئِه، وما ترتَّبَ على تَكذيبِهم مِن إهلاكِهم، أُكْمِلَت قِصَّةُ بَعثةِ مُوسى عليه السَّلامُ بالمُهِمِّ منها الجاري، ومِن بَعثةِ مَن سلَفَ مِنَ الرُّسلِ المُتقدِّمِ ذِكْرُهم، وهو إيتاءُ مُوسى عليه السَّلامُ الكِتابَ لِهِدايةِ بني إسرائيلَ لِحُصولِ اهتِدائِهم؛ لِيَبْنِيَ على ذلك الاتِّعاظَ بخلافِهم على رُسلِهم في قولِه بَعدَ ذلك: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا [المؤمنون: 53]؛ فإنَّ مَوعِظةَ المُكذِّبينَ رَسولَهم بذلك أَوْلى [409] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/66). .
وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49).
أي: ولقدْ آتَينا مُوسى التَّوراةَ؛ كي يَهتَديَ بنو إسرائيلَ باتِّباعِها [410] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/52)، ((تفسير ابن الجوزي)) (3/263)، ((تفسير القرطبي)) (12/126)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/66). .
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50).
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا كان مَن ذُكِرَ كلُّهم قد رَدُّوا مَن جاءهم؛ لإشعارِهم اسْتِبعادَهم لأنْ يكونَ الرُّسلُ بَشَرًا، وكان بعضُ بني إسرائيلَ الَّذين أعَزَّهُم اللهُ ونصَرَهم على عَدُوِّهم، وأوضَحَ لهم الطَّريقَ بالكتابِ قدِ اتَّخَذوا عيسى-مع كونِه بَشرًا- إلهًا: أتْبَعَ ذلك ذِكْرَه؛ تَعجيبًا مِن حالِ المُكذِّبينَ في هذا الصُّعودِ بَعدَ ذلك النُّزولِ في أمْرِ مَن أُرْسِلوا إليهم، وجَرَتْ على أيدِيهم الآياتُ لِهِدايتِهم، فقال [411] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/148). :
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً.
أي: وجعَلْنا عِيسى ابنَ مَريمَ وأُمَّه مَريمَ حُجَّةً عَجيبةً واضِحةً للنَّاسِ، تدُلُّهُم على قُدرةِ اللهِ على خَلقِ ما يَشاءُ؛ حيثُ خَلَقَ عِيسى مِن أُمٍّ بلا أبٍ [412] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/52)، ((تفسير ابن كثير)) (5/476)، ((تفسير السعدي)) (ص: 553). !
كما قال تعالى: وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا [مريم: 21] .
وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ.
أي: وصَيَّرْنا عِيسى وأُمَّه مَريمَ إلى مَكانٍ مُرتَفِعٍ مِنَ الأرضِ، مُستَوٍ مُستَقِرٍّ، وفيه نَهرٌ جارٍ ظاهِرٌ للعِيَانِ [413] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/52، 56)، ((تفسير القرطبي)) (12/126، 127)، ((تفسير السعدي)) (ص: 553)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/67). قال البقاعي: (ذَاتِ قَرَارٍ أي: مُنبسَطٍ صالحٍ لأن يُستقَرَّ فيه؛ لِما فيه من المرافِقِ، وَمَعِينٍ أي: ماءٍ ظاهرٍ للعينِ، ونافعٍ كالماعون، فرعٌ اشتُقَّ من أصلينِ). ((نظم الدرر)) (13/149). وقال ابنُ كثير: (أقربُ الأقوالِ في ذلك ما رواه العَوفي عن ابنِ عبَّاسٍ في قولِه: وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ قال: المَعينُ: الماءُ الجاري، وهو النَّهرُ الذي قال الله تعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم: 24] ، وكذا قال الضَّحَّاكُ وقتادةُ: إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ: هو بيتُ المَقدِسِ، فهذا -والله أعلم- هو الأظهرُ؛ لأنَّه المذكورُ في الآيةِ الأخرى، والقُرآنُ يُفسِّرُ بَعضُه بعضًا). ((تفسير ابن كثير)) (5/477). وقال الواحدي: (قال ابنُ عباس: يريدُ دِمشقَ. وهو قولُ سعيدِ بنِ المسيِّبِ، ومقاتِلٍ، وروايةُ عِكْرِمةَ عن ابنِ عباسٍ. وقال عطاءٌ عن ابنِ عباسٍ: يريدُ بيتَ المقدسِ. وهو قولُ قتادةَ وكعبٍ...، وقال السُّدِّيُّ: إنها أرضُ فلسطينَ. وهو قولُ أبي هريرةَ). ((الوسيط)) (3/291). وقال السعدي: (  وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ أي: مكانٍ مرتفِعٍ، وهذا -والله أعلم- وقتُ وَضعِها، وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ أي: مُستقَرٍّ وراحةٍ وَمَعِينٍ أي: ماءٍ جارٍ؛ بدليلِ قوله: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ [مريم: 24] أي: تحتَ المكانِ الذي أنت فيه؛ لارتفاعِه سَرِيًّا أي: نهرًا، وهو المَعِينُ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا [مريم: 25-26] )، ((تفسير السعدي)) (ص: 553). وقال ابنُ عاشور: (المرادُ بهذا الإيواءِ وحيُ الله لمريمَ أن تنفرِدَ برَبوةٍ حين اقترب مخاضُها لِتَلدَ عيسَى في منعَزَلٍ مِن الناسِ؛ حفظًا لعيسَى مِن أذاهم. والقرارُ: المكثُ في المكانِ، أي: هي صالحةٌ لأن تكونَ قرارًا، فأُضيفَت الربوةُ إلى المعنى الحاصِلِ فيها لأدنى ملابسةٍ، وذلك بما اشتملت عليه مِن النخيلِ المثمِرِ، فتكونُ في ظِلِّه ولا تحتاجُ إلى طلبِ قُوتِها). ((تفسير ابن عاشور)) (18/67). .
كما قال تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 22- 25] .

الفوائد التربوية:

1- قال اللهُ تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ، فلم تُغْنِ عن فِرْعونَ ومَلَئِه قُوَّتُهم في أنفُسِهم، ثُمَّ قُوَّتُهم على خُصوصِ بني إسرائيلَ باستِعْبادِهم إيَّاهم، ولا ضَرَّ بني إسرائيلَ ضَعْفُهم عن دِفاعِهم، ولا ذُلُّهم لهم وصَغارُهم في أيدِيهم [414] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/146، 147). .
2- قال اللهُ تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ فإذا عرَفَ الإنسانُ قَصَصَ الأنبياءِ ومَن اتَّبَعهم، ومَن كذَّبهم، وأنَّ مُتَّبِعيهم كان لهم النَّجاةُ والعاقِبةُ والنَّصرُ والسَّعادةُ، ولِمُكَذِّبِهم الهَلاكُ والبَوارُ؛ جَعَل الأمرَ في المُستقبَلِ مِثلَما كان في الماضي، فعَلِمَ أنَّ مَن صَدَّقَهم كان سَعيدًا، ومَن كذَّبهم كان شَقيًّا. وهذه سُنَّةُ اللهِ وعادتُه [415] يُنظر: ((النبوات)) لابن تيمية (2/963). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- قال اللهُ تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ * ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ * فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ * وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [المؤمنون: 44 - 49] ، ذكَر بعضُهم أنَّه بَعْدَ بَعْثِ مُوسى ونُزولِ التَّوراةِ رفَعَ اللهُ العذابَ عن الأُمَمِ، أي: عذابَ الاستِئصالِ، وشرَعَ للمُكذِّبينَ المُعانِدينَ الجِهادَ، وبتدبُّرِ هذه الآياتِ مع الآياتِ التي في سورةِ (القَصصِ) يَتبيَّنُ وجهُ هذا الكلامِ؛ فإنَّ اللهَ في هذه الآياتِ ذكَرَ الأُمَمَ المُهْلَكةَ المُتتابِعةَ على الهَلاكِ، ثمَّ أخبَرَ أنَّه أرسَلَ مُوسى بَعْدَهم، وأنزَلَ عليه التَّوراةَ فيها الهِدايةُ للنَّاسِ، ولا يَرِدُ على هذا: إهْلاكُ فِرعونَ؛ فإنَّه قَبْلَ نُزولِ التَّوراةِ، وأمَّا الآياتُ الَّتي في سُورةِ (القَصصِ) فهي صَريحةٌ جِدًّا؛ فإنَّه لَمَّا ذكَرَ هَلاكَ فِرعونَ، قال: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص: 43] ، فهذا صَريحٌ أنَّه آتاهُ الكِتابَ بَعدَ هَلاكِ الأُمَمِ الباغيةِ، وأخبَرَ أنَّه أنزَلَه بَصائرَ للنَّاسِ وهدًى ورَحمةً، ولعلَّ مِن هذا: ما ذكَرَ اللهُ في سُورةِ (يُونس) مِن قَولِ: ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ، أي: مِن بَعدِ نُوحٍ، رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ * ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ الآياتِ [يونس: 74، 75]، واللهُ أعلَمُ [416] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 552). ويُنظر أيضًا: ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (6/441). .
2- قال اللهُ تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ هذه الآيةُ تدُلُّ على أنَّ مُعجزاتِ مُوسى عليه السَّلامُ كانت مُعجزاتِ هَارونَ عليه السَّلامُ أيضًا، وأنَّ النُّبوَّةَ كما أنَّها مُشترِكةٌ بيْنهما، فكذلك المُعْجِزاتُ [417] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (23/279). .
3- قولُه تعالى -إخبارًا عن فِرْعونَ ومَلَئِه-: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ دليلٌ على أنَّ اللهَ جَلَّ جَلالُه يُجْري نَقْضَ ضَلالةِ الضَّالِّينَ على ألْسِنَتِهم، فلا يَشْعُرون بها ولا أتْباعُهم؛ لِيُحِقَّ كَلِمَتَه على مَن قَضى عليه الشِّقوةَ، أَلَا ترَى أنَّ فِرعونَ مع ادِّعائِه الرُّبُوبيَّةَ قال مع مَلَئِه: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا، ولم يَحْتَرِزْ مِن تَسميةِ نَفْسِه بَشرًا، وقد سمَّاها ربًّا لا مَلَؤُه [418] يُنظر: ((النكت الدالة على البيان)) للقَصَّاب (2/354). !! وكذلك فقد أنكَر أنْ يكونَ الرسولُ بشرًا معَ أنَّه ادَّعَى لنفْسِه الربوبيةَ والإلهيةَ وهو بشرٌ.
4- قال اللهُ تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً نسَبَه إليها؛ تَحقيقًا لكَونِه لا أبَ له، وكَونِه بَشرًا مَحمولًا في البَطنِ مَولودًا، لا يَصلُحُ لِرُتبةِ الإلهيَّةِ؛ وزاد في تَحْقيقِ ذلك بقولِه: وَأُمَّهُ [419] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/148). .
5- قال تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً لمَّا كانتْ آيةُ عِيسى العُظْمَى في ذاتِهِ في كَيفيَّةِ تَكوينِه، كان الاهتمامُ بذِكْرِها هنا، ولم تُذْكَرْ رِسالتُه؛ لأنَّ مُعجزةَ تَخليقِه دالَّةٌ على صِدْقِ رِسالَتِه [420] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/66). .

بلاغة الآيات:

1- قوله تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ؛ حيث أضاف اللهُ عَزَّ وجَلَّ الرُّسلَ إليه في قولِه: ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا؛ وأضافَها إلى الأُمَمِ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا؛ لأنَّ الإضافةَ تكونُ بالمُلابَسةِ، والرَّسولُ مُلابِسٌ المُرسِلَ والمُرسَلَ إليه جميعًا؛ فالأوَّلُ كانتِ الإضافةُ لِتَشريفِ الرُّسلِ، والثَّاني كانتِ الإضافةُ إلى الأُمَّةِ، حيث كذَّبَتْه ولم يَنجَحْ فيهم إرسالُه إليهم؛ فناسَبَ الإضافةُ إليهم [421] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/188)، ((تفسير أبي حيان)) (7/564). . وقيل: إضافةُ الرَّسولِ مع الإرسالِ إلى المُرسِلِ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا، ومع المَجِيءِ إلى المُرسَلِ إليهم كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا؛ لأنَّ الإِرسالَ الَّذي هو مَبدَأُ الأمْرِ منه، والمَجِيءَ الَّذي هو مُنتهاهُ إليهم [422] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/88)، ((تفسير أبي السعود)) (6/135). . وقيل: إضافةُ الرَّسولِ إلى الأُمَّةِ مع إضافةِ كُلِّهم فيما سبَقَ إلى نُونِ العَظمةِ؛ لِتَحقيقِ أنَّ كلَّ رَسولٍ جاء أُمَّتَه الخاصَّةَ به، لا أنَّ كلَّهم جاؤوا كلَّ الأُمَمِ، والإشعارِ بكَمالِ شَناعتِهم وضَلالِهم؛ حيثُ كذَّبَتْ كلُّ واحدةٍ منهُم رسولَها المُعيَّنَ لها [423] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/135). .
- قولُه: كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ استِئنافٌ مُبيِّنٌ لِمَجيءِ كلِّ رسولٍ لأُمَّتِه، ولِمَا صدَرَ عنهم عندَ تَبْليغِ الرِّسالةِ، والمُرادُ بالمَجِيءِ إمَّا التَّبليغُ، وإمَّا حَقيقةُ المَجيءِ؛ للإيذانِ بأنَّهم كذَّبوه في أوَّلِ المُلاقاةِ [424] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/135). .
- قولُه: فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا كِنايةٌ عن إبادتِهم [425] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/61). .
- قوله: فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، وقال قبلَها: فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون: 41] ، فنِيطَ الدُّعاءُ هنا بوَصْفِ أنَّهم لَا يُؤْمِنُونَ؛ لِيَحصُلَ مِن مَجموعِ الدعوتينِ التَّنبيهُ على مَذمَّةِ الكُفْرِ، وعلى مَذمَّةِ عَدَمِ الإيمانِ بالرُّسلِ؛ تَعريضًا بمُشركِي قُريشٍ، على أنَّه يَشمَلُ كلَّ قَومٍ لا يُؤمِنون برُسلِ اللهِ؛ لأنَّ النَّكرةَ في سِياقِ الدُّعاءِ تعُمُّ [426] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/62، 63). .
- وأيضًا في قولِه: فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ اقْتُصِرَ على وَصْفِهم بعَدمِ الإيمانِ حَسَبَما اقْتُصِرَ على حِكايةِ تَكذيبِهم إجْمالًا، وأمَّا القُرونُ الأَوَّلُون فحيث نُقِلَ عنهم ما مَرَّ مِن الغُلوِّ وتَجاوُزِ الحدِّ في الكُفرِ والعُدوانِ، وُصِفوا بالظُّلمِ [427] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/135، 136). .
2- قوله تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ
- إضافةُ الآياتِ في قولِه: بِآَيَاتِنَا إلى ضَميرِ الجَلالةِ؛ للتَّنويهِ بها وتَعظيمِها [428] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/63). .
- وقولُه: وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ على القولِ بأنَّ المُرادَ بالسُّلطانِ المُبِينِ العَصا؛ فيكونُ فيه إفرادُها بالذِّكْرِ مع اندراجِها في الآياتِ؛ لأنَّها أُمُّ آياتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وأُولاها، وقد تعلَّقَتْ بها مُعجِزاتٌ شَتَّى، جُعِلَت كأنَّها ليست بَعْضَ الآياتِ؛ لِمَا استبَدَّتْ به مِن الفَضلِ. وعلى أنَّ المُرادَ بالسُّلطانِ نفْسُ الآياتِ؛ فيكونُ عبَّرَ عنها بذلك على طَريقةِ العَطْفِ؛ تَنبيهًا على جَمْعِها لِعُنوانينِ جَليلينِ، وتَنزيلًا لِتَغايُرِهما مَنزِلةَ التَّغايُرِ الذَّاتيِّ [429] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/188، 189)، ((تفسير البيضاوي)) (4/88)، ((تفسير أبي حيان)) (7/564، 565)، ((تفسير أبي السعود)) (6/136). . أو جُرِّدَ مِن نَفْسِ الآياتِ سُلطانٌ مُبِينٌ، وعُطِفَ عليها؛ مُبالغةً، وهو هي [430] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/587). .
3- قوله تعالى: إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ
- قولُه: إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ خُصَّ الملَأُ بالذِّكْرِ؛ لأنَّ إرسالَ بني إسرائيلَ مَنوط ٌبآرائِهم لا بآراءِ أعقابِهم [431] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/136). ؛ فجُعِلَ الإرسالُ إليهم دونَ بَقِيَّةِ أُمَّةِ القِبْطِ؛ لأنَّ دَعوةَ مُوسى وأخيه إنَّما كانت خِطابًا لِفِرعونَ وأهْلِ دَولتِه الَّذين بِيَدِهم تَصريفُ أُمورِ الأُمَّةِ لِتَحريرِ بني إسرائيلَ مِن استِعْبادِهم إيَّاهم؛ قال تعالى: فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ [طه: 47] ، ولم يُرسَلَا بشَريعةٍ إلى القِبْطِ، وأمَّا الدَّعوةُ إلى التَّوحيدِ فمُقَدِّمةٌ لإثباتِ الرِّسالةِ لهم [432] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/63). .
- وعَطْفُ فَاسْتَكْبَرُوا بفاءِ التَّعقيبِ يُفِيدُ أنَّهم لم يتأَمَّلوا الدَّعوةَ والآياتِ والحُجَّةَ، ولكنَّهم أفْرَطوا في الكِبْرياءِ؛ فالسِّينُ والتَّاءُ للتَّوكيدِ [433] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/63). .
- قولُه: وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ جُملةٌ مُعترِضةٌ بينَ فِعْلِ (اسْتَكْبَرُوا) وما تفرَّعَ عليه مِن قولِه: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ، مُقرِّرةٌ للاستكبارِ، وأفاد وَصْفُ القومِ باسْمِ الفاعِلِ عَالِينَ تَمكُّنَ ذلك الوَصفِ مِن الموصوفِ بلَفْظِ (قوم)، أو تَمكُّنَه مِن أولئك القومِ؛ فأفادَ أنَّ استكبارَهم على تَلقِّي دَعوةِ مُوسى وآياتِه وحُجَّتِه إنَّما نشَأَ عن سَجِيَّتِهم مِن الكِبْرِ وتَطبُّعِهم، وبُيِّنَ ذلك بالتَّفريعِ بقولِه: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ؛ فهو مُتفرِّعٌ على قولِه: فَاسْتَكْبَرُوا [434] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/136)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/63، 64). .
4- قولُه تعالى: فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ عَطْفٌ على اسْتَكْبَرُوا، وما بيْنهما اعتراضٌ [435] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/136). .
- والاستفهامُ في قولِه: أَنُؤْمِنُ استفهامٌ إنكاريٌّ [436] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/64). .
- وجُملةُ: وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ حالٌ مِن فاعِلِ (نُؤْمِنُ)، مُؤكِّدةٌ لإنكارِ الإيمانِ لهما؛ كأنَّهم قَصَدوا بذلك التَّعريضَ بشأْنِهما عليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ، وحَطَّ رُتْبتِهما العَلِيَّةِ عن مَنصِبِ الرِّسالةِ مِن وَجْهٍ آخَرَ غيرِ البَشريَّةِ. واللَّامُ في لَنَا مُتعلِّقةٌ بـ عَابِدُونَ؛ قُدِّمَت عليه رِعايةً لِفَواصِلِ الآياتِ [437] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/136). .
5- قولُه تعالى: فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ تفرَّعَ على قَولِهم التَّصميمُ على تَكذيبِهم إيَّاهما المَحْكِيِّ بقولِه: فَكَذَّبُوهُمَا، ثمَّ فرَّعَ على تَكذيبِهم أنْ كانوا مِن المُهلَكينَ؛ إذ أهلَكَهم اللهُ بالغرَقِ، أي: فانْتَظَموا في سِلْكِ الأقوامِ الَّذينَ أُهْلِكوا، وهذا أبلَغُ مِن أنْ يُقالَ: فأُهْلِكوا. والتَّعقيبُ هنا تَعقيبٌ عُرفيٌّ؛ لأنَّ الإغراقَ لمَّا نشَأَ عن التَّكذيبِ، فالتَّكذيبُ مُستمِرٌّ إلى حينِ الإهلاكِ [438] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (7/565)، ((تفسير ابن عاشور)) (18/65). .
- وفيه تَعريضٌ بتَهديدِ قُريشٍ على تَكذيبِهم رسولَهم صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّ في قولِه: مِنَ الْمُهْلَكِينَ إشارةً إلى أنَّ الإهلاكَ سُنَّةُ اللهِ في الَّذينَ يُكذِّبون رُسلَهُ [439] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/65). .
6- قولُه تعالى: وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ أُعِيدَ ذِكْرُ مُوسى عليه السَّلامُ؛ لِيُناطَ به ذِكْرُ الكتابِ، وكَونُه مَبْعوثًا إلى بني إسرائيلَ كما ذُكِرَ في الآيةِ السَّابقةِ، وقرَنَ به الآياتِ والسُّلطانَ وكَونَه مَبْعوثًا إلى فِرعونَ وملَئِه [440] يُنظر: ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/588). .
- وفيه مُناسَبةٌ حَسَنةٌ؛ حيث لم يُذْكَرْ هارونُ هنا ووقَع الإعراضُ عنه، بخِلافِ الآيةِ السَّابقةِ: ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ [المؤمنون: 45] ؛ لأنَّ رِسالتَه قدِ انتهَتْ؛ لاقتصارِهِ على تَبليغِ الدَّعوةِ لِفِرعونَ ومَلَئِه؛ إذ كانت مَقامَ مُحاجَّةٍ واستدلالٍ، فسأَلَ مُوسى ربَّهُ إشراكَ أخِيهِ هارونَ في تَبْليغِها؛ لأنَّه أفصَحُ منه لِسانًا في بَيانِ الحُجَّةِ والسُّلطانِ المُبينِ [441] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/66). .
- قولُه: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ لمَّا كان إيتاؤُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ التَّوراةَ لإرشادِ قَومِه إلى الحقِّ -كما هو شأْنُ الكُتبِ الإلهيَّةِ- جُعِلُوا كأنَّهم أُوتُوها؛ فقيلَ: لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. وقيل: أُرِيدَ: آتَيْنا قَومَ مُوسى، فحُذِفَ المُضافُ وأُقيمَ المُضافُ إليه مُقامَه [442] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/137). . وقيل: بلْ ضَميرُ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ظاهِرُ العَودِ إلى غَيرِ مَذكورٍ في الكلامِ، بل إلى مَعلومٍ مِن المَقامِ، وهم القومُ المُخاطَبونَ بالتَّوراةِ، وهم بنو إسرائيلَ؛ فاتِّساقُ الضَّمائرِ ظاهِرٌ في المَقامِ دونَ حاجةٍ إلى تأْويلِ قولِه: آَتَيْنَا مُوسَى بمعنى: آتَيْنا قَومَ مُوسى [443] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/66). .
7- قوله تعالى: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ
- قولُه: وَأُمَّهُ إدماجٌ لِتَسفيهِ اليَهودِ فيما رَمَوا به مَريمَ عليها السَّلامُ؛ فإنَّ ما جعَلَهُ اللهُ آيةً لها ولابْنِها جَعَلُوه مَطْعَنًا ومَغْمَزًا فيهما [444] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/66). .
- وفي قولِه: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً أفرَدَ وقال: آَيَةً؛ لأنَّ حالَهُما بمَجموعِهما آيةٌ واحدةٌ؛ وهي وِلادتُها إيَّاهُ مِن غَيرِ فَحْلٍ. أو جَعَلْنا ابنَ مَريمَ آيةً بأنْ تكلَّمَ في المَهْدِ، وظَهَرَتْ منه مُعجِزاتٌ أُخَرُ، وَأُمَّهُ آَيَةً بأنْ ولَدَتْ مِن غَيرِ مَسيسٍ؛ فحُذِفَتِ الأُولى لِدَلالةِ الثَّانيةِ عليها [445] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/189)، ((تفسير البيضاوي)) (4/89)، ((حاشية الطيبي على الكشاف)) (10/589)، ((تفسير أبي حيان)) (7/565)، ((تفسير أبي السعود)) (6/137). .
وقيل: قال: آَيَةً إشارةً إلى ظُهورِ الخَوارقِ على أيدِيهما حتَّى كأنَّهما نفْسُ الآيةِ، فلا يُرَى منها شَيءٌ إلَّا وهو آيةٌ، ولو قال: (آيتينِ) لكان ربَّما ظُنَّ أنَّه يُرادُ حَقيقةُ هذا العددِ، ولعلَّ في ذلك إشارةً إلى أنَّه تكمَّلَتْ به آيةُ القُدرةِ على إيجادِ الإنسانِ بكلِّ اعتبارٍ: مِن غَيرِ ذكَرٍ ولا أُنْثى كآدَمَ عليه السَّلامُ، ومِن ذكَرٍ بلا أُنْثى كحوَّاءَ عليها السَّلامُ، ومِن أُنْثَى بلا ذكَرٍ كعِيسى عليه السَّلامُ، ومِن الزَّوجينِ كبَقِيَّةِ النَّاسِ [446] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (13/148، 149). .
- وأيضًا تَنكيرُ آَيَةً للتَّعظيمِ؛ لأنَّها آيةٌ تَحْتوي على آياتٍ، ولمَّا كان مَجموعُها دالًّا على صِدْقِ عِيسى في رِسالَتِه، جُعِلَ مَجموعُها آيةً عَظيمةً على صِدْقِه [447] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/67). .
- والتَّعبيرُ عنهما بما ذُكِرَ من العُنوانينِ -وهما كونُه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ابنَها، وكونُها أُمَّهَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-؛ للإيذانِ مِن أوَّلِ الأمرِ بحَيثيَّةِ كَونِهما آيةً؛ فإنَّ نِسْبتَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ إليها -معَ أنَّ النَّسبَ إلى الآباءِ- دالَّةٌ على أنْ لا أبَ له، أي: جَعَلْنا ابنَ مَريمَ وحْدَها مِن غَيرِ أنْ يَكونَ له أبٌ، وأُمَّه الَّتي ولدَتْهُ خاصَّةً مِن غَيرِ مُشارَكةِ الأبِ: آيةً. وتَقديمُه عليه الصِّلاةُ والسَّلامُ؛ لأصالتِه فيما ذُكِرَ مِن كَونِه آيةً، كما أنَّ تَقديمَ أُمِّه في قولِه تعالى: وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 91] ؛ لِأَصالتِها فيما نُسِبَ إليها من الإحصانِ والنَّفخِ [448] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (6/137). .
- قولُه: وَآَوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ فيه تَنويهٌ بهما؛ إذ جَعَلَهما اللهُ مَحَلَّ عِنايَتِه، ومَظهَرَ قُدرتِه ولُطْفِه [449] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/67). .
- وقولُه: وَمَعِينٍ وَصْفٌ جَرى على مَوصوفٍ مَحذوفٍ؛ لِدَلالةِ الوَصْفِ عليه، أي: ماءٍ مَعينٍ [450] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (18/67). . ووُصِفَ ماؤُها بذلك؛ للإيذانِ بكَونِه جامِعًا لفُنونِ المنافِعِ؛ مِن الشُّربِ، وسَقْيِ ما يُسْقَى من الحيوانِ والنَّباتِ بغَيرِ كُلْفةٍ، والتَّنزُّهِ بمَنظَرِهِ المُونِقِ، وطِيبِ المكانِ [451] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (4/89)، ((تفسير أبي السعود)) (6/138). .