موسوعة الفرق

الفصلُ الرَّابعُ: الفُرقةُ والاختِلافُ عذابٌ وعُقوبةٌ


إنَّ الفُرقةَ والاختِلافَ عذابٌ وعُقوبةٌ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ للأمَّةِ، أمَّا الاجتِماعُ والائتِلافُ فهو رحمةٌ بالأمَّةِ، ونِعمةٌ مِن اللهِ على عبادِه المُؤمِنينَ.
قال اللهُ سبحانَه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يقولُ: واذكُروا أيُّها المُؤمِنونَ نِعمةَ اللهِ عليكم التي أنعَم بها عليكم حينَ كنْتُم أعداءً، أي: بشِركِكم يقتُلُ بعضُكم بعضًا عصبيَّةً في غَيرِ طاعةِ اللهِ، ولا طاعةِ رسولِه، فألَّف اللهُ بالإسلامِ بَينَ قُلوبِكم، فجعَل بعضَكم لبعضٍ إخوانًا بَعدَ إذ كنْتُم أعداءً، تتواصَلونَ بأُلفةِ الإسلامِ واجتِماعِ كلمتِكم عليه) [115] ((تفسير ابن جرير)) (4/ 22). .
وعن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضِي اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((سألْتُ ربِّي ثلاثًا، فأعطاني ثِنتينِ ومنَعني واحِدةً، سألْتُ ربِّي ألَّا يُهلِكَ أمَّتي بالسَّنةِ فأعطانيها، وسألْتُه ألَّا يُهلِكَ أمَّتي بالغَرقِ فأعطانيها، وسألْتُه ألَّا يجعَلَ بأسَهم بَينَهم فمنَعنيها )) [116] أخرجه مسلم (2890). .
وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِي اللهُ عنهما أنَّه قال: ((لمَّا نزَل على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا[الأنعام: 65] قال: أعوذُ بوَجهِك، أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال: أعوذُ بوَجهِك، فلمَّا نزَلَت: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ قال: هاتانِ أهوَنُ أو أيسَرُ)) [117] أخرجه البخاري (7313). .
قال ابنُ بطَّالٍ: (أجاب اللهُ دُعاءَ نبيِّه في عَدمِ استِئصالِ أمَّتِه بالعذابِ، ولم يُجِبْه في ألَّا يَلبِسَهم شِيعًا، أي: فِرَقًا مُختلِفينَ، وألَّا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ، أي: بالحَربِ والقَتلِ بسببِ ذلك، وإن كان ذلك مِن عذابِ اللهِ، لكنَّه أخَفُّ مِن الاستِئصالِ، وفيه للمُؤمِنينَ كفَّارةٌ) [118] ((شرح صحيح البخاري)) (10/360). .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما في قولِه تعالى: أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا قال: (الأهواءُ والاختِلافُ)، وقال في قولِه: وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ: (يُسلِّطُ بعضَكم على بعضٍ بالقَتلِ والعذابِ) [119] ((تفسير ابن جرير)) (7/142). .

انظر أيضا: