موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني: مَدرَسةُ بغدادَ


ذكَر المَلَطيُّ أنَّ (مُعتَزِلةَ بغدادَ أخَذوا الاعتِزالَ مِن مُعتَزِلةِ البَصرةِ؛ أوَّلُهم بِشرُ بنُ المُعتَمِرِ خرَج إلى البَصرةِ، فلقِيَ بِشرَ بنَ سعيدٍ، وأبا عُثمانَ الزَّعفَرانيَّ، فأخَذ عنهما الاعتِزالَ، وهما صاحِبا واصِلِ بنِ عطاءٍ، فحمَل الاعتِزالَ والأُصولَ الخَمسةَ إلى بغدادَ، ودعا إليه النَّاسَ، ففشا قولُه، فأخَذه الرَّشيدُ، وحبَسه في السِّجنِ، فجعَل يقولُ في السِّجنِ رَجَزًا مُزاوِجًا في العدلِ والتَّوحيدِ والوعيدِ، حتَّى قال أربعينَ ألفَ بيتٍ لم يسمَعِ النَّاسُ بشِعرٍ مِثلِ ذلك، فألهَج النَّاسُ بنَشدِها في كُلِّ مجلِسِ ومَحفِلٍ، فقيل للرَّشيدِ: ما يقولُه في السِّجنِ مِن الشِّعرِ أضَرُّ على النَّاسِ مِن الكلامِ الذي بيَّنه، ثُمَّ أخَذ الكلامَ مِن بِشرٍ ببغدادَ أبو موسى بنُ صَبيحٍ، المُلقَّبُ بمُرْدارٍ، فكان المجلِسُ له والكلامُ، وخرَج بَعدَه الجَعفَرانِ: جَعفَرُ بنُ حَربٍ، وجَعفَرُ بنُ مُبشِّرٍ، وخرَج بَعدَ الجَعفَرَينِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ الإسكافيُّ، فوضَعوا مِن الكُتُبِ، وصنَّفوا في الفِقهِ والكلامِ والجِدالِ أكثَرَ مِن أن يُحَدَّ، وردُّوا على جميعِ المُخالِفينَ مِن أهلِ الصَّلاةِ وغَيرِها) [213] ((التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع)) (ص: 38). .
مِن أشهَرِ أتباعِ مَدرَسةِ بغدادَ:
1- بِشرُ بنُ المُعتَمِرِ (ت 210هـ)، وهو مُؤسِّسُها، وكان قَبلَ ذلك مِن مُعتَزِلةِ البَصرةِ.
2- أحمَدُ بنُ أبي دُؤادَ (ت 240هـ).
3- أبو الحُسَينِ الخيَّاطُ (ت 290هـ).
4- أبو القاسِمِ البَلْخيُّ الكلبيُّ (ت 329هـ).
ثُمَّ جاء مُتأخِّرو المُعتَزِلةِ، كعبدِ الجبَّارِ الهَمَذانيِّ (ت 415هـ) وغَيرِه، ولا شكَّ أن هاتَينِ المَدرَستَينِ، ومَن جاء بَعدَهما، كُلُّ ذلك كان له دورٌ في نشرِ مذهَبِ المُعتَزِلةِ، ومنه قولُهم في القَدَرِ والصِّفاتِ وغَيرِها [214] يُنظر: ((التنبيه والرد)) للمَلَطي (ص: 38- 40)، ((مذاهب الإسلاميين)) لعبد الرحمن بدوي (1/44-46)، ((ضحى الإسلام)) لأحمد أمين (3/96)، ((القضاء والقدر)) للمحمود (ص: 191)، وللتوسع: ((معتزلة البصرة وبغداد)) لرشيد الخيون. .
وتُعتبَرُ مدرسةُ البَصرةِ أقرَبَ مدرستَيِ المُعتَزِلةِ إلى أهلِ السُّنَّةِ.
قال ابنُ تيميَّةَ: (بَينَ البَصريِّينَ والبغداديِّينَ منهم مِن النِّزاعِ ما يطولُ ذِكرُه، ‌والبَصريُّونَ ‌أقرَبُ إلى السُّنَّةِ والإثباتِ مِن البغداديِّينَ؛ ولهذا كان البَصريُّونَ يُثبِتونَ كونَ البارِئِ سميعًا بصيرًا معَ كونِه حيًّا عليمًا قديرًا، ويُثبِتونَ له الإرادةَ، ولا يوجِبونَ الأصلَحَ في الدُّنيا، ويُثبِتونَ خَبرَ الواحِدِ والقياسَ، ولا يُؤثِّمونَ المُجتهِدينَ، وغَيرَ ذلك) [215] ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/ 157). .

انظر أيضا: