موسوعة الفرق

الفصلُ الثَّاني: بيانُ حالِ أهلِ الفُرقةِ والاختِلافِ


إنَّ الحقَّ أبلَجُ، والباطِلَ لجلَجُ، فالحقُّ هو الحقُّ في كُلِّ زمانٍ وكُلِّ مكانٍ، لا يختلِفُ ولا يتغيَّرُ ولا يتعدَّدُ، بل هو واحِدٌ، وما ذاك إلَّا لوَحدةِ المصدَرِ الذي يُستَقى منه؛ فإنَّه مِن لَدُنْ حكيمٍ خبيرٍ.
لذلك نجِدُ النُّصوصَ حينَ تذكُرُ الصِّراطَ تذكُرُه بصيغةِ الإفرادِ؛ لأنَّه واحِدٌ، كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153] [90] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (8/ 65). .
عن مُجاهِدٍ أنَّه قال في قولِه: وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ، قال: (البِدَعَ والشُّبُهاتِ) [91] رواه ابن جرير في تفسيره (9/670). .
وقال الشَّاطِبيُّ: (الصِّراطُ المُستقيمُ هو سبيلُ اللهِ الذي دعا إليه، وهو السُّنَّةُ، والسُّبُلُ هي سُبُلُ أهلِ الاختِلافِ الحائِدينَ عن الصِّراطِ المُستقيمِ، وهُم أهلُ البِدَعِ، وليس المُرادُ سُبُلَ المعاصي؛ لأنَّ المعاصيَ من حيثُ هي مَعاصٍ لم يَضعْها أحدٌ طريقًا تُسلَكُ دائِمًا على مُضاهاةِ التَّشريعِ، وإنَّما هذا الوَصفُ خاصٌّ بالبِدَعِ المُحدَثاتِ) [92] ((الاعتصام)) (1/80). .
وقد جاء الوعيدُ الشَّديدُ للمُفارِقِ للجماعةِ الخارِجِ عنها.
قال اللهُ سبحانَه وتعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115] .
قال ابنُ كثيرٍ: (قولُه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى أي: ومَن سلَك غَيرَ طريقِ الشَّريعةِ التي جاء بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فصار في شَقٍّ والشَّرعُ في شَقٍّ، وذلك عن عَمدٍ منه بَعدَما ظهَر له الحقُّ، وتبيَّن له واتَّضح له. وقولُه: وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ هذا مُلازِمٌ للصِّفةِ الأولى، ولكنْ قد تكونُ المُخالَفةُ لنصِّ الشَّارِعِ، وقد تكونُ لِما أجمعَت عليه الأمَّةُ المُحمَّديَّةُ، فيما عُلِم اتِّفاقُهم عليه تحقيقًا؛ فإنَّه قد ضُمِنَت لهم العِصمةُ في اجتِماعِهم مِن الخطأِ؛ تشريفًا لهم وتعظيمًا لنبيِّهم) [93] ((تفسير ابن كثير)) (2/ 412). .

انظر أيضا: