موسوعة الفرق

تمهيدٌ: الاجتِماعُ والافتِراقُ بينَ فِرَقِ المُعتَزِلةِ


النَّاظِرُ في أدبيَّاتِ الفِكرِ الاعتِزاليِّ وكُتبِهم يجِدُ أنَّ المُعتَزِلةَ تحتوي على كثيرٍ مِن الفِرَقِ المُختلِفةِ، الذين يجمعُهم اسمُ المُعتَزِلةِ، وكُلُّ فِرقةٍ منهم لها آراؤُها وأُصولُها وفُروعُها، وأتباعُها ونُصَراءُ لمذهَبِها، ولها اختياراتُها، إضافةً إلى الأُصولِ العامَّةِ التي يتوافَقونَ فيها معَ بقيَّةِ الفِرَقِ الاعتِزاليَّةِ.
وَجهُ الاجتِماعِ والافتِراقِ عندَ فِرَقِ المُعتَزِلةِ:
تجتمِعُ فِرَقُ المُعتَزِلةِ في مبادِئَ، وتختلِفُ في مبادِئَ أُخرى.
أوَّلًا: ما تتَّفِقُ فيه فِرَقُ المُعتَزِلةِ
إنَّ المُعتَزِلةَ بفِرَقِها المُتعدِّدةِ تجتمِعُ على أمورٍ يُسمُّونَها الأُصولَ الخمسةَ، وهي: التَّوحيدُ، والعدلُ، والوعدُ والوعيدُ، والمنزِلةُ بَينَ المنزِلتَينِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المُنكَرِ.
قال أبو الحُسَينِ الخيَّاطُ المُعتَزِليُّ: (لسْنا ندفَعُ أن يكونَ بَشرٌ كثيرٌ يُوافِقونا في العدلِ، ويقولونَ بالتَّشبيهِ، وبَشرٌ كثيرٌ يوُافِقونا في التَّوحيدِ، ويقولونَ بالجَبرِ، وبَشرٌ كثيرٌ يُوافِقونا في التَّوحيدِ والعدلِ، ويخالِفونا في الوَعدِ والأسماءِ والأحكامِ، وليس يستحِقُّ أحدٌ منهم اسمَ الاعتِزالِ، حتَّى يجمَعَ القولَ بالأُصولِ الخمسةِ: التَّوحيدِ، والعدلِ، والوعدِ والوعيدِ، والمنزِلةِ بَينَ المنزِلتَينِ، والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكَرِ، فإذا كمَلَت في الإنسانِ هذه الخِصالُ الخمسُ فهو مُعتَزِليٌّ) [216] ((الانتصار والرد على ابن الرَّاوَنْدي الملحد)) (ص: 126). .
وقال أبو القاسِمِ البَلخيُّ: (الاعتِزالُ -رحِمك اللهُ- وإنْ كنَّا سنذكُرُ سببَه، وهو القولُ بالمنزِلةِ بَينَ المنزِلتَينِ؛ فقد صار في يومِنا هذا سِمةً لمَن قال بالتَّوحيدِ والعدلِ، ولم يعتقِدْ مِن سائِرِ المقالاتِ ما يُزيلُ الوِلايةَ ويوجِبُ العَداوةَ، وزال عمَّن خالَف التَّوحيدَ والعدلَ، وإن قال بالمنزِلةِ بَينَ المنزِلتَينِ، هذا ضِرارٌ وأصحابُه يقولونَ بذلك، وليس تلزَمُهم سِمةُ الاعتِزالِ، ويقبَلُهم أهلُه) [217] ((كتاب المقالات ومعه المسائل والجوابات)) (ص: 169). .
ثانيًا: ما تختلِفُ فيه فِرَقُ المُعتَزِلةِ
إنَّ المُعتَزِلةَ كغَيرِها مِن الفِرَقِ عندَ نُشوئِها قد بدأت محدودةً مُقتصِرةً على الأُصولِ الخمسةِ، ولكن سُرْعانَ ما تعمَّق المُعتَزِلةُ في بحثِ تلك الأُصولِ، وتوسَّعوا في شَرحِها، فنشأت نتيجةً لذلك مسائِلُ فَرعيَّةٌ مِن هذه الأُصولِ ومِن غَيرِها، وأسبابُ ذلك كثيرةٌ؛ منها:
1- المُبالَغةُ في الاعتِمادِ على العقلِ، وعَدمُ التَّقيُّدِ بنُصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ؛ ممَّا كان له الأثرُ العظيمُ في نُشوءِ الخلافاتِ بَينَهم.
2- انغِماسُهم في الفلسفةِ اليونانيَّةِ التي أخَذوا يَدرسونَها ويَستمِدُّونَ منها بعضَ الأفكارِ، ويمزُجونَها بعقيدةِ المُسلِمينَ.
فبسببِ ذلك دبَّ الخلافُ بَينَهم، وتشعَّبَت آراؤُهم، واشتدَّ بَينَهم الحِوارُ والجدلُ، فانقسَموا إلى اثنتَينِ وعِشرينَ فِرقةً، لكُلِّ واحِدةٍ منها أفكارُها وآراؤُها الخاصَّةُ، وتَتْبعُ كُلُّ فِرقةٍ أحدَ رُؤوسِ الاعتِزالِ البارِزينَ.

انظر أيضا: