موسوعة الفرق

المَبحَثُ الخامسُ: مِن الفِرَقِ الاعتِزاليَّةِ: فِرقةُ الثُّماميَّةِ


وهُم أتباعُ أبي مَعنٍ؛ ثُمامةَ بنِ أشرَسَ النُّمَيريِّ، وكان مِن مواليهم، وهو زعيمُ القَدَريَّةِ في أيَّامِ المأمونِ والمُعتصِمِ والواثِقِ [264] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 172)، ((طبقات المُعتزِلة)) لابن المرتضى (ص: 62). .
قال الإسْفرايِينيُّ عنه: (هذا المُبتدِعُ كان يُظهِرُ البِدعةَ، وكان في الحقيقةِ مُلحِدًا، ولكنَّه كان يستُرُ إلحادَه بما كان يُظهِرُ مِن مُوافَقةِ أهلِ البِدَعِ، ثُمَّ كان يتغلَّبُ إلحادُه الشَّيءَ بَعدَ الشَّيءِ في الأحايينِ) [265] ((التبصير في الدين)) (ص: 80). .
وقال ابنُ قُتَيبةَ عنه: (نجِدُه مِن رقَّةِ الدِّينِ، وتنقُّصِ الإسلامِ، والاستِهزاءِ به، وإرسالِه لِسانَه على ما لا يكونُ على مِثلِه رجُلٌ يعرِفُ اللهَ تعالى ويُؤمِنُ به، ومِن المحفوظِ عنه المشهورِ أنَّه رأى قومًا يتعادَونَ يومَ الجُمعةِ إلى المسجِدِ؛ لخَوفِهم فَوتَ الصَّلاةِ، فقال: انظُروا إلى البَقَرِ، انظُروا إلى الحَميرِ، ثُمَّ قال لرجُلٍ مِن إخوانِه: ما صنَع هذا العربيُّ بالنَّاسِ؟!) [266] ((تأويل مختلف الحديث)) (ص: 99). ، يقصِدُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!
وقد انفرَد عن أصحابِه بأمورٍ؛ منها:
الأولى: بالَغ في الوعيدِ، فجعَل مَن مات مِن المُسلِمينَ مُصِرًّا على كبيرةٍ واحِدةٍ، مُخلَّدًا في النَّارِ معَ فِرعَونَ وأبي لَهبٍ، وكان المُعتَزِلةُ قَبلَه يرَونَ أنَّه يُخفَّفُ عنه العذابُ [267] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (10/ 204)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 129). .
قال ثُمامةُ: (إنَّ كُلَّ مَن مات مِن أهلِ الإسلامِ والإيمانِ المحضِ والاجتِهادِ في العبادةِ مُصِرًّا على كبيرةٍ مِن الكبائِرِ، كشُربِ الخَمرِ ونَحوِها، وإن كان لم يُواقِعْ ذلك إلَّا مرَّةً في الدَّهرِ؛ فإنَّه مُخلَّدٌ بَينَ أطباقِ النِّيرانِ أبدًا، معَ فِرعَونَ وأبي لَهبٍ وأبي جَهلٍ) [268] يُنظر: ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لابن حزم (4/ 148). .
الثَّانيةُ: لا فِعلَ للإنسانِ إلَّا الإرادةُ، وما عداها فهو حَدثٌ لا مُحدِثَ له، وحُكِي عنه أنَّه قال: العالَمُ فِعلُ اللهِ تعالى بطَبعِه، أي: إنَّ الكونَ نتيجةُ قوَّةِ طبيعةٍ كامِنةٍ في اللهِ سُبحانَه وتعالى، وليس نتيجةَ مشيئتِه واختِيارِه [269] يُنظر: ((مقالات الإسلاميين)) للأشعري (2/ 300)، ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/71)، ((المُعتزِلة)) لجار الله (ص: 130). !
قال الشَّهْرَسْتانيُّ: (لعلَّه أراد بذلك ما تُريدُه الفلاسِفةُ مِن الإيجابِ بالذَّاتِ دونَ الإيجادِ على مُقتضى الإرادةِ، لكن يلزَمُه على اعتِقادِه ذلك ما لزِم الفلاسِفةَ مِن القولِ بقِدَمِ العالَمِ؛ إذ المُوجَبُ لا يَنفَكُّ عن المَوجِبِ) [270] ((المِلَل والنِّحَل)) (1/71). .
وقال ابنُ حَزمٍ: )ذُكِر عنه أنَّه كان يقولُ: إنَّ العالَمَ فِعلُ اللهِ عزَّ وجلَّ ‌بطِباعِه، تعالى اللهُ عن هذا الكُفرِ الشَّنيعِ عُلوًّا كبيرًا) [271] ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) (4/ 148). .
ويرى البَغداديُّ أنَّ هذه المقالةَ يلزَمُ منها (ألَّا يكونَ الإنسانُ مُصلِّيًا ولا صائِمًا ولا حاجًّا، ولا زانيًا ولا سارِقًا ولا قاذِفًا ولا قاتِلًا؛ لأنَّه لم يفعلْ عندَه صلاةً ولا صومًا ولا حجًّا، ولا زنًا ولا سرقةً ولا قَتلًا ولا قَذفًا؛ لأنَّ هذه الأفعالَ عندَه غَيرُ الإرادةِ، وإذا كانت هذه الأفعالُ التي ذكرْناها عندَه طِباعًا لا كَسبًا، لزِمه ألَّا يكونَ للإنسانِ عليها ثوابٌ ولا عِقابٌ؛ لأنَّ الإنسانَ لا يُثابُ ولا يُعاقَبُ على ما لا يكونُ كَسبًا له، كما لا يُثابُ ولا يُعاقَبُ على لونِه وتركيبِ بَدنِه إذ لم يكنْ ذلك مِن كَسبِه) [272] ((الفَرق بين الفِرَق)) (ص: 160). .
الثَّالثةُ: أنَّ مَن لم يعرِفِ اللهَ سُبحانَه وتعالى ضرورةً، ليس عليه أمرٌ ولا نَهيٌ، وأنَّ اللهَ خلَقه للسُّخرةِ والاعتِبارِ لا التَّكليفِ، كما خلَق البهائِمَ لذلك، ثُمَّ ركَّب على هذا فقال: عوامُّ الدَّهريَّةِ والزَّنادِقةِ في الآخِرةِ لا يكونونَ في جنَّةٍ ولا نارٍ، بل إنَّ اللهَ يجعلُهم تُرابًا، وكذلك كان يقولُ فيمَن مات في حالِ الطُّفوليَّةِ [273] يُنظر: ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 79)، ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (ص: 157). .
الرَّابعةُ: قولُه: إنَّ الأفعالَ المُتولِّدةَ لا فاعِلَ لها [274] يُنظر: ((المِلَل والنِّحَل)) للشَّهْرَسْتانيِّ (1/71)، ((التبصير في الدين)) للإسْفِرايِيني (ص: 79). .
قال الإسْفِرايِينيُّ: (هذا يُؤدِّي إلى القولِ بنَفيِ الصَّانِعِ؛ إذ لو جاز أن يكونَ فِعلٌ بلا فاعِلٍ لجاز أن يكونَ كُلُّ فِعلٍ بلا فاعِلٍ، كما لو جاز أن تكونَ كتابةٌ بلا كاتِبٍ؛ جاز أن تكونَ كُلُّ كتابةٍ بلا كاتِبٍ) [275] ((التبصير في الدين)) (ص: 79). .
الخامسةُ: قولُه: إنَّ دارَ الإسلامِ دارُ شِركٍ، ويُحرِّمُ السَّبيَ؛ لأنَّ المَسبِيَّ عندَه ما عصى ربَّه؛ إذ لم يعرِفْه، وإنَّما العاصي عندَه مَن عرَف ربَّه بالضَّرورةِ، ثُمَّ جحَده أو عصاه [276] يُنظر: ((الفَرق بين الفِرَق)) للبغدادي (173). .
قال الإسْفِرايِينيُّ: (كان يقولُ: إنَّ دارَ الإسلامِ دارُ شِركٍ؛ لغَلَبةِ مَن يُخالِفُه في بِدعتِه في دارِ الإسلامِ، وكان يقولُ: لا يجوزُ سَبيُ النِّساءِ مِن دارِ الكُفرِ، وإنَّ مَن سَبى امرأةً ثُمَّ ألَـمَّ بها فهو زانٍ، وإنَّ وَلدَه وَلدُ الزِّنا؛ هذا منه إقرارٌ بأنَّه مِن وَلدِ الزِّنا؛ لأنَّه كان مِن أولادِ السَّبايا!) [277] ((التبصير في الدين)) (ص: 80). .

انظر أيضا: